الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعلن سله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصاروالأفئدة قليلاً ما تشكرون ، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ؛ خلق فسوّى، وقدّر فهدى .
إن بناء المجتمعات القوية يعتمد على بناء الإنسان الذي يعتبر القاعدة الرئيسة والدعامة الأساسية لبناء الدول، فكلما كانت النسبة العظمى من السكان قوية ومؤثرة في جميع مقومات الحياة، كانت الدولة كذلك. و صحة المواطن هي أغلى ما تملكه هذه المجتمعات، وهي ثروة يجب الحفاظ عليها وصيانتها.
و حيث أن الإنسان هو هدف التنمية كما أنه وسيلتها، والصحة هي أول متطلباته وأهم مقومات حياته، من هنا جاءت أهمية تسخير أولويات التنمية من الموارد والتخطيط والتطوير لبناء هذا الإنسان من جميع جوانبه .
من جهة أخرى فإن هذا الإنسان هو الوسيلة الأولى لعمليات التنمية ذاتها، وهو الذي يعتمد عليه بعد الله – تعالى – في نجاح هذه العمليات واستمرارها، حيث أن الإنسان المريض لا يمكن أن يعمل أو يخطط أو أن يفكر في خدمة مجتمعه حتى يشفى وتحل مشكلاته الصحية.
و بناءا على البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، فإن مؤشر التنمية البشرية في أي بلد في العالم يقاس بدخل المادي،وبمستوى التعليم و الحالة الصحية لمواطنيه، لأن هناك ترابط بين الوضع الصحي والفقر.من هنا كان الاهتمام العالمي بالرعاية الصحية و العمل على تقديم أحسن الخدمات وأفضلها و السعي لتطوير مؤسسات الرعاية الصحية وتزويدها في مجال التقنية الطبية والخبرات العلمية بكل ما هو جديد ، والإنفـاق بسخاء على التعليم الطبي مع دعـم الأبحاث والدراسـات فـي شتـى مجـالات الطـب وصحة البيئة، إيماناً بأهمية الصحة كخطوة أولى هامة في بناء المواطن القادر على الإسهام في خدمة مجتمعه ووطنه في كافة المجالات، كل بحسب طاقته ووفق قدراته.
لكن، رغم الإيمان بأهمية الخدمات الصحية وأولويتها إلا أن كثيراً من دول العالم ( الفقيرة والغنية منها) باتت تعاني من مشكلة تزايد الطلب على الخدمات الصحية و ذلك لازدياد الكثافة السكانية و ارتفاع في معدل الإصابة بالأمراض ذات الكلفة العالية أو التي تتطلب معالجة دائمة ، بالإضافة إلى الزيادة العالمية في أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية .
في ظل المشكلات السابقة، إضافة إلى وجود أزمة في تمويل هذه الخدمات، بات هناك قصور شديد في تقديم الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية المثلى للمواطنين. فبدأت الحكومات البحث لإيجاد مصادر بديلة للتمويل تكون عوناً لها في تحمل تكلفة الإنفاق على هذا القطاع الحيوي الهام وتلبية احتياجاته الضرورية والملحّة.
بعض الحلول التي طرحت من قبل المهتمين بقضايا الصحة لمواجهة أزمة قصور موارد مؤسسات الرعاية الصحية وتدني خدماتها:
1- فرض رسوم على المستفيدين من الخدمات الصحية
يمكن تحصيلها بعدة طرق منها، إصدار بطاقات صحية مقابل مبلغ يدفعه المستفيد ووضع رسوم خاصة على المستندات مثل شهادة الميلاد وغير ذلك من الرسوم.
لكن من الممكن أن يكون في هذا إضرار بشريحة محدودي الدخل والتي تمثل النسبة العظمى من رواد هذه المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.
2- تطبيق نظام التأمين الصحي
حيث يتم إصدار بطاقة تأمين مقابل قسط سنوي تضمن لحاملها الخدمات الطبية المتفق عليها وتكلفة العلاج.
أما سلبيات هذا النظام فهو الاستمرار في استخدام الخدمات الصحية والزيادة في الجهود الإدارية للرعاية الصحية مع التركيز على الخدمات العلاجية دون الوقائية منها.
و كذلك احتمالية عدم المساواة والعدالة في توزيع الخدمة لعزوف شركات التأمين عن تغطية الشرائح الفقيرة الأكثر عرضة للمرض والمخاطر.
3- تفعيل دور المسئولية الاجتماعية للقطاعين الخاص و الخيري
تتكون المجتمعات من مجموعة من المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية كل منها تخدم في جانبها التخصصي. والمتتبع للشأن الاجتماعي عبر التاريخ الإسلامي والموروثات الثقافية، يجد أن المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع السعودي بشكل خاص يحمل الكثير من القواعد والتنظيمات والتوجيهات والمبادئ والممارسات للمسؤولية الاجتماعية تجاه أفراده،سواء كفرض مثل الزكاة أو كتطوع مثل التبرعات و الأوقاف.
إن الأعمال الاجتماعية بمعانيها المختلفة و التي تكون في مجملها مسؤولية فردية واجتماعية وجماعية، تعكس الترابط الاجتماعي و العمل التكافلي . كل هذه العمليات المتميزة تندرج تحت مفهوم تنمية المسؤولية الاجتماعية.
لكن ماذا يعني مصطلح المسؤولية المجتمعية (Social Responsibility ) ؟
إن أعظم تعريف لهذا المصطلح نجده في كتاب الله العزيز حين قال عز من قائل " و تعاونوا على البر و التقوى "
و في حديث نبيه محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه و سلم ) " المؤمن للمؤمن كالبنيان ..........."" كلكم راع و كلكم مسئول عن رعيته ......... "
أي أن المسئولية الاجتماعية منتج ديني في أصله و اجتماعي في ممارساته عبر العصور والدهور.
و هذه المسئولية تعني التفاعل المتبادل بين المجتمع بأفراده وحاجاته وتراثه وأنظمته وثقافته من جهة، والمؤسسات التي تريد الإسهام في تنميته، ( سواء كانت حكومية ، خاصة أو خيرية )، بما يتناسب مع حجمها و قدرتها و إمكاناتها، وذلك من خلال توفير الخدمات المتنوعة لمصلحة المجتمع بجميع فئاته الاجتماعية المختلفة.
و قد أعلن الفيلسوف الاقتصادي الكبير " أدم سميث" في القرن الثامن عشر الميلادي ، أن احتياجات ورغبات المجتمع سوف تتحقق على أفضل وجه بفضل التعاون بين المنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمجتمع.
دور القطاع الخاص في المسؤولية المجتمعية:-
و لقد أصبحت الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من متطلبات إحداث التنمية البشرية لإحداث تغييرات ضرورية في النظم المجتمعية تُمكِّن أفراد المجتمع من المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر في مسار حياتهم وتُمكِّنهم من معرفة احتياجاتهم ومشكلاتهم، ليغدو قادرين على استخدام الموارد المتاحة لتحقيق أهدافهم وتطلعاتهم.
وتؤدي الشراكة في المسؤوليات الاجتماعية إلى ترابط المجتمع وخلق روح التعاون وتساعد في تعرُّف المسئولين على الإمكانات المتوفرة في المجتمع لاستخدامها واستغلالها و التعرف على المعوقات للتخلص منها وتجنبها و حل المشكلات. كما تساعد عن قرب على معرفة الاحتياجات الأساسية للمجتمع و أفراده سواء كانت اقتصادية أو تعليمية أو تنموية.
و قد تجلت هذه الأفكار في أهداف ملتقى الشراكة والمسؤولية الاجتماعية (مجتمعنا مسؤوليتنا)، الذي رعاه خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من حيث :
§ زيادة الوعي بمفهوم المسؤولية الاجتماعية
§ توضيح بمفهوم الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية و فوائدها
§ تحديد وتقييم احتياجات وأولويات المجتمع
§ خلق فرص للشراكات بين القطاعين
§ إشراك المساهمين في الشركات في تطوير وإطلاق الإستراتيجيات والمبادرات
§ تشجيع وسائل الإعلام لمساندة برامج المسؤولية الاجتماعية
و هذا مكَّن مؤسسات المجتمع الخاصة وشركات قطاع الأعمال من المشاركة بفاعلية في صنع القرارات الثقافية المجتمعية والتنموية ونشر ثقافة المشاركة والتطوع.
لكن الملاحظ أن معظم المؤسسات و الغرف التجارية التي تتبنى مفهوم "المسؤولية الاجتماعية للشركات والقطاع الخاص"، تعتمد على المبادرات الفردية والعمل غير المؤسسي و ينقصها التنظيم والتنسيق وزيادة الوعي بأهداف وأهمية المسؤولية الاجتماعية.
إلا أنه مع التطوّر الواضح في مستوى الوعي لدى متخذي القرار في القطاع الخاص و زيادة دوره مع الدولة في عملية التنمية الاقتصادية للمجتمع، بدأت تلك المبادرات تأخذ شكلاً منظماً بأهداف واضحة واستراتيجيات معلنة وتدرج في الميزانية العمومية تحت بند المساهمات الاجتماعية.
حتى يكون الإسهام من منطلق تخصصي وعلمي يجب أن يتم التنسيق مع المؤسسات الاجتماعية الأهلية والخيرية ذات العلاقة كوزارة الشؤون الاجتماعية و الجمعيات الخيرية المتعددة للتعرف على المشكلات الاجتماعية و المساعدة في حلها بالمشاريع المختلفة.
و مع ذلك، فإننا نلاحظ أن مفهوم المسئولية الاجتماعية الذي تتبناه بعض الشركات و المؤسسات الخاصة هو في الواقع نوع من الهروب الحقيقي منه، فبمقارنة ما تستفيده من المجتمع وما تقدمه له، نجد أنه ليس سوى إسهامات استهلاكية ذات مردود اجتماعي محدود أو معدوم .
إن مساهمة الشركات و المؤسسات الخاصة في تنمية المجتمع ليس تفضلاً منها ( بل هو حق واجب عليها ) و يجب أن لا تحدده المؤسسة بنفسها، لأن هذا لا يخدم التنمية المستدامة وأهدافها، بل يجب أن يكون هناك توازن في توزيع المسؤوليات التنموية على المؤسسات داخل المجتمع مع مراعاة التركيز على المشروعات الإنتاجية طويلة الأمد.
بالرغم من ذلك هناك العديد مِن شركات القطاع الخاص تواجه عقبات حقيقية تثبط رغبتهم في تبني برامج خدمة المجتمع والقيام بأدوار أكثر مسؤولية تجاهه. من هذه العقبات:
§ وجود الخلط الواضح بين خدمة المجتمع ومفاهيم العمل الخيري، فمعظم الأعمال التي تقدمها الشركات عبارة عن منح منقطعة تفتقر للأهداف و المعايير المنهجية و هذا هو مفهوم العمل الخيري و ليس مفهوم خدمة المجتمع الذي من المفترض أن يساهم به القطاع الخاص ضمن المسئولية الإجتماعية.
§ قلة الخبرات التنفيذية التي يمكن أن تطوّر وتُدير جهود خدمة المجتمع في الشركات وتشرف على وضع معايير محددة لقياس جهودها وآثارها تجاه المجتمع.
§ عدم توافر المعلومات الكافية والدراسات البحثية عن احتياجات المجتمعات المحلية من الخدمات والمشاريع التنموية اللازمة.
§ العقبات المرتبطة بأنظمة و قوانين الجهات الحكومية مثل الروتين القاتل و صعوبة استصدار التراخيص.
لذا، فإنّ مساهمة هذا القطاع ستبقى محدودة لأن معظم الشركات لم تهيأ لها الظروف الكافية.. وإذا أراد المجتمع دوراً اجتماعيا أكبر للقطاع الخاص فيجب منحه المزيد من التسهيلات والامتيازات. هذا بالإضافة إلى تحمل كل من الجهات الحكومية ، الإعلام و المجتمع مسؤوليتهم تجاه هذه الشركات ورجال الأعمال.
فالجهات الحكومية يجب أن تُشارك فعلياً في دعم القطاع الخاص و تقديم التسهيلات والمميزات للشركات الخاصة وأصحابها نظير إسهاماتهم في خدمة المجتمع.
و كون الإعلام هو الصوت القادر على نشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية للشركات، فإن من واجبه البحث عن النماذج الجيدة لرجال الأعمال و الشركات التي تخدم المجتمع والعمل على إبرازهم و بيان و توثيق أنشطتهم في تنمية المجتمع.
أمثلة ذلك أن تقوم وسائل الإعلام بتبني تغطية سنوية مُكثفة للشركات التي تُسهم في برامج المسؤولية الاجتماعية، و تتبنى الصحفُ ملاحق شهرية لتعلن عن المناسبات المتخصصة المختلفة المرتبطة بهذا المجال، كما تبادر جهة إعلامية لمشروعٍ نوعي مثل جمع المادة العلمية الناتجة من المؤتمرات والتجارب المحلية الناجحة للشركات وإصدارها في كتاب أو سلسلة من الكتب ونشرها على الإنترنت.
أخيرا، إذا قامت الشركات بدورها تجاه المجتمع بالشكل الصحيح، فيجب على أفراد المجتمع أن يبادروا بتقديم الأفكار والمقترحات للمشاريع المبتكرة التي يمكن أن تتبناها الشركات ورجال الأعمال تخصصها وأهدافها و إبداء استعدادهم للمشاركة التطوعية العلمية أو العملية في نشاطات الشركة تجاه المجتمع ضمن مفهوم المسؤولية الاجتماعية . أيضا، مساعدة الشركة على تقييم خدماتها أو التنبيه على أي ملحوظات تؤثر سلباً في منتجاتها في السوق.
دور المؤسسات الخيرية في المسؤولية المجتمعية:-
أن أسمى الأعمال الإنسانية تلك التي لا تنتظر مقابلا لها، بل تنبع من القلب ومن رغبة لدى الإنسان في العطاء والتضحية...العمل التطوعي مثال حي على هذه الأعمال وهو ميدان تتعدد أشكاله ليدخل في جميع ميادين الحياة: الاجتماعي، والصحي، والبيئي، وغير ذلك .
وفي هذا العمل ينطلق الإنسان المتطوع من إحساسه بالمسؤولية تجاه محيطه ( الإنساني و المكاني ) ليشمل كل ميادين الحياة وتظهر أرقى أشكال التكامل البشري.
التطوع كما اتفق عليه دوليا هو تخصيص بعض من وقت الإنسان الخاص من أجل عمل عام عبر التزام ليس بالوظيفي إنما هو التزام أدبي وهو أيضا تنافس شريف من أجل خدمة أهداف إنسانيه ومجتمعيه.
دوافع العمل التطوعي متعددة وأهمها الدافع الديني ينبع من إحساس الإنسان بالواجب تجاه مجتمعه وتجاه البيئة التي تحيط به والتي هي هبة من الله سبحانه وتعالى، ومن الواجب المحافظة عليها وكل هذا إرضاء لوجهه الكريم وطمعا في ثوابه العظيم،
قال تعالى (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)(158)سورة البقرة
لذا، فعندما ظهرت رؤية جديدة تنادي بالبحث عن شركاء جدد في التنمية لا تحركهم بواعث الربح الخاص برز الدور الإيجابي و الكبير للجمعيات الخيرية في عملية التنمية؛ نظراً لكونها أكثر قدرة وفاعلية على الوصول والتغلغل في القاعدة الشعبية بشكل يتعذر على الأجهزة الحكومية القيام به، وكذلك لكونها أكثر قدرة على تحديد احتياجات وأولويات السكان في مجتمعاتها المحلية بكفاءة و واقعية.
و مما يميز هذه الجمعيات أنها تنهض على أساس الاستقلال الذاتي، وعدم استهداف الربح، وعدم التدخل في السياسة، ومن ثم تقف بوصفها صمام أمان وعامل استقرار وتوازن في ميدان العمل الاجتماعي والإنمائي.
و وفقاً لذلك، فإن الجمعيات الخيرية تمثلجزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الحديثة و تعتبر هي المكمل لعمل الحكومات ومؤسسات القطاع الخاص ؛ حيث إنها تتغلغل وتتعمق داخل مشاكل القاعدة العريضة من المجتمع، كما أنها تقتحم جميع المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية.
و نظراً للدور الفعال التي تقوم به تلك المؤسسات، فإنها قادرة على التنسيق بين شركات قطاع الأعمال والمؤسسات الاقتصادية من ناحية واحتياجات المجتمع من ناحية أخرى
4- تفعيل دور الوقف كنظام إسلامي اجتماعي مساهم في مجال الصحة و الرعاية الصحية:-
الوقف في اصطلاح الفقهاء: هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود.
و هو نوع من التبرعات المالية، التي يبقى نفعها وأثرها حتى بعد موت المتبرع، وتسمى صدقة جارية، فيمتنع بيع أصله أو تملكه أو إرثه لأحد من الناس.
قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له)، رواه مسلم وغيره.
وهنا يمكن الحديث عن الوقف كنظام إسلامي اجتماعي وكصورة رائعة من صور التكافل الاجتماعي في الإسلام، يتحمل فيه الموسرون نفقة علاج المرضى والقيام على المشروعات الصحية دون أن يكلف ذلك الفقير شيئاً أو يثقل على كاهل الدولة بمزيد من النفقات. و يمكن الاستفادة من التبرعات والهبات التي جمعت من المؤسسات الخيرية والتجارية والأفراد في دعم وإقامة المشروعات الصحية وتشغيلها.
إن المتتبع لتاريخ الطب والمستشفيات في الإسلام يجد تلازماً شبه تام بين تطور الأوقاف واتساع نطاقها وانتشارها في جميع بلاد المسلمين من جهة وبين تقدم الطب، كعلم وكمهنة، والتوسع في مجال الرعاية الصحية للمواطنين من جهة أخرى.
حيث يكاد يكون الوقف هو المصدر الأول والوحيد في كثير من الأحيان للإنفاق على العديد من المتشفيات والمدارس والمعاهد الطبية، وأحياناً تجد مدناً طبية متكاملة تمول من ريع الأوقاف، علاوة على ما تقدمه الأوقاف من أموال تصرف على بعض الأمور المتعلقة بالصحة مثل الحمامات العامة وتغذية الأطفال ورعاية العاجزين وغير ذلك.
و يذهب كثير من المحللين للتاريخ الإسلامي إلى أن لنظام الوقف الإسلامي إيجابيات كثيرة حيث أن التقدم العلمي وازدهار علم الطب والصيدلية والكيمياء في بلاد المسلمين كان ثمرة من ثمراته.
أما اليوم فقد خبت جذوة هذه الأنشطة وتراجع دور الوقف حتى أصبح مقصوراً على بعض الأعمال الخيرية مثل المساجد أو بعض الأربطة والأضاحي وما إلى ذلك من أعمال خيرية محدودة النفع.
ساعد على هذا الوضع فتور همة الكثير من المسلمين في إيقاف أموالهم لأعمال البر ذات النفع العام لأسباب كثيرة منها تغير نمط الحياة في العصور الحديثة حيث أصبحت الحكومات تتولى الإشراف على كافة الخدمات المقدمة للمواطنين ومن أهمها الخدمات الصحية، مما أدى إلى انكماش وتقلص العمل التطوعي، والوقف على وجه الخصوص.
لكن،عندما انحسرت الطفرة الاقتصادية، وبدأت الأزمات في ظل تزايد أعداد السكان وتزايد الطلب على الخدمات من جهة وتراجع إمكانيات الدول وعجز السلطات عن مواجهة هذه الطلبات من جهة أخرى، بدت الحاجة ماسة من جديد لإحياء دور الوقف ومشاركته في التنمية ودراسة أسباب القصور في هذا الجانب ومحاولة علاجها.
وقد تنبه العالم الإسلامي لهذا الأمر، فعقد البنك الإسلامي للتنمية الندوات التي تدعو إلى تنشيط الدور الاستثماري للوقف.
كما قامت تجارب في العالم الإسلامي جديـرة أن يستفاد منهـا، مثل مشـروع سنابل الخير الـذي خص 15%من ريعه للخدمات الصحية المشروعات الوقفية التي تصرف على الخدمات الصحية للجنة مسلمي إفريقيا الكويتية.
صندوق الوقف الصحي، الذي سوف يعمل على تعزيز الموارد المالية المعتمدة للخدمات الصحية و يساهم باحتواء الزيادة في تكاليف العلاج و ترشيد الإنفاق على الخدمات الصحية.
في قرار توسيع مجالات الوقف وعدم قصرها على أوجه محددة تشجيع للمجتمع للإسهام في مشاريع التنمية الوطنية بهدف على فعل الخير و تقديم التبرعات التطوعية في مجال الرعاية الصحية لخدمة المرضى و تمويل البرامج و البحوث و مكافحة الأمراض وعلاجها.
لذا من الأهمية بمكان متابعة تلك الأوقاف و استثمارها بأقل التكاليف وفق اطر عملية تحددها الجهات الإشرافية على الصندوق.
ومن المجالات التي يمكن أن يسهم بها الوقف في مجال الخدمات الصحية:
1 – وقف المستشفيات الكبيرة والصغيرة و المستوصفات سواء العامة منها أو المتخصصة، أما بتقديم المنشآت أو الأراضي الخاصة بها أو عمارتها أو تجهيزها وفرشها أو القيام بذلك كله ثم تتولى الحكومة تشغيلها وصيانتها كما هو الحال في جمعية المقاصد الخيرية اللبنانية التي أقامت مستشفى يحوي 200 سرير يصرف عليه من الإيرادات الوقفية.
2 – وقف الأجهزة الطبية التي تحتاجها المستشفيات والمراكز الصحية مثل جهاز غسيل الكلى وأجهزة الأشعة المتطورة وغيرها مما قد لا يتوفر في كثير من المستشفيات رغم الحاجة المتزايدة إليها، وكذا وقف سيارات الإسعاف وغيرها من الوسائل المساعدة التي تحتاجها المستشفيات والمراكز الطبية.
3 – الوقف على الأدوية حيث يمكن تخصيص بعض الأوقاف
لتوفير الأدوية وخاصة أدوية الأمراض المزمنة والتي يحتاجها المريض مدى الحياة مثل أدوية الضغط والسكر والقلب وغيرها.من الأمثلة البارزة هنا صندوق الزكاة برأس الخيمة الذي يسدد الرسوم العلاجية للمرضى المحتاجين.
4 – الوقف على كليات الطب والمعاهد الصحية، سواء وقف المنشآت أو تخصيص بعض الأوقاف للصرف على تلك الكليات والمعاهد ودعمها، وتوفير احتياجات طلابها وأساتذتها من الكتب والأجهزة وغير ذلك.
5 – الوقف على مراكز البحوث وهيئات البحث العلمي وتخصيص أوقاف للصرف على المنح الدراسية في مجال الطب والصيدلة والتمريض.
ربما يقول قائل أن الوقف لم يعد صالحا للتطبيق في مجال الصحة في عصرنا الحالي ؟
الحقيقة إن التجربة الإسلامية العريقة في مجال الوقف الصحي يمكن تكرارها اليوم، مع الأخذ في الاعتبار فوارق الزمن وتغير الآليات وتجدد الأساليب، حيث أن للوقف الإسلامي خصائص تجعله مناسباً للصرف على الخدمات الصحية في العصر الحالي منها استمراريته، وثباته وحريته، ومرونته، حيث يهدف في النهاية إلى تحسين وتعزيز الصحة بشتى الوسائل. ويمكن أن تخصص لجان أو هيئات لتنظيم وتنسيق هذه الجهود واستقبال التبرعات واستثمارها.
مشاريع وأفكار مقترحة للقطاع الخاص ضمن برامج المسؤولية الاجتماعية:
ü تقديم الأفكار والخبرات المتخصصة في الاستثمار للجهات غير الربحية التي تتطلب تنمية مواردها المالية لتفعلها في مشاريع تنموية
ü دعم المؤسسات التعليمية و مراكز الأبحاث العلمية
ü دعم المشاريع التي تهدف للمحافظة على صحة البيئة و نشر الوعي البيئي لما له من دور أساسي و حيوي في حفظ صحة الفرد
ü تبني إبتعاث المختصين من الأفراد والمؤسسات غير الربحية لحضور مؤتمرات عملية ودورات في تخصصهم.
ü الإسهام في التبني والتعريف بالخدمات المتميزة التي تقدمها الجمعيات التطوعية وتحتاج إليها شريحة كبيرة من المجتمع لكنها لا تعرف عنْ وجود هذه الخدمات!! مثل أنشطة تأهيل ومساعدة المقبلين على الزواج،
ü إعداد ورعاية البرامج الإعلامية الهادفة والمواد العلمية النافعة: مثل إعداد وتوزيع أشرطة كاسيت وسي دي للسيارات في موضوع اجتماعي صحي، ومن خلال حملات رسائل الجوال أو البريد الإلكتروني لنشر مفاهيم معينة أو مساعدة جهة تقدّم خدمة للمجتمع في الترويج لنشاطها، أو تطوير وإعداد ورعاية برنامج تلفزيوني ثقافي
ü تأسيس مشاريع إنتاجية منزلية (يمكن العمل على إنتاج بعض متطلبات الشركة نفسها)، على أن تتولى الشركة شراء المنتجات أو تتبنى عرضها وبيعها من خلال معارضها وموقعها،
ü مشروع مكتبات المستشفيات للأطفال المرضى بهدف تثقيفهم وتسليتهم.
ü إنشاء دور خاصة لدعم العملية التربوية والتعليمية لذوي الظروف الخاصة وصعوبات التعلم، ومن الأمثلة البارزة تعليم وتأهيل المعوقين مِن الجنسين ممن تزيد أعمارهم على 12 عاماً في مناطق المملكة كافة.
ü مشروع جمعية الأمهات السعوديات الداعمة.
ü تجهيز قافلة للتجوّل في المناطق التي تتطلب بثّ الوعي الصحي والديني والتعليمي.
ü اختيار فئات تنقصها خدمات محددة والعمل على استيفائها
ü رعاية وتنظيم الدورات التدريبية والتطويرية في المجالات الفنية والنهارية والإدارية التي تلبي الاحتياجات الواقعية لسوق العمل، خاصة في مجال السكرتارية والإدارة التنفيذية
ü إقامة المعارض المتخصصة في شتى المجالات الصحية والتي تخدم أهدافاً محددة.
ü تبني إطلاق ومتابعة المشاريع الصحية والطبية الاجتماعية
ü رعاية المناسبات التوعوية المختلفة مثل المؤتمرات والندوات وحملات التوعية وغيرها
ü إصدار مطبوعات تعريفية متخصصة لخدمة المجتمع والتخاطب معه إعلامياً
ü تقديم الاستشارات الإدارية والفنية والمتخصصة التي تحتاج إليها فئات المجتمع المختلفة بناء على معرفة الشركة وكفاءاتها
ü تبني البرامج والخدمات التعليمية من خلال البعثات والمنح الدراسية للمتفوقين أو الدراسات والبحث العلمي أو توزيع الحقائب لأبناء الأسر المحتاجة أو المساهمة في برامج محو الأمية في المناطق النائية وغير ذلك.
المصدر: بقلم يحيى الزهراني - http://www.socialar.com/vb/showthread.php?t=5391
نشرت فى 16 يوليو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,758,045