لا يختلف اثنان على الدور الجوهري للمرأة في بناء المجتمع ابتداء من الصورة المصغرة له ممثلة بالعائلة التي تسهم المرأة في توجيهها وادارتها والقيام على حاجياتها المادية والمعنوية في آن واحد بمشاركة الرجل الأب الذي غالبا ما ينشغل بتحصيل المال اللازم لمواصلة حياة العائلة، وليس انتهاء بدخول المرأة في سلك التعليم والقيام بدور مشرّف لبناء لبنات المجتمع الأقل عمرا وتجربة ممثلة بالأطفال في مراحلهم العمرية الاولى.
ولعلنا نتفق على أن البناء الاجتماعي يتطلب جهودا استثنائية كي يرتكز على اسس سليمة في تطوره ونموّه، ولعلنا نستقرئ أدوارا عدة تتوزع على شرائح المجتمع لينهض كلٌ بدوره المطلوب على افضل وجه بما يصب في تحقيق الاهداف المتوخاة.
ولعلنا نتفق على ان القطبين الاكثر اهمية في التشكيل الاجتماعي هما الرجل والمرأة، فكلاهما يكاد يشكل نسبة تصل الى النصف في الغالب في الاسهام بصناعة وتطوير المجتمع، مع اختلاف الادوار المناطة بكل منهما، بمعنى ينبغي أن يكون هذان الطرفان في حالة تعاون دائم من اجل البناء، وإنّ تلكؤ احدهما او غياب دوره بصورة تامة او بنسبة عالية، يعني زيادة الاعباء على الطرف الآخر.
وقد أفرزت هذه الحالة نوعا من الصراع بين الاثنين، ونوعا من نزعة التسلط على الآخر، ولأن الرجل يتمتع بقدرات جسمية تفوق قدرات المرأة، لذلك غالبا ما كانت تنطلق شكاوى النساء من ان الرجل يسلبهن حقوقهن في الغالب من اجل تحقيق السيطرة التامة على المجتمع، لذلك هناك (من النساء والرجال معا) من استخدم مصطلح المجتمع الذكوري المتسلط.
وبهذا ينبغي أن يتنبه الرجل الى ضرورة التعامل مع المرأة لا على اساس نزعة التسلط والتفوق الناتجة عن بعض الامتيازات البايلوجية، بل يجب ان يؤمن الرجل بأن الطرفين يجب أن يصلا الى حالة من التواءم التام لانتاج نمط تربوي متميز يسير المجتمع على هديه وغالبا ما يكون مستمدا من الجذور التربوية الاصيلة التي تنطوي على ثروة انسانية كبيرة وأصيلة في الوقت نفسه كما فعل الاسلام في صدر الرسالة، إذ يقدم لنا التاريخ على سبيل المثال دروسا مأخوذة عن حياة المرأة قبل الاسلام، ثم عن ذلك التحول الكبير في اوضاعها في ظل الاسلام، حيث منحها حق التملك وفق ضوابط شرعية بعد ان كانت محرومة من هذا الحق، وكذلك حق التعليم وغيره، ثم هناك التوجيهات المباشرة لتحسين سلوك النساء والارتفاع بمستوى المرأة الاخلاقي والمعنوي من خلال تعاليم الدين الاسلامي الحنيف، فالتبرج على سبيل المثال كان اسلوبا تجميليا تتصف به الجاهلية، لذلك حث الاسلام المرأة على اهمية ان تبتعد عن مثل هذه السلوكيات التي تتجاوز على انسانيتها.
من هنا بدأ دور المرأة المسلمة بالبروز والتبلور وصار لها حيزا واضحا في النشاط الاجتماعي، ومع اننا نقر بوجود النزعة التسلطية لدى الرجل في تعامله مع المرأة، إلاّ ان الاسلام وضع البنود اللازمة لتنظيم علاقة الرجل بالمرأة وأسس لحقوق نسوية لايجوز التطاول عليها.
وقد كان الهدف من ذلك واضحا، فالدور الكبير الملقى على عاتق المرأة يتطلب بناء هاما وقويما لشخصيتها، اذ انها كما ذكرنا تشكل نسبة عالية من تكوين المجتمع، ثم انها تشكل حجر الزاوية في البناء الاسري، اي ان النشء الجديد يفتح عينه بداية في المحيط الاسري الصغير، وطالما ان هذا المحيط يُدار من قبل المرأة الأم، فتأثيرها في البناء سيكون اكثر حجما وقوة.
اذن بإمكان المرأة اذا ما أعدت بصورة صحيحة للقيام بدورها، أن تبني مجتمعا قويا متطورا وقادرا على معايشة الواقع والعصر في كل حال، من هنا جاء تركيز الاسلام على بناء شخصية المرأة، إذ يتعلق هذا الامر بدورها الأساسي والكبير في بناء المجتمع، لذلك حينما يتعامل الرجل مع المرأة في امور الحياة عامة، ينبغي ان لا يتناسى طبيعة دورها الهام في البناء الاجتماعي.
وإذا كان الرجال غير متساوين في نظرتهم للمرأة وطريقة تعاملهم معها وفي ماهية النظرة إليها وحفظ مكانتها واستحقاقاتها كاملة، فهل سيصب هذا في صالح المجتمع؟.
ولعل هذا التساؤل يوجب علاجا تثقيفيا للرجال اللذين لا يفقهون دور المرأة الكبير في البناء الاجتماعي فيخطئون التعامل معها، ويتغافلون عن دورها حيث تقودهم نزعة التسلط والامتلاك فتنسيهم القيمة الكبرى للمرأة وامكاناتها العظيمة في تربية النشء الجديد وفق مبادئ وسلوكيات تصنع منهم مجتمعا عصريا ناجحا.
ان دور المرأة المعاصرة في حالة تطور وازدياد وفقا لتضاعف الحاجة الى بناء اجتماعي متطور، لذلك على الاطرف ذات العلاقة في هذا المجال أن تعي دورها ايضا، لتقف الى جانب المرأة وتنمي قدراتها التربوية والفكرية وغيرها كونها العامل الاساس في رعاية وتطوير الاسرة الى مستوى النجاح، لاسيما ان الاسرة هي الصورة المصغرة للمجتمع.