ان القوانين المدنية الوضعية تعتبر حق الملكية في كثير من البلدان من أوسع الحقوق العينية نطاقاً، بل هو جماع هذه الحقوق العينية، وعنه تتفرع جميعاً فمن له حق الملكية على شيء كان له حق استعماله وحق استغلاله وحق التصرف فيه وبذلك يستجمع كل السلطات التي يعطيها القانون للشخص على الشيء، فإذا اقتصر حق الشخص على استعمال الشيء واستغلاله، كان هذا حق انتفاع متفرعاً عن حق الملكية.
كما يعتبر موضوع الملكية بوجه عام في الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من المواضيع المهمة والحيّوية التي نصت عليها أدلة الأحكام الشرعية. وتبدو خطورته أيضاً في أنها تتعلق بمصلحة كل من الفرد والمجتمع معاً حتى أن كثيراً من الحروب والنزاعات بين الأفراد أو المجتمعات يعود سببها إلى موضوع الملك أو التملك.
والملك على قسمين في الإسلام، تام وناقص، والملك التام هو ملكية الرقبة والمنفعة معاً، والملك الناقص ينصب على ملك المنفعة وحدها حيث تكون العين ملك غيره، أو ملك العين لا النفع، كما أن النوع الثاني من الملك على أنواع متعددة.
كما تدق التفرقة بين المال والملك، حيث يقصد بالمال من الناحية اللغوية كل ما ملكته من جميع الأشياء، إذ أن كل ما يقبل الملك فهو مال سواء أكان عيناً أم منفعة، ويراد بالمال في اصطلاح الفقهاء ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة أو هو كل ما يجري فيه البذل والمنع أو هو اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار. بينما يقصد بالملك هو "تمكين الإنسان شرعاً بنفسه أو بنيابة عنه من الانتفاع بالعين، ومتى أخذ العوض، أو تمكنه من الانتفاع خاصة".
وعلى الرغم من سعة ودقة مضمون هذا البحث الذي ينصب على الملكية ووظيفتها الاجتماعية في الشريعة الإسلامية، إلا انه من الممكن بيان أهم الأسس التي تخص الملكية في الإسلام بما يبرز الوجه المشرق لهذه العقيدة والشريعة السمحاء التي استوعبت التطورات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، لا سيما الموقف في الملكية التي تبدو على أربعة أنواع رئيسة. أولها، ما يقتصر على الجماعة وحدها، وثانيها، ما ينحصر تملكه بفرد أو أكثر، وثالثها، الأموال المملوكة للدولة والتي تضاف ملكيتها أو حق التصرف بها عادة إلى ولي الأمر أو من يمثله كالأراضي الموات. أما رابعها فهو ما يخص ملكية الأشياء المعنوية.
الملكية تسقط بعدم الاستعمال.
لم يتفق الفقهاء على رأى موحد في هذه المسألة وتعبت آراؤهم. إلا أن من الممكن حصرها في اتجاهين رئيسين، يتردد بينهما فريق من الفقهاء لم يقطع بالأمر ولم يحدد موقفه.
الاتجاه الأول: يرى فريق من الفقهاء أن الملكية حق لا يمكن سقوطه بعدم الاستعمال لأنه دائم بدوام الشيء المملوك، ولم يرد نص يقضي بزواله بسبب عدم استعماله، وإنما نص على سقوط الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية (الانتفاع الحكر، السكنى) لأنها محددة بفترات زمنية تسقط بعدم استعمالها. ولهذا يكون المالك حراً في استعمال ملكه أو عدم استعماله، ولا يزول حق الملكية مهما طالت مدة عدم الاستعمال. يترتب على ذلك أن دعوى الاستحقاق التي تحمي حق الملكية لا تسقط بالتقادم وإنما يجوز للغير اكتسابها بمرور الزمن المكسب.
الاتجاه الثاني: وذهب فريق آخر إلى القول أن الملكية تسقط بعدم الاستعمال لما تقتضيه مصلحة الجماعة أولاً، ولأن عدم سقوط الملكية بالتقادم لا يرجع إلى جوهر حق الملكية وإنما إلى فكرة اعتنقها المشرع تأثراً منه بالاتجاه الفردي الذي كان يقدس حق الملكية في الماضي. أما وقد سلم بما للملكية من وظيفة اجتماعية تمارس لصالح الهيئة الاجتماعية بتأثير من سيادة النزعة الاجتماعية فلا يوجد ما يمنع المشرع من أن يقرر زوال حق الملكية بعدم الاستعمال تمشياً مع النظرة الجديدة لحق الملكية.
لقد شرع الحق كوسيلة حافزة على العمل المنتج. وفي إهماله أو عدم استعماله أذى للمجتمع يبرر تدخل المشرع الذي يمثله بإصدار تشريع يسقط به الملكية عند عدم استعمالها. وفي تقرير هذا السقوط خير جزاء يفرض على المالك المهمل الذي لم يؤيد وظيفة الملكية الاجتماعية، تطبيقاً للقاعدة القائلة بأن من يقعد عن مزاولة حقه يكون غير جديراً بالتمتع به فيفقده.
ثم أن الملكية تكتسب بالتقادم المسقط والمكسب معاً، لأن القانون لا يقر الملكية إلا لمن يستحقها. وإذا كانت الملكية عملاً أو يجب أن تكون عملاً فلا مانع من إسقاط حق المالك الذي لا يقوم باستثمار ملكه. لأنه، إذا جاز له أن يفوّت على نفسه خيرات حقه، فلا يحق له أن يفوق على الجماعة خيرات هذا الحق.
---------------------------
المصدر : المدخل إلى علم القانون
المصدر: د. خالد الزعبي / د. منذر الفضل
نشرت فى 27 يوليو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,762,099