قال صلى الله عليه وسلم " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهوداه وينصرانه ويمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء " وفي رواية " حتى تكونوا تجدعونها"
فشخصية الإنسان واصل تكوين هذه الشخصية تُبنى ويوضع أساس لبناته منذ الطفولة ، وترافقه في مراحل حياته المختلفة ، وقد تطرأ بعض التغيرات على هذه الشخصية ومهما كانت قوتها أو ضعفها فإنها تكون طفيفة سطحية سرعان ما تطغى عليها الأسس الخاصة بالبناء في المراحل الأولى من حياته .
وتتضافر عوامل عدة تتكامل فيما بينها في هذا البناء لتنشئ في النهاية إما عضواً صالحا أو عضواً فاسداً في المجتمع ، ذكر الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه النافع : منهاج القاصدين آداباً نحو الصبي إذا بلغ سن التمييز فينبغي أن يحسن مراقبته ومطالعة أحواله فان قلبه جوهرة ساذجة وهي قابلة لكل نقش ن فان عُود الخير نشأ عليه وشاركه أبواه ومؤدبه في ثوابه ، وان عُود الشر نشأ عليه وكان الوزر في عنق وليه فينبغي أن يصونه ويؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق ، فإذا ظهرت في وجهه أنوار الحياء وكان يحتشم ويستحي من بعض الأفعال حتى يراها قبيحة ، فهذه هداية من الله تعالى إليه وبشارة تدل على اعتدال الأخلاق وصفاء القلب .
ومن هذه حاله فهو مبشر بكمال العقل عند البلوغ ، فينبغي أن لا يهمل عن رعاية الاعتناء في حقه بحسن الأدب .
ومن العوامل التي تشارك في بناء الشخصية الأسرة والمجتمع والمؤسسات التعليمية التربوية ووسائل الأعلام المختلفة .
وتعتبر المؤسسات التعليمية التربوية من أهم هذه العوامل بعد الأسرة حيث إنها تساهم بدور كبير وفعال في بناء شخصية الفرد وتوجيهه مستقبلاً سواءاً كان طبيباً أم معلماً أم مهندساً أو تاجراً .... الخ
ومما لا شك فيه أن هذه المؤسسات التعليمية متمثلة بمن فيها من أكاديميين وإداريين ومناهج لو عملت صادقة وجاهزة على تأهيل وتربية من تحت أيديهم من طلبة وطالبات ليكونوا دعاة يسيرون على طريق الإسلام القديم ، وان يُرسخ في نفوسهم العقيدة الصحيحة ، وعلى أن واجب كل فرد منهم أن يكون داعية بين أسرته وفي مجتمعه وفي عمله وفي كل مكان يتواجد فيه بغض النظر عن طبيعة عمله آخذا قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " بلغوا عني ولو آية " وقوله " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الإيمان " وان أمر الدعوة ليس مؤكولا لرجال الحسبة فقط لاصبح ذلك صبغة ملازمة له مثل أكله وشربه ونومه ولكان ذلك هاجسه أينما أقام أو ارتحل ، ولقد سمعنا عن كثير من الدعاة والداعيات كان أساس توجههم لهذا الطريق هو ما حصلوا عليه من تربية وبناء للشخصية منذ نعومة أظفارهم في المراحل الأولى من حياتهم من أسرهم ومن المؤسسات التعليمية التي التحقوا بها.
فهذه قصة ترويها إحدى طالبات طب الأسنان تقول : لقد نشأت في أسرة ملتزمة حرصت على تعليمي في مدرسة يتميز من فيها من معلمات وطالبات بالالتزام بتعاليم الدين الإسلامي وتطبيقه ، فتكاملت تربيتي في الأسرة مع المدرسة ن ومن الأمور الني حرص كليهما على تعليمي إياه والسعي لاصلاحه مع اخوتي وصديقاتي أن كل فرد منا مأمور أن يقوم بالدعوة إلى الله والسعي لاصلاح المجتمع وان المرء لا يكمل أيمانه إلا بهذا الأمر، وعند التحاقي بالكلية بدأت أشاهد كثير من الممارسات الخاطئة في العبادات والمعتقدات لم اكن أشاهدها من ذي قبل سواءاً من الطالبات أو المحاضرات أو الدكتورات أو حتى المريضات ، فأخذت أُمارس دوري كداعية في إصلاحها دون خوف أو خجل بالرغم من تعرضي لكثير من المضايقات والاستهزاء ، ولم يثنيني ذلك عن عزمي وذلك لمعرفتي بان هذا الأمر ليس تفضلاً مني لهن بل ليقيني أن هذا ذلك واجب علي كمسلمة ، مما دعى بعضهن إلى أن يستجب لي بل وتعدى الأمر إلى أن يحذون حذوي واصبحن داعيات إلى جانب عملهن كطبيبات يقتدى بهن .
ومن هنا تتضح أهمية المؤسسات التعليمية في تنشئة الطبيب الداعية والمهندس الداعية والمعلمة الداعية بل وكل فرد في هذا المجتمع .
وما أجمل أن يقترن الطب بالدعوة إلى الله ، حينئذ لا يقتصر أن يكون دور الطبيب هو معالجة الأبدان من أمراضها بل يتعداها إلى تخليص القلوب من ادرأنها ، ويا سعادة من يكون مريضاً عند مثل هذا الطبيب ، سعادته في الدنيا بالشفاء والعافية في بدنه وسعادته في الآخرة بحصوله رضوان ربه ودخوله جناته ، ويكون ذلك بإعطائه الأدوية اللازمة لمعالجته من مرضه أو تذكيره بربه وتلقينه الشهادة عند احتضاره
فهذه قصة حدثت لأحد الأشخاص الأتقياء الصالحين ودور الطبيب الداعية معه ، ومفادها أن هذا الشخص سمع بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم " كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم " فحفظه واخذ يردد معه هذه الكلمتان ، وذات يوم مرض هذا الشخص وأعيت أهله الحيلة في معالجته فأُستدعي له طبيباً لفحصه وقبل أن يتم ذلك طلب منه المريض كعادته مع كل شخص يراه أن يسمع منه الحديث السابق الذكر ويردده معه ، فاحب الطبيب أن يرد عليه حديثه بحديث أخر خاصة وانه أحس أن المريض الذي أمامه تبدو عليه علامات الاحتضار فذكر له حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " من كان آخر كلامه من الدنيا شهادة أن لا آله إلا الله دخل الجنة " ، وطلب منه أن يردده معه فذكرها المريض ثم لفظ أنفاسه ومات فما أجملها من خاتمة تنتهي به إلى الجنة بإذن الله ، وكان للطبيب الداعية يداً بعد الله سبحانه وتعالى في ذلك ، نسأل الله أن يختم لنا بنا ختم به لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وبما ختم به لهذا الشخص الصالح وان يقيض لنا من عباده الصاحين من يًذكرنا بشهادة أن لا آله إلا الله إنه سميع مجيب والقادر عليه !.
لا تقتصر الدعوة إلى الله والعمل الإسلامي على قطاع الرجال فقط بل لابد من النساء القيام بهذا الواجب في مختلف مواقعهن، المرأة في ذلك مثل الرجل تماماً، بل قد يكون دور المرأة في الدعوة إلى الله أخطر لأن المرأة هي المدرسة الأولى للأجيال، فإذا صلحت صلُح المجتمع. ومما يؤكد لنا أهمية وضرورة ممارسة المرأة للدعوة وجود نصوص من الكتاب والسُنَّة تفيد اشتراك المرأة مع الرجل في خطاب التكليف كقوله تعالى: (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)). كذلك وجود نص صريح خاص بتكليف النساء بالدعوة كقول الله تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم : ((واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة)). وقد تكون الطبيبة أعظم مسئولية لأنها الأكثر علماً ولأن البعض قد يقتدي بها ولمخالطتها المجتمع بأكمله على اختلاف طبقاته ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئاً ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه)). وبالمقابل فإن تحقيق هذا الواجب في حق الطبيبة سهل ولله الحمد فالناس يتقبلون من الطبيب مالا يتقبلون من غيره ، والطبيب يأتي إليه الناس دون أن يكلّف نفسه عناء الذهاب إليهم.
الطبيبة الداعية تعلم أن الدعوة إلى الله سبيل الأنبياء و باب للأجر تستطيع أن تبني به جبال من الحسنات ولأن يهدي بها الله امرأة واحدة خير لها من حمر النعم. الطبيبة الداعية تعلم أن الدنيا معبر لدار المستقر و تعلم أنها محاسبة على كل صغيرة وكبيرة.
الطبيبة داعية بأخلاقها وتعاملها، داعية بحجابها و حشمتها،داعية بحيائها وامتثالها للأوامر الإلهية مهما كلفها ذلك، داعية بلسانها ومالها، داعية بسنّها السنن الحسنة و الصلابة في الحق و عدم تقديم التنازلات وأن لا تخاف في الله لومة لائم، داعية بتغييرها المنكر .
الطبيبة داعية بنشرها الخير وأمرها بالمعروف بين زميلاتها، الطبيبة داعية بتواضعها و تسامحها و نصح مريضاتها، الطبيبة داعية بتفقيههن بأحكام الطهارة والصلاة وتذكيرهن بتجديد التوبة واللجوء إلى الله والتوكل عليه.
الطبيبة الداعية تعلم أن النصرانية ما انتشرت إلا على كفوف الأطباء فتسعى حثيثة لأن تقدم الدعوة للدين الحق والعلاج بل وتحرص على دعوة من يخالطنها في مجال العمل من غير المسلمات.
الطبيبة الداعية تصبر نفسها مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجه الله، الطبيبة الداعية تحتسب ما قد تلاقيه من صنوف الأذى فهي داعية قبل أن تكون طبيبة، بل داعية وهي على مقاعد الدراسة في كلية الطب.
الطبيبة الداعية أدركت أهمية العلم الشرعي فسعت حثيثة في طلبه فهي تعلم أنها متى ما أخلصت النية فالله تعالى يبارك في أوقاتها وعملها .
الطبيبة الداعية تعلم أنها مطالبة بإتقان عملها و تحتسب هذا العمل فتقلب عملها ودراستها إلى عبادة تثاب عليها.
الطبيبة الداعية يتردد في قلبها هذا الخطاب (( مضى عهد النوم يا خديجة)) فتنهض للعمل لهذا الدين.
الطبيبة الداعية تعلم أن الطب أرض خصبة للدعوة ، لإنارة المشاعل ، لهداية الحائرين ، الطب طب للأرواح قبل الأبدان .. طب للنفوس والأفئدة التائهة .. علاج للقلوب المضطربة .. إنارة لدروب الحيارى بآي القرآن..!!.
الطبيبة الداعية أمل الأمة فلتعد كل طالبة طب نفسها لتكون هي ولتنشط كل طبيبة لتدارك ما فاتها.