فريدمان عبقري اقتصادي داعياً للحرية
ميلتون فريدمان شخصية اقتصادية أمريكية شهيرة، حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1976م، وذلك نظراً لإنجازاته في تحليل الاستهلاك والتاريخ النقدي ونظريته في شرح سياسة التوازن، كما كانت له العديد من الدراسات والأبحاث الاقتصادية المتميزة والتي استخدمها من بعده العديد من رجال وخبراء الاقتصاد في العديد من الدول.
ويعد فريدمان واحداً من أشهر الداعين للحرية الفردية، وتقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، كما كانت له كتاباته حول السياسة العامة، والعديد من المساهمات الاقتصادية المؤثرة في العديد من القضايا.
النشأة
ولد ميلتون فريدمان في 31 يوليو عام 1912م ببروكلين، هاجر والداه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، واستقرا في منطقة راهواي وهي بلدة صغيرة تبعد عن مدينة نيويورك بحوالي 20 ميل، وميلتون هو الابن الرابع لوالديه سارة إيثل، وجنو ساول فريدمان، وله ثلاثة شقيقات، كانت والدته تعمل على إدارة محل صغير لبيع السلع الجافة، أما والده فقد قام بالمشاركة في عدد من المشاريع التي لم يكتب لها النجاح، فكانت الحالة المادية للأسرة غير مستقرة.
تلقى ميلتون تعليمه الثانوي بمدرسة راهواي والتي تخرج منها عام 1928م، وقبل أن يبلغ السادسة عشر من عمره توفى والده، وأصبحت والدته هي المسئولة عن إعالة ورعاية الأسرة بأقل القليل من المال، وعلى الرغم من هذا عمل ميلتون على توفير المال اللازم من اجل إكمال تعليمه الجامعي.
التعليم
حصل ميلتون على إحدى المنح الدراسية التي أهلته للالتحاق بجامعة روتجرز، هذا بالإضافة لمساعدات مالية من الدولة كانت تقدم له في شكل منح دراسية، تخرج من جامعة روتجرز عام 1932م، وأجتهد بعد ذلك في توفير المال اللازم من أجل إكمال دراسته فقام بالعمل في عدد من الأعمال البسيطة، وبعد أن قام بتكوين مبلغ من المال أتجه للدراسة مرة أخرى فأقبل على دراسة الرياضيات فكان يعد نفسه لكي يصبح اكتوارياً، ولكن اهتمامه اتجه نحو الاقتصاد، فقام بالدراسة بكلية الاقتصاد بجامعة شيكاغو وحصل على درجة الماجستير، ثم درجة الدكتوراه، وأصبح بعد ذلك واحداً من أهم الأعلام الاقتصادية.
المجال العملي
ميلتون مع الرئيس السابق ريجان
شغل ميلتون عدد من المناصب على مدار حياته فكان كبير الباحثين بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد بداية من عام 1977م، كما كان بروفيسيراً للاقتصاد بجامعة شيكاغو في الفترة ما بين 1946 - 1976م، وعضواً بفريق الأبحاث بدائرة الأبحاث الوطنية لبحوث الاقتصاد 1937 - 1981م.
وعضواً في اللجنة الرئاسية التي تشكلت فيما يتعلق بالقوات المسلحة والتي تستند إلى التطوع بشكل كامل 1969- 1970م، واللجنة الرئاسية حول الملتحقين بالبيت الأبيض 1971- 1973م، هذا بالإضافة لكونه عضو بالمجلس الاستشاري للسياسة الاقتصادية في عهد الرئيس رونالد ريجان عام 1981م، والذي ضم العديد من الخبراء.
وعلى الرغم من المكانة العلمية التي وصل إليها فريدمان إلا أنه رفض المناصب السياسية التي عرضت عليه كوزير المالية، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين أثناء حكم الرئيس الأمريكي ريجان.
وفريدمان رئيس سابق لجمعية الاقتصاديين الأمريكيين، وجمعية الاقتصاديين للساحل الغربي، وعضو بجمعية الفلسفة الأمريكية، والأكاديمية الوطنية للعلوم.
وعرف ميلتون كمستشار اقتصادي لكل من الرئيسين الأمريكيين ريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان، كما شارك بخبرته الاقتصادية في العديد من القضايا.
جهوده في مجال الاقتصاد
قام فريدمان بإجراء العديد من الدراسات والأبحاث الاقتصادية، ففي عام 1963م صدر بحث هام له بعنوان "التاريخ النقدي للولايات المتحدة" هذا البحث الذي ساعد في فهم أزمة 1929م، والتي أدت حينها إلى انهيار اقتصادي بالبلاد.
وقام ميلتون بتأسيس ما عرف "بالمدرسة النقدية" والتي تعتبر أن التضخم ظاهرة ناتجة عن زيادة كبيرة في كمية النقد الذي يصدره البنك المركزي، وإن حصر هذه الزيادة في نسبة معقولة " 5% " سنوياً سيكون كافياً للقضاء على التضخم، وبالفعل تم الاستعانة بهذه القاعدة بالمصرف المركزي الأمريكي لمجابهة حالة التضخم والركود التي هددت الاقتصاد الأمريكي في فترة السبعينات، وحققت هذه القاعدة النجاح وقتها وتم القضاء على التضخم، كما تم الاستعانة بها بعد ذلك في مواجهة هذه المشكلة في عدد من الدول.
ولقد تم اعتماد وصايا ميلتون فريدمان في برامج الاستقرار الاقتصادي والتي يقوم برعايتها صندوق النقد الدولي، وحققت النجاح في عدد من الدول النامية.
مواقف وآراء لفريدمان
خاض ميلتون العديد من القضايا الاقتصادية، والتي كان من أبرزها مطالبته من أجل تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد، وإتاحة المزيد من الحرية للأفراد، حيث ركز فريدمان على ضرورة حصر دور التدخل الحكومي في الاقتصاد على مجالات محددة مثل الدفاع والتعليم الأساسي والخدمات مثل الصحة وغيرها.
وكانت لميلتون العديد من الآراء الهامة في مختلف القضايا فكان له موقف صارم ضد الخدمة العسكرية الإجبارية، والتي كان ينظر إليها كنوع من العبودية للشباب الغير راغب في الدخول فيها، وعبر عن آراءه هذه في الكونجرس حيث طالب بإنشاء جيش أمريكي من المتطوعين، وبالفعل نجح فريدمان من تطبيق فكره حيث قام الرئيس الأمريكي نيكسون على التصديق على مشروع قانون يتم بموجبه إلغاء الخدمة العسكرية الإجبارية .
ومن أفكاره الهامة التي قام بعرضها أيضاً فكرة "المدرسة الاختيارية" والتي تقوم على توفير مبلغ مالي لأسر الطلاب ليتمكنوا من خلاله من الاختيار والتسجيل في أي مدرسة خاصة مما يتيح المزيد من الفرص أمام الطلاب وأسرهم لاختيار نوعية الدراسة التي يريدونها وبالتالي تحقيق الكفاءة والتفوق فيها.
وفي مجال العمل الخيري عمل ميلتون على تخصيص جزء من ثروته من أجل إنشاء " مؤسسة ميلتون وروز دي . فريدمان " مع زوجته روز، والتي سعى من خلالها إلى تقديم العديد من الأعمال الخيرية وتنفيذ فكرته في " المدرسة الاختيارية".
مؤلفاته
قدم فريدمان العديد من الكتب الاقتصادية الهامة والتي تم الاستعانة بها على مدار الأجيال سواء من قبل الدارسين أو من قبل خبراء الاقتصاد.
فقام بنشر عدد كبير من الكتب والمقالات والأبحاث منها نظرية عامل الاستهلاك، الكمية القصوى للنقد، التاريخ النقدي للولايات المتحدة، إحصائيات النقد للولايات المتحدة، التوجهات النقدية بالولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.
ومن الكتب الهامة التي ألفها ميلتون كتاب "حرية الاختيار" والذي عرض فيه أفكاره عن ضرورة المبادرة الفردية وضرورة الحد من التدخل الحكومي في الاقتصاد، وكتاب " الحرية والرأسمالية" والذي يحدد فيه ميلتون الدور المناسب للحكومة ضمن نظام السوق الحر المثالي وذلك من اجل المحافظة على الحريات السياسية والاجتماعية.
وميلتون فريدمان هو صاحب الحلقات التلفزيونية الشهيرة " أنت حر الاختيار" والذي تم طبعه في كتاب قام بتأليفه مع زوجته "روز".
كما قدم كتاب " وعود براقة وإنجاز مخز" وهو عبارة عن إعادة طباعة للأعمدة التي كان يقوم بكتابتها بمجلة نيوزويك في الفترة ما بين 1966 - 1983م، وكتاب " استبداد الوضع القائم" 1984م.
قام هو وزوجته روز بنشر مذكراتهما تحت عنوان " ميلتون وروز دي . فريدمان شخصان محظوظان".
جوائز وتكريم
ميلتون بعد حصوله على نوبل
نظراً لجهوده في المجال الاقتصادي حصل فريدمان على العديد من الجوائز والتي تأتي جائزة نوبل في مقدمتها والتي حصل عليها عام 1976م، كما تم منحه ميدالية الحرية الرئاسية عام 1988م، هذا بالإضافة للميدالية الوطنية للعلوم في نفس العام.
كما تم منحه درجات شرفية من عدد من الجامعات في الولايات المتحدة واليابان وجواتيمالا وغيرها من الدول، كما حصل على الوشاح الأكبر للكنز المقدس منحته له حكومة اليابان عام 1986م.
الوفاة
توفى ميلتون في السادس عشر من نوفمبر 2006م عن عمر يناهز 94 عام.