الثقافة الجنسية كأي ثقافة أخرى علينا أن نحرّكها ولكن بالأساليب العلمية سواء بالكتاب أو المنهج المدرسي، أو الحوار البيتي، أو الحوار العام.
إنها شيء يتصل بالإنسان في جسده، وفي ممارسته لغرائزه، فمن الطبيعي أن يعرف كلّ ذلك، وانّ ما نعيشه من المحرمات الإجتماعية حول هذا الموضوع، انما هو بفعل التقاليد والتراكمات التاريخية، ولذا فإن مواجهة التقاليد تعني أن نخترقها بالحكمة حتى لا تخلق لنا سلبيات أكثر مما نريد أن نتفاداه من السلبيات.


* إن الإسلام فتح للمسلمين جميعاً أبواب الثقافة الجنسية من خلال المفردات القرآنية التي تتحدث عن العلاقة الجنسية بما يشبه الصراحة، حتى أن التعبير القرآني الذي هو تعبير لغوي عن الزواج يوحي بالمعنى الجنسي أكثر من ايحائه بمعنى العقد وهو كلمة (النكاح).
وإذا أردنا أن ندرس السنّة الشريفة فاننا نجد أن هناك أحاديث عن المسائل الجنسية سواء ما يتعلق بعلاقة الرجل بامرأته في مستحباتها وأحكامها والأجواء المحيطة بها. حتى أن هناك تصريحاً في أكثر من حديث بالأعضاء الجنسية بشكل طبيعي لا يشعر فيه الإنسان أن مجتمع الرسالة كان يرى في ذلك شيئاً منافياً للأخلاق.


وربما نجد بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي يدور فيها حوار بين النبي (ص) وبين من جاء يقرّ بالزنا على نفسه، فنلاحظ أن السؤال الأخير الذي وجّه للزاني يتمحور حول العملية الجنسية بلفظ قد يخجل الناس الآن من التصريح به.
وهكذا نجد الحديث عن ذلك في المسائل التي تتصل بالمرأة من حيث الحيض والإستحاضة والنفاس، والمسائل التي تتصل بالرجل من حيث الجنابة وغيرها.
وعندما ندرس كتب الفقهاء والأبواب الفقهية التي لها علاقة بالجنس، نجد أن هناك حديثاً صريحاً واضحاً في خصوصيات المسألة الجنسية سواء في الأعضاء الجنسية أو العمل الجنسي، أو في بعض الأوضاع المتصلة بهذا العمل.


وهكذا نجد أن العلماء السابقين يتحدثون في كتبهم عن الجنس فيما ينقل من نوادر ونكت ومِلح وما إلى ذلك حديثاٌ قد يعتبره المجتمع الآن حديثاً غير أخلاقي، كما نجد في بعض الكتب القديمة التي ألفها علماء أطهار زهّاد تشمل على بعض الأبواب التي تتحدث عن الكيفيات غير العادية وغير المألوفة في العملية الجنسية، على أساس أنهم يفكّرون أن كتابة مثل هذه قد تجعل الأزواج يتثقفون ثقافة جنسية يستطيعون من خلالها تلبية رغباتهم ورغبات زوجاتهم الطبيعية بحيث لا يحتاجون إلى تلبية تلك الرغبات خارج نطاق الحياة الزوجية.
ومن هنا نستطيع أن نؤكد بأن الإسلام يتبنى الثقافة الجنسية من خلال إرتباطها بالأحكام الشرعية المستحبة أو الواجبة أو المحرّمة التي تتصل بهذا الجانب من حياة الإنسان، لكننا عندما ندرس هذه القضية فإننا نركز عليها من ناحية المبدأ لنؤكد بأنها ليست في دائرة التحريم بل في دائرة التحليل.


ولكن تطور الأوضاع الثقافية والإجتماعية قد يخلق بعض السلبيات في الثقافة الجنسية أو في لون معيّن من ألوانها، لاسيما إذا كانت الأجواء المحيطة بحركة الثقافة في وعي الشاب أو الطفل تؤدي إلى نتائج سلبية على إعتبار أنها تثير التجربة غير الواعية لدى الطفل أو الشاب بالدرجة التي ينحرف فيها عن الخط الإسلامي.
وعلى هذا الأساس، فلابد من دراسة المسألة بالكثير من الدقة والحذر لمعرفة الأجواء التي تحيط بهذه الدراسة من حيث دراسة شخصية الإنسان التي تستهدفها، أو الأجواء التي تتحرك في حياته.
إن ما أريد أن أؤكد عليه هو إن التطور المعاصر ليس هو الذي بدأ الثقافة الجنسية، بل ان الإسلام سبق العصر بكل المفردات التي تحدثنا عنها.


أما مسألة تثقيف الجيل الطالع في هذا الإتجاه، فلابد من التخطيط لذلك، من حيث طبيعة الأساليب والمفردات والأجواء بحيث يغلب الطابع العلمي على المنهج الثقافي بعيداً عن كل عناصر الإثارة، وذلك من خلال التأكيد للطفل أو الشاب بأن أعضاءه الجنسية ليست شيئاً غريباً عن حياته، بل هي شيء طبيعي جداً لا يبعث على الغرابة أو العار أو العيب أو ما شاكل ذلك، ولكنّ هناك أحكاماً شرعية اقتضت سترها وتحريكها في دائرة معينة وكما يريد الله ان يحركها فيها، تماماً كما تحدثه عن أعضائه الأخرى التي تحدثه أيضاً عن المحرمات فيها بأن لا يأكل هذا ولا ينظر إلى هذا..
إلا أن المسألة تحتاج قبل هذا إلى جو ملائم، وعلينا أن نخطط لايجاد هذا الجو لأن كثيراً من الأوضاع الإجتماعية قد تعتبر هذا عملاً أو ثقافة غير أخلاقية، فإذا استطعنا أن نخطط لذلك فإننا نتمكن من توجيه الجيل الناشىء إلى الثقافة الجنسية بطريقة علمية موضوعية حتى في مسألة الولادة، ومن أين يأتي الجنين، فلا بد لنا أن نصارحهم بذلك ولكن بطريقة تخطط لمراحل التوعية في هذا المجال.


ان طبيعة هذه الأمور قد تغري بعض الأطفال بالتجربة، كما لاحظنا أن بعض الأطفال عندما يشاهدون بعض الأفلام في التلفزيون فإنهم يبادرون إلى تطبيقها عملياً وقد يسيئون ذلك، وهكذا نجد ان البعض ممن يقرأ القصص الجنسية أو يشاهد الأفلام الجنسية فقد ينطلق بفعل الإثارة لكي يعيش هذه التجربة بشكل منحرف، في الوقت الذي تكون الأجواء الداخلية في نفسه والخارجية فيما حوله مثيرة بحيث تدفعه إلى الإنفتاح على التجربة عندما يتثقف بها، ولكنني في الوقت نفسه أؤكد على ان الأوضاع الإعلامية التي يتحرك فيها الواقع، والتي دخلت كل بيت من خلال التلفزيون أو الصحافة، أو الأوضاع الواقعية والأجواء التي يشاهدها الشاب أو الطفل على البحر أو غيره، أصبحت تعطي الإنسان ثقافة جنسية بحيث يتفوق فيها على أبيه وأمه من حيث كثرة المفردات التي يمتلكها.
وهناك طرفة عن بعض النساء اللواتي كنَّ يحاورن بعضهن، فقد قالت امرأة إلى أخرى: إن ابنتي قد وصلت إلى سن البلوغ، فكيف أتحدث معها في هذه المسائل التي تتصل بالبلوغ والجنس، فأجابت الأخرى بأن توحين إليها بانك تعرفين ما تعرف هي، لأنها قد تعرفت أكثر مما تعرفين!


فمسألة الثقافة الجنسية قد تكون حاجة ملحة في الواقع المعاصر لأنها تقدم للشباب والشابات بطريقة الأفلام والكتب الرخيصة من دون أية ضوابط أو حدود، فقد يكون من الضروري للعاملين في خط التوعية الإسلامية ضمن تخطيط معين حتى ينقذوا الجيل من الثقافة الجنسية المنحرفة.

 أن المشكلة التي يواجهها معظم الشباب والفتيات في مرحلة المراهقة عند محاولة التثقيف الجنسي، تكمن في المصادر التي يستقي منها هؤلاء معلوماتهم.
ومن المؤسف أن الغالبية العظمى لهذه المصادر تعود إلى ما يهدر المعنى والمفهوم الحقيقي للثقافة الجنسية، حيث تعرض القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية عروضاً غير لائقة، بل انها تشكل مصدراً غير واضح لنقل فكرة وأهمية الثقافة الجنسية بمفهومها الطبيعي للطرفين.
إن بشاعة ما ينقل عبر تلك الشبكات يشكل خطورة على نفسية النشء خاصة عند البدايات, إن المراهق والمراهقة لا يكاد أحدهم يتذكر سوى القليل عما قد عرض له في درس الأحياء في أثناء دراسته بالمرحلة الثانوية وفيما عدا ذلك نجدهم يبحثون عن حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة من حيث جميع جوانبها الأنسانية.
ولكنهم قد لا يتجهون نحو المصدر السليم الذي يحمي أفكارهم من المغالطات, أننا نناشد الجنسين"الذكور والإناث" بانتقاء المصادر التي يتلقون منها ما يهمهم حيال هذا الموضوع المهم مثل الكتب الجديدة والقنوات التعليمية، وكذلك القيام بسؤال الوالدين أو المعلم والمعلمة بالمدرسة عن استفساراتهم، وعدم اللجوء إلى العروض الرخيصة التي تضر ولا تنفع.


والحقيقة فإن واقع الأمر قد رصد بعض التغيرات على سلوكيات الفرد من فئة الشباب بعدما ارتبط بالزواج من فتاة قد تم اختياره الفعلي لشخصها، واتضح من خلال بعض الحالات أنه ليس بشرط أن يقتنع بعد إتمام الزواج لطبيعة العلاقة الزوجية التي تمت بطريقة طبيعية وشرعية ، بل انه قد يتغلب عليه شيطانه وتسول له نفسه بأن ينتهج منهجاً مبتذلاً غير مقبول من قبل الزوجة، كأن يفاجئها ببعض الطلبات التي تعتبر الزوجة أن قبولها أو القيام بتنفيذها من بالغ المستحيلات. ولنعلم أن ما قد تشبعت به نفسيته من المناظر والمشاهد غير المشروعة في ديننا الإسلامي الحنيف تشكل خطراً حقيقياً على استمرارية معاشرته لزوجته، خاصة في أثناء ما يسمى" بشهر العسل" أو في أثناء مروره بمرحلة "سنة أولى زواج".
لذا كان للثقافة الجنسية المعتمدة على الثقافة الدينية كبير الأثر في حدوث الانسجام العاطفي والدفء الأسري بين الطرفين. إن الدين الاسلامي الحنيف قد وضع ضوابط فطرية تضمن للطرفين - الذكر والأنثى – حقاً راقياً في الممارسات الحياتية وخاصة الجنسية لتكفل حق الطرفين في التكليف مع آداب العلاقة الجنسية، تلك المهمة الحساسة التي ينبغي إدراك حجمها الفعلي في إنجاح أو فشل الحياة الزوجية.
وهناك حقيقة واقعية تكمن في عدم مقدرة الأنسان على الارتباط العشوائي بالطرف الآخر، فلابد من توفر عنصر "التوافق الروحي" أو "الانسجام الروحي" بين الذكر والانثى، وحتى قبل التفكير في المستوى الثقافي والاجتماعي للطرف الآخر.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 131/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 1915 مشاهدة
نشرت فى 16 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,777,853

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters