دور الزكاة في التنمية الاقتصادية ..
تلعب الزكاة دورا حيويا في إنعاش الاقتصاد و تحقيق التنمية و ذلك نتيجة لثلاثة عوامل أساسية و مترابطة و هم محاربة الاكتناز و تشجيع الاستثمار و تشجيع الإنفاق.
من أهم الأهداف التي تسعى إليها الزكاة هي منع اكتناز الأموال و بقائها كموارد ساكنة لا تقدم منفعة حقيقية لاقتصاد المجتمع. و يتضح هذا المبدأ عند معرفة أن الإسلام لا يشجع إبقاء قطعة أرض لمدة أكثر من ثلاثة سنين دون إعمارها. و هذا المبدأ يعد أكثر أهمية بالنسبة للأموال السائلة و التي لا يجب أن تبقى مكتنزة و غير مستخدمة. و هذا المفهوم يتوافق مع مبادىء الاقتصاد العالمي الحالي و الذي يؤكد أن اكتناز الأموال من أهم العوامل التي تعوق التنمية الاقتصادية للدولة لأن هذه الموارد الراكدة لا تدخل في عجلة الاقتصاد و بالتالي تقلل من حجم الموارد المحلية. و من ثم، فإن ذلك يؤدي إلى مستوى تنموي أقل بكثير مما يمكن أن يتحقق لو أن كل الموارد موظفة و مستخدمة في إنعاش الاقتصاد.
إلى جانب ذلك، فإن مفهوم الزكاة يشجع ضمنيا استثمار الأموال المكتنزة لأن أموال الزكاة إذا لم تستثمر و تنمى سوف تتلاشى مع مرور السنين.
و بالتالي فإنه من الأساسيات أن تستثمر الأموال لكي تنمى و تدفع الزكاة من أرباح هذا الاستثمار و ليس من أصل رأس المال. على صعيد آخر، فإن أموال الزكاة لا يجب أن تستخدم فقط لسد احتياجات الفقراء الاستهلاكية مثل الطعام و الملبس، إنما يجب أن تستخدم في خلق أدوات للاستثمار لهؤلاء الفقراء حتى يستطيعوا بدورهم أن يمتلكوا أدوات الإنتاج التي تضمن لهم دخل ثابت و بالتالي سد احتياجاتهم بصفة مستمرة.
و ذلك يعني أن أموال الزكاة يجب أن يستفاد بها في أن تحول الفقير إلى عضو عامل و منتج في المجتمع كل حسب مهاراته و قدراته لكي يتمكن من التخلص من حالة الفقر و الاعتماد على مساعدة الآخرين بصورة تضمن استقلاله الاقتصادي.
و من ثم، يجب استخدام أموال الزكاة في بناء المصانع و المؤسسات التجارية و خلق أنشطة مدرة للدخل لتحول الفقراء من متلقين للزكاة إلى دافعي الزكاة. و تلك الوسيلة في استخدام أموال الزكاة تعد من أكفأ الوسائل التي تحول المجتمع بأكمله إلى مجتمع منتج به تنمية بشرية و اقتصادية و خالي من البطالة و الفقر. و لذلك، فإن الزكاة إذا استخدمت بهذه الطريقة سوف تساهم في إرساء العدل في المجتمع و تقليل الفجوات القوية بين الطبقات الغنية و الفقيرة .
العامل الاقتصادي الثالث المرتبط بالزكاة هو مبدأ تشجيع الإنفاق. طبقا للنظريات الاقتصادية المعاصرة، الاستثمار وحده ليس كافي لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية إن لم يتواجد السوق الذي يستوعب شراء المنتجات الصادرة عن هذه الاستثمارات. فهناك علاقة مترابطة بين الاستثمار و الإنفاق لأن تقليل الإنفاق يؤثر على السوق و يقلل من قدراته على استيعاب المنتجات مما يجعل الكثيرون غير راغبين في أن يجازفوا بأموالهم في استثمارات جديدة. و لو نظرنا إلى القرآن الكريم، لوجدنا كلمة إنفاق مذكورة خمسة و سبعين مرة في نطاق تشجيع المسلمين على صرف أموالهم على شكل زكاة و صدقة. و ذلك ليس فقط لتطهير النفس و مساعدة الفقراء و المساكين و لكن أيضا لأن مبدأ الإنفاق يساعد على تداول الأموال مما يؤدي إلى زيادة الطلب في الأسواق و إنعاش الاقتصاد. و يتضح ذلك أيضا من تشجيع الإسلام على الإنفاق ليس فقط على الفقراء و إنما أيضا على أهل البيت مما يعد في حد ذاته صدقة. مما سبق، يتضح أن الأموال لا يجب أن تكنز و أن أموال الزكاة يجب أن تستخدم في مصارف استثمارية و استهلاكية في آن واحد لكي تحقق دورها الفعلي في إنعاش الاقتصاد.