authentication required

دور تنمية الموارد البشرية فى النهوض بالتنمية الإقتصادية ..

إن الموارد البشرية هي الثروة الرئيسية للأمم ، فرأس المال المادي والموارد الطبيعية رغم أهميتهما وضرورتهما إلا أنهما بدون العنصر البشري الكفء والمدرب والمعد إعداداً جيداً لن يكون لها قيمة ، وذلك لأن البشر هم القادرون على استخدام هذه الموارد وتسخيرها في العمليات الإنتاجية للحصول على أقصى إشباع ممكن وصولاً إلى تحقيق الرفاهية ، فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على الاختراع والابتكار والتطوير يمكن أن يقهر ندرة الموارد الطبيعية ويوسع من إمكانيات المجتمع الإنتاجية.


ومما لاشك فيه أن الموارد البشرية تمثل شرطاً أساسياً لتحقيق التنمية الشاملة ، فالدولة التي تعجز عن تنمية مواردها البشرية لا يمكنها أن تحقق أهدافها المرجوة ، فقد ثبت أن العقل والجهد البشري هو الذي يؤدي إلى التطور والتقدم ، فهو ضروري لتوفير رأس المال واستغلال الموارد الطبيعية وخلق الأسواق والقيام بعمليات التبادل التجاري... إلخ ، فهناك دول تمتلك موارد بسيطة ومع ذلك فهي دول متطورة ، فبريطانيا مثلاً كانت أكبر قوة اقتصادية في العالم ولم تكن تملك أي مصادر طبيعية قبل اكتشاف بحر الشمال ، وسويسرا لا تمتلك سوى الشلالات المائية Hydroelectric Power واليابان لا تمتلك سوى كميات متواضعة من الفحم ومع هذا فإن هذه الدول حققت تنمية كبيرة جعلتها في مصاف الدول المتقدمة وذلك بسبب اهتمامها بالعنصر البشري .


فثروة المجتمع الحقيقية تكمن أساساً في قدرات مواطنيه ومدى إدراكهم وقدراتهم العلمية والتكنولوجية ، الأمر الذي يدفع المجتمع إلى وضع مسألة تنمية الموارد البشرية في مقدمة أولوياته في أثناء القيام بعملية التخطيط، وذلك باعتبارها من أهم العوامل التي تساهم في الإسراع بعملية التنمية الاقتصادية الشاملة ، ومثالاً على ذلك بعد أن أتت الحرب العالمية الثانية على الصرح الاقتصادي لمعظم دول أوروبا توقع العديد من الاقتصاديين أن إعادة بناء هذه الدول سيأخذ وقتاً طويلاً ، إلاّ أن دهشتهم كانت كبيرة عندما وجدوا أن الفترة الفعلية التي استغرقتها عملية البناء كانت أقل بكثير مما توقعوه ، حيث أنهم أهملوا أهمية رأس المال البشري وركزوا على رأس المال المادي فقط .


إن الزيادة في رأس المال المادي لا تؤتي ثمارها في عملية التنمية الاقتصادية إذا لم تتم زيادة الخبرات والمعرفة بنفس المعدل على الأقل، ولذا فإن النظرية التقليدية للاستثمار يجب أن تتسع لتشمل الاستثمار في الموارد البشرية ، إذ أن الاستثمار الأمثل سيكون استثمار العقول والكفاءات البشرية خاصة في الدول النامية التي تحتاج بشدة إلى هذا النوع من الاستثمار حتى يمكنها استخدام مواردها المتاحة بأقصى كفاءة اقتصادية ممكنة ، وتوفير الخبراء المحليين بدل الاستعانة بالخبراء الأجانب للمساعدة في تشغيل أحدث ما وصلت إليه اختراعات الدول المتقدمة.


فالغلبة في عصرنا الحالي للإنسان القوي نشأةً وتعليماً وتأهيلاً وتدريباً ؛ الإنسان الذي يستطيع من خلال قدرته وكفاءته التغلب على معوقات التنمية التي تواجهه ، فالقارة الإفريقية نتمتع بالوفرة النسبية في الموارد الطبيعية وأيضاً في الموارد البشرية - من حيث الكم – وندرتها النسبية من حيث النوع ، ولكي نلحق بركب الدول المتقدمة – والتي استفادت خير استفادة من العنصر البشري – يجب أن نقوم بالتخطيط والاستثمار الجيد في العنصر البشري حتى نحقق ما نصبوا إليه من التقدم والازدهار .


وبالتالي يجب دراسة القاعدة الأساسية لتنمية الموارد البشرية ألا وهي التعليم والتدريب من جهة والصحة من جهة أخرى ، وما حققه كلاً من هذين القطاعين في التنمية البشرية ومدى تطويرهما بما يتناسب ومتطلبات العصر ، وأيضاً مدى مشاركة المرأة في المجتمع ، ومساهمتها في مختلف الأنشطة .

 

** أصبح عالمنا اليوم لا يعترف إلا بالدولة القوية، لا من حيث القوة العسكرية فحسب، وإنما من حيث قوتها الاقتصادية، وإذا كانت القوة العسكرية ضرورةً لأية دولة لكي تحمي بها سيادتها، فإن القوة الاقتصادية أصبحت ضرورةً أيضاً؛ تحمي بها قرارها، فالدولة التي تعتمد في مأكلها، وصناعتها، وتجارتها... إلخ على الغير تفقد الكثير من عناصر التحكم في قراراتها - إن كان بيدها قرارٌ في الأصل - وقديماً قالوا: "مَنْ أكل من فأسه، قراره من رأسه"!، وهذا لا يتعارض مع التبادل التجاري، والتقني، والتكنولوجي، والزراعي... إلخ بين الدول، القائم على أساس المشاركة لا التبعية؛ فالدولة الحرة لا تكون عالةً على غيرها، سواء كانت دولةً أو اقتصاداً عالمياً.

ولم يعد خافياً على أحد أن مقياس تقدم الدول هو فيما تنتجه وتقدمه لشعبها أولاً، ثم لشعوب الدول الأخرى، فها هو العالم الموسوم بالعالم المتقدم - (7+1): الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكندا، واليابان، وروسيا - لم يوسم بالتقدم إلا من خلال ما قدمه للعالم أجمع من تكنولوجيا صناعية متقدمة، أنتج بواسطتها منتجات متقدمة ومتنوعة.

واعتمدت الدول المتقدمة في نهضتها العلمية والعملية على ما تمتلكه من ثروة بشرية، فوجهت جل استثماراتها نحو تنمية هذه الثروة البشرية وتمكينها، من أدوات ووسائل العلم النظري، والتطبيق العملي المتقدم..! وهدفت من وراء ذلك إلى رفع الكفاءة الإنتاجية، وتميز هذه الثروة البشرية، وقد حققت هدفها، والواقع خير دليل على ذلك.

وإن كان تقدم الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا - وهم الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية – طبيعياً، فإن من غير الطبيعي أن نجد من بين الدول المتقدمة (ألمانيا، واليابان) وهما الدولتان الخاسرتان في الحرب! وهما خير نموذج للاهتمام بالاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وخاصةً اليابان، التي لديها ندرة شديدة في الموارد الطبيعية، وبالرغم من ذلك؛ فقد استطاعت بما تمتلكه من ثروة بشرية أن تبني اقتصاداً قوياً، تقف من خلاله بين مصاف الدول الثمانية الكبار – المشار إليها آنفاً.

وقبل الولوج في الحديث عن أهمية الاستثمار في تنمية الموارد البشرية، ومساهماته في معالجة التنمية الاقتصادية، نود أن نتحدث بإيجاز عن بعض المفاهيم الخاصة بالتنمية بشكل عام، وكذلك الحديث عن الإنتاجية، وأهمية الإنتاجية على مستوى كل من: الفرد، والشركة أو المنظمة، ومردود ذلك على الاقتصاد الوطني والمجتمع ككل؛ ومن ثَمَّ الحديث عن أهمية واستخدامات تحليل الوظائف والتدريب كوسيلتين هامتين تشترك كلٌّ منهما - مع العديد من الوسائل الأخرى - في عملية الاستثمار في التنمية البشرية. 

 

للتنمية مفاهيم عدة، تختلف هذه المفاهيم باختلاف المجال الذي تنشده التنمية، فهناك مفهوم خاص بـ (التنمية الاقتصادية)، يهتم بإحداث تغييرات اقتصادية تساعد على إكساب المجتمع القدرة على إشباع حاجاته الأساسية (الفسيولوجية)؛ من مأكل، ومشرب، ومسكن، تتبعها مراحل أخرى تصل بهذا المجتمع إلى درجات متزايدة من الرفاهية، وذلك عن طريق الترشيد اليقظ والمستمر في استغلال هذا المجتمع لثرواته البشرية، وموارده الاقتصادية المتاحة.

وهناك مفاهيم خاصة بـ (التنمية السياسية)، و(التنمية الثقافية)، و(التنمية الاجتماعية).. وغيرها.

وما يهمنا في هذا المقام هو مفهوم (التنمية البشرية)؛ حيث اهتم هذا المفهوم بدعم القدرات الخاصة بالفرد الذي يتكون منه المجتمع، وقياس درجة مستوى معيشة هذا الفرد، ومدى تحسن أوضاعه المعيشية في المجتمع الذي ينتمي إليه.

وبالنظر إلى مفهوم التنمية البشرية – كما ذكرنا – نجده أكثر شمولاً عن مفهوم التنمية البشرية الذي سيطر على فكر الدول بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى بداية التسعينيات من القرن الماضي (القرن العشرين)، والمفهوم القديم للتنمية البشرية كان مقتصراً على كمية ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات مادية (فسيولوجية)، أي: كلما استطاع الفرد أن يحصل على المزيد من تلك السلع والخدمات؛ كلما ارتفع مستوى معيشته؛ ومن ثَمَّ زادت رفاهيته، وهنا تتحقق التنمية البشرية.

إلا أنه مع توسيع مفهوم التنمية ليشمل العديد من النواحي النفسية (السيكولوجية) مثل: الغايات والأهداف الخاصة بالفرد، والتي يحقق معها ذاته وطموحاته... إلخ، إضافةً إلى الأهداف الاقتصادية، مما أدى إلى تغيير مفهوم التنمية البشرية من مجرد إشباع النواحي الفسيولوجية للفرد - كدليل على وصوله إلى مستوى معيشي كريم - إلى مفهوم التنمية البشرية الأوسع، والذي يرتبط بجودة حياة الفرد، بإشباع حاجاته الفسيولوجية والسيكولوجية معاً؛ وليس حياته الفسيولوجية فقط.

وقد أخذت الأمم المتحدة على عاتقها إبراز مفهوم التنمية البشرية، وذلك منذ العام 1990م؛ حين نادت بـ (برنامج الأمم المتحدة للإنماء)، وخصَّصت له تقريراً سنوياً.

ويرجع الاهتمام العالمي بتنمية الموارد البشرية إلى أن البشر هم الثروة الحقيقية لأيَّة دولة، ولأي أمة، وكلما تمكنت الأمة من الحفاظ على ثروتها البشرية، وعملت على تنمية قدراتها عن طريق التأهيل والتدريب المستمر، لإكسابها القدرة على التعامل مع الجديد الذي يظهر على الساحة الدولية بين الحين والآخر؛ كلما تقدمت هذه الأمة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً بين الأمم الأخرى.

فالتنمية البشرية تهدف إلى توسيع مدارك الفرد، وإيجاد المزيد من الخيارات المتاحة أمامه، كما تهدف إلى تحسين المستويات الصحية، والثقافية، والاجتماعية، وتطوير معارف ومهارات الفرد، فضلاً على توفير فرص الإبداع، واحترام الذات، وضمان الحقوق الإنسانية، وضمان مشاركاته الإيجابية في جميع مناحي الحياة.

فالاستثمار في تنمية الموارد البشرية أمر هام وضروري، لما للموارد البشرية من أهمية قصوى؛ فهي الثروة الحقيقية والرئيسة للأمم، والأمم المتقدمة أيقنت تلك الحقيقة؛ فأحسنت التخطيط الاستراتيجي، ونفذت برامج محددة لتنمية هذه الثروة البشرية على مدار عقود من الزمان، ونجحت فيما خططت ونفذت، وها هي اليابان خير شاهد على نجاح الاستثمار، وها هي الصين – صاحبة المليار ونصف المليار من البشر - تخطو بخطى ثابتة ومدروسة نحو قيادة العالم، من خلال هذه الثروة البشرية الهائلة، التي جعلت منها ميزة تميزها عن سائر الأمم، ولم تجعل منها عبئاً ثقيلاً أو شماعة تلقي عليها فشلها كما تفعل كثير من حكومات العالم الثالث أو العالم النامي - كما يسمونه.

إن الموارد الطبيعية والأموال المتوافرة لدولة ما - رغم أهميتهما وضرورتهما الكبرى - لا يغنيان أبداً عن العنصر البشري الكفء، والماهر، والفعال، والمدرَّب، والمعد إعداداً جيداً مبنياً على أسس علمية دقيقة، وهذه حقيقة راسخة على مر العصور والأزمان، فالأموال والموارد الطبيعية لا ينتجان منتجاً بذاتهما، فالبشر – بخصائصهم التي خلقهم الله - سبحانه وتعالى - عليها - هم القادرون على استخدام هذه الموارد - بنسب متفاوتة من حيث الكفاءة والفعالية - في العمليات الإنتاجية، للحصول السلع والخدمات التي تعمل على تحقيق أقصى إشباع ممكن للحاجات الفسيولوجية للفرد، بهدف الوصول إلى تحقيق الرفاهية أو الحياة الكريمة للفرد والمجتمع؛ ومن ثَمَّ التقدم الاقتصادي للدولة، وللاقتصاد العالمي ككل.

فالعنصر البشري بما لديه من قدرة على التجديد، والإبداع، والاختراع، والابتكار، والتطوير، يمكنه أن يتغلب على ندرة الموارد الطبيعية، وألا يجعلها عائقاً نحو النمو والتقدم، عن طريق الاستغلال الأفضل - إن لم يكن الأمثل - لطاقات المجتمع العلمية والإنتاجية، فضلاً عن الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية والاستثمارات المتاحة.

ومما ذكرنا: يتبين لنا أهمية العنصر البشري؛ والذي يمثل الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة في كافة المجالات الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية... إلخ.

ومما لا شك فيه أن الدولة التي لا تستطيع - أو تعجز عن - تنمية مواردها البشرية لا يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها المخططة والمأمولة، مهما ابتكرت من وسائل، وإنما يمكنها أن تحقق غاياتها وأهدافها عن طريق تضافر جميع عناصر الإنتاج: ( الأرض، والعمل، ورأس المال، والإدارة).

ونلاحظ: أن العنصر البشري بما حباه الله - سبحانه - من عقل وطاقات وجهد بشري يمثل عنصرين من عناصر الإنتاج، وهذا التضافر يؤدي بلا ريب إلى التطور والتقدم المنشود، واستغلال الموارد الطبيعية المتاحة الاستغلال الأمثل، وفتح الأسواق، والقيام بعمليات التبادل التجاري... إلخ، فهناك دول تمتلك موارد بسيطة، ومع ذلك فهي دول متطورة، مثل اليابان – كما ذكرنا سابقاً.

وقبل أن نوضح دور تحليل الوظائف والتدريب في رفع الكفاءة الإنتاجية للأفراد المكونين للعمالة البشرية، أود أن أتطرق للحديث – بإيجاز - عن: ماهية الإنتاجية، أهمية الإنتاجية على مستوى الفرد (العامل)، والشركة أو المنظمة، والاقتصاد الوطني، والمجتمع.

 

الإنتاجية: هي كمية الإنتاج من السلع أو الخدمات، التي تتحقق خلال مدة زمنية محددة، عن طريق وحدة معينة من وحدات العمل.

أهمية الإنتاجية على مستوى الفرد (العامل)، والشركة أو المنظمة، والاقتصاد الوطني، والمجتمع:

 

إنتاجية الفرد العامل ما هي إلا انعكاس حقيقي لمدى مساهمته في العمل - ككل - بالجزء المكلَّف به، والذي يستخدم جهده، وعلمه، ومهارته في أدائه، وتحسب مساهمة الفرد العامل بمقدار القيمة المضافة إلى المنتج النهائي.

ومن الطبيعي أنه كلما زادت إنتاجية الفرد؛ زادت مساهمته في القيمة المضافة إلى المنتج النهائي، فضلاً عن زيادة أهمية دوره الوظيفي، مما ينعكس على شعوره بمدى أهميته في مكان عمله، وما يحصل عليه من مزايا معنوية، متمثلة في شهادة تقدير، أو ثناء رؤسائه على عمله وتقديرهم له، مما يزيد من روحه المعنوية، التي تدفعه إلى بذل المزيد من الجهد، ومن ثَمَّ الحصول على المزيد من التقدم على المستوى الفردي، وعلى مستوى العمل، ومن ثَمَّ شعوره بمدى أهميته داخل مجتمعه، فضلاً عن المزايا المادية، المتمثلة في زيادة الدخل، والمزايا العينية الأخرى.

وعلى النقيض من ذلك: كلما انخفضت إنتاجية الفرد؛ انخفضت – وقد تتلاشى - مساهمته في القيمة المضافة إلى المنتج النهائي، فضلاً عن انخفاض أهمية دوره الوظيفي، مما ينعكس على شعوره بمدى عدم أهميته في مكان عمله – والذي قد يتعرض لفقده – وما يترتب على ذلك من آثار نفسية سلبية ومؤلمة، تؤدي بلا شك إلى المزيد من انخفاض الروح المعنوية، فضلاً عن العقوبات المادية التي قد يتعرض لها، من خصومات تؤدي في النهاية إلى انخفاض دخله، ومن ثَمَّ شعوره بمدى عدم أهميته داخل مجتمعه.

 

استمرار الإنتاجية يعبر عن وجود إدارة تؤدي دورها، وزيادة الإنتاجية وجودتها وكفاءة عملياتها يعبر عن كفاءة الإدارة في استغلال الموارد الطبيعية والإمكانيات المادية والبشرية المتاحة لها على الوجه الأمثل، وهذا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوَّة – وليست المطلوبة فقط - من العملية الإنتاجية.

ومن المسلَّم به: أن زيادة الإنتاجية لا تأتي فقط نتيجة كفاءة الإدارة في استخدام الأساليب الإدارية الحديثة في إدارتها للعملية الإنتاجية؛ بل يتواكب مع ذلك استخدام التكنولوجيا المتطورة والحديثة في تطوير المنتج بشكل مستمر، فضلاً عن الاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وتطويرها المستمر، عن طريق وضع البرامج التدريبية المدروسة على أسس علمية؛ للنهوض الدائم والمستمر بالقوى العاملة المتاحة للشركة أو المنظمة، وحرص الإدارة الدؤوب على جودة المنتج وتميُّزه، وهذا يتطلَّب التخطيط السليم، والمتابعة المستمرة للعملية الإنتاجية؛ منذ البداية، وحتى الوصول إلى المنتج النهائي في الصورة المرجوَّة، ويتطلب ذلك من الإدارة أن تكون حريصة على كفاءة الخامات المكوِّنة للمنتج، والآلات والمعدات التي يمر بها المنتج، فضلاً عن كفاءة العمالة الماهرة التي تقوم بالعملية الإنتاجية.

 كما ذكرنا آنفاً – إن استمرار الإنتاجية يعبر عن وجود إدارة تؤدي دورها، وزيادة الإنتاجية وجودتها وكفاءة عملياتها يعبر عن كفاءة الإدارة في استغلال الموارد الطبيعية والإمكانيات المادية والبشرية المتاحة لها على الوجه الأمثل، وهذا يؤدي إلى تحقيق النتائج المرجوَّة – وليست المطلوبة فقط - من العملية الإنتاجية – هذا على مستوى الشركة أو المنظمة – وكذلك ينطبق الحال على أهمية الإنتاجية على مستوى الاقتصاد الوطني – مع الاحتفاظ بالفوارق بين اقتصاد الشركة أو المنظمة والاقتصاد الوطني ككل -  فإن الإنتاجية تعبر عن كفاءة الدولة ككل في إنتاج سلعها وخدماتها، فالعملية الإنتاجية - على مستوى الدولة - تعكس مستوى أداء كافة أجهزة ومؤسسات الدولة، ومدى نجاح هذه الأجهزة وتلك المؤسسات في تحقيق غايات وأهداف خطة الدولة في مجال إنتاج السلع والخدمات بالجودة والكفاءة المرجوَّة. 

إذا لم تُزد العملية الإنتاجية في القيمة المضافة للمجتمع، ولم يكن تأثيرها إيجابياً ومباشراً وملموساً على رفاهيته؛ فإن العملية الإنتاجية في هذه الحالة تكون قد انحرفت عن المسار الطبيعي لها.

فالمسار الطبيعي للعملية الإنتاجية هو: توفير السلع والخدمات - بالجودة والكفاءة العالية - لجميع أفراد المجتمع، وأن تعمل هذه السلع المنتَجَة والخدمات المقدَّمة على إشباع أذواق ورغبات المستهلكين لها، فضلاً عن توافر كميات مناسبة من هذه السلع وتلك الخدمات لمواجهة حاجات المستهلكين.

 

من بين الأساليب والوسائل الإدارية الهامة التي تأخذ بها الإدارات العليا الناجحة في أيَّة منظمة أو شركة أسلوب (تحليل الوظائف)، فهذا التحليل الدقيق للوظائف يوفر للإدارة بيانات ومعلومات هامة عن واجبات ومسؤوليات الوظائف، ومدى الحاجة إلى إنشاء وظائف جديدة، أو إلغاء وظائف قائم.

 وهذا من شأنه مساعدة الإدارة في إدارة مواردها البشرية بشكل ناجح وفعَّال.

1- التنظيم الإداري للشركة: عن طريق تقسيم العمل، وتحديد المسؤوليات والسلطات الممنوحة للمسؤولين، والعمل على إيجاد التوازن بين السلطة والمسؤولية.

2- التدريب: حيث يقوم تحليل الوظائف بتحديد الفجوة بين المهارات الحالية للموظفين والمهارات المأمول والمطلوب توافرها، ومن خلال هذا التحديد تتمكن الإدارة من وضع الخطة التدريبية الصحيحة لسد هذه الفجوة.

3- التخطيط السليم للقوى العاملة.

4- التعويضات والمكافآت والحوافز للعاملين.

5- إعادة تصميم وتصنيف الوظائف.

6- تحسين الأداء الوظيفي.

7- اكتشاف الخلل في بيئة العمل الداخلية، ومحاولة القضاء عليه، والعمل على تحسين ظروف العمل الداخلية والخارجية، في حدود الإمكانات المتاحة.

 

وتتجه غالبية دول العالم الآن نحو الأخذ بوسائل التدريب المتقدِّمة؛ لرفع وزيادة الكفاءة الإنتاجية؛ والتي تمثل إحدى الأهداف الرئيسية للتنمية البشرية، وإن اختلفت درجات هذا التوجُّه بين العالم المتقدم، والعالم الذي يقف على أبواب التقدم، والعالم النامي.

فمعظم الدول أصبحت تعي أهمية التدريب؛ لما له من دور فعَّال في المحافظة على مكتسباتها الحالية، والمساعدة في تحقيق استراتيجياتها المستقبلية.

1- وجود كفاءات منتقاة من المديرين، تم صقلها بأساليب تدريبية عالية، أكسبتهم مهارات خاصة، وخبرات كبيرة.

هؤلاء المديرين تعقد عليهم شركاتهم آمالاً عريضة في الانتقال بها نحو مصاف الشركات الناجحة؛ بل والمتميزة، فالمدير الناجح يعمل دائماً على رفع مستوى أدائه، ورفع مستوى أداء وتنمية مهارات العاملين معه تحت إدارته.

استمرار جودة المنتج وتطوره، مع خفض التكاليف، وخلق أسواق جديدة للمنتج، مع المحافظة على حصة شركاتهم، والعمل على زيادتها في الأسواق الموجودة بها، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية فيها، ويكون له مردوده الإيجابي والمباشر على التنمية البشرية للعاملين في هذه الشركات، وعلى التنمية الاقتصادية للصناعة التي تنتمي إليها، فضلاً عن التنمية الاقتصادية للمجتمع والدولة ككل.

2- العمل على توافر وامتلاك المهارات المكتسبة، عن طريق التدريب، وتنمية هذه المهارات واستغلالها الاستغلال الأمثل، فالمهارات يمكن إكسابها للأفراد عن طريق الخطط التدريبية ذات الكفاءة العالية، والمخطط لها بشكل علمي سليم، مع الحفاظ - في ذات الوقت - على المهارات الموهوبة للأفراد بعد اكتشافها، بالعمل على تنميتها وصقلها ببرامج تدريبية خاصة، وتوفير البيئة الصحيحة المساعدة على تأصيل هذه الموهبة.

3- وجود خطط تدريبية عامة وخاصة؛ فتدريب العاملين أمر هام وضروري، خاصةً العاملين أصحاب المهن الفنية المعقَّدة، باتباع طرق التدريب الأساسي، والتدريب التخصصي.

فالصناعات الدقيقة والمعقدة تتطلب دائما عمالة فنية ذات مهارات عالية، وهذه العمالة تحتاج أيضاً – وبشكل مستمر – برامج تدريبية متخصصة؛ لكي تؤهلهم وتمكنهم من التعامل مع الصناعات القائمة، وما يستجد عليها من تطور وتقنيات حديثة.

ولا يخفى على أحد أن العمالة الماهرة المدربة، تتهافت عليها كبريات الشركات العالمية، ولها كادر مميز من حيث الرواتب والمكافآت والحوافر لا يتوافر لغيرها، فالتدريب المتخصص يساعد على تنمية الموارد البشرية.

4- انفتاح العمالة (المدرِّب والمتدرِّب) على العلم في مجال التخصص، والثقافة بشكل عام، والعمل على اكتساب لغات الدول المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً؛ حتى تتمكن هذه العمالة من مسايرة كل جديد في مجال تخصصها، فضلاً عن فتح فرص عمل ذات مميزات خاصة لها، عن طريق الالتحاق بالوظائف المميزة في الشركات متعددة الجنسيات، التي أصبحت منتشرة حول العالم كمظهر من مظاهر العولمة، أو ترغيب هذه الشركات في الاستثمار في بلدان هذه العمالة الماهرة، مما ينعكس بدوره على إنعاش اقتصاديات أوطان هذه العمالة، وخلق فرص عمل جديدة، وبالتالي تنمية الموارد البشرية والاستثمار فيها، وهذا كله يصب في تقدم بلدانهم صناعياً، واجتماعياً، وثقافياً.

إن الاهتمام بالفكر والتخطيط الاستراتيجي يساعد كلاًّ من الشركة أو المنظمة أو الدولة على الوصول إلى ما تصبو إليه من تقدم، ونموٍّ مطَّرد؛ ومن ثَمَّ الازدهار والرفاهية، وصولاً إلى الحياة الكريمة.

ويعد الاهتمام بالتنمية البشرية حجر الزاوية، وأساساً جوهرياً لتأكيد التنمية بمفهومها الشامل لكل المجالات، سواء كانت اقتصادية، أم اجتماعية، أم سياسية، أم ثقافية... إلخ.

والأخذ بالتطوير الشامل المدعوم بالتدريب العام والمتخصص يمكِّن الدولة، والشركة، والمنظمة، والفرد، من مواكبة التغيُّرات السريعة التي يشهدها عالم اليوم.
والتدريب هو استثمار حقيقي ومباشر يؤدي إلى تنمية الموارد البشرية؛ فكلما زاد استثمار الدولة - أو الشركة أو... - في تنمية مهارات الأفراد، ورفع مستوى كفاءتهم العلمية والعملية، ومن ثَمَّ الإنتاجية، مما يصب في النهاية في مجرى رفع مستوى معيشتهم؛ كلما ملكت عليهم أفئدتهم وعقولهم، وولائهم وانتمائهم، فضلاً عن امتلاكها لمهاراتهم التي أكسبتهم إياها ببرامج التدريب المدروسة والمفيدة.

 
" فالتنمية البشرية هي الغاية والنمو الاقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها " ..


إن العلاقة الجدلية بين تنمية الموارد البشرية وبين التنمية الأقتصادية تنبع من واقع أن أحدهما يعتمد على الآخر بشكل لا يقبل الشك ، فقد أظهرت التجارب في العديد من البلدان النامية بأن التنمية الأقتصادية المجردة من خطط الأستثمار للرأسمال البشري كانت فاشلة ، فالفرد في المجتمع النامي هو الأحوج أولاً الى التنمية وذلك من واقع التخطيط له أنه يجب أن يكون المهيأ لإدارة وقيادة إنماء بلده في المستقبل ، هذه من ناحية ، والأخرى أن التنمية الأقتصادية لا يمكن أن تقوم بدون وجود مورد بشري علمي ومثقف وملم بكل ما تحتاجه خطوات وعوامل النهوض بالتنمية الأقتصادية في كل النواحي ، وكذلك أثبتت التجارب لبعض الدول النامية كيف أن إعتمادها على الرأسمال البشري المستورد قد كلفها أولاً خسارة من مواردها ، وخسارة أخرى من فوات الفرص من عدم أستغلال وتأهيل المورد البشري الوطني .


هذه العلاقة وهذه الأسس قد تنبه لها المخططون في الدول المتقدمة فهيأوا لها قواعد من النظرية والتطبيق ليقوموا بنهضة تنموية مدروسة ومستندة الى عوامل النجاح وحسن التطبيق ، وأسسوا قاعدة إقتصادية متينة ( رغم كل الإخفاقات ) لأنها أعتمدت على تنمية الأنسان ومنه لتحقيق التنمية الأجتماعية ليصلوا في النهاية الى تحقيق التنمية الأقتصادية الشاملة ، فعمدوا منذ البداية الى تطبيق أسس جوهرية في تأسيس التنمية الشاملة وكان منها مثلاً :


1- إن الثروة لوحدها لا تعني التنمية بل يجب تعبئة الطاقات الأجتماعية للنهوض بالمجتمع والأنسان من التخلف والفقر والجهل وتعليمه الأجتهاد ليكن عنصر فعال بالمجتمع ويشارك في بناء اقتصاد بلده.


2- يجب الأهتمام بتوجيه الرعاية التعليمية والتقنية للسكان وتطوير مهاراتهم ليكونوا فاعلين في مسيرة التنمية ، لكي تعتمد عليهم في تطبيقها وأستثمار الموارد الطبيعية المتوفرة دونما حاجة للطاقات الأجنبية .


3- إن التنمية الأقتصادية الحقيقية تتجلى في تأسيس واقع بشري تنموي ذو قدرات خلاقة تتناسب وحاجة البلد للتطور والرقي في كافة المجالات ومواجهة التطورات في الأقتصاد العالمي .


4- إن التنمية لاتكمن في إنشاء المصانع والمؤسسات وتوسيع الأنشطة التجارية بعيداً عن شمول الأنسان نفسه أولاً بهذه التنمية .


وليس ببعيد عنا تجربة الصين وماليزيا مثلاً عندما وصلا للنجاح والتقدم في المسيرة التنموية الأقتصادية من خلال إعتمادهما على بدأ الأستثمار الأجتماعي الذاتي والذي قادهما نحو نجاح التنمية الشاملة .


أما النظرة الضيقة للتنمية الأقتصادية فتجلت في تاريخ بعض الدول العربية المالكة للثروات النفطية التي تصورت أن التنمية هي أمتلاك الثروة فحسب ، فعمدت الى أستثمار الموارد الأقتصادية من خلال جلب الشركات الأجنبية وأسست واقع صناعي أجنبي داخلها وأضحت التنمية تعني لها تطوير البنى التحتية دون التخطيط لتهيئة أفراد المجتمع نفسه للمشاركة في الأستثمار الأقتصادي القائم ، وبذلك أصبح الأستثمار الأجنبي هو المستفيد الأكبر من هذه التنمية وأفراد المجتمع عبارة عن مستهلكين ، وبعد أن بانت الضرورة للأرتباط الجدلي بين التنمية الأقتصادية والبشرية دأبت هذه الدول الى إعطاء الأهمية المناسبة للتنمية البشرية .


إن الفشل في تطبيق التنمية الأقتصادية في البلدان النامية كان نتيجة إقتصار فكرتها على الرأسمال الصناعي أو المالي بعيداً عن الرأسمال البشري والذي هو أساس تقدم المجتمع الأقتصادي .


ولذا تتطلب عملية نجاح أهداف التنمية ألاقتصادية الشاملة بالبلدان النامية بالأضافة الى ما قد سلف من أسباب الى :


1- التأكيد على التنمية البشرية وتوجيه التعليم لتطوير مهارات الأفراد لبناء أقتصاد البلد بعيداً عن التبعية الأقتصادية للدول الأجنبية .


2- أستثمار المورد البشري بهدف أستغلاله للموارد الطبيعية ، وتعليم الأنسان المحافظة على بيئته .


3- توجيه الإمكانيات الذاتية نحو تنمية المجتمع الى جانب تنمية الأقتصاد لتهيئة أجيال واعية وقادرة على بذل الطاقات من أجل التنمية الشاملة في البلد .

المصدر: http://www.areej-vip.com/vb/showthread.php?t=6830 http://www.khieronline.com/PageView.asp?ID=282&SectionID=0 عبدالقادر إسحق إسماعيل/ الأكاديمية العربية بالدنمارك / الدراسات العليا
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 742/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
253 تصويتات / 17975 مشاهدة
نشرت فى 13 مايو 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,756,611

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters