يعد العمل الخيري وتنظيمه في إطار جمعيات خيرية وإنسانية هو الخطوة الأولى فى تاريخ التأسيس بالجمعيات العربية؛ وذلك نظراً لتأصيل أعمال الخير في المجتمعات العربية ـ بصفة عامة ـ كجزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي المتأصل في أعماق الوجدان العربي، أو عبر الوازع الديني والذي يتمشى مع الأحكام والمباديء والتعاليم الدينية في الدين الإسلامي الحنيف، الذي يحض على التكاتف والترابط والتكافل الاجتماعي بين أعضاء المجتمع. ونلاحظ أن هذا العمق القيمي والديني للعمل الخيري والإنساني في المجتمعات العربية أدى إلى أن تكون الجمعيات الأولى من حيث النشأة في تلك المجتمعات مرتبطة بالطابع الديني، فلقد ظهرت أول منظمة خيرية شعبية عبر التاريخ العربي في إطار الزهد والداعين إليه، والتي تعكس الارتباط القوي بين الدين والعمل الخيري والتكافل من جانب أخر، والمنظمات التي تدعو إلى إشباع الجانب الروحي لدى المسلم، الدورة الشهرية عند الرجال الدورة الشهرية عند الرجال هي منظمات تطوعية غير رسمية، نشأت في القرنين الأول والثاني الهجري، تضم مجموعة من المسلمين الذين التفوا حول معلم أو قائد ديني؛ من أجل التقرب إلى الله من خلال الصلاة والعبادة.
وهذه المنظمات لا يقتصر دورها على الدعوة الدينية والعمل الخيري؛ وإنما يمتد إلى مجالات الرعاية الاجتماعية والخدمات الصحية والتعليمية، كما أن هناك نسبة عالية من المنظمات الخيرية والإنسانية تتوجه إلى الطبقات الفقيرة في معظم المجتمعات العربية، مثل جمعيات كفالة اليتيم، ذلك المشروع الذي استطاعت من خلاله بعض المؤسسات المتاحة بالتعاون مع الجمعيات الخيرية في معظم المجتمعات العربية والعالم الإسلامي من كفالة عشرات الآلاف من الأيتام، أو عمل المشروعات الخيرية. وهي فكرة قامت بها هيئة الإغاثة بالمملكة العربية السعودية؛ حيث قامت بفتح العديد من المشروعات الخيرية، واعتبرتها قناة من قنوات التوزيع للوصول إلى الفقراء والمحتاجين والمحسنين، أو من خلال منظمات تموينية، ويعكس ذلك إدراكاً من جانب هذه المنظمات لتفاقم الفقر في بعض الأقطار العربية التي تعاني من ضغط وتحولات في سياستها الاقتصادية نحو آليات السوق، وتقلص دور الدولة.
كما أن هناك بعض المؤسسات والجمعيات الإنسانية في دولة قطر والإمارات العربية مثل الجمعية القطرية لرعاية الأيتام والمعوقين، وجمعية دار البر في دبي، ومؤسسة زايد بن سلطان للأعمال الخيرية والإنسانية، والتي تهدف إلى القيام بأعمال الخير والبر والإحسان والنفع العام داخل الدولة وخارجها. وتحظى الجمعيات الخيرية والإنسانية بدعم كبير من جانب الدولة؛ حتى إن ميزانية جمعية خيرية واحدة مثل دار البر في دبي تفوق ميزانيات جميع الجمعيات المهنية عدة مرات. وهناك بعض الجمعيات الخيرية والإنسانية مثل الهلال الأحمر في جميع الدول العربية قد حققت ـ خلال مسيرتها القصيرة ـ إنجازات مميزة مكنتها من أن تتبوأ مكانة مرموقة على الصعيدين المحلي والإقليمي والدولي. وفي ظل استجابة الجمعيات الخيرية والإنسانية للمتغيرات المجتمعية والدولية اتجهت بعض هذه المنظمات الأهلية نحو الاهتمام ببعض القضايا التي تشكل فيها الثقافة أبعاداً أساسية، ومن ذلك الاهتمام بالدفاع عن حقوق المرأة ومشاركتها، والاهتمام برعاية المسنين والمعاقين، فلقد بلغ عدد منظمات حقوق الإنسان فى مصر حوالي (110) منظمات أهلية موزعة في جميع المجتمع المصري. ولعل هذا يكشف عن إدراك ووعي من جانب المنظمات الأهلية والتطوعية بالتعاون مع القضايا السياسية أيضا، كما أن استجابة المنظمات الخيرية والإنسانية للظروف الاستثنائية التي تمر بها بعض الأقطار العربية ـ حروب أو كوارث في لبنان وفلسطين والسودان ـ هو مؤشر آخر لتفاعل هذه المنظمات مع المتغيرات المجتمعية، فالمنظمات الأهلية في الضفة الغربية وغزة تتوجه ـ في الفترة الحالية ـ نحو الاستعداد لبناء الأساس في الدولة الفلسطينية، وقد أدت تلك المنظمات في الأراضي الفلسطينية دوراً مهماً في ظل الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث تنوعت أهدافها وخدماتها، بحيث أصبحت بديلاً عن الدولة في علاقتها بالمجتمع.
وتمشياً مع الظروف المجتمعية ظهرت مبادرات من جانب المثقفين العرب لتأسيس جمعيات خيرية وإنسانية هدفها التنوير الثقافي للمجتمع للدفاع عن الحريات، وكان ذلك رداً للحركة الإسلامية الأصولية في بعض الأقطار العربية، ومن أمثلتها: جمعية النداء الجديدة، وجمعية التنوير، وجمعية المرأة الجديدة في مصر، وجمعيات حماية الأمومة والطفولة، والتي بلغت في مصر حوالي (868) جمعية.
وفي ضوء ذلك يتبين أن الجمعيات الخيرية والإنسانية والأهلية سوف تشهد في المستقبل القريب قدراً أكبر من المؤسسين، وقدراً أكبر من التنسيق فيما بينها على المستوى القطري، وبين المجتمع، كما أنه سوف يكون هناك تفاعل بين المتغيرات التي ترتبط بالتحول الديمقراطي في المجتمع وهذه المنظمات التي تشكل أحد أركان المجتمع المدني. وعلى هذا فإن الإدراك والتجاوب من جانب الجمعيات الخيرية والتطوعية للمتغيرات المجتمعية هو بمثابة إضافة جديدة للأبعاد الإيجابية المبشرة التي توفر مقومات النجاح لها. لكن على الرغم من أن أغلب المشاركين في العمل الخيري يؤكدون نجاح الجمعيات الخيرية في تحقيق أهدافها إلى درجة كبيرة، إلا أن الواقع الفعلي يشير إلى عدم وجود التخصص في الخدمات الإنسانية التي تقدمها هذه الجمعيات، وأن هناك ازدواجية بين الأعمال والمشروعات الخيرية التي تؤديها الجمعيات الخيرية المختلفة؛ إذ إن أغلب هذه الجمعيات تقوم بأدوار متشابهة إلى حد كبير، ولا تكاد تختلف كثيراً في مضمونها وأهدافها.
كما أن الطابع الغالب على عمل الجمعيات الخيرية والتطوعية هو طابع الرعاية الاجتماعية، وليس طابع التنمية الاجتماعية الذي يتطلب التفاعل مع المستفيدين من الخدمات الإنسانية، والمشاركة في تحديد شكل هذه الخدمات.
والجدير بالذكر هنا أن العمل الخيري في المجتمعات العربية يواجه بالعديد من المعوقات التي تعوق تطوير أدائه على الوجه الأكمل، وتأتي المعوقات الإدارية والتنظيمية في مقدمة هذه المعوقات التي تواجه ممارسة العمل الخيري والإنساني، وخاصة ضعف الخبرات والمهارات الإدارية، وقلة الدورات والبرامج التدريبية، وعدم الخبرة في المسائل المالية، فضلاً عن ضعف استثمار موارد الجمعية الخيرية، وضعف الرقابة على المسائل المالية، ونقص الدعم والتمويل الحكومي، والمحاباة في صرف المساعدة للمحتاجين، علاوة على ذلك القيود التي تفرضها التشريعات على العمل الخيري، والهيمنة التي تفرضها الدولة على العمل الخيري والتطوعي، واشتراط الحصول على إذن مسبق لشهر الجمعية الخيرية، وعدم إعطاء الجمعيات حق إبداء الرأي في التشريعات، والعراقيل القانونية بمنح تراخيص لإنشاء جمعيات أهلية جديدة. وعلى هذا فإن تطوير العمل الخيري في المجتمعات العربية يتطلب ضرورة الاستفادة القصوى من العمل الخيري، وزيادة فعالية الجمعيات الخيرية في تحقيق أهدافها، وذلك من خلال العمل على وجود التنسيق والتكامل وعدم الازدواجية بين أعمال الجمعيات الخيرية وغيرها من الجمعيات والهيئات الحكومية ذات الأنشطة المتشابهة. فمثلاً عن ضرورة اهتمام الجمعيات الخيرية ببرامج التنمية الاجتماعية، إلى جانب الاهتمام بالرعاية الاجتماعية لبعض فئات المجتمع، علاوة على ضرورة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في مجال العمل الخيري والإنساني، وكيفية الترغيب فيه، وحث المواطنين على المشاركة في هذا العمل كواجب قومي والتزام إسلامي يؤدي إلى تحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، مع ضرورة تنمية المشاركين في العمل الخيري والإنساني، وتطويرهم إداريا ومهنياً.
وأخيراً، يجب تشجيع الجمعيات الخيرية والإنسانية على تطبيق مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات داخل هذه الجمعيات، سواء فيما يتعلق منها بالمشاركين في العمل الخيري أو المستفيدين منه.