المرأة منذ الأزل, كانت وستبقى رغم كل الظروف والنظريات- تشكل نصف المجتمع- من حيث هي الأم, الأخت, الزوجة, الصديقة, وزميلة الدراسة والعمل.
لكن المجتمع الطبقي أجحف كثيراً وطويلاً بحقها, إذ أنه ومن خلال الرجل, لم يكتفِ بتقييد حريتها, والتي تشكل جزءاً أساسياً من شخصيتها باعتبار أنها إنسانة لها آمال وطموحات وأحلام, وأيضاً هي طاقة إنتاجية فاعلة.
لكنه, ومن خلال الأعراف والتقاليد أيضاً, قد سلبها إرادتها, فباتت إنسانة غير مبدعة, تتنازعها بعض الأهواء والفراغ القاتل. لكنها بدأت تتجاوز حدود قيودها منطلقة للإمساك بحقوقها في الحياة كما الرجل, وقد تحقق ذلك نوعاً ما بعد نضال مرير ودؤوب, وبعد أن أدركت دورها الفاعل في بناء المجتمع, فخرجت للعلم والعمل والحياة.
وهنا سيكون حديثنا عن المرأة لنتناول جانباً جديداً وعميقاً في ذاتها وكيانها, للكشف عن سيكولوجيتها(النفسية) الصحيحة في كافة مجالات حياتها. وهذا ما لم تعره الدراسات القدر الكافي من الاهتمام لدى تناول مواضيع تهتم بالمرأة، باستثناء هذا العمل القيم للدكتور سليم نعامة- كتاب سيكولوجية المرأة العاملة- والذي ارتأيت أن أقوم باستعراضه علَه يلقي الضوء ولو نتفاً على وضع المرأة العاملة.
لقد أهملت هذه الدراسات الجانب الهام في شخصية المرأة, ألا وهو الجانب الانتاجي, والذي اقتصر في نظر المجتمع على عملها داخل البيت, وبعض المهن التي يمكن أن تعمل بها( تمريض, إبرة, آلة كاتبة) معتمدين على أن بنيتها البيولوجية تفرض عليها عدم القيام ببعض الأعمال الشاقة, مع العلم أن هذه الأعمال أصبحت قليلة ونادرة في ظل مجتمع التطور الآلي والتقني, والذي استطاعت من خلاله القيام بنفس الأعمال إلى جانب الرجل. هذا, وقد أوضحت الكثير من الدراسات أن المرأة أقل عرضة للحوادث في العمل من الرجل, وأنها أكثر استقرارية منه في ميدان العمل.
وبالرغم من وجود بعض الأمراض النفسية والاجتماعية التي تقع فيها المرأة العاملة( القلق, الاكتئاب) إلاَ أن مجتمع المهنة والعمل استطاع أن يخلصها من كثير من الأمراض والهواجس التي أُلصقت بها. وبناءً على ذلك, أود إلقاء الضوء في هذا البحث على سيكولوجية المرأة العاملة, وضرورة دراستها من خلال مفهوم جديد ينصفها, ويُطلعنا على معرفة دوافعها الداخلية والخارجية في مجال حياتها العملية.
· المجتمع الصناعي وظروف عمل المرأة:
إن من أهم ظواهر المجتمع الصناعي, هو انفصال سكان العمل عن محيط الأسرة, وهذا ما ترك أثره على نفسية الرجل, إلاَ أنه خلق تحولاً خطيرا في نفسية المرأة التي دخلت ميادين العمل بدوافع اقتصادية واجتماعية. وهذا ما تبدى أكثر وضوحاً في البلدان النامية منها في البلدان المتقدمة. ذلك أن المرأة في البلدان النامية رغم دخولها مجالات العمل, إلاَ أنها مازالت تتحمل مسؤوليات مضاعفة داخل وخارج البيت, مما أدى لأن تتنازعها قيمتان أساسيتان:
الأولى: موقفها مكن أسرتها, والأسلوب الأفضل الذي ستتبعه كأم وزوجة وربة منزل.
الثانية: موقفها من عملها, والطريق الأسلم للقيام بالعمل المسند إليها.
إلاَ أن المجتمع وقف منذ البداية متفرجاً أمام تلك الصراعات التي تعيشها المرأة العاملة, ولم يكتفِ بذلك, بل راح يتهمها بالإهمال, وعدم الشعور بالمسؤولية. وهذا ما دفع البعض إلى مطالبة المرأة بالعودة إلى داخل أسوار بيتها. لذا نجد أن معظم العاملات اللواتي يسكن الريف يتركن عملهن بعد الزواج, بتأثير من المجتمع والزوج بضرورة التفرغ لتربية الأطفال والعناية بالزوج. وهذه الناحية تدعم المطلب الأساسي في دمج المجتمع الريفي بالمجتمع المدني على كافة الصعد( التعليمية, الصحية, الثقافية) لتوفير المناخ الاجتماعي المناسب لاستمرارية عمل المرأة الريفية.
أيضاً من الأسباب الجوهرية والأساسية للتوتر النفسي عند المرأة العاملة في مجتمعنا, هو عدم قناعة المجتمع بضرورة مساعدة الزوج في الأعمال المنزلية, والإشراف على تعليم الأطفال, إذ أن المرأة هي المطالبة أولاً وأخيراً بجميع هذه الأعباء, وأن نسبة(7%) فقط من الأزواج في مجتمعنا ممن يساعدون في البيت. بينما إذا أجرينا مقارنة بين وضع المرأة في مجتمعنا, ووضعها في المجتمعات المتقدمة, نجد أن هذه المجتمعات قد تحررت من كثير من تلك القيود والأحكام الاجتماعية التي تعيق عمل المرأة, حيث الأبناء يساعدون في تلك المهمات, بينما في مجتمعنا ما زالت الأسرة تخضع لمفاهيم وتقاليد لم تعد تتناسب مع تطور الحياة نتيجة خروج المرأة للعمل. فبالإضافية لازدواجية الأعباء داخل وخارج المنزل بقيت المرأة مطالبة بتحمل أعباء نفسية وجسدية, وحتى مادية للقيام بواجبات الضيافة والولائم, وهذا ما يرهقها هي وأسرتها على حدٍ سواء .
· المرأة العاملة... والخدمات المنزلية:
في هذا الإطار ندعو المجتمع أن يوفر للمرأة كل ما يمكن أن يساعدها في التخفيف من أعبائها, حيث نعود جميع أفراد الأسرة على التعاون, وقبول الرجل المشاركة في تأدية بعض الخدمات المنزلية, والحد من الإسراف في كافة المجالات, والاعتماد على الطعام الذي لا يحتاج تحضيره لوقت وجهد كبيرين, وجعل المنتجات نصف المصنعة بأسعار مقبولة. أيضاً معالجة مشكلة المواصلات, بحيث تتحمل الجهات التي تعمل لديها المرأة مسؤولية نقل العاملات من وإلى مكان عملهن, كذلك تأمين دور الحضانة ورياض الأطفال بالشكل الأمثل من جهة المشرفات المختصات والمناهج المعمول بها في تلك الدور, إضافة لتغطية كامل الوقت الذي تكون فيه المرأة في عملها. أيضاً تعديل وتنفيذ القوانين التي تمكن المرأة من تنظيم أوقات عملها, ومنع تشغيل النساء في الأماكن التي تضر بالصحة, أو التي تتطلب ممارسة العمل لمدة طويلة, مما يضطر المرأة للتغيب طويلاً عن البيت, وضرورة تحمل المجتمع لمسؤولياته في ت! أمين الخدمات المشتركة للمرأة العاملة وأسرتها( بيع الأجهزة الكهربائية وغيرها من أدوات الخدمة بأسعار وأقساط معقولة) بحيث تتمكن المرأة من العمل بطاقة وفعالية انتاجية أرقى.
· أما من جهة الوضع النفسي للمرأة العاملة: فقد دلت الدراسات أنها تعاني من القلق والإحساس
بالذنب تجاه أطفالها, وهذا ما يدفعها للتعويض عن غيابها بأن تميل للين أحياناً حتى تكون أماً صالحة, ولكن بذات الوقت فإن الأسر التي تعمل فيها الأم, غالباً ما تكون أكثر انتظاماً وحسماً في أمور الحياة والتربية, وتشجع الأطفال على الاستقلال في أمورهم البيتية الخاصة. إلاَ أنه لوحظ في بعض الأسر أن عمل المرأة يؤثر سلباً على علاقتها بزوجها, وطبعاً هذا ناجم عن الفهم الخاطئ من الزوج لعمل ونفسية المرأة, وعدم مساعدتها, فلو ولج هذا الزوج قليلاً إلى أعماق المرأة لعرف كم هي حنون, معطاءة, محبة, ومؤثرة لغيرها على ذاتها, وخاصة زوجها وأطفالها.
· البناء النفسي للمرأة العاملة:
على صعيد البناء النفسي الداخلي, فقد خلقت حالة العمل وضعاً جديداً للمرأة العاملة, فلم تعد أمام نضال من أجل الحق في الحب والزواج, إنما أمام احتجاج على الأسر النفسي. فقد تولدت أمامها مجموعة من الاحتياجات والاهتمامات التي جعلت منها كائناً متفرداً, حيث حل الانضباط محل الانفعالية, وتقدير الحرية والاستقلال بدل الخضوع واللاشخصية, وتوكيد الذات بدل الجهود الساذجة للتشبع بمآثر الحبيب. وبعد أن كان اعظم همَ للمرأة هو فقدان ذاتها وتخليها عن أناها الخاصة المُضحى بها من أجل الرجل. فلم يعد الحب هو المضمون الوحيد لحياة المرأة, بل تعداه إلى المضمون الاجتماعي والعلم والعمل المبدع الذي هو الهدف الأسمى بالنسبة لها, والأقدس من سائر أفراح القلب. وبعد أن كانت تنكر ذاتها من اجل إسعاد الرجل, فضَلت أن يكون هذا النكران من أجل المجتمع, وكسر الحواجز التي تقوم بينها وبين عملها, وبين تخلفها الذي يحجز كبرياءها وطموحها. ففي مذكرات لإحداهن تصرخ! قائلة:" إني ألعن جسدي الأنثوي, فبسببه لا ترون أني أملك شيئاً أثمن منه بكثير."
لا نريد للمرأة أن تلغي أنوثتها, لأن هذه الأنوثة هي التي تهبها الرقة والحنان والأمومة والأمان, بل عليها أن تعتز بتلك الأنوثة التي تهبها أمومتها وكبرياءها, ولتجعل منها كائناً فعالاً ذا وجود حقيقي ومهم في الحياة. من هنا, فإن العمل علَم المرأة كيف تقهر عواطفها, وتدعم بإرادتها موقفها من الحواجز التي ينصبها لها المجتمع. فمن أجل الحفاظ على حقوقها ومكتسباتها, تجد نفسها مضطرة للقيام بعملية تثقيف وتهذيب ذاتية. فالعمل يخلق لدى الإنسان وعياً جماعياً يعبر عن حياة الناس, كما يخلق سيكولوجية اجتماعية تحدد إطار العمل وحجمه, وتخلق قوة جديدة أساسها التعاون والمنافسة, وإبراز الطاقات الكامنة. وهنا نجد أنفسنا أمام نساء جديدات يخضن نضالاً خفياً من أجل الحياة والمجتمع.
· سمات المرأة السيكولوجية على ضوء دوافع العمل:
مع الاعتراف بحقيقة مفادها, أن المرأة دخلت ميدان العمل نتيجة التغيير التكنولوجي والأيديولوجي الذي طرأ على المجتمعات, إلاَ أن هناك دوافع أخرى- داخلية وخارجية- لعملها. فالمرأة دخلت هذا الميدان بدوافع اقتصادية- اجتماعية ونفسية بآنٍ معاً, ولا يمكننا تقديم دافع على آخر بسبب تركيبة المجتمع الذي تعيش فيه المرأة وظروفه, لذا يمكن تلخيص دوافع العمل عندها بما يلي:
1. احترام الذات التي غالباً ما تسعى لتحقيق طموحات المرأة العاملة.
2. ضرورة الحصول على مكانة اجتماعية من خلال العمل المبذول.
3. الشعور بالمسؤولية والفخر بالمهنة, وتقديم شيء مفيد.
4. الإحساس بالقيمة الاجتماعية التي تتحقق من خلال كون العاملة عنصراً فاعلاً في المجتمع
ويرى علماء النفس, بأن أهم العناصر المرتبطة بالحاجات النفسية الاجتماعية داخل المؤسسة الانتاجية هي:( زملاء العمل, الروح المعنوية التي تخلقها حالة العمل بشكل عام.)
من هنا نقول بوجود علاقة تناسبية بين الروح المعنوية والعمل. حيث أن ارتفاع هذه الروح تزيد مدة البقاء في العمل ومستوياته المختلفة. وأن أهم العوامل من حيث شدة تأثيرها في الروح المعنوية, هو الشعور بالأمن في العمل, التعويض, فرص الترقي, الفوائد المالية كالتأمين. كما تبين أن هناك علاقة بين مستوى الانتاج والروح المعنوية, فكلما ارتفعت الروح المعنوية, ارتفع مستوى الانتاج, والعكس صحيح. وهذا ما يؤثر على الالتزام الفعلي بالتواجد الدائم, وعدم التغيب عن العمل إلاَ لظروف قاهرة.
كما أن الروح المعنوية لا ترتبط عند العاملات دائماً بنوعية ومكان العمل, والظروف المادية في هذا المكان( إضاءة, تهوية, تدفئة) وإنما ترتبط إلى حد ما بالعلاقة الطيبة والإيجابية مع الرؤساء والزملاء, والثقة المتبادلة بينهم.
من هنا نجد أن الظروف الجيدة لمكان العمل, قد تدعم الروح المعنوية والتي ستؤدي لزيادة الانتاج, ولكنها في حد ذاتها لا تخلق هذه الروح, وإنما تلك العلاقات الإيجابية بين العاملة ورئيسها وزملائها, والدافع الداخلي الإيجابي للقيام بهذا العمل.
وفيما يتعلق بدوافع المرأة العاملة على الصعيد الاجتماعي وارتباطه في تحسين مستوى الانتاج أكثر من ارتباطه بالشروط المادية, فإن هذا الموقف الاجتماعي وهذا المنظور, له علاقة طيبة الأثر في نفس العاملة وارتفاع مستوى أداءها لعملها من حيث الثقة المتبادلة والحرية في العمل. من هنا نرى أن الدوافع الحقيقية للعمل, هي دوافع اجتماعية أكثر منها مادية.
· دوافع المرأة للعمل:
إن معظم العاملات يعتمدن في عملهن على دوافع متعددة( داخلية- خارجية).
والدافع الداخلي: هو الإحساس بالمسؤولية تجاه الذات والأسرة والمجتمع, ورفض الوحدة سعياً وراء الأمان والراحة والرضى عن النفس, من خلال إثبات القدرات المهنية والشخصية في العمل والمجتمع.
أما الدوافع الخارجية: فتتمثل في مساعدة الأسرة مادياً, والاعتماد على الذات في حل بعض القضايا والمشاكل الأسرية أو الاجتماعية من خلال العمل.
من هنا نرى أن العمل يخلق تطابقاً واضحاً ما بين القدرات الشخصية, وما بين متطلبات نشاط العمل والمكانة الاجتماعية. إذ أن العمل يُعتبر لدى المرأة العاملة مصدراً لإغناء الشخصية وتطورها, إذ أنه يترك أثره على العمليات النفسية الداخلية أولاً, وعلى المشاعر ونتائج العمل على المدى البعيد ثانياً, ويتحول من مجرد عبء إلى مصدر راحة نفسية وطمأنينة ذاتية.
· المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تعترض المرأة العاملة:
عندما نتحدث عن المشكلات الاجتماعية, إنما نعني تلك العقبات والصعوبات التي تعترض المرأة العاملة كونها أماً وزوجة وربة بيت, وبالتالي مسؤولة بالكامل عن أسرتها وعملها. لذا فإن التوفيق بين هذه المهام يخلق عندها أوضاعاً جديدة تجعل منها إنسانة تعاني من تغيرات متعددة على الصعيد الاجتماعي أكثر مما يعاني الرجل, فترك الأطفال عند الخروج للعمل, مع الاعتراف بأهمية وجودها الدائم مع الطفل خصوصاً في السنوات الثلاث من عمره, باعتبارها المعلم الأول للعلاقات الإنسانية والقيمية, والوسيط المهم بين الطفل والعالم الخارجي, ولانفصالها عنه أسوأ الأثر في شخصيته من خلال شعوره بالقلق وعدم الأمان والارتباك, الأمر الذي يجعلنا نعترف بالدور المميز للأم عن دور الرجل.
من هنا نجد بعض النساء تخف رغبتهن بالإنجاب مع التقدم الوظيفي والمهني نتيجة هذه الارباكات, لأنهن يعتبرن الإنجاب ومسؤولياته عائقاً أمام تقدمهن الوظيفي والمهني والعملي, إضافة لمشكلات أسرية وزوجية قد تنشأ نتيجة ضعف الروابط الأسرية بخروج المرأة للعمل, مما يؤدي لزيادة حالات الطلاق أيضاً. أما على الصعيد النفسي, فتؤكد الدراسات السيكولوجية, أن المرأة العاملة تواجه جملة من الاضطرابات النفسية, مع أنها خرجت للعمل بملء إرادتها, ومع أنها وجدت فيه ذاتها. ومن أبرز هذه الاضطرابات: أ- الاكتئاب والإحساس بالذنب: فهي مشتتة الفكر ما بين أسرتها وعملها, وضرورة قيامها بواجباتها كاملة, وهذا ما ينعكس على تصرفاتها, إذ نجدها مكتئبة يائسة, وعرضة للإحساس بالذنب مترافقاً مع بعض الأعراض الثانوية كفقدان الشهية, الأرق, وربما البكاء المتكرر. وفي حال تفاقم الوضع, تتحول الأعراض الثانوية إلى مرض حقيقي, وتصبح المرأة عاجزة عن الق! يام بأي عمل.
ب- القلق والخوف نتيجة العوامل التالية:
1. للمرأة صلات اجتماعية وأسرية مسؤولة عنها, كالأمومة وغيرها, وعندما لا تقوم بهذه المسؤوليات بشكل إيجابي, يتولد لديها القلق النفسي الدائم, والذي ينتج عنه اضطراب عاطفي بصورة مخاوف متعددة.
2. القلق الناجم عن عدم التوافق في العمل نتيجة ظروف عملها ذاتها, كالتكيف مع الزملاء, وإثبات قدرتها وكفاءتها في العمل, الأمر الذي يؤدي لترك العمل أحياناً, وبالتالي حرمانها من المشاركة في عملية الانتاج. ولأن القلق شكل من أشكال الاضطراب النفسي الذي يدفع للتوتر, أو الخوف الذاتي من حدوث شيء ما, لذا فإنه مسؤول عن ظاهرة سوء التوافق على الصعيدين المهني والاجتماعي.
ج- الانفعال: إن المرأة العاملة غالباً ما تكون تحت ضغط حالة من التوتر والانفعال في المجالات كافة لتحملها المسؤولية كاملة, خصوصاً إذا كان لديها أطفال, فهي مشتتة بين العمل ومشاكله, وما بين دور الحضانة والمنزل ومسؤولياته, إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية التي تتأثر بها المرأة أكثر من غيرها باعتبارها المسؤولة عن تأمين مستلزمات الأسرة من طعام وملبس وغيره, وهذا ما يجعلها تعاني الغربة والضغط النفسي والإرهاق العملي الناتج عن تحملها ما يفوق طاقتها وقدراتها. وهنا فالانفعال يشمل جميع الحالات الوجدانية التي تكون شخصيتها, وعندما يصبح الانفعال مزمناً ولذات الظروف واستمراريتها, والتوهم من وقوع مشكلة أسرية أو مهنية, أو اجتماعية, فإنه يتحول لمرض عضوي. إذ أن هناك أمراض جسدية كثيرة تعود أسبابها العميقة لعوامل نفسية سببها موا! قف انفعالية كأمراض القلب, حالات الإسهال والإمساك المزمنة, التهاب المفاصل, والصداع النصفي, وغيرها من الأمراض التي لا يجدي فيها العلاج الجسدي وحده, ما لم تستجب للعلاج النفسي إلى أقصى حد.
د. الصراع العاطفي والتأزم النفسي: في كل الحالات تكون المرأة العاملة, خصوصاً الزوجة والأم, نهباً للوساوس والمتاعب والإرهاق العصبي, وهنا تقع فريسة للصراع العاطفي الخطير, حيث تبدأ بشعور الكراهية لعملها, لأنه بنظرها سبب بعدها عن البيت, خصوصاً وأن الزوج غالباً ما يلجأ للراحة فور عودته للبيت, بينما هي لا يمكنها ذلك بسبب مسؤولياتها المنزلية الكثيرة, وقد تشعر بالندم لأنها تزوجت, وتحس بالحسد من زميلاتها غير المتزوجات لعدم التزامهن بمسؤوليات البيت والأسرة.
إلاَ أن هذا الصراع النفسي العميق والعنيف تتوقف نتيجته على شخصية المرأة ومدى التزامها واتزانها. فإذا كانت متزنة عاطفياً, فإنها تعالج مشاكلها بتنظيم وقتها ومسؤولياتها, والتكيف وفق الظروف. فلا تتذمر, بل تشعر بقيمة العمل, وتحس بالفرح لدى عودتها للبيت. أما إذا كانت غير ذلك, فنجدها دائمة الشكوى بشكل غير صحيح, ودائمة التغيب عن عملها, وهذا تعبير عن رغبة لا شعورية في التخلي عن العمل. لذلك فإن الصراع النفسي وتشتت المرأة ما بين عاطفتها كزوجة وأم متفرغة, وكامرأة عاملة لا ينتهيان بمجرد زيارة الطبيب النفسي. وتتضح تلك الحالة بشدة حين تقتحم المرأة إحدى المجالات وتنجح في عملها على أكل وجه, وتشعر باستقرار عملي, لكنها بذات الوقت تشعر بحاجة ممارسة أمومتها بحرية. مثل هذه المرأة تحاول التوفيق بين عملها وواجباتها الأسرية, فتعمل على تعديل ساعات عملها, أو تغامر باستبدال عملها الناجح, بعمل آخر قد تعاني منه أكثر لكنها ومن أجل الحفاظ قد! ر الإمكان على واجباتها العاطفية والأسرية والمهنية, إضافة إلى التكيف مع الأمومة والعمل, فإنها قد تواجه أيضاً صعوبات أخرى مع الزوج الذي يثور على تعارض عملها مع احتياجاته العاطفية وحياته الاجتماعية, ولا يستبعد ظهور خلافات حادة جراء ذلك على أساس التنافس على سلطة البيت وصولاً إلى المنافسة في الميدان المادي, وينسيان بذلك دورهما الحقيقي والعاطفي كزوجين مرتبطين بمواثيق الزواج, ولكل منهما حقوقه وواجباته.
إن جميع هذه المشاكل, تحتضنها المرأة في مواقفها العملية والاجتماعية, مما يسبب لها مع مرور الزمن أمراضاً نفسية قد تكون حادة.
· رعاية المرأة العاملة: لأن المرأة تمثل في كافة البلدان طاقة كبيرة وفعالة, تُعنى هذه البلدان في
إشباع حاجاتها المادية والاجتماعية والنفسية بدرجات متفاوتة , وبحسب أنظمتها وقوانينها, عن طريق تأمين الاحتياجات المادية اليومية والصحة والتعليم, وممارسة نشاطها الاجتماعي والترفيهي. كل ذلك من اجل أن تتخلص المرأة من مشكلاتها النفسية والاجتماعية سالفة الذكر, ومن أجل أن تتمتع المرأة العاملة برعاية تتمثل في توكيد الضمانات الممنوحة لها في التشريعات الاجتماعية, بعدم تشغيلها في أوقات لا تناسبها, ووجوب توفير الرعاية اللازمة لها في فترات الحمل والولادة والإرضاع.
وقد وضعت بعض المقترحات لتخفيف العبء عن المرأة العاملة, وتتضمن ما يلي:
1. مشاركة الزوج وكل أفراد الأسرة في مسؤوليات البيت, والتوجيه من خلال وسائل الإعلام لتوعية المجتمع بهذا الخصوص, وتعديل الاتجاهات الأسرية والأفكار والعادات التي ترفض مساعدة الرجل, كذلك التوجيه لدى أسرنا بعدم الإسراف في كميات ونوعية الطعام, وتوجيه نظر المرأة للابتعاد عن البذخ في اللباس, والاعتماد على البسيط والأنيق منه. والاهتمام بالصحة والنظافة لتوفير الجهود ما أمكن بعيداً عن المرض.
2. مراعاة القوانين والأنظمة الخاصة بالعمل لظروف وطبيعة المرأة كأم وزوجة, والابتعاد عن تكليفها بدوام يتطلب غياباً طويلاً عن البيت, إضافة لتأمين وسائل النقل من وإلى العمل لاختصار الوقت والجهد, وقيام وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع المنظمات الشعبية والنقابات لزيادة عدد رياض الأطفال ودور الحضانة, وتزويدها بمشرفات مختصات في مجال التربية.
3. أيضاً استصدار تشريع يعطي الأفضلية والتسهيلات اللازمة للمرأة العاملة ونقلها بين إدارة وأخرى بما لا يتعارض مع مصلحة العمل ويتفق مع ظروف المرأة العاملة.
من هنا نجد أن الرعاية الاجتماعية للمرأة العاملة تخلق وضعاً نفسياً ومهنياً جيداً, إذ أنها تعدل السلوك الشخصي والمهني, وتخلق شخصية متوازنة متوافقة مع المجتمع والعمل في وقت واحد. ومع كل ذلك, فلقد أوضحت الدراسات السيكولوجية الحديثة, أن المرأة أقل عرضة للحوادث, وهذا ينفي عنها عدم حرصها وتركيز انتباهها في عملها, وأنها أكثر انتاجية, ولديها طاقة أكبر على التلاؤم مع عملها حتى في الشروط الصعبة والقاسية. وأهم ما تتميز به المرأة العاملة أنها أكثر استقلالية واستقرارية في عملها من الرجل. ونود من الدولة والمجتمع إنصاف المرأة بشكل عام, والعاملة بشكل خاص, لأنها وبكافة الحالات تشكل نصف المجتمع, وهي طاقة هائلة والمدرسة الأولى لخلق الأجيال التي ستعمل على تطوير المجتمع بكل نواحيه ومجالاته.
المصدر: إيمان أحمد ونوس
نشرت فى 4 يوليو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,867,649