ذهب الإسلام إلى المساواة في الحقوق السياسية للمرأة فلها أن تخرج لتشارك الرجال في قتالهم ضد المشركين عُباد الأوثان. وقد خرجت المرأة المسلمة متطوعة إلى جنب الرجل إذ لم تكن ملزمة شرعاً بالجهاد إلاّ إذا اقتضت الضرورة القصوى لذلك. وقد خاضت ميدان الجهاد داخل الجزيرة العربية زمن الرسول في غزواته ضد المشركين، كما شاركت المسلمين في حروبهم الضارية ضد الفرس والروم خارج الجزيرة العربية.
وقد اشتهر من النساء عدد كبير كان لهن سجل حافل في تاريخ البطولة والجهاد القتالي جنباً إلى جنب الرجل.
وإننا سنتناول في بحثنا هذا أعمال فئات ثلاثة منهن ألا وهي:
1_ فئة المتطوعات للخدمات الإنسانية
وهن النساء اللواتي كُنَّ يداوين الجرحى، ويسقين العطشى، وينقلن المصابين إلى خيام الإسعاف لتمريض المصابين والعناية بهم. وقد اشتهر من النساء في مجال التمريض نساء كثيرات نذكر منهن على سبيل المثال:
_ فاطمة بنت الرسول (ص)
_ رُفيدَةَ الأسلمية: وهي أشهر طبيبة زمانها. وقد خصص لها النبي (ص) خيمة قرب مسجد المدينة يوم الخندق ينقل إليها الجرحى.
_ أمية بنت قيس بن أبي الصلت الغفارية: وهي صاحبة أول استحقاق للخدمات الإنسانية في العالم. إذ زاولت مهنة الطب والتمريض منذ أن كانت في السابعة عشرة من عمرها، وقد قلّدها النبي قلادة علّقها بيده الشريفة على عنقها، وقد أوصت أن تدفن معها.
2_ النساء المقاتلات:
وهن اللواتي كُنَّ يرافقن النبي في غزواته داخل الجزيرة، واللواتي شاركن الرجال في قتالهم ضد الفرس والروم خارج الجزيرة. وقد قاتلن قتال الأبطال جهاداً في سبيل الله، وتحت راية "لا إله إلا الله". نذكر منهن:
_ أم عمارة الأنصارية: التي حازت على إعجاب الرسول وتقديره لها إذ كانت تجول وتصول في قلب المعركة تذبّ عنه ضربات المشركين الآتية من الشمال ومن اليمين، حتى كانت له بمثابة الدرع الواقية تدافع عنه في معركة "أُحد" كما لم يدافع الرجال مما جعل رسول الله (ص) يقول فيها: "ما التفت يميناً وشمالاً إلاّ وأنا أراها تقاتل دوني".
_ صفية بنت عبد المطلب: عمة النبي (ص) وأخت حمزة عم الرسول. وقد روت عنها كتب التاريخ حادثة أندت لها جبين الشاعر حسان بن ثابت في غزوة "الخندق" في السنة الخامسة للهجرة.
_ أم سُليم بنت ملحان بن خالد: التي حملت السلاح حيطة وحذراً دفاعاً عن النفس تهاجم به إن هوجمت. وقد شهدت يوم "أُحد".
ومما يدعو إلى العجب العجاب في الأعمال الحربية التي قامت بها النساء المسلمات أنهن ركبن البحر لأول مرة في التاريخ مع رجالهن غازيات في غزوة قبرس الأولى في سنة 28 ه زمن الخليفة "عثمان بن عفان" بقيادة "معاوية بن أبي سفيان" الذي اصطحب معه امرأته "فاختة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل". وقد اشترك في هذه المعركة "عبادة بن الصامت" الذي اصطحب معه امرأته "أم حرام بنت ملحان الأنصارية". وقد روي عنها، أن المسلمين لما انتهوا إلى قبرس، وأرادت أن تخرج من البحر، قُدمت إليه دابة لتركبها، ولكن يد المنون كانت أسرع منهـا إذ صرعتهـا الدابة فاندق عنقها، فماتت ودفنت فـي قبرس، ودعي قبرها بـ "قبر المرأة الصالحة". وكانت أم حرام أول شهيدة غازية في البحر".
3_ النساء الخطيبات المشجعات والمشاركات بالنصوص السياسية:
وهن اللواتي تعاطين السياسة من بابها الكبير، وأسهمن بجهودهن قولاً وفكراً، عملاً وتطبيقاً، فخطبن وحاججن، وقاتلن في صفوف المحاربين ووقعن أسيرات في يد الأعداء فكان لهن مواقف رائعة لا تقل بروعتها عن مواقف الرجال.
فلقد شاركت المرأة بصياغة سياسة الحكومة، وكان لها رأي مسموع وأثر ظاهر في مجرى الأمور السياسية جاراها فيه كثير من الرجال والنساء على حد سواء، نذكر على سبيل المثال مواقف لثلاث سيدات هن:
_ موقف السيدة فاطمة الزهراء من أبي بكر: فقد تنكّرت لبيعة "أبي بكر" واتخذت منه موقفاً سياسياً معيناً طوال حياتها حملت فيه زوجها "علياً" على عدم البيعة "لأبي بكر". وقد انحاز إليهما بنو هاشم، و "أبو سفيان بن حرب"، زعيم بني أمية، "والزبير بن العوام" زعيم قريش.
وإذا كان صوت السيدة فاطمة الزهراء هو أول صوت نسائي انطلق عالياً معارضاً بيعة أبي بكر، فلقد تبعه أصوات نسائية أخرى كانت أكثر ارتفاعاً، وأقوى نبرة، وأعتى أثراً لاسيما بعد أن أطلت الفتنة برأسها الجديد بعد ولاية "عثمان بن عفان" وفشله في حكمه حتى قتل وهو محاصر في بيته صائماً يقرأ القرآن. وبمقتله انقسم المسلمون إلى طائفتين متناحرتين، كان للنساء في ميدان هذا الانقسام دور كبير وأثر عظيم يلفت الأنظار. إذ كان لهن رأي في قرار الحرب والسلم، وفي خطط المعركة، وسير القتال وفي مفاوضات الصلح والهدنة أو القتال! وما هذه الأعمال التي قمن بها بجرأة وإخلاص إلا وظائف سياسية مارسنها ليثبتن دعائم الدولة الإسلامية وسياستها في المحافظة على الكيان الإسلامي وتوسع نظامه وانتشاره. من هؤلاء:
_ موقف السيدة عائشة أم المؤمنين من سياسة "عثمان بن عفان" ثم موقفها من خلافة الإمام "علي بن أبي طالب" ومعركة الجمل.
_ موقف نائلة بنت الفرافصة زوج الخليفة المقتول "عثمان بن عفان" من الإمام "علي بن أبي طالب". وقد كتبت رسالة إلى "معاوية بن أبي سفيان" تثير ثائرته لينتقم لزوجها المقتول لاسيما وقد نالها من المجزرة الرهيبة التي أطاحت بزوجها ما نالها.
هذا، وقد عارض موقف السيدة عائشة من الإمام علي كثير من النساء وفي مقدمتهن أم سلمة زوج الرسول ومعها السيدة حفصة أم المؤمنين، وقد انضم إليهما نساء كثيرات نذكر منهن:
1_ أم الخير بنت الحُرَيْش البارقية وقد حضرت موقعة صفين وخطبت خطاباً على جانب كبير من الأهمية السياسية بعد مقتل ياسر بن عمار.
2_ وعكرشة بنت الأطرش وقد وقفت في موقعة صفين وهي متقلدة حمائل السيف تنادي على أصحابها وتدعوهم للقتال.
3_ الزرفاء بنت عُدي الكوفية: كانت تتقدم المقاتلين وتحرضهم على القتال بأبلغ بيان حتى حفظ الناس أقوالها وخطبها ويرددونها كما يرددون الشعر.
--------------------
المصدر: ( حقوق المرأة بين الشرع الاسلامي والشرعة العالمية لحقوق الانسان )
د. فتنت مسّيكة برّ
نشرت فى 28 يوليو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,789,376