التبليغ والإعلام في الإسلام
أولاً ينبغي أن يكون واضحاً للعالم الإسلامي ولكل شعوب العالم، أننا حين نتحدث عن الإعلام والتبليغ ونخطط لهما فليس قصدنا من التبليغ هو ذلك المفهوم الشائع في العالم المادي اليوم والمتداول في جميع المجالات السياسية والإقتصادية وغيرها..
إن التبليغ الإسلامي - من وجهة نظرنا - يعني إيصال كلمة الإسلام، ويعني إيصال رسالته الى القلوب، وبأي وسيلة أمكننا ذلك من الوسائل الشريفة والمتناسبة مع المضمون والمحتوى المقدس لهذا التبليغ، أي التوحيد والإسلام.. سواء كانت هذه الوسيلة عبارة عن القول أو العمل، وسواء تم ذلك عبر السكوت أو غيره من الوسائل.
مهما تكن وسيلة الإيصال فإن غرضنا من التبليغ والإعلام هو هذا الأمر، وليس مفهوم الـ (Propaganda) الشائع والمتداول في العالم الغربي، وفي جميع العالم المادي القائم على الخداع وإظهار غير الواقع الحقيقي للآخرين.
التبليغ والإعلام عبارة عن امتلاك القلوب واحتلالها لا العيون والآذان والجوارح، على العكس مما هو شائع في العالم البعيد كل البعد عن المعنويات، إذ أنهم يعتقدون أن الإعلام - في الحقيقية - هو شيء من قبيل احتلال العيون والآذان والجوارح، وإيجاد جو بجعل الإنسان لا يستطيع أن يدرك الحقيقة بفكره وقلبه ويلمسها.
إننا لا نعتبر هذا إعلاماً وتبليغاً بل نعتبره خداعاً ومكراً، أما إعلامنا فإنه يتم عبر الحكمة والموعظة الحسنة والأساليب الإلهية والإنسانية.
والأمر الآخر هو أن الإعلام - بهذا المعنى الذي قلناه - قد أصبحت له أهمية إستثنائية في العالم المعاصر، إذ رغم أن مواجهة دعوة الحق والتصدي لها كانا قائمين على مر التاريخ وطوال دعوات الأنبياء، وبنفس الطرق والأساليب الموجودة هذا اليوم، إلا أن الوسائل والأدوات المستخدمة في مواجهة دعوة الحق هذا اليوم أصبحت في مستوى من القوة والهيمنة على حياة الناس بحيث أن الوسائل والأساليب التي كانت تؤثر على الإنسان - في ذلك الحين - بشكل محدود، وفي منطقة محدودة، أصبحت اليوم تملأ كافة أنحاء الحياة البشرية وفي كل مجالاتها وتغطيها، إذ أننا نجد اليوم أن نفس الأساليب التي استُخدمت في التاريخ لمواجهة دعوات الأنبياء (عليهم السلام) وفي مواجهة نبي الإسلام المكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، كل تلك الأساليب تشاهد في هذا اليوم كذلك.
في ذلك الحين، كان الكفار - كما ينقل القرآن الكريم - يطلقون الأصوات العالية ويحدثون الضجيج ليحولوا دون وصول آيات القرآن، وهي رسالة الحق، الى أسماع الناس المتعطشين لها، وتمثل صيحاتهم المرتفعة وصرخاتهم العالية وأصواتهم المتصاعدة ضجة إعلامية هدفها التغطية على صوت الحق والحيلولة دون وصوله الى أسماع الناس.
يقول الله عز وجل {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغَوا فيه لعلكم تَغلبون} (فصّلت،26).
من أجل التغطية والتمويه على كلام رسول الله (ص) والحيلولة دون سماعه كان بعض الأشخاص يحدثون ضجة غوغائية مفتعلة، واليوم يتكرر الأمر ويحصل نفس ذلك الشيء الذي حصل آنذاك، ففي تلك الأيام كانوا يتهمون الدعاة الى الحق وينسبون إليهم أهدافاً وغايات باطلة وزائفة وهم منها براء.. كانوا يتهمونهم بالكذب والسحر وبالخداع والمكر وما شاكل ذلك..
واليوم أيضاً يحدث ما يشبه ذلك في العالم... كانوا يحرّضون الناس ضد الدعاة الى الحق آنذاك، ويجعلونهما وجهاً لوجه، ويتظاهرون بالدفاع عن الناس وحمايتهم.
وفي هذا اليوم يقوم الإستكبار العالمي بالعمل نفسه، وأنتم تشهدون هذه الأساليب الإستكبارية المعاصرة.
في ذلك الزمن كان فرعون يقول لشعبه، كما جاء في القرآن الكريم {قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون} يقصد بذلك موسى (ع) فيتظاهر بالإحتماء بموقع الدفاع عن حقوق الشعب ويحارب داعية الحق، ويزعم - كذباً - أنه ليس لديه من هدف أو غاية سوى خدمة ذلك الشعب.
وهكذا الأمر، في هذا الزمن، يحدث الأمر ذاته، وتمارس مؤسسات الإعلام الإستكبارية التصرفات الخبيثة والأعمال المؤذية نفسها، وبشكل واسع النطاق، في مواجهة الإسلام، وبشكل خاص في مواجهة الإسلام الثوري وفي مواجهة الجمهورية الإسلامية، وسألقي على مسامعكم - فيما بعد - إيضاحات في هذا الصدد.
ومن أجل أن تدركوا ضخامة الدعاية والإعلام المعادي الذي يمارسه عدو الإسلام - يعني الإستكبار العالمي بنوعَيه الشرقي والغربي - فسوف أشير إشارة عابرة فقط الى مسألة أن الفكر الإسلامي يواجه اليوم - باعتباره الإيديولوجية الثالثة، وباعتباره عقيدة ثورية في مقابل الشرق والغرب - حملة إعلامية كبرى وعظمى.
هذه الحملة الإعلامية الدعائية تنبعث عبر شتى الوسائل والقنوات، من قبيل محطات الإذاعة وشبكات التلفزة ووكالات الأنباء المختلفة، صباحاً ومساءاً، وفي كل أسبوع تنتشر بشكل شامل وواسع النطاق في كل أنحاء العالم.. الإسلام يواجه مثل هذا الكم العظيم من الدعاية المعادية.
لقد استصحبت إحصائية موجزة وقصيرة لأعرضها عليكم، وهناك - بالطبع - الكثير من أمثال هذه الإحصائيات على شتى الأصعدة وفي شتى مجالات الإعلام، ولكن هذه الإحصائية ليست سوى نموذج رأيت أن من المناسب - في الحقيقة - أن أعرضه عليكم.
يبلغ حجم الإعلام في العالم الغربي 7100 ساعة في كل أسبوع، وهي تشمل الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا الغربية وبريطانيا واليابان، وهي ذات الحصص الأكبر بالنسبة للحجم الكلي، إذ تبلغ حصة أميركا 2100 ساعة في كل أسبوع وبحوالى 60 لغة من اللغات العالمية، وحصة ألمانيا الغربية 950 ساعة في الأسبوع، أما بريطانيا فتبلغ ساعات إعلامها 850 ساعة وبحوالى 60 لغة من اللغات العالمية. ويبلغ المجموع الكلي - كما ذكرت - 7100 في الأسبوع.
أما العالم الشيوعي فيضم الإتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية والصين وألبانيا وبعض الدول الشرقية الأخرى.
ومن باب المصادفة أن يساوي حجم هذا الإعلام، حجم الإعلام في العالم الغربي - أي 7100 ساعة - في كل أسبوع، إذ تبلغ حصة الإتحاد السوفياتي منها 2300 ساعة من خلال حوالى 80 لغة من اللغات العالمية شائعة الإستعمال وكثيرة الإنتشار في العالم واللغات المحلية، أما ألمانيا الشرقية فيبلغ عدد ساعات إعلامها 1600 ساعة، والصين 1500 ساعة... الى آخره..
هذه هي المجموعة الإعلامية التي يشهدها العالم كل أسبوع، والعالم الإسلامي يواجه مثل هذا الحجم العظيم من الإعلام، وبعضها مخصص لمواجهة الإسلام، وهي تتضمن: الخبر، والتحليل السياسي، والتقرير الخبري وشتى المضامين والمواضيع الإعلامية، التي يتم حشو أذهان الشعوب بها بشكل عام، والشعوب الإسلامية بالخصوص.
وبالطبع فإن هذا لا يشمل وسائل الإعلام المقروءة - أي المطبوعات - ولا الأفلام السينمائية ولا الكتب، وهي - في الواقع - مهمة جداً، وهو لا يتضمن بقية وسائل الدعاية والإعلام المستعملة في الوقت الحاضر؛ إنها ليست سوى صنف واحد من صنوف الدعاية والإعلام وهي نموذج سلبي واحد.
إن ميدان الإعلام في العالم أصبح - حقاً - بمثابة ميدان الحرب، ويشبه المعارك العسكرية، فلقد صار للمعارك السياسية منظّروها الإستراتيجيون الماهرون والحاذقون، ولها الخبراء المتخصصون ذوو الفاعلية والتأثير، ولها غرف العمليات الخاصة بها، وفيها تجري أشكال وصنوف كثيرة من التعاون والتظافر، وتنفق في هذه المجالات أموال طائلة ومخصصات هائلة.
إن العالم الإسلامي يواجه كل هذا الكم الهائل والكيف من الأمواج المتلاطمة من الإعلام وكل هذه الوسائل والأدوات الإعلامية المتنوعة الكثيرة، باعتباره حاملاً لنظرية إيديولوجية معارضة لكلتا النظريتين القائمتين في الزمن المعاصر ومناقضة لهما.
ومن المناسب - حقاً - أن ينتبه علماء العالم الإسلامي ومفكروه لهذا الأمر، ويهتموا بهذا المجال وينهمكوا في العمل فيه، والتفكير - معاً - للإرتقاء به، وحشد كل ما لديهم من الإمكانيات والطاقات وتسخيرها في هذا الصدد.
إن رأي الإسلام في موضوع الإعلام رأي صريح وواضح أيضاً، فالإسلام يعتبر أن التبليغ واجب وضروري، كما قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم {ومَن أحسن قولاً ممن دعا الى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}. وقوله عز وجل {أُدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}. وقوله تبارك وتعالى {فلذلك فادع واستقم كما أُمرت ولا تتّبع أهواءهم}.
صحيح أن هذا الخطاب موجه للرسول الكريم (ص) لكنه موجه - في الحقيقة - الى كل المسلمين والمسلمات. وهناك آيات كثيرة في القرآن بهذا الشأن غير تلك التي تُليت عليكم الآن.
وفي الآية التي بدأت بها الحديث {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشَونه ولا يخشَون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً} تندرج أيضاً في سياق الآيات القرآنية الكريمة التي تتطرق الى هذا الموضوع.
كل هذه الآيات هي دروس لنا وتفتح أمامنا سبلاً واضحة وطرقاً محددة من أجل التمكن من تحقيق هذا الواجب الكبير.
وهناك حديث مشهور عن رسول الله محمد (ص) جاء فيه: "لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت" وهو يوضح وظيفة المرء والواجب الملقى على عاتقه، إذ يعتبر هذا الحديث الشريف هداية إنسان ما أفضل وأسمى من كل الأعمال، وأن هداية إنسان واحد هي أفضل من كل ما تشرق عليه الشمس وتغرب.