الحمد لله تعالى حمد المحبين له والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى طب القلوب وضيائها وعافية الأبدان وشفائها . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو يحب المتقين , و أشهد أن محمدا عبده ورسوله خير المحبين ... أما بعد


• يا أيها الحب الذى جعل الفؤاد بحب ربى يرتوى , أوصل بنورك قلوبا ترتجى حب الإله , فياهذا الحنين المتجدد والشوق المستمر من لم يذقك ماعرف أي مرتبه تسمو الى هذه المرتبه طوبى لمن رزق بك .

 

 ويا أيها المحب الذي انار حب الله لك افاق السماء فامطرت عليك سحب الأشجان وصحبتك العبرات وزفرات المشتاق , و ارتضيت بحبك لله منهجا وشرعة أنت في واد والناس في واد ,  فلا عيش الا عيش المحبين لأن هممهم لاترضى بالدون ولاحب عندهم الا للحبيب الاول . فالحب مصدره الأول هو الله تعالى فقد خلقك بحب وعاملك بحب واعطاك الجزاء بحب .


• فمحبة الله عزوجل هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون واليها شمر المشمرون وعليها تفانى المحبون وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلاام واحزان .

 

.. إعلم أخى فى الله ، من قرت عينه بالله سبحانه قرت به كل عين وأنس به كل مستوحش وطاب به كل خبيث وفرح به كل حزين وأمن به كل خائف وشهد به كل غائب وذكرت رؤيته بالله ومن اشتاق إلى الله اشتاقت إليه جميع الأشياء , ومن نصح لنفسه كل النصح , جعل لحظات عمره وتردد أنفاسه ونبض قلبه وقفا لله فهي غاية الغايات واعلى المنزلات , فالحياة الطيبة فى القرب من الله عز وجل .

وما أدراك ما الحب ؟ .

الحب معنًى من أوسع المعاني ، فهو أكبر من أن يحصر في حيز علاقة بين مخلوق ومخلوق، إنه كالنهر الذي تستمد منه القنوات ماءها ثم قد تتشعب كل قناة بدروها فيشمل الحب حب الإنسان لنفسه ، ويتفرع من ذلك حب الوجود وحب كمال الوجود.

ومن حب الوجود يخرج حب البقاء في الدنيا ثم حب الخلود في الجنة في الآخرة ومن حب كمال الوجود ينشأ حب النساء والأبناء والمال والجاه. وهكذا الحال في أنواع الحب الأخرى .

فحب الإنسان لغيره يشمل حب الدين والوطن والآباء والعشيرة والإخوان والأمة بجميع أعضائها المؤمنين وأعلاهم الأنبياء وأشرفهم محمد صلى الله عليه وسلم وهذا كله حب لهم لا لذاتهم بل لأجل حب الله عزوجل وهو الذي يُحبّ لذاته سبحانه .

قال ابن القيم في الدواء الكافي :   هناك أنواع من المحبة :

أحدها : محبة الله ولا تكفي وحدها في النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه فإن المشركين وعبّاد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله .

الثاني : محبة ما يحبه الله وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر.

الثالث: الحب لله وفيه وهي من لوازم محبة ما يحبه الله.

الرابع : المحبة مع الله وهي المحبة الشركية وكل من أحب شيئاً مع الله لا لله ولا من أجله ولا فيه فقد اتخذه نِداً من دون الله وهي محبة المشركين .

وبقي قسم خامس وهو المحبة الطبيعية وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه كمحبة العطشان للماء والجائع للطعام ومحبة النوم والزوجة والولد فتلك لا تذم إلا إذا ألهت عن ذكر الله وشغلت عن محبته

  .

معنى الحـب وأصل اشتقاقه .

قيل : إن المحبة أصلها من : الصَّفاء ، ذلك أن العرب تقول في صفاء بياض الأسنان ونضارتها: ( حَبَبُ الأسنان)

 وقيل : إنها مأخوذة من الحُباب . وهو الذي يعلو الماء عند المطر الشديد. فكأنَّ غليان القلب وثوراته عند الاضطرام والاهتياج إلى لقاء المحبوب يُشبه ذلك.

وقيل : مشتقة من الثبات والالتزام ، ومنه : أَحَبَّ البعير، إذا برك فلم يقُمْ، لأن المحبَّ لزم قلبه محبوبه.

 

قالوا فى حب الله . 

قال الجنيد في حب الله وقيل هو من اجمع ماقيل : جرت مسألة المحبة في مكه أيام المواسم – فتكلم فيها الشيوخ وكان الجنيد أصغرهم سناً , فقالوا هات ماعندك ياعراقي . فاطرق رأسه ، ودمعت عيناه ثم قال (( عبد ذاهب عن نفسه متصل بذكر ربه ثم قائم بأداء حقوقه ناظر إليه بقلبه أحرقت قلبه أنوار هيبته وصفا شربه من كاس وده وانكشف له الجبار من استار غيبته فان تكلم فبالله وان نطق فعن الله وان تحرك فبأمر الله وان سكت فمع الله فهو بالله ولله ومع الله) فبكى الشيوخ وقالوا ماعلى هذا مزيد جزاك الله خير ياتاج العارفين .

 

قال ابن القيم "  ليس المستغرب أننا نحب الله تبارك وتعالى , ليس بمستغرب أن الفقير يحب الغني وأن الذليل يحب العزيز , فالنفس مجبولة على حب من أنعم عليها وتفضل عليها بالنعم , لكن العجيب من ملك يحب رعيته ويحب عباده ويتفضل عليهم بسائر النعم .

وقال "إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة» .

 

قال ابن رجب رحمه الله: ومحبة الله سبحانه وهي أن يحب الله محبة توجب له محبة ما فرضه الله عليه وبغض ما حرمه عليه ومحبة رسوله المبلغ عنه أمره ونهيه وتقديم محبته على النفوس والأهلين .

 

• تالله لقد ذهب أهل الحب بشرف الدنيا والآخرة.إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب . وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة : أن المرء مع من أحب . فيالها من نعمة على المحبين سابغة، تالله لقد سبقوا القوم السعادة وهم على ظهور الفرش نائمون، وتقدموا الركب بمراحل وهم سيرهم واقفون , (( مساكين أهل الدنيا ، خرجوا من الدنيا وماذاقو أطيب مافيها , محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته ))  . [1]


معا فى حب الله . 

هل تعلم ماذا يحد ث عندما تنال حب الله ؟؟ ... إن مما يتمناه كل مؤمن في هذه الدنيا التيقن من حب الله عز وجل ، فتجده في كل مواقف حياته يتلمس هذا الحب ويبحث عنه ، فإذا وقع في أمرٍ ما تدبّره وحاول الوقوف على خفاياه باحثاً دون ملل عن أثر حب الله له ، فإذا أصابته مصيبة صبر لله تعالى واستشعر لطف الله عز وجل فيها حيث كان يمكن أن يأتي وقعها أشد مما أتت عليه ، وإذا أصابته منحة خير وعطاء شكر الله سبحانه وتعالى خائفاً من أن يكون هذا العطاء استدراجاً منه عز وجل ، فقديماً قيل : " كل منحة وافقت هواك فهي محنة وكل محنة خالفت هواك فهي منحة ".


لهذا فإن المؤمن في حال من الترقب والمحاسبة لا تكاد تفارقه في نهاره وليله، ففيما يظن الكافر أن عطاء الله إنما هو دليل محبة وتكريم ، يؤمن المسلم أن لا علاقة للمنع والعطاء بالحب والبغض لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولا يعطي الدين إلا من يحب " رواه الترمذي .


بل إن حب الله لا يُستجلب إلا بمتابعة منهجه الذي ورد ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فإن اتباع هذا المنهج هو الذي يوصل إلى محبته تعالى : "لأن حقيقة المحبة لا تتم إلا بموالاة المحبوب ، وهي موافقته في ما يُحب ويُبغض ما يبغض ، والله يحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان " طب القلوب، ابن تيمية ، ص183.


والوصول إلى محبة الله عز وجل يستوجب أيضاً أن يترافق حب العبد لله مع حبه لرسوله عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى : " قل إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله " آل عمران ، 31.

 

ذكر ابن القيم رحمه الله أن الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده ومحبة العبد لربه عشرة:


أحدها: قراءة القرآن بالتدبر لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض كما في الحديث القدسي «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» رواه البخاري.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر هذا.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.

السابع: وهو أعجبها انكسار القلب بين يديه.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي آخر الليل وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .

فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب اهـ من مدارج السالكين 3/ 17، 18.


أيها الباحث عن حب الأله فهذه النفحات والتى طالما إلتزمت بها أحبك الله ورزقت حب الله , والتى بها تتعرف على عظمة الخالق سبحانه وأن محبته قمة السعادة والقربى , أيها المحب إقرأ كتابات وأحوال المحبين لله , وتأمل ماهم فيه من خير ونعيم , وتعرف على الأسباب الجالبة لمحبة الله واعمل بها على الفور , واعلم أن كمال عبوديتك لله هي دليل صدقك مع الله ومحبتك له وشوقك للقائه .

 

- تعرف على نعم الله على عباده، التي لا تعد ولا تحصى " وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا " وقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها، والحب على النعم من جملة شكر المنعم، ولهذا يقال: إن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح .

- تعرف على الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله فمن عرف الله أحبه ومن أحب الله أطاعه ومن أطاع الله أكرمه ومن أكرمه الله أسكنه في جواره ومن أسكنه في جواره فطوبى له.


- ومن أعظم أسباب المعرفة الخاصة , التفكر في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء وفي القرآن شيء كثير من التذكير بآيات الله الدالة على عظمته وقدرته وجلاله وكماله وكبريائه ورأفته ورحمته وبطشه وقهره وانتقامه إلى  غير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فكلما قويت معرفة العبد بالله قويت محبته له ومحبته لطاعته وحصلت له لذة العبادة من الصلاة والذكر وغيرهما على قدر ذلك.


- ومن أعظم ما تستجلب به المحبة كثرة ذكر الله تعالى فمن أحب شيئا أكثر من ذكره وبذكر الله تطمئن القلوب، ومن علامة المحبة لله دوام الذكر بالقلب واللسان. فداوم على ذكرالله فى كل حال  باللسان والقلب والعقل ، فنصيبه من المحبه على قدر نصيبه من الذكر  . فمن أحب أحد وكثر كلامه عنه إمتلأ القلب بحبه .


- ومن أسباب محبة الله لعبده , كثرة تلاوة القرآن الكريم بالتدبر والتفكر ولا سيما الآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته وأفعاله الباهرة ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله ومحبة الله له. فمن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن ومن أراد أن يكلم الله فليدخل فى الصلاه .

** عبودية الحب .
العبودية هى مرتبة عظيمة من مراتب الحب , قال ابن القيم رحمه الله : (( حقيقة العبودية : الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب )) .


ولتعلم أن سر العبودية وغايتها وحكمتها : إنما يطلع عليها من عرف صفات الرب عزوجل ولم يعطلها انما خلق الله الخلق لعبادته الجامعة بكمال محبته مع الانقياد والخضوع له .

 
أصل العبادة : محبة الله ، بل إفراده بالمحبه ، وأن يكون الحب كله لله ، فلايحب معه سواه وإنما يحب لأجله وفيه ، كما يحب أنبياؤه ورسله وملائكته وأولياؤه ، فمحبتنا لهم من تمام محبته وليست محبه كمحبة من يتخذ من دون الله أنداد يحبونهم كحبه

 

·      علامات حب الله للعبد .

وأي شرف أعظم وأي مرتبة أسمى من أن يكون العبد محبوبا لله عز وجل فمحبته لا تساميها محبة المخلوقين ولا تساويها محبة أحد ولو كان شريفا وإن كان العبد ليفرح بمحبة من كان له جاه وفضل في الناس من أمير وغني فكيف بمحبة الخالق المنعم المتفضل الذي أعزهم ورفعهم في الدنيا.


فهناك علامات تدل على محبة الله لعبده وهي أعمال وعبادات دلت النصوص على فضلها واتصاف فاعلها بمحبة الله .


(1) أن يوضع له القبول فى الأرض .

أن يحوز محبة الصالحين ويكسب مودتهم كما جاء في صحيح البخاري: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض).

(2) أن يبتلى على قدر الحب .
ومن العلامات الخفية لحب الله للعبد التي لا يفطن لها الناس إبتلائه للعبد في ماله ونفسه وأهله كما أخبر الرسول بذلك في قوله: ( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، و إن الله إذا أحب قوماً إبتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، و من سخط فله السخط  ). ومع ذلك فإن من ضعقت بصيرته وقل إيمانه يسيئ الظن حال المصيبة ولا يشاهد منحة الله في هذه المحنة , فيبتلى المرء على قدر دينه , وأكثر الناس إبتلاءا هم الأنبياء والمرسلين والصالحين ثم الأمثل فالأمثل .[1]


(3) أن يستعمل فى الخير .

فالله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدا إستعمله فى الخير , بتقوى الله والتزام طاعته وذكره والإحسان إلى خلقه والتعلق بالآخرة والزهد بالدنيا والورع عن محارم الله والتوبة في الإساءة. فإذا كنت ملتزما بهذه الصفات أو بعضها فاعلم أن الله يحبك على حسب إخلاصك وإحسان عملك وثباتك على الحق .

 
وليس كثرة المال والغنى دليلا على محبة الله لمن ملكها فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولو كانت تساوي عنده شربة ماء ما سقى منها كافرا قط وقد منع الدنيا عن خليله وصفيه أشرف مخلوق محمد صلى الله عليه وسلم وآثر له الفقر والجوع فلا تحزن على فقدها وفراقها.

- ومن ذلك اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رجيم).

- ومن ذلك المواظبة على أداء الفرائض والنوافل كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه). راه البخاري.

- ومن ذلك محبة المؤمنين وصحبتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس). وقال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (حقت محبتي للمتحابين في). رواه أحمد.

-  ومن ذلك التقوى قال تعالى: (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ). ومن ذلك الصبر عند المصيبة كما قال تعالى: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ). ومن ذلك الإحسان إلى الخلق كما قال تعالى: ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ). ومن ذلك التوبة والتطهر من الأحداث الحسية والمعنوية. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

ومما يستدل به على غفلة العبد وبعده عن الله أن تبسط له الدنيا وتتتابع عليه الخيرات وهو مقيم على المعاصي معرض عن ابتاع الحق كحال الكفار الذين عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. كما روي في مسند أحمد: ( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب ، فإنما هو استدراج " ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ).


واعلم أنه كم من عبد مرفوع ومعظم في الدنيا لكنه وضيع ومخذول في الآخرة وكم من عبد وضيع بائس لا يؤبه له في الدنيا لكنه شريف وعظيم في الآخرة فلا تغتر بالأموال والمراتب والمناصب فإنها زائلة عما قريب " فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور " .

وصف سبحانه المحبين له بخمسة أوصاف.


أحدها: الذلة على المؤمنين: والمراد بها لين الجانب والرأفة والرحمة للمؤمنين وخفض الجناح لهم كما قال تعالى: }وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{ [الشعراء: 215] ووصف أصحابه بمثل ذلك في قوله }مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ{ [الفتح: 29] وهذا يرجع إلى أن المحبين لله يحبون أحبابه ويعودون عليهم بالعطف والرحمة.


الثاني: العزة على الكافرين، والمراد بها الشدة والغلظة عليهم كما قال تعالى: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ{ [التحريم: 9] وهذا يرجع إلى أن المحبين له يبغضون أعداءه، وذلك من لوازم المحبة الصادقة.


الثالث: الجهاد في سبيل الله وهو مجاهدة أعدائه بالنفس واليد والمال واللسان وذلك أيضا من تمام معاداة أعداء الله الذي تستلزمه المحبة.


الرابع: أنهم لا يخافون لومة لائم والمراد أنهم يجتهدون فيما يرضى به من الأعمال، ولا يبالون في لومة من لامهم في شيء إذا كان فيه رضي ربهم، وهذا من علامات المحبة الصادقة أن المحب يشتغل بما يرضى به حبيبه ومولاه ويستوي عنده من حمده في ذلك أو لامه.
الخامس: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطاعته واتباعه في أمره ونهيه وقد قرن الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله: }أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ{ [التوبة: 24] والمراد: أن الله لا يوصل إليه  إلا عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعه وطاعته.

قال ابن رجب: ومحبة الرسول على درجتين؛ إحداهما فرض وهي المحبة التي تقتضي قبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله وتلقيه بالمحبة والرضا والتعظيم والتسليم وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية ثم حسن الاتباع له فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به من الواجبات والانتهاء عما نهى عنه من المحرمات ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه بحسب القدرة فهذا القدر لا بد منه ولا يتم الإيمان بدونه.


والدرجة الثانية: فضل وهي المحبة التي تقتضي حسن التأسي به وتحقيق الاقتداء بسنته في أخلاقه وآدابه ونوافله وتطوعاته وأكله وشربه ولباسه وحسن معاشرته لأزواجه وغير ذلك من آدابه الكاملة وأخلاقه الطاهرة والراقية والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه واهتزاز القلب عند ذكره وكثرة الصلاة والسلام عليه لما سكن في القلب من محبته وتعظيمه وتوقيره ومحبة استماع كلامه وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين، ومن أعظم ذلك الاقتداء به في زهده في الدنيا الفانية والاجتزاء باليسير منها والرغبة في الآخرة الباقية، اهـ من كتاب استنشاق نسيم الأنس.

 


[1] خالد بن سعود البليهد , كيف يعرف العبد ان الله يحبه ,وماذا يفعل ليتقرب الى الله. , صيد الفوائد


[1] د/سيد العفاني , موارد الظمان في محبة الرحمن ..

المصدر: أحمد الكردى ,,, من كتاب ؛ معا فى حب الله .
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 140/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 1582 مشاهدة
نشرت فى 23 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,779,794

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters