فإن العمل الخيري المنظم عبر الجمعيات والمؤسسات الخيرية نموذج من نماذج التكافل والتراحم الاجتماعي الذي يدل على تماسك الأمة الواحدة. والإسلام قد عنى عناية كبيرة بالترغيب في عمل الخير بشتى أنواعه.
فمما يؤكد مشروعية الأعمال الخيرية التطوعية قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] والخيرات تشمل جميع أنواع والبر والإحسان، وكذلك كل عمل يقدم لمنفعة الآخرين، بدءاً من إدخال السرور إلى نفوسهم وانتهاءً بتفريج كربهم وقضاء حوائجهم.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] فكما أن المسلم مطالب بالركوع والسجود والعبادة لله وحده لا شريك له؛ فهو مُطالَب كذلك بفعل الخير؛ بل إنه مطالب بالمشاركة في فعل الخير، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2] ومطالب أيضاً بدعوة الآخرين وتشجيعهم على فعل الخير، قال تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}.
بل إنه إذا دل على فعل الخير فله أجر الفاعل له، قال عليه الصلاة والسلام:(من دل على خير فله مثل أجر فاعله). وإذا لم يستطع أن يفعل الخير ولا أن يدعو إليه، فإنه مطالب بأن ينوي فعل الخير. فقد يكون هو والفاعل للخير في الأجر سواء كما جاء في الحديث.
ومما يؤكد أهمية العمل الخيري ذلكم الربط العجيب بين فعل الصلاة وفعل الخير، حيث يقول الله تعالى موبخاً أهل النار: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر: 42-44] يعني: أضعنا حق الله بإضاعة الصلاة، وأضعنا حق المسكين بعدم إطعامه.
فالإسلامُ لا يكتفي بالدعوة إلى إطعام المسكين؛ بل إنه يحض على إطعام المسكين، قال تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1-3]، وقال تعالى: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الفجر: 17، 18]، وقال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 33، 34].
ثم إن العمل الخيري التطوعي المنظم والذي تقوم به المؤسسات والجمعيات الخيرية له أهمية كبرى خاصة في هذا العصر، حيث تعتبر الأعمال التطوعية الخيرية من أهم العوامل التي تهتم بها الدول، حيث تعد الجمعيات والمؤسسات الخيرية أنموذجاً للعمل الخيري التطوعي المنظّم؛ لأن تلك الجمعيات والمؤسسات الخيرية تنظم تلك الأعمال، وتسهل تطويرها، واستمرارها، وحمايتها من الانحراف أو الاستغلال، في عصر قل فيه أثر الاجتهادات الفردية، وحل محلها العمل الجماعي المنظم، مما يهيئ فرصاً واسعة لترشيد أعمال الخير وحمايتها.
ثم إن هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية تتمتع بالثقة والنزاهة والسمعة الحسنة حيث إن القائمين على هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية يتم اختيارهم بعناية فائقة، جعلتهم محل الثقة، ومصداق ذلك الخطابات المتعددة المتكررة التي ترد لهذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية من الداخل والخارج تشكر فيها القائمين على هذه الجمعيات على ما قدمته للناس من صدقات وعلم ودعوة، فضلاً عما يستقبل به دعاتها ومسئوليها من حفاوة وترحيب في كل بلد تطأه أقدامهم.
ثم إن المتابع لمناشط هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية يدرك الدور الكبير الذي قدمته هذه الجمعيات في تخفيف المعاناة عن المحتاجين والفقراء من المسلمين في كثير من دول العالم.
وفي بلادنا - بحمد الله - قد بدأ الاهتمام بالعمل الخيري التطوعي منذ وقت طويل، وذلك انطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف الذي يحث على فعل الخير ويدعو إلى البر والإحسان والعطف على المساكين ومد يد العون والمساعدة للمحتاجين.
فقد حَرصت هذه البلاد المباركة على تأكيد أهمية العمل الخيري التطوعي في مختلف الميادين. بل استمر التأكيد على دور هذا القطاع طوال خطط التنمية.
وأمر آخر: وهو أن هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية أنشأت بأمر المسئولين في هذه البلاد وتحت نظرهم، وهم يرعون مناشط هذه الجمعيات إقراراً منهم قولاً وعملاً بأهميتها.
و ما وصلت إليه هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية من تطور وتوسع في الخدمات والبرامج إنما هو بتوفيق الله عز وجل أولاً ثم بالدعم والتشجيع والمتابعة المستمرة من قبل ولاة الأمر في هذه البلاد وفقه الله الذين يولون هذا العمل الخيري كل الدعم والمؤازرة والتشجيع تحقيقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي الذي يحث عليه ديننا الإسلامي الحنيف.
وقد استشعرت القيادة الرشيدة في هذه البلاد الطيبة أهمية العمل التطوعي وإيجاد المؤسسات التطوعية في خدمة المجتمع فعملت على تنمية هذا الجانب فأصبحنا نجد في كل مدينة وقرية وهجرة العديد من المؤسسات الخيرية التي تعمل بجهود تطوعية وتغطي مجالات عمل مختلفة.
وقد شهدت السنوات الأخير زيادة ملحوظة في أعداد المؤسسات الخيرية التي تعمل بجهود تطوعية وازداد عدد أفراد المجتمع الذين يسهمون بجهودهم وأفكارهم ووقتهم ومالهم في خدمة العمل التطوعي مما يؤكد ازدياد الشعور الاجتماعي بالعمل التطوعي وأهميته.
والزعم بأن العمل الخيري يمول الإرهابيين دعوى وتهمة لا دليل عليه. فهذه المؤسسات والجمعيات الخيرية كما معلوم ومشاهد لها مجالس إدارات، ولها محاسبون، ولها دفاتر وسجلات، ولها وارد وصادر.
ومن المعلوم: أن الجمعيات والمؤسسات الخيرية في الممكة العربية السعودية تخضع لإشراف صارم من قبل وزارة الداخلية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الشؤون الإسلامية.
ثم هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية تملك نظاماً مالياً وإدارياً واضحاً يخضع للمراقبة والتطوير، وهي تعمل في معظم الأحيان بالتعاون مع الدول التي تحتضنها وتقدم تقارير دورية عن مشاريعها وإنجازاتها.
وختاماً: أسأل الله الكريم من فضله أن يديم على بلادنا الأمن والرخاء. وأن يجزي المحسنين خير الجزاء وأوفاه. وأن يوفق القائمين على أعمال الخير أحسن الجزاء وأوفاه، وأن يحفظ هذه الجمعيات من كيد الكائد، ومكر الماكرين إنه جواد كريم.
فهذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية تعمل وفق خطط مدروسة ومعلنة يعرفها القاصي والداني والصغير والكبير.
ثم إن المؤسسة والجمعيات الخيرية تتقيد بأنظمة الدول التي تعمل فيها ولهذا حازت على شهادات شكر وعرفان من الدول والحكومات والجمعيات الأهلية والحكومية.
ومن أراد مصداق ذلك فليقم بزيارة تلك المؤسسات والجمعيات الخيرية ليروا بأم عينه خطابات وشهادات الشكر من شتى الدول نظير جهودها الملموسة سواء في الداخل أو الخارج.
بل إن هناك سيل جارف من الخطابات التي تصل من رؤساء الحكومات والدول والتي تطلب هذه المؤسسات بممارسة نشاطها الدعوي والإغاثي في دولهم.
وبالتالي فإن دعوى أن العمل الخيري يدعم الإرهاب دعوى باطلة يكذبها الواقع، وإلا فإن المتابع والراصد لأنشطة هذه الجمعيات في الداخل والخارج يدرك أثرها الكبير في نشر العلم الصحيح الذي يحمي الشباب من الانحراف في تيارات التطرف والغلو.
ويدرك أيضاً دورها الاجتماعي في سد حاجة المحتاج، وجوعة الجائع، وعلاج المريض، التي ربما أدت هذه الأمور إلى الغلو والتطرف بسب العوز والحاجة والانتقام.
ثم إن هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية لها أنظمة ولوائح تنظم أعماله، وتحدد صلاحيات أجهزتها والعاملين فيها ومسؤولياتهم، إضافة إلى الأجهزة والمجالس الرقابية التي من شأنها مراقبة سير أعمال هذه المؤسسات والجمعيات وتقويم أدائها.
المصدر: مجلة الدعوة
نشرت فى 5 يونيو 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,781,428