معظم الناس يرون المنظمة التقليدية كمثلث يتضمن أربع طبقات او مستويات وظيفية يشتمل في القمة علي الإدارة الاستراتيجية التي تقدم التوجيه الشامل للمنظمة. والمستوي الثاني يطلق عليه الإدارة التكتيكية التي تطور الخطط والاستراتيجيات المحددة من قبل الإدارة الاستراتيجية الأعلى. ويمثل المستوي الثالث من مستويات المنظمة الإدارة التشغيلية التي تدير وتوجه العمليات اليومية لتحقيق الأهداف والاستراتيجيات. ويتضمن المستوي الرابع الأخير العمالة غير الإدارية التي تنجز في الواقع الأنشطة والمهام اليومية المختلفة، تتلقى وتسجل التصرفات، معالجة الأوامر، إنتاج السلعة أو الخدمة، خدمة العملاء،..الخ.
إلي جانب ذلك توجد بعض الأبعاد الأخرى للمنظمة المعنية ترتبط بالعمق Depth، وغير ذلك من الأبعاد. وبذلك فأن هيكل المنظمة المقسم وفقا لمنتجاتها أو خدماتها بدلا من الوظائف العامة قد يكون مقبولا إلا أنه في الواقع قد يخلق مشكلات أخري.
ومنظمة الأعمال هي التي تخدم عملائها وسوف تبقي إذا قدمت خدمة ممتازة ومميزة لعملائها الحاليين والمتوقعين. وتحدث الخدمة الممتازة أو المتقنة عندما يطلبها ويحتاج إليها العميل في اللحظة المعينة، بقيمة لحظية تعود عليه، ومن أي مكان يطلبها في أي وقت، وبالطريقة التي يريدها في الشكل والهيئة المعينة، وتقدم في النمط الذي يلبي ويؤمن حقوق العميل ويعطيه الضمان الكافي الممثل في الإمداد الجيد.
وفي الوقت الحالي يعتبر إمداد الخدمة ممكنا فقط عندما توفر المنظمة المعلومات الحديثة والصحيحة والفورية للقوي العاملة المناسبة في التوقيت الصحيح والملائم، ويحدث هذا من خلال الاستخدام الأمثل لتكنولوجيا ونظم المعلومات المتقدمة. وبذلك يتمثل التحدي الذي يواجه أي منظمة أعمال في التخطيط السليم لتطوير وإدارة واستخدام موردها الثلاث الأكثر أهمية، وهي: المعلومات المتدفقة والمتوافرة لها، تكنولوجيا ونظم المعلومات المستخدمة، والموارد البشرية المناط بها القيام بالمهام المختلفة التي تؤدي إلي تحقيق أهداف المنظمة في ظل استراتيجياتها. وتعبئ مواردها الأساسية لتقديم خدمة ممتازة ترتبط بالقيم اللحظية التي يحصل عليها العميل.
من العرض السابق، يحدد المفهوم البسيط للمنظمة الرقمية بأنها المنظمة التي تستخدم تكنولوجيات شبكة الإنترنت العالمية لتحسين أداء مهامها وعملياتها المختلفة ونقلها لمن يحتاج إليها في داخلها أو خارجها. وتعي معظم منظمات الأعمال هذا المفهوم جيدا وقد بدأت بالفعل في التحول من الأداء التقليدي إلي استخدام التكنولوجية الرقمية المبنية علي شبكة الويب في أداء أعمالها، وخدمة عملائها الحاليين، ومحاولة الوصول إلي عملاء جدد، من خلال وتقديم تدفق من المنتجات والخدمات المميزة والمتسمة بالجودة العالية ورخص السعر. أي أن إمكانية الوصول والاستخدام الواسع والمكثف لشبكة الإنترنت العالمية غير إلي الأبد توقعات العملاء نحو المنظمات المعاصرة، واصبح من الضروري للمنظمة الرقمية المنبثقة من هذا التوجه تلبية متطلباتها التكنولوجية والمعلوماتية حتى يمكنها البقاء والتواجد في عالم متغير علي الدوام.
معالم وخصائص بيئة المنظمة العصرية الرقمية:
عند الإعداد لولوج عالم اليوم المتطور بسرعة مذهلة والمتغير باستمرار، يجب التعرف علي معالم وخصائص البيئة المحيطة للمنظمة الرقمية التي كانت السبب الرئيسي في وجودها. ولأداء ذلك يجب فحص بعض العوامل أو الخصائص الأكثر أهمية في تشكيل المنظمة الرقمية وما تتضمنه من تطورات نابعة منها أبعاد أساسية لبيئة المنظمة الرقمية التي تتمثل في العولمة؛ المنافسة؛ المعلومات كمورد أساسي؛ مكان العمل الافتراضي والمعالجة الكمبيوترية عن بعد؛ عمالة المعرفة؛ والتجارة الإلكترونية. وقد خلقت هذه العوامل أو الأبعاد الست وغيرها قوى خارجية مؤثرة جدا علي علي أهمية تواجد المنظمة الإلكترونية أو الرقمية الحديثة كما أثرت علي حدوث التغيير التقني المتنامي فيها.
أ- العولمة: Globalization
تعتبر المنظمة الرقمية الحديثة بمثابة منظمة دولية أو كونية. وحتى في حالة المنظمة الصغيرة التي لها عملاء وموردين محللين، يجب أن يكون لها تواجد خارجي. ففي نطاق العولمة يصبح من الضروري أن يوجد للمنظمة الرقمية مهما كان حجمها أو مجال عملها توجه عالمي نحو التجارة الإلكترونية وتقليص الحدود و الحد من المعوقات التي تعوق تدفق المعلومات منها وإليها. وفي الوقت الحالي يتطلع المنتجون المحليين إلي أن يكون لهم تواجد خارج الحدود الوطنية أو المحلية ويحصلوا علي حصة من سوق تصدير منتجاتهم وخدماتهم من خلال المنافسة عبر العالم المفتوح.
وعلي هذا الأساس تشكل العولمة المنظمات الرقمية الحديثة كنتيجة طبيعية لعدة عوامل منها علي سبيل المثال لا الحصر: خصخصة الأعمال، تحرير الأسواق، بزوغ وتقدم تكنولوجيا الاتصالات عن بعد، انتشار تكنولوجيا المعلومات المتطورة، وبزوغ المنشآت والأعمال المتعددة الجنسيات، والتواجد في تكتلات تجارية كبيرة، ..الخ. وبذلك تتيح العولمة للمنظمة الرقمية الفرصة للتوسع عالميا والوصول أسواق مفتوحة ومتنامية.
ب- المنافسة: Competition
تتواجد المنافسة في كل مكان. وتواجه أي منظمة سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، إنتاجية أو خدمية، تجارية أو تعليمية، ..الخ منافسين لها علي كافة المستويات المحلية، الوطنية، الإقليمية والعالمية.ومن الواضح أن العولمة أدت إلي زيادة المنافسة، كما أن تكنولوجيا المعلومات المتقدمة تعتبر من أسباب نمو المنافسة، فهي تعني أسعار أرخص وجودة أعلي، وخدمة أحسن، كما تسمح أيضا لعمال المعرفة تطبيق وسائل إبداعية ومبتكرة للوصول إلي العملاء وتقديم ما يطلبونه مما يحقق رضاءهم عنها.
ج- المعلومات كمورد رئيسي:Information as a Key Resource
في عالم اليوم توجد أهمية عظمي للمعلومات في بيئة الأعمال المعاصرة. ومن الواضح أن المعرفة تمثل القوة ، ومعرفة المنافسين والعملاء والحصول علي معلومات دقيقة وصحيحة وفورية عنهم يؤدي إلي نجاح المنظمة. هذه الحقيقة تجيب علي السؤال التالي: لماذا يجب علي المنظمات المختلفة الحصول علي المعلومات واقتنائها ؟ علما بأننا نعمل حاليا في نطاق بيئة اقتصادية مبنية علي الرغبات Wants-Driven Economy.
د- مكان العمل الافتراضي والمعالجة الكمبيوترية عن بعد: The Virtual Workplace and Telecomputing
في الوقت الحالي تعيد منظمات كثير هيكليتها في تنوع من الطرق، منها: التحجيم الصحيح Right sizing، استبعاد الحدود الإدارية المبنية علي الوظائف، إنشاء فرق عمل للإنتاج والخدمات، والمصادر الخارجية Outsourcing ومكان العمل الافتراضي، والمعالجة الكمبيوترية عن بعد. وعلي الرغم من أي مدخل من العوامل المشار إليها تطبقه المنظمة المعنية، يجب عليها إعادة التفكير بطريقة أساسية في الأسلوب والطريقة التي تؤدي بها أعمالها ومهامها المختلفة.
ويترابط العمل الافتراضي بالمعالجة الكمبيوترية عن بعد، كما يلي:
- مكان العمل الافتراضي Virtual Workplace يمثل تكنولوجيا مدعمة لمكان العمل أينما ومتي ينجز بغض النظر عن الموقع والزمان، فلا توجد جدران، ولا حدود تقدم خدمة او سلعة يحتاج إليها أينما تتواجد المنظمة أو الفرد.
- المعالجة الكمبيوترية عن بعد Telecomputingتمثل استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للعمل في مكان غير الموقع المركزي.
- العامل المجتمعيTelecommuterهو شخص ما يعمل لمنظمة ما إما في المنزل أو موقع العمل أو أي مكان يوجد فيه من خلال الاتصالات اللاسلكية عن طريق الأقمار الصناعية، بينما يرتبط بالمكتب الرئيسي في شكل ما تجسده تكنولوجيا المعلومات.
هـ - التجارة الإلكترونية: Electronic Commerce
يعتمد نجاح مكان العمل الافتراضي والمعالجة الكمبيوترية عن بعد علي قدرة المنظمة المعنية أداء أعمالها باستخدام التكنولوجيا الرقمية Digitalization . وفي الوقت الحاضر، أصبح لفظ التجارة الإلكترونية شائعا لأداء الأعمال إلكترونيا أو رقميا. فالتجارة الإلكترونية تمثل منهج معاصر يخاطب تكنولوجيا المعلومات والاتصال ويرتبط ذلك بعوامل مساعدة للمنظمة في تأدية أعمالها ويساند تفاعل العمال مع السوق المفتوحة، كما تساند التجارة الإلكترونية كل من أنشطة ومهام المنظمة الداخلية والخارجية . ويشتمل هذا المدخل علي:
- مساندة تكنولوجيا المعلومات تفاعل المنظمة مع السوق والبيئة المحيطة.
- مساندة تكنولوجيا المعلومات أداء الوظائف والعمليات والإجراءات الداخلية في المنظمة.
- أداء التصرفات والأفعال مع العملاء عبر شبكة الإنترنت لكثير من الأغراض مثل التسويق الإلكتروني، الشراء والبيع وعقد الصفقات عن بعد، المعاملات المصرفية عن بعد، ..الخ.
- التعامل مع المنظمات الأخرى والأفراد من خلال استخدام "تبادل البيانات إلكترونيا Electronic Data Interchange (EDI)" التي تمثل نقل المعلومات الخاصة بالأفعال كالفواتير وطلبات الشراء، ..الخ من كمبيوتر لآخر.
- جمع المعلومات المتعلقة ببحوث أسواق العملاء والمنافسين من خلال المسح التنافسي.
- توزيع المعلومات علي العملاء المتوقعين من خلال جهود الإعلان والبيع والتسويق التفاعلية.
- إمداد المنتجات الرقمية كالمعلومات والبرمجيات لمن يحتاجها من العملاء.
وعلي ذلك تعتبر التجارة الإلكترونية أفقا جديدا وواسعا أمام المنظمة الإلكترونية يساعدها في تحقيق أهدافها من خلال توظيف إمكانياتها المحدودة للغاية، مما يجعلها تمثل قضية استراتيجية لكل منظمة وخاصة المنظمة الرقمية. وسوف يعتمد مستقبل التجارةالإلكترونية علي قدرة المنظمة في القيام بما يلي:
- استخدام معيار تبادل البينات إلكترونيا (EDI) لإعادة هندسة العمليات والمهام فيما بين المنظمات لمساندة مكان العمل الافتراضي للمنظمة الرقمية.
- أداء الوظائف المتنوعة في السوق الإلكترونية مثل العثور علي العملاء والموردين.
(و) عمالة المعرفة: Knowledge Workers
نجد في كل منظمة معاصرة موارد بشرية متعاملة مع محطات العمل والحاسبات الشخصية القوية لمعالجة المعلومات في إطار نظم المعلومات المتعددة المطورة لها. وقد ينجز بعض الأفراد مهاما بسيطة مثل كتابة المراسلات وإعداد الخرائط والرسومات، ولكن يقوم البعض الآخر بتطوير نظم معالجة التصرفات مثل إدخال الطلبات المعقدة التي تحمل وتشغل علي شبكة حاسبات، أو القيام برسومات تراعي البعد الثلاثي للأشياء لتوضيح بعض خواص منتج أو خدمة معينة.كل هؤلاء الأفراد هم أمثلة حية لعمال المعرفة أو مهنيو تكنولوجيا المعلومات فهم يضعون التكنولوجياوالقوة التكنولوجيةوالبرمجيات والمعلومات وتكنولوجيا المعرفة في متناول من يحتاج إليها أي للمعرفة.
وعلي هذا الأساس يقوم عمال المعرفة بأداء التالي:
- استخدام الحاسبات عن بعد التي يحتاجون إليها للعمل أينما يتواجدون وفي أي وقت يرغبون العمل فيه.
- تطوير تطبيقات قواعد البيانات ومستودعات البيانات Data Warehousesلحفظ المعلومات التي يحتاج إليها العمل.
- إنشاء شبكات الحاسبات التي تسمح للوحدات الإدارية تطوير وحفظ تطبيقاتها.
- إنشاء مواقع شبكة ويبWeb Sitesحتى يمكن مساعدة العملاء في طلب السلع والخدمات.
- توفير إمكانيات الوصول إلي المعلومات حتى يمكن لمن يحتاجها اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.
وأهم شئ يمكن ملاحظته، هو أن عمال المعرفة أو مهنيو تكنولوجيا المعلومات يوفرون تكنولوجيا المعرفة ويطبقونها لخلق المنظمة الرقمية الحديثة.