فرض تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال المتسارع نفسه على واقعنا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، من الاتصال الفضائي المباشر عبر الأقمار الصناعية والهواتف المحمولة، إلى ثورة المعلومات والتواصل التي ترافقت مع ظهور شبكة الإنترنت والمواقع الإلكترونية ومنتدياتها، إلى ظهور ما تفرع عن هذه الشبكة من شبكات كـ " فيس بوك"، و" تويتر"، و " يو تيوب"، وغيرها من مواقع العلاقات الاجتماعية التي يتجاوز عدد مستخدمي الواحد منها مئات الملايين من البشر، وما أفرزته من مجموعات (جروب) ينتمي إلى عوالمها الافتراضية مئات الآلاف أو ملايين الأشخاص، كل ذلك حدث في زمن لا يتعدى العقدين الأخيرين من الزمن.
وقد بات واضحا أن أكثر المتفاعلين مع هذه التطورات والأكثر تأثرا بها هم شريحة الشباب، سواء في جوانبها الإيجابية أو السلبية؛ وهو ما فرض واقعا يجب التعامل معه وفهم أبعاده من قبل أرباب الأسر ورجال التربية والفكر والثقافة، والتعاطي مع مزيد من قفزاته المتوقعة وما ستفرزه في الأعوام القادمة، دون خوف مبالغ فيه، أو تهوين وتهاون يصل حد تبسيط الأمور أو التعامل معها بروح اللامبالاة والتطنيش، ودون انغلاق غير مبرر، أو انفتاح غير محسوب العواقب.
من الأمور الإيجابية التي تحسب لهذا التطور التكنولوجي الرقمي هو بروز ما يعرف بـ "التطوع الإلكتروني" أو "التطوع الافتراضي" أو "التطوع أون لاين" في السنوات الأخيرة. كان هذا التطوع في بداياته يتم بصور جزئية وقليلة؛ بسبب محدودية توافر خدمة الإنترنت لدى الناس، لاسيما في البيوت والعمل، أما الآن فإنه يتسع كماً ونوعا، وربما تمدد وبنسب معتبرة على حساب التطوع الميداني والذي يتم على أرض الواقع.
لا يخفى أن الشباب في دولنا العربية جعلوا من الإنترنت وسيلة إعلام وتواصل رئيسة فيما بينهم؛ لذا فإن من الخطأ أن لا نأخذ هذه التغيرات بما فيها من جاذبية للشباب بعين الاعتبار، والتركيز عليها لاستقطابهم إلى العمل التطوعي، خصوصا أن ثمة إحصاءات تشير إلى تضاعف عدد المستخدمين للإنترنت باللغة العربية بنسبة تصل إلى 940%؛ أي بحوالي عشرة أضعاف ما بين عام 2000 وعام 2007، رغم أن العربية من اللغات الأقل حضورا على الشبكة العنكبوتية. ولا شك أن تحديث هذه الإحصاءات سيكشف عن مزيد من الحقائق المذهلة، خصوصا ما يتعلق باتساع آفاق المجموعات ( الجروب) على المستويات المختلفة التي تبدأ من مستوى المؤسسة أو المدرسة أو الجامعة، وتمتد لتصل إلى مستويات محلية كالمناطق والمحافظات، وصولا إلى مستويات دولية وإقليمية ودولية.
إن لموضوع التطوع في أوساط الشباب تظهر أن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي لعبت دورا في توسيع نطاق التطوع بأوساطهم، ودعم العملية التطوعية المجتمعية بشكل عام، وتزايد اقتناع الجهات المعنية بأهمية هذه الشبكات ودورها التوعوي، وإن كان الأمر ما زال بحاجة إلى مزيد من الاهتمام والعناية لمواكبة التطورات المتسارعة.
من الأمثلة العملية المهمة في هذا المجال إطلاق ناد تطوعي إلكتروني بالمملكة العربية السعودية، تحت مسمى "لبيه"، حيث يراد له تنفيذ خطة ( 15× 15×15) التي تهدف لجمع بيانات 15 ألف متطوع، و 15 ألف فكرة تطوعية، بحلول العام 2015، تشمل بيانات المتطوعين ومهاراتهم الأساسية والتدريبية، وتجاربهم السابقة في العمل التطوعي، وفق استراتيجية مدروسة لتنظيم العمل التطوعي، وإيجاد قاعدة بيانات حقيقية ومنظمة، وسد ثغرة العشوائية في بعض الجهود التطوعية عند حدوث الأزمات والكوارث.
وعلى موقع " فيس بوك " ـ ومثل ذلك في المواقع المشابهة ـ تجد آلاف المجموعات التي تعنى بالعمل الخيري والتوعوي بأوجهه المختلفة، منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ تدشين ألف شاب مصري مجموعة أطلقوا عليها " يتيم يتحدث"؛ للمساعدة على كفالة أكبر عدد ممكن من الأيتام، وتحت شعار "بلسان العديد نتحدث.. وبعيون الكثير نرى.. بيد المسكين نتودد.. وبدموع الطفل بنّكوي"، انطلقت مجموعة "قلوب سودانية نابضة بفعل الخير"، وبحسب ما نقله موقع MBC عن مؤسسي المجموعة قولهم إن شبكة "فيس بوك" ساعدتهم كثيرا في عملهم الخيري، والذي يتوجه بالأساس إلى دعم الطفل اليتيم، وتوسيع دائرة المتبرعين والمتعاونين، حيث أسهم بشكل واضح في تعرف الكثير من رجال الخير على المجموعة التي صارت تعتمد على تبرعاتهم. ومن المؤكد أن هناك مجموعات أخرى في دول عربية وإسلامية، ومنها ما يتعدى نشاطها دولة بعينها ليتسع لكل الدول الخليجية، أو للعالم العربي بأكمله، أو للعالم بأسره.
إن العوالم المحيطة بجيل الشباب تتغير من يوم لآخر ومن سنة لأخرى، ومن المهم فهم هذه الأجواء وكيفية استثمارها في الأمور الإيجابية إذا أردنا التأثير فيهم والإفادة من أدوراهم في التنمية ونهضة مجتمعاتهم، ومن الخطأ النظر إلى هذه الشبكات التواصلية بعين الريبة أو الاستهتار فقط، لمجرد أن نسبة معتبرة من هذه الشريحة العمرية تستخدمها للدردشة أو التعارف بكل ماله وعليه، أو لأشياء سلبية أو مؤذية.
ومن المهم أن ندرك أن التطوع الإلكتروني، خصوصا مع تطور التكنولوجيا الاتصالية الهائل، يكمّل التطوع الميداني ويدعم وظائفه، وقد يتمكن المتطوع الإلكتروني من أن يحقق ما لا يستطيع المتطوع العادي القيام به، سواء على مستوى طرح الأفكار أو المشاريع، أو حشد الدعم أو التأييد لها، أو تقديم الدورات والاستشارات، أو نشر الخير وتعميمه.. وفي كلٍ خير.
نظرا لعدة عوامل -لعل أهمها عدم توفر الوقت بالنسبة لبعض الناس- ظهرت فكرة التطوع الإلكتروني أو الافتراضي، ولا يزال هذا المصطلح غريبا على مجتمعاتنا العربية، و إن كان هناك من يقوم به دون أن يدري، وإن كان بشكل غير ناضج تماما، فمثلا تجد أحدهم يقوم بالترويج لموقع يحبه بإرسال جديد هذا الموقع بالبريد لأصدقائه باستمرار، والحملات التي تنادي للدفاع عن الرسول صلى الله عليه و سلم أو تستنكر موقفا سياسيا لأحد الحكومات، وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى، و لكن دعونا أولا نبدأ بتعريف هذا المصطلح.
التطوع الإلكترونى يعني بمنتهى البساطة: "المهام التطوعية التي تتم بصورة كلية أو في جزء منها، خلال شبكة المعلومات الدولية الإنترنت، سواء من البيت أو من العمل"، ويعرف أيضا باسم التطوع الإلكتروني، والتطوع الأون لاين.
من المهم أن ندرك جيدا أن التطوع الافتراضي ليس بديلا عن التطوع بمعناه المتعارف من قبل على أرض الواقع، وإنما يتوازى معه في بعض الأحيان، و في أحيان أخرى يكمل أحدهما الآخر
و من المهم كذلك أن ندرك أن هذا النوع من التطوع قد أتاح لنا الكثير من المميزات باستخدامه لتقنيات الإنترنت المختلفة - فالتطوع الإلكتروني يوفر فرصة وصول لقدر أكبر من المجتمع لم نكن لنصل إليه من خلال الوسائل التقليدية للتطوع، فبالنسبة لفئة من الناس هو بوابة التطوع الوحيدة، بينما لآخرين هو وسيلة إضافية تساعدهم على برنامجهم التطوعي الموجود أصلا، وفي كلا الحالتين فهو وسيلة جيدة لصقل المواهب و استغلال الوقت.
ما أهمية التطوع الإلكترونى؟
التساؤل المنطقي التالي الذي كان سيدور في ذهني لو أنني سمعت عن التطوع الإلكتروني هو "ما أهمية هذا النوع من التطوع؟!" ، و إليكم ذلك في نقاط محددة:
· بعض المتطوعين الفعَّالين لا تستطيع الوصول إليهم بالوسائل التقليدية؛ فيوفر الإنترنت وسيلة التواصل معهم.
· يوجد بين الناس من لا يحب العمل على أرض الواقع؛ لما يشمله ذلك من الكثير من التحرك أو المجهود العضلي الذي لا يحبه؛ فيكون الإنترنت وسيلة مثالية لتوظيف هؤلاء.
· يتيح الأون لاين فرصة لمن يريد الاشتراك أن يعيد تقييم نفسه ومهاراته قبل التقدم لعمل تطوعي ما، أو جهة تطوعية ما، بما سيوفر الكثير من الوقت اللازم لتصنيف مهارات المتطوع و توظيفها في الاتجاه الصحيح.
· بعض المتطوعين كذلك يحبون التواصل على الأون لاين، أو إرسال بريد إلكتروني ، أو ملء استمارة تسجيل عن هواياته المفضلة.
· هناك بعض الحالات الإنسانية التي تمنع محبي التطوع من التطوع التقليدي، مثل الإعاقات الجسمية،أو ساعات العمل الكثيرة التي لا تتيح لمن يعملها الوقت الكافي للتطوع على أرض الواقع، أو حتى أن تكون لدى الفرد مشاكل في التنقل بصفة عامة.
· المتطوعون عبر الإنترنت هم أصدقاء أكثر للبيئة، فهم لا يستهلكون الوقود، و ليس لديهم أية فضلات من الورق ناتجة عن عملهم ... إلخ.
كثير من الشباب عندما توجه لهم نصيحة بأن يتخلوا عن السلبية وينخرطوا بشكل فعال في الأنشطة المجتمعية والخدمية ذات الطابع التطوعي، يسارعون بالرد، في تلقائية غالبا ما تعبر عن الصدق وقلة الحيلة معا، بالقول: ماذا نفعل؟ دلونا على الطريق أو الوسيلة أو خذوا بأيدينا إلى أول الطريق وحينها ستروا منا ما يسركم.
هذا الرد لا يخلو من وجهة نظر منطقية مبررة، لكن بعض الشباب الواعد رفض الانتظار حتى يأتي من يأخذ بأيديهم إلى أول الطريق، وحاولوا أن يساهموا في خدمة مجتمعهم ولو بـ"كلمة"، وما يدعو للإعجاب بهؤلاء الشباب الذين أنشئوا عددا من المواقع الإلكترونية لنشر أفكارهم أنهم ينفقون عليها من جيوبهم بشكل تطوعي، وهم لا يزالون في مقتبل العمر خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة التي نمر بها حاليا.