أهمية دور الدولة فى التنمية الاقتصادية

أدت الأزمة الاقتصادية العالمية التي طالت معظم دول العالم تقريبا إلى تجديد التنازع بين دور الدولة ودور السوق في الاقتصاد. ولكن في البداية يجب أن يكون مستقرا في الذهن أنه لا يمكن لاقتصاد السوق أن يعمل في فراغ. فلابد لكي يعمل اقتصاد السوق بكفاءة – لابد له من وجود حكومة تضمن وجود شبكة من اللوائح والقوانين، كما تضمن في ذات الوقت تنفيذ تلك اللوائح والقوانين، وذلك فيما بين الأطراف العديدة التي تتعامل في اقتصاد دولة ما. كما تقوم الحكومة في بعض الأحيان بوضع تعريفات محددة للمعايير التي تتعامل بها، وعلى سبيل المثال فهي تضع قيمة محددة لما يحتويه الجنيه من قوة شرائية، ووزنا معينا لما يحتويه الكيلو جرام من وزن، ... الخ. كما يجب على الحكومة أيضا القيام بجباية الضرائب لدعم أنشطتها، وهو الأمر الذي يؤثر في المقابل على عملية صنع القرار الاقتصادي من خلال أولئك الذين يتأثرون بهذه الضرائب.
إذن فاول دور تلعبه الدولة في الاقتصاد هو حماية تطبيق القانون والنظام العام، واللذين بدونهما لا يمكن لاقتصاد السوق العمل أو الاستمرار. ذلك أن الدور الذي يلعبه وجود شبكة موثوق بها من القوانين هو نفس الدور الذي تلعبه الأسعار في الاقتصاد، كما أن وجود تلك الشبكة من القوانين لفهم وملاحظة ما يحدث في الأماكن التي لا يوجد فيها مثل تلك الشبكة من القوانين. فالدول التي تكون حكوماتها غير فعالة أو تسلطية أو فاسدة يمكن أن تظل فقيرة بالرغم من وفرة الموارد الطبيعية، بسبب عدم رغبة المستثمرين الأجانب أو المحليين في المخاطرة باستثماراتهم الكبيرة المطلوبة لتطوير الموارد الطبيعية إلى منتجات تؤدي لزيادة رخاء تلك الدول.
كما أن " تعطيل القانون " له تكاليفه الباهظة على الاقتصاد. وبالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة الجهاز البيروقراطي على إحداث هذا " التعطيل " عادة ما يعني وجود فرصة لهم لجمع الرشاوى للإسراع بإنجاز الأشياء المطلوبة – وهو ما يضيف إلى زيادة تكاليف أداء الأعمال. وهذا يعني بالمقابل أسعار أعلى للمستهلكين، وبالتالي مستويات أقل للمعيشة بالنسبة للبلد ككل.
وفي اقتصاد بلد معين، لا تشكل الرشاوى مجرد تكلفة على الشركات لأداء الأعمال في هذا البلد بعينه. بل تكون بمثابة حاجز يمنع الشركات الأخرى التي ما زالت بصدد اتخاذ القرار بشأن الأماكن التي تستثمر فيه والأماكن التي تجتنب هذا الاستثمار فيها – وخسارة هذه الاستثمارات يمكن أن تكون تكلفتها على الاقتصاد أكبر كثيرا من قيمة الرشاوى نفسها. وكما أشارت مجلة الايكونوميست: " يأخذ المستثمرون ووكالات المعونة الدولية بشكل متزايد مستوى الرشوة والفساد في الاعتبار عند اتخاذ قراراتهم الخاصة بالاستثمار والإقراض، وذلك وفقا للأسباب الاقتصادية السليمة ".
وليس الفساد وحسب، بل أيضا البيروقراطية المنحرفة يمكنها أن تؤدي لخنق النشاط الاقتصادي. وعلى سبيل المثال، فقد وجد أحد أكثر رجال الصناعة نجاحا في الهند – وجد نفسه مضطرا للبحث عن دول أخرى غير بلده لتوسعة استثماراته فيها، بسبب بطء حركة الجهاز البيروقراطي في الهند.
ومن ناحية أخرى، تقوم الدولة بوضع إطار عام للقوانين التي يجب أن تكون محل احترام من جميع أفرادها. فيجب أن تكون القوانين محل احترام من الجميع، لتدعيم الأنشطة الاقتصادية والرخاء الاقتصادي الناتج عنها. أما إذا اختلف تطبيق القانون تبعا لأهواء الحكام المتسلطين، سواء مع التغييرات في الحكومات المنتخبة بصورة غير ديمقراطية، أو مع جموح أو فساد المسئولين المعينين، فحينئذ سوف ترتفع المخاطر المحيطة بالاستثمارات، وبالتالي فمن المحتمل أن تقل كميات الأموال المستثمرة عن ما يمكن أن تحققه الاعتبارات الاقتصادية القويمة في اقتصاد السوق في ظل إطار من القوانين يحظى بالاحترام.
وفي عدة أجزاء من العالم، يؤدي وجود إطار من القوانين التي تحظى بالاحترام لتشجيع كل من الاستثمار المحلي والأجنبي، بالإضافة لجذب المهاجرين ذوي الخبرات التي يندر وجودها محليا. كما أن قيام الحكومة بفرض الأمن بين أفراد الشعب من الأمور الهامة والجاذبة للاستثمار. فيجب على الحكومة أيضا أن تمنع بعض الأفراد من التدخل في شئون الناس الأخرى، بغرض منع المجرمين والغوغاء من جعل الحياة الاقتصادية خطرة، حتى لا تخنق التنمية الاقتصادية المطلوبة لتحقيق الرخاء.
ومن ناحية أخرى، تعد حماية حقوق الملكية من أهم العوامل الجاذبة للاستثمار والحافزة عليه. فتعد حقوق الملكية أحد أهم مظاهر القانون والنظام العام التي يساء فهمها. وفي حين أن هذه الحقوق تكون محفوظة كمنافع شخصية لأولئك الذين تتوافر لهم حظوظ امتلاك أشياء معينة، فما يهم من وجهة نظر الاقتصاد هو كيف تؤثر حقوق الملكية على تخصيص الموارد النادرة على الاستخدامات البديلة. وتحتاج حقوق الملكية للتقييم من منظور آثارها الاقتصادية على رفاهة السكان على وجه العموم. ويعد هذا سؤالا تطبيقيا لا يمكن الإجابة عنه على أساس الافتراضات أو البلاغة.
وتؤدي حقوق الملكية لإيجاد نظام ذاتي للإشراف، يميل لكي يكون أكثر فعالية وأقل تكلفة من الإشراف الذي يقوم به طرف آخر. وعلى سبيل المثال، فمعظم الأمريكيين لا يمتلكون أي أرض زراعية أو محاصيل زراعية، ولكنهم يمتلكون طعام أكثر وأجود متاح عند أسعار أقل عن الدول التي لا يوجد فيها حقوق ملكية للأرض الزراعية أو غلتها، أو التي تفسد كميات كبيرة من الطعام فيها بلا لزوم نتيجة لذلك. كما ينبغي التنبيه إلى أنه في حالة انعدام حقوق الملكية تظهر مشكلة " المشاع "، أي الاستخدام بلا رقابة على النحو الذي يفسد الاصل المستخدم – على نحو ما قد نفصله في مقال مستقل.
ومن الأشياء الضرورية التي تعمل الحكومة على صيانتها وترسيخها، النظام الاجتماعي. فيتضمن النظام العام السائد ما هو أكثر من الجهاز الحكومي الذي يدير القوانين. فهو يتضمن كذلك الأمانة، والموثوقية، والتعاون بين الناس نفسها. ويمكن أن تتباين الأمانة والموثوقية بدرجة كبيرة بين دولة وأخرى. وكما وضع ذلك أحد المراقبين المثقفين: " في حين انه من غير المتخيل أداء الأعمال في الصين بدون دفع رشاوى، فإن تقديم رشوة في اليابان يعد انتهاكا شنيعا للآداب العامة ". كما يمكن أيضا للأمانة والموثوقية أن تختلف بدرجة واسعة فيما بين المجموعات وبعضها داخل بلد معين، ولهذا أيضا تداعياته الاقتصادية.
وتعتبر الأمانة أكثر من مبدأ أخلاقي. فهي أيضا عامل اقتصادي رئيسي. وفي حين يمكن للحكومة أن تفعل قليلا لبذر بذور الأمانة، يمكنها أيضا دعم أو تقويض العادات التي يعتمد عليها سلوك الأمانة بطرق عديدة. ويمكنها عمل ذلك من خلال ما تقوم بتدريسه في مدارسها، أو الأمثلة التي تعطيها من خلال سلوك المسئولين في المؤسسات العامة، أو من خلال القوانين التي تمررها. فيمكن لهذه القوانين أن تخلق الحوافز تجاه السلوك الأخلاقي أو غير الأخلاقي.
وحينما تجعل القوانين والسياسات الأمانة ممرا مكلفا بإطراد، حينئذ تكون الحكومة قد قامت فعليا بتدعيم عدم الأمانة. ويمكن أن تمتد عدم الأمانة إلى أبعد من القوانين والسياسات محل السؤال إلى عادة أكثر عمومية تتمثل في عدم الالتزام بالقوانين وطاعتها، بحيث تؤذي الاقتصاد والمجتمع بأكمله.

المصدر: محمد حسن يوسف http://saaid.net/Doat/hasn/163.htm
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 104/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
35 تصويتات / 2901 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,878,281

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters