قد يكون المجتمع بكافة ألوانه وأطيافه وأنواعه عرضة لمؤثرات هذا الغزو، ولكن من الطبيعي أن لا يكون على وجه واحد من التأثير والتوجيه. وتعد المرأة من أهم الشرائح التي تمطر بوابل غزير من الثقافة الموجهة. ومما يضاعف تأثير هذه الثقافة الموجهة الأجواء الثقافية والبيئة الأجتماعية المحلية التي تدفع المرأة المسلمة والعربية الى الأنزواء والعزلة وتحاصرها بفهم خاطيء وممارسة سطحية لقيم الدين وشرائعه الأحيائية والتنويرية. فتصبح المرأة وبفضل جهل الجهلاء وغلو المتدينين طعم سائغ ومشروعا ناجحا لترويج الثقافة الغازية.

نستعرض في السطور القادمه دور المرأة في الغزو الثقافي من خلال العوامل التي تؤثر فيها وتتأثر بها لنرسم صورة البيئة الفكرية التي تواجهها المرأة أولا، والمجتمع ثانيا، ومن ثم تحديد أدوات الممانعة والمواجهة لهذه الموجة الثقافية الغازية العارمة. ولكن قبل ذلك لابد لنا من تحديد مفهوم الغزو الثقافي وبيان أوجه الأختلاف بين الغزو والتبادل الثقافي.

الغزو والتبادل الثقافي:

«الهجوم الثقافي فهو أن تشن قوة سياسية أو اقتصادية حرباً على المبادئ الثقافية لشعب من الشعوب، لتنفيذ أهدافها الخاصة والتحكم بمصير ذلك الشعب.. الهدف من الهجوم الثقافي هو اجتثاث أصول الثقافة الوطنية والقضاء عليها»[1] .

وأما التبادل الثقافي فهو «التفاعل الثقافي يعبّر عن ضرورة تحتاج إليها الشعوب. فليس ثَمَّ شعب من الشعوب يستطيع الاستغناء عن التعلّم من معارف الشعوب الأخرى، بما في ذلك الثقافة والمسائل التي تندرج في العنوان الثقافي»[2] .

وقد يكون من المفيد ان نستشهد ببعض ما أشارت إليه الصحافة الأمريكية في توظيف الأداة الثقافية لحماية وصيانة المصالح الأمريكية. فقد أشارت صحيفة النيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 7 / 12 / 2002 الى تجنيد الأدارة الأمريكية للمثقفين والكتاب الأمريكين في حملة ثقافية تستهدف صيانة المصالح الأمريكية المتضررة بعد الحادي عشر من سبتمبر[3] . وفي العدد ذاته كتبا لين كليمتسون ونزيلا فتحي مقالا بعنوان «السلاح الأمريكي القوي في إيران: التلفزيون»[4] . والذي يشير جهارا الى توظيف البث التلفزيوني المباشر للنيل من قلوب وعقول الشباب في مواجهة الخطاب الأصولي المتشدد -على حسب زعمهما-.

ان استقراء الردود الصادره من المفكرين والمثقفين تدل على ما يتركه الغزو الثقافي من آثار وبصمات على كافة الشعوب في أرجاء المعموره وقد يكون في ذلك عزاء لنا في اننا لسنا الوحيدون المستهدفين. ولعل حجم المؤلفات الصادره من فرنسا تدل على مدى حساسية هذه القضية ومدى خطورتها على الثقافة الوطنية. فقد صدرت مجموعة من المؤلفات والكتابات, أهمها «الحرب الثقافية» لهنري غوبار, و«فرنسا المستعمَرة» (بفتح الميم) لجاك تيبو, والمقال الذي كتبه رئيس تحرير لوموند (عدد 4 / 7 / 1980) بعنوان: «حيث تنتصر أمريكا».

دور المرأة المركزي في الغزو الثقافي:

الغزو الثقافي انعكاس لحجم الضعف والهوان التي تعانى منها الثقافة الذاتية للأمة. فالتبادل والغزو كما ظهر سلفا كفتا ميزان, يتحكم في إنكفاء كفة التبادل على الغزو قوة هذه الأدوات وعافيتها والعكس صحيح. وتعد الأدوات المشار اليها في الشكل (1) وهم: الدين، وأدوات المعرفة، والأخلاق من أهم الأدوات التي تختزنها ثقافتنا الذاتية في مقاومة الثقافة الوافدة الغازية على شرط سلامتها وصحتها وعافيتها من الشوائب.

وحضور المرأة الواعي والملتزم والمسؤول في التصدي لواجباتها الأنسانية شاهد مهم ومحوري على سلامة هذه الأدوات. ويظهر جليا ان لهذه الأدوات وجهان مهمان, وجه إيجابي يحدده عمق الوعي وقوة الأدراك لدورهم التنويري، ووجه سلبي يفرزه التراجع عن البلوغ الى لب سمتهم التنويرية.

• الدين «الدين: هو الوعاء التشريعي الذي يوفر البيئة الموائمة للأحتياج المعنوي الداخلي والرابط بالواقع الخارجي الذي ينشده هذا التشريع في الراهن والمقبل» أحد أهم أدوات الممانعة الذاتية والنسيج الرابط لعناصر ثقافتنا الذاتية والمغذي لها. والدين الحي النابض بالحضور والعطاء هو الدين الذي أصالته معاصره ومعاصرته أصاله. فالأصاله «تمثل الجذور العميقه في إنسانية الأنسان في الفكر الأصيل المنطلق من الله ورسوله الذي ينفتح على الزمن كله والحياة كلها. فلا يخضع للماضي والحاضر والمستقبل في حدوده الزمنية» [5]

• وأما المعاصره «فهي الأنفتاح على العصر في حاجات الأنسان وقضاياه الحقيقية في أبعادها المتنوعة بحيث يتمثل الإنسان في حياته بشكل متوازن من حيث التزامه بأسلامه وأنفتاحه على قضايا عصره من خلال وعيه لهذا وذاك في اجتهاداته الفكرية ووعيه الروحي مما يملك من عناصر الأجتهاد والوعي الذي يؤهله ليدخل في حوار مع الفكر الآخر ومع الأنسان الآخر» [6] .

• وأما أدوات المعرفة «أدوات المعرفة: هي الأدوات والوسائل والعناصر التي تطورها الأمة لسبر غور الدين لصياغة المناهج والتشريعات والنظم التي تمكن الأنسان من إحالة قيم الدين الى واقع معاش وتشمل كل أدوات الأجتهاد الفقهية والفقاهتية والفكرية والعرفانية للنيل من تعليمات الأسلام التنويرية والأحيائية» تيسر وتمهد قوة الأرتباط وتمتن اللحمة بين الأنسان وإنتماءه الفكري والعقدي والتشريعي. ان قوة وفعالية هذه الأدوات في رفد قوة الممانعة للأمة ترتبط بشكل كبير بمدى الأدراك والوعي الذي تضفيه الشرائح المهيمنة على هذه الأدوات في توجيهها وحسن توظيفها لتحقيق المحصلة النهائية الموجزة في هيمنة قيم الدين على كافة مناح الحياة.

• والأخلاق «الأخلاق هي: السلوك المعبر عن تقمص القيم المنشوده في الدين والمكشوف عنها بأدوات المعرفة وهي تتجاوز تعاليم الحلال والحرام الى كل ما يُفعّل حضور الأنسان في الوجود ليطبعه بفكره وقيمه وتصوراته عن العلائق الثلاث, الأنسان وربه، والأنسان والأنسان، والأنسان والكون» مرآة تعكس عمق التفاعل بين الدين وأدوات المعرفة ودورهم التثويري التحفيزي للأنسان للتعبير عن أنتماءه.

الشكل (1):

أدوات الممانعة للأمة في مواجهة الغزو الثقافي والعوامل التي تتحكم في متانتها و ضعفها

وتشير الأسهم الأفقية المتعاكسه في الشكل(1) بين الدين وأدوات المعرفة الى المفهوم التفاعلي التبادلي بينهما حيث قوة الأدراك المعرفي يسهم في إذكاء الفهم الواعي والتنويري للدين مما يزيد منسوب التفاعل المعنوي والفكري معه، وبذلك ينعكس بشكل إيجابي على التوظيف الأفقي والعمودي لأدواة المعرفة في قراءة الدين. وأما الأسهم العمودية المتعاكسة المتجهة من وإلى الأخلاق في الشكل نفسه تمثل مدى تجسد الفهم الواعي المتمثل بالأخلاق على صفحة الحياة والآثار المعنوية والمادية التي تفرضها الأخلاق على الدين وأدوات المعرفة لمزيد من العطاء. ويصبح جليا من هذا الأستعراض أن أدوات الممانعة تتفاعل وتنفعل بعضها ببعض مما يؤكد حيوية التفاعل بين الدين وأدوات المعرفة وتجسد وتمظهر هذا التفاعل بالأخلاق, تفاعل متسلسل من نور يسطع بعضه على بعض ويضيء بعضه لبعض. وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه الحقيقة في قوله ﴿ ألَم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللهُ مثلاً كلِمةً طيبةً كَشَجَرةٍ طيبةٍ أصلُها ثابِتٌ وَ فَرعُها في السمآءِ • تؤتي أُكُلَهَا كُلَ حِــين بإِذنِ رَبٍهَا وَيَضرِبُ اللهُ الأمثالَ للناسِ لعلهُم يتَذَكرُون ﴾ [7] .

المظاهر السلبية لتعطل أدوات الممانعة:

إن أهم ما يمكن أن تصاب به أدوات الممانعة من عطب هو إضمحلال الأتصال والترابط والتفاعل بين الدين وأدوات المعرفة وقدرتهما على صناعة السلوك وحضوره الوجداني في الواقع. إن الغزو الثقافي يتسم بالطردية مع حجم الفداحة التي تصاب بها ألأواصر بين أدوات الممانعة من أنفراط.

أهم المظاهر التي يمكن أن ترصد من جراء هذا الأضمحلال هو ما أشار اليه الدكتور محمد جابر الأنصاري[8] من إستشراء ما يربو على عشر ظواهر ملازمة لظاهرة الأنحطاط والتخلف، ثمان منها تتصل بأنحطاط اللغة العربية والآداب وظهور الفن الهابط والأهتمام بتاريخ أمم ما قبل الأسلام والفولكلور الشعبي.

ولكن أهم ما يمكن ذكره في ما له صلة في هذا المقام هما:

1. تحويل الأسلام من مفهومه الحضاري العظيم الى جدل وخلاف بين جماعات عديدة متناحرة أبعد ما تكون عن روح الجماعة الأسلامية الواحدة.

2. انتشار روح البلادة واللامبالاة في المجتمعات العربية والأهتمام بالناحية الأستهلاكية والمظهر الترفي الأستهلاكي.

وفي ظل هذه الأجواء القاتمة يتولد خطان متناحران، خط متعصب مغالي من المتسلطين على الدين[9] وخط من الأباحيين الأستهلاكين الذين يدعون الى التحرر من كافة قيم الدين. فينبري في ظل هذه الأجواء أقطاب كل ناد لتعزيز مكانته وتثبيت وجوده.

فالمتسلطين على الدين «يعززون سطوة التقاليد من خلال آيات وأحاديث لا مجال للشك فيها وإلا تعرّض إيمان الأنسان الغبون للخطر، وأمله الوحيد في عزاء دنيا الآخرة للتلاشي. ولكن اللافت للنظر هو أن المجتمع التقليدي، والذين يمسكون السلطة فيه يتمتعون بكل الأمتيازات، لا يبرزون من الدين سوى الجوانب التي تؤكد سلطتهم، وتعزز العرف الشائع والنظام المرتبي. فقط تلك الجوانب التي تؤكد على القناعة بالأمر الواقع وتقبله تبرز وتتكرر على مسامع المغبونين. أما الجوانب الثورية في الدين، أما جوانب التحرر والإبداع والتغيير والعدل والعدالة والتصدي والشجاعة والجهاد في سبيل الحق وفي سبيل كرامة الأنسان فيسدل عليها ستار كثيف من التعتيم»[10] .

وأما دعاة الأستهلاك والتبعية فلا هم لديهم إلا إمتهان قيم الدين وإلاقلال من شأنها ومحاولة ربط كل عوامل التخلف ومظاهره إلى الدين بأعتباره المصدر الرئيس لثقافة الجماهير. وبين هذا الأفراط والتفريط, تظهر المرأة «كأفصح الأمثلة على وضعية القهر بكل أوجهها وديناميتها في المجتمع المتخلف.. فهي اكثر العناصر الأجتماعية تعرضا للتبخيس في قيمتها على جميع الصعد: الجنس، الجسد، الفكر، الإنتاج، المكانة. يقابل هذا التبخيس مثلنة مفرطة ندر أن وجدنا لها نظير عند الرجل، هذه المثلنة تبدو في إعلاء شأن الأمومة، في إغداق الصفات الإيجابية عليها «الطيبة، المحبة، ينبوع الحنان، رمز التضحية...الخ»، كما تبدو فيما ترفع إليه المرأة المشتهاة جنسيا من مكانة أسطورية عند الرجل المحروم. وهكذا تتفاوت مكانة المرأة في نظر الرجل ونظر المجتمع عموما بين أقصى الأرتفاع «الكائن الثمين مركز الشرف الذاتي، رمز الصفاء البشري الذي يبدو في الأمومة» وبين أقصى حالات التبخيس، المرأة العورة، المرأة رمز العيب والضعف، المرأة القاصر، الجاهلة، المرأة رمز الخصاء، المرأة الأداة التي يمتلكها الرجل مستخدما إياها لمنافعه المتعددة»[11] .

والقاسم المشترك والمحور الأساس الذي يدور عليه تأكيد كلا الفريقان -المتسلطون على الدين والأستهلاكيون- في شؤون المرأة هو «أختزال المرأة إلى حدود جسدها. وإختزال لهذا الجسد إلى بعده الجنسي: المرأة مجرد جنس، أو أداة للجنس ووعاء للمتعة. هذا الأختزال يؤدي مباشرة إلى تضخم البعد الجنسي لجسد المرأة بشكل مفرط، وعلى حساب بقية أبعاد من حياتها. إنه يمحور المرأة ويركزها حول المسألة الجنسية»[12] . فينطلق المتسلطون على الدين من مفهوم أختزال المرأة كجسد مثير للشهوة والغريزة ليمارسوا عليها أقصى درجات القسوة والغلو بمحاصرتها عن الحضور الفاعل لتسنم دورها الأنساني الطبيعي «فالممنوعات التي تفرض على جسد المرأة دينيا ومدنيا أشهر من أن تعّرف. قانون المجتمع في أشد وجوهه قمعا منقوش منذ الطفولة على جسد المرأة, في حركية هذا الجسد وتعبيراته, ورغباته»[13] . وقد تجلى ذلك في منهج طالبان أبّان فترة حكمهم في افغانستان ويتجلى في منهج الكثير من الذين ينحوا منحاهم.

وينبري الأستهلاكيون ليسقطوا المرأة في براثن الرذيلة والإبتذال والتعري وإمتهان روحها وعقلها بشعار حرية المرأة ومساواتها بالرجل. فالحرية هو سفور فاحش والمساواة إسقاط لقيم العفة والطهارة وإبتذال لقيم العلاقات الزوجية والأسرة.

فالمرأة بين هذا و ذاك بين مد وجزر ففي عالم المتسلطين على الدين سندان لمطرقة العنف والقهر والأستبداد الديني المنحرف عن الجادة. وفي عالم الأبتذال والأستهلاك أداة مربحة لترويج بضاعة أو سلعة.

إن أحد أهم العوامل في إذكاء الغزو الثقافي في عالمنا الأسلامي في العقد الأخير يعود إلى إنتشار ظاهرة الغلو الديني والتزمت الأعمى وإعتماد المرأة كبوابة له من خلال ممارسة المسائل الفقهية للمرأة. إن وطئة الحصار الذي تمارسه الرجعية الدينية على المرأة يجعل من نموذج الأنفتاح الذي تعرضه الثقافة الوافدة أمرا محببا ومشوقا وجذابا للمرأة المسلمة وحافزا للتخلي عن ماهي فيه من حال للهروب الى السراب الذي ترسمه الثقافة الوافدة، عسى ولعلها تنال شيئا من كيانها المسلوب. وكم جميلة هذه الصورة البديعة والمعبرة التي يرسمها المفكر الكبير الراحل الدكتور علي شريعتي بهذا الشأن:

«تحرري.. مم؟ مم؟ هاانت ذي تختنقين. أنت لا تملكين شيئا. أنت محرومة، تحرري، تحرري من الأشياء كلها. إن الذي يلهث تحت الأثقال الباهظة فيوشك أن يختنق إنما يفكر في التنفس وفي الأعتدال من هذه الأثقال المهلكة. وقط ما فكر، وحاله هي تلك، في أسلوب التحرر أو في أسلوب النهوض والإعتدال. وتتحرر المرأة. ولكن لا بالكتاب والعلم والثقافة ولطافة الحس والشعور والشمول بل بالمقص، المقص يقص الحجاب. فأذا المراة من الفكر النير بمكان» [14] .

وهكذا تنفذ الأستهلاكية لتضرب بأطنابها متخذة من المرأة بوابة للتوغل والتمدد كما يشير الى ذلك أيضا شريعتي قائلا:

« وليس على المرأة في البلدان المسلمة أن تتحول الى مستهلك للبضائع الغربية والأمريكية فحسب. ولكن عليها أن تؤثر تأثيرا عميقا في الأسرة وفي العلاقات الأجتماعية وفي جيل اليوم والغد وفي منحى المجتمع وفي الأخلاق والقيم والآداب والفنون. إنها تستخدم لهذه الأشياء جميعا»[15] .

المرأة الرمز ودورها في تعضيد الممانعة للغزو الثقافي:

للرموز التاريخية دورا هاما ومحوريا في تجسيد القيم التي تنتمي لها الأمة ومثالا حيا لها على صفحة الحياة. ان القيمة المعنوية التي يمكن للأمة إستغلالها من الرمز تكمن بالدرجة الأولى في أسلوب الأقتداء التي تنظر بها اليه. إن أهم كارثة تعرضت لها الأمة تكمن في سكونية المنهج الذي أتخذته في التعامل مع رموزها لإتسامه بحالة من التهويل والتقديس المعطل للقراءة الثاقبة والمتأنية للرمز. لقد دفعت الأمة من خلال هذه المنهجية الجامدة ثمنا باهظا بتوسيع الهوة مع قيمها ومبادئها من خلال تغريب صلتها وأرتباطها برموزها.

إن مرورا سريعا على كتب التاريخ والتراث كفيلا بأستقراء هذا المنهج السكوني المتبع في تدوين سيرة هذه الرموز وأسلوب عرضها للأجيال المتعاقبه. ولعل أهم سمة تميز بها منهج دراسة الرموز هو تسييج الرمز بهالة تهويلية تعظيمية تجعل من الدارس والمحقق الذي يرنو لتقويض هذه الروئية في مأزق وكأنه يلج الى حقل ألغام. إن الغلو والتكفير المتعاظم الذي تتسم به هذه المنهجية تجعل من الدارس يتهيب التصدي لدراسة الرموز بروح موضوعية ومنهج متحرك لعرض مشروع تجديدي تنويري. يجعل فيه من الرمز قيم متحركه وحلول ناجعة لقضايا الأمة العالقة والمتعاظمة.

وفي خضم الجدل الدائر حول الترسبات الفكرية والأجتماعية الذي تتركه موجة الغزو الثقافي يبرز مفهوم تجديد التراث وإعادة عرض الرمز كأحد أهم الأدوات المقترحه في تعضيد الممانعة للثقافة الوافده. والعقبة التي بأزالتها يفتح الطريق نحو تفعيل هذا المشروع التجديدي تكمن بشكل أساس في مدى النجاح الذي يحققه رواد هذه الحركة لتقويض أركان المنهج السكوني السالف الذكر. ولأهمية الرمز النسائي ودوره الحيوي في إنتشال المرأة المسلمة والعربية من براثن الأرتباط بالرموز المصطنعة التي تقدمها المدارس السلفية الجامده والأستهلاكية المنحلة، أصبح من الضروري إعادة دراسة الرموز النسوية خصوصا السيدة الصديقه فاطمة الزهراء والصحابيات الجليلات من إمهات المؤمنين وغيرهن «رضوان الله عليهم».

إن التضليل الذي تتبناه المدارس الليبراليه الغربية من إطروحات حرية المرأة ومساواتها لها التأثير السحري في جذب قلوب النساء وشغفها بأحلام ورديه عن حياة فيها المرأة تعيش كيان مطلق من الحرية والعداله. حجر الزاوية في إعادة قراءة الرمز النسائي يكمن في القدرة على عرض مشروع نسوي إسلامي متكامل النسق ومنافس للأطروحة الليبرالية. مشروع الرمز النسوي الأسلامي لابد أن يعالج بروح عصرية دون المساس بأصالة القضايا المعالجة و بطبيعة تطبيقيه يبرز نماذج أصيله ومتجذره في ثقافتنا الذاتية لمسائل حرية المرأة ومساواتها و صلتها بنظرة الأسلام الأنسانية للمراة و فض النزاع والتزاحم لأدوار المرأة كزوجة ومفكره ومصلحة وقائدة إجتماعية دون المساس بأحدهم أو مغالبة أحدهم على الآخر.

المصدر: مقال تم نشره في «مجلة الكويت» الصادرة من وزارة الأعلام الكويتية في عدد أبريل لعام 2004م.
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 3112 مشاهدة
نشرت فى 4 يوليو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,784,458

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters