الجمعيات الأهلية وتحدى مكافحة الفقر

من المنظور التاريخي ارتبطت الجمعيات الأهلية، أو المنظمات التطوعية، في مصر وأغلب دول العالم بمواجهة الفقر ، وقد تمثل ذلك – خاصة منذ منتصف القرن التاسع عشر- في ميلاد وتأسيس سلسلة من الجمعيات الخيرية ( مثال ذلك الجمعية الخيرية الإسلامية ، والتوفيق القبطية..)، كما اتسمت أيضاً الجمعيات النسائية الأولى قبل بداية القرن العشرين بتوجهاتها الخيرية.

هذا، وإذا تابعنا على مدى التاريخ الاجتماعي المصري، الاستمرار والانقطاع في ملامح الجمعيات الأهلية، سوف نقف على حقيقة مهمة ، وهى أن أبرز ملامح الاستمرار تتمثل في التوجه الخيري على مدار قرن ونصف القرن تقريباً، لسنا في هذا السياق في موقف نقدي للجمعيات الخيرية التي تتوجه إلى دعم ومساندة الفقراء، فهي قديمة ومستمرة في مصر والمنطقة العربية ككل، إلا أننا نطرح في مقابل العمل الخيري التقليدي – الذي يعتمد على علاقة مباشرة بين مانح ومتلق – نطرح فكرة التمكين التي تستهدف توسيع خيارات الناس، بتوفير قدرات ومهارات لهم. توفر لهم الاعتماد على الذات. إن الاقتراب الأخير ليس مجرد اقتراب تنموي حديث، وإنما هو يتعامل مع أسباب ظاهرة الفقر التي تتمثل في انخفاض الدخل وغياب التعليم وعدم توافر فرصة العمل، وما يحيط بكل ذلك مما يعرف بثقافة الفقر (3).

إن الجمعيات الأهلية في مطلع الألفية الثالثة، قد سجلت مؤشرات إيجابية على محور مكافحة الفقر، تتمثل فيما يلي:

1. توجه نحو تسجيل جمعيات في الألفية تنشط في مجالات التنمية والدعوة Advocay، ففي عام 2004 تم تسجيل 660 جمعية أهلية جديدة تنشط في مجال العمل التنموي، من أهمها جمعيات تدريب وتأهيل وقروض صغيرة ومشروعات صغيرة، والعشرات تتوجه نحو تمكين المرأة الفقيرة ومحو أميتها وتأهيلها للاستفادة بالقروض الصغيرة، وأخرى تنشط في مجال النهوض بالتعليم، وفى مجال البيئة، واتجهت عشرات من الجمعيات نحو التوعية والدفاع عن الحقوق السياسية والمدنية، والاقتصادية والاجتماعية.

2.     الملمح الثاني في مواجهة تحدى الفقر، تحولات في منهجية عمل جمعيات خيرية تقليدية، فبعد أن كانت تعتمد أسلوب البر والإحسان، أي العلاقة المادية المباشرة بين مانح ومتلق، اتجهت إلى منهجية تطوير الاعتماد على الذات       ( القروض الدوارة والتدريب والتأهيل )، ومن هذه الجمعيات ما عرف تاريخياً بالتوجه الخيري التقليدي، وجمعيات لها سمة دينية، إسلامية ومسيحية.

3.     وفى نفس هذا السياق نسجل نماذج للدور الرائد الذي لعبته بعض المنظمات الأهلية الكبرى، وأبرزها الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، والتي اتجهت – في خبرة متميزة – إلى بناء قدرات جمعيات أهلية صغيرة – خاصة في الوجه القبلي – لكي تتوجه إلى التنمية المحلية في المحافظات وفى الريف المصري تحديداً. هنا اتجهت الهيئة المذكورة إلى بناء شبكة من حوالي 250جمعية أهلية ن وقامت بجهد جيد في بناء قدرات هذه الجمعيات،من خلال : التدريب على الإدارة الحديثة والبناء المؤسسي ،ودراسة احتياجات المجتمع المحلى ،وتنشيط المشاركة المجتمعية للتعاون مع الجمعيات ، بالإضافة إلى التوعية بالدور التنموي ،وتقديم الدعم المادي والفني .. وعبر السنوات الأخيرة نشطت شبكة الجمعيات هذه – بدعم الهيئة الإنجيلية – في مجالات تنموية، كانت بعيدة عنها من قبل.

4.     نسجل أيضا ضمن المؤشرات الإيجابية لمكافحة الفقر ودور الجمعيات الأهلية، الجهود المتميزة لبعض الجمعيات في المناطق العشوائية التي تتركز فيها ظاهرة الفقر للنهوض الشامل بالمجتمع المحلى، من خلال تطوير البنية الأساسية ( المساكن والصرف الصحي ) والتعليم والتدريب، وتوفير فرص عمل والخدمات الصحية الأساسية. ولم يقتصر ذلك على عشوائيات القاهرة ( ومن نماذجها عزبة الوالدة، حكر السكاكينى، والدويقة، الزبالين بالمقطم) وإنما أمتد إلى خمس عشوائيات في محافظة السويس تم تطويرها بالكامل ، وأمتد إلى بعض عشوائيات محافظة الإسكندرية.

5.     نسجل ضمن جهود الجمعيات الإيجابية لمواجهه الفقر ، التوجه إلى التركيز على النساء المعيلات لأسر (16.7% من إجمالى الأسر ) ،وهى قضية رئيسية تتعلق بتمكين المرأة ،وكان للمجلس القومى للمرأة الدور الأساسى فى تعبئة الجهات الحكومية والأهلية لدعم المرأة الفقيرة المعيلة لأسر في مصر . وقد قاد هذا التوجه شراكة فاعلة بين المجلس القومي للمرأة وما يقرب من 300 جمعية أهلية في مختلف المحافظات ، ومن المهم الإشارة إلى الدراسة الرائدة التي سبقت تنفيذ هذا المشروع ، ففي الوجه القبلي حيث ينفذ المشروع في 8 محافظات وداخل 14 قرية ، تبين أن الغالبية العظمى من السيدات 92% أميات في مقابل 86% في قرى الوجه البحري التي ينفذ فيها المشروع ، كما تبين أن 11 % و 10% على التوالي في الوجهين القبلي والبحري لا تتوافر لدى النساء المعيلات بطاقات شخصية ، وأن 71% منهن أرامل .. وقد قدرت الدراسة المذكورة متوسط الدخل الشهري للنساء العاملات منهن 94 جنيهاً في الوجه القبلي و 113 جنيهاً في الوجه البحري (4) .

وفي مواجهة ظاهرة فقر المرأة المعيلة اتجهت شبكة الجمعيات الأهلية  بشراكة المجلس القومي للمرأة ، نحو تدريب وتأهيل المرأة المعيلة للاضطلاع بمشروعات صغيرة ومن خلال القروض الصغيرة .

6.     الجدير بالذكر أيضاً قيام جمعيات أهلية بدور المنظمة الوسيطة ، وما بين المانحين والنساء الفقيرات ، بهدف تحقيق التمكين الاقتصادي ، أحد الأمثلة أو النماذج الدور الذي تلعبه جمعيات رجال وسيدات الأعمال في أسيوط لتوفير القروض والمشاريع الصغيرة ، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج المهارات الحياتية للمرأة المعيلة ، ويقدر عدد السيدات الفقيرات المستفيدات من الجمعيات الأهلية – في مجال التمكين الاقتصادي- بحوالي 32.000 سيدة.

7.     أحد المظاهر الإيجابية في دور الجمعيات الأهلية في مواجهة الفقر شراكة مؤسسات أكاديمية جامعية ، في بعض المحافظات مع الجمعيات لرفع نوعية حياة المرأة الفقيرة .

نذكر على سبيل المثال مشروع المرأة بكلية الزراعة في الفيوم ، والذي اتجه إلى تدريب المرأة الريفية الفقيرة على مهارات الحياة الأساسية ، وتطوير دورها لإنتاج الغذاء ، بالإضافة إلى القروض الصغيرة (1000 مستفيدة من الجمعيات الأهلية ) .

8.     من المظاهر الإيجابية أيضاً لدور الجمعيات الأهلية في المحافظات للحد من الفقر ، الدور الشامل الذي لعبته الجمعيات في محافظة السويس بدعم من محافظة السويس وفرع المجلس القومي للمرأة في السويس، في اتجاه الحد من فقر المرأة . اتجه هذا الدورنحو التدريب التحويلي لقطاع من النساء ، والتدريب بمراكز الأسر المنتجة ، ودعم المشروعات المتنامية الصغر .. وصاحب ذلك محو أمية النساء وتوفير حوافز إيجابية لهن ، ومن أهمها توفير بطاقة الرقم القومي ، استفاد من جهود الجمعيات ، وفقاً لإحصاءات محافظة السويس 3673 مستفيدة ، بالإضافة إلى 1300 تم تدريبهن ، وعدد 180 حالة استحقت معاش الضمان الاجتماعي .

الخلاصة إذن ، أن المؤشرات- في غياب البيانات الشاملة- تكشف عن توجه جاد من

جانب قطاع كبير من الجمعيات الأهلية للحد من الفقر والتركيز على النساء المعيلات .

وكان للشراكة دور متميز في بعض النماذج ، كما كان حفز المشاركة الشعبية اعتباراً

آخر مهماً يفسر النجاح لهذه النماذج .

يبقى في سياق مكافحة الفقر التأكيد على عدة توصيات :

1-    توفير مسوح شاملة وقاعدة بيانات ، عن توصيف الفقر وملامح وصفات الفقراء لتيسير إمكانية التوجه إليهم بسياسات وبرامج شاملة .

2-    تقييم انعكاسات مشروعات التدريب والتأهيل والقروض الصغيرة، على الفقراء عامة ، والمرأة الفقيرة خاصة ، وذلك بهدف تطوير السياسات والبرامج .

3-    التوجه إلى القطاع الخاص من خلال استراتيجية متكاملة ، تطبق في كل محافظات الجمهورية ، لتعميق قيمة المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال وحثهم على دعم دور القطاع الأهلي في جهود الحد من الفقر .

4-    دراسة النماذج الناجحة لجهود الجمعيات الأهلية في المحافظات، وإلقاء الضوء على القصص الناجحة ، والاعتبارات التي كفلت نجاح هذه الجهود .

العمل على بناء قدرات الجمعيات الأهلية ، بهدف خلق الأبنية المؤسسية الناجحة ، التي توفر فرص أكبر لنجاح جهود الجمعيات – في إطار اقتراب شامل –لمكافحة الفقر .

المصدر: د. أماني قنديل
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 139/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
47 تصويتات / 3795 مشاهدة
نشرت فى 5 يونيو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,746,266

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters