يخطئ من يظن ان من يديرون شؤون المصارف يملكونها، ولذلك فاتهام المصارف بعدم الإسهام في الأعمال الخيرية بطريقة «مباشرة» وبنسبة «كبيرة» من صافي أرباحها، اتهام ليس في محله، حتى وان كانت دوافع بعض المتهمين نبيلة. ويعود سبب خطأ هذا الاتهام، أياً كانت دوافعه، بالدرجة الاولى، الى ان المصارف شركات مساهمة، ولذلك فإن واجب القائمين عليها أولاً وآخراً هو رفع قيمة أسهم ملاكها.
وهي في الحقيقة تقوم بأعمال خيرية لها دور كبير في دفع عجلة التنمية ورفع مستوى المعيشة للمواطنين كافة، فكبار ملاك أسهمها، المستثمرون الحقيقيون لا المضاربين، من اهم الداعمين للأعمال الخيرية المنظمة ذات التأثير الأدوم. ولو اكتفينا بذكر أسرة واحدة، لوجدنا ان أسرة الراجحي -على سبيل المثال - أشهر من أن تذكر إسهاماتها في الأعمال الخيرية كافة. غير أن سليمان الراجحي - مثلاً - أو عبدالله السليمان الراجحي، لا يملك الأحقية للتبرع بنسبة كبيرة من ارباح شركة الراجحي المصرفية لأن أسهمها تباع وتشترى، ومن اهم ما يحدد أسعار أسهمها مستوى أرباحها، اي انهم (آل الراجحي) لا يملكون كل أسهمها، غير ان ذلك لم يمنعهم ولم يمنع امثالهم قط من التصدق من أموالهم الخاصة.
ويعرف كل مراقب موضوعي أن آل الراجحي ليسوا الوحيدين من كبار ملاك أسهم المصارف السعودية الذين يبذلون من أموالهم الخاصة لمصلحة الاعمال الخيرية. وخصصناهم بالذكر – من دون سواهم من الآخرين - لأن الجميع يعرف شيئاً عنهم.
ولعل دور المصارف الاهم في التنمية الاقتصادية الشاملة، وفي رفع مستوى معيشة المواطن تحديداً، هي بحثها الجاد عن المواطنين واستقطابها لهم، ذكوراً وإناثاً، المناسبين لطبيعة اعمالها، وتدريبهم وتوظيفهم. وقد تجاوزت نسبة السعوديين بين موظفي المصارف السعودية 80 في المئة وزادت على ثمانين بين كل مئة موظف مصرفي في غالبيتها. ولا يختلف اقتصاديان مؤهلان على ان ايجاد فرص عمل للمواطنين بكل ما يشمل ذلك من تأهيلهم وتوظيفهم من فوائد لهم وللاقتصاد الوطني، من اهم اعمال الخير التي تحفظ للناس كرامتهم وترفع كفاءتهم وتعلمهم بصورة ملموسة الطرق السوية لكسب مصدر معيشتهم.
وبما للمصارف من أهمية في تأثير مستوى السيولة، ولأنها مسؤولة عن الحفاظ على أموال مودعيها وسلامتها، فإنها لا بد من ان تخضع لإشراف السلطات النقدية عليها. ولا يمكن السماح لكل من اراد ان يفتح ابواب مصرف بأخذ ودائع الناس، وكأنه يفتح محلاً تجارياً لبيع السلع والخدمات.
ان الاعمال المصرفية أشمل من بيع خدمة او سلعة، لأن المصارف اولاً وأخيراً مؤتمنة على اموال الناس. وهي من اهم، ان لم تكن الأهم، في حفظ المدخرات وزيادة مستويات الاستثمار. والاستثمار في نهاية المطاف أهم اداة لرفع أو خفض مستوى نسبة النمو.
والتنمية، كما يعرف كل ذي علم، في جوهرها ليست محصورة في نسبة النمو الاقتصادي. غير ان الخوض في الفوارق بين النمو والتنمية ليس موضوعنا.
(انظر كتاب الدكتور غازي القصيبي، التنمية: الاسئلة الكبرى، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1992).
وفي الوقت الحاضر، وفي جميع البلدان التي تشرف على شؤون المصارف فيها، جهات تنظيمية فاعلة، صارت المصارف من اهم ادوات الجهات الامنية لمراقبة ومتابعة عمليات تنظيف أموال الفئات الاجرامية بكل أنواعها من مؤسسات الرعب والترويع الى مهربي المخدرات والسموم.
وبإجماع كل مؤسسات الاشراف على سلامة الأعمال المصرفية العالمية، فإن السلطات النقدية في السعودية، من أفضل نظيراتها في الدول الصناعية المتقدمة، وفي النامية، على حد سواء، في أداء المناط بها من واجبات. وهذه الكفاءة الرقابية لمؤسسة النقد السعودية - البنك المركزي - ليست جديدة طارئة اذ تم إرساء قواعدها منذ اوائل الستينات.
اما الذين يقارنون عدد المصارف في السعودية بنسبة عدد السكان في بلدان أخرى أصغر بكثير من السعودية، فإنهم قد يخلطون بين المصارف التي تخضع لرقابة السلطات المحلية وبين الأخرى التي لا تخضع لسلطة أحد والمسماة خارج السواحل أو الـ «اوف» «شور».
وعلى اية حال، فإنه بالمقاييس المصرفية العالمية، فإن المواطن السعودي، لا يقل عن غيره حتى لو قارناه مع نظرائه في الدول الصناعية، من حيث سهولة حصوله على جميع ما يحتاج إليه من خدمات مصرفية بأقل التكاليف، تقدمها مجموعة مصارف متنافسة. فكل منها- بل كل فرع من فروع المصرف الواحد- يسعى إلى كسب رضا عملائه ومحاولة استقطاب اضافيين.
ان المقياس الحقيقي لإيجاد المنافسة التي ترفع الكفاءة النقدية والاقتصادية لا ترتكز على ضخامة عدد المصارف، والعدد بحد ذاته لا يضمن توافر خدمات مميزة للمواطن، لأن الإلمام بتفاصيل جودة هذه الخدمة امر معقد ينبغي ترك تحديد وسائل تحقيقه للسلطات النقدية. وطبيعة عمل البنوك المركزية، كساما، لا تسمح لها، في معظم الأحيان، بشرح أو تفسير كل ما تتخذه أو ما لا تتخذه من قرارات حتى تتحقق أهم الواجبات المسؤولة مباشرة عن تحقيقها، والتي تشمل الحفاظ على قيمة العملة وتجذير الثقة في جميع مؤسسات القطاع المصرفي والنقدي في الداخل والخارج بصورة عامة وسلامة اموال المودعين قبل أي اعتبار آخر.