تقييم التجربة اليابانية فى إدارة وتنمية الموارد البشرية من منظور الفكر الإسلامى .
أحمد السيد كردى .
التجربة اليابانية قامت على أسس أكّد عليها الإسلام من قبل ، وهذه النهضة اليابانية قامت على المبادىء والتعاليم والأسس والقواعد التي دعت إليها الشريعة الإسلامية ، وهذه المبادىء جعلتهم تقدموا خلال ومضة زمنية صغيرة وبامكانات قليلة ، ذلك التقدم الذي سطره لنا المنهج الإسلامى " ما فرطنا فى الكتاب من شىء " , فهم عندما سلكوا الطريق الصحيح رفعهم الله لأنهم إتبعوا منهاج الشريعة الإسلامية " و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " , والإدارة في الإسلام ذات بعد قيمي , ففي الإسلام يتعين على الأفراد والمجتمع الإسلامي مراعاة القيم التالية : ( القيمة المادية – القيمة الإنسانية – القيمة الخلقية – القيمة الروحية ) وهذه التركيبه هى الأساس والمدخل الإستراتيجى الحديث فى تنمية رأس المال الفكرى البشرى لتحقيق ميزه تنافسيه وهو سر نجاح الإدارة اليابانيه . والمتأمل النظر فى كل المبادىء الحديثة التى قامت عليها النهضة فى التنمية البشرية هى مستقاة من القواعد الإسلامية كما يلى :-
**************
أولاً: المشاركة في صنع القرار.
من المبادىء الإسلامية مبدأ المشاركة في صنع و إتخاذ القرار وهو المبدأ الذى دعا إليه ديمنج فى الجودة للتحسين المستمر فى أداء العاملين وقامت عليها إدارة وتنمية الموارد البشرية فى اليابان , لقد حظيت الشورى والمشاركة فى الرأى بمكانة عظيمة في التشريع الإسلامي " فلا ندم من إستشار " ، وأصبحت من المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم والإدارة في الدولة الإسلامية قال تعالى " ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ", وقال تعالى فى وصف عبادة المؤمنين " وأمرهم شورى بينهم ".
وتعتبر الشورى من أسس الحياة الإسلامية في المجتمع الإسلامي , وهي من لوازم القيادة الناجحة في أي موقع قيادي , فالقيادة الشورية من شأنها أن تذكي الروح المعنوية لدى جماعة العمل , من خلال إشراك الكل في الاهتمام بالعمل وإبداء الرأي في الخطط والأهداف والتنسيق ونحو ذلك مما يلزم في رفع مستوى الكفاءة في العمل , فالقيادة الغير متسلطة قريبة من المحيطين بها , وهذا من شأنه أن يوجد الطمأنينة لدى العاملين ويوجد المودة والألفة والتماسك والانتماء وكل ذلك يساهم في تكاتف الجماعة وتعاطفها على نحو يجعلها فريقا واحدا مما يضاعف إخلاص العاملين ويؤثر في الجماعة .
**************
ثانيا :- مدخل فريق العمل .
هذه الفكرة التى نادت بها الإداره اليابانية ونوهت إلى أنها من أسرار النجاح فى تنمية وإدارة الموارد البشرية فهذه الفكرة ليست بحديثة وإنما طبقها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وطبقها الصحابة والتابعين ونادت بها التعاليم الإسلاميه " فيد الله مع الجماعه " وقوله صلى الله عليه وسلم " إنما لايأكل الذئب من الغنم القاسيه " تنويه إلى أفضلية العمل فى جماعه , وكان صلى الله عليه وسلم يحب العمل مع الفريق فقال " وأنا على جمع الحطب " عندما شكلوا فريق عمل للقيام بتحضير الطعام .
والمتأمل بالبحث والنظر فى قوله عليه الصلاة والسلام [ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ] دليل على العمل بروح الفريق المبنى على الحب والعاطفة ,
فإن العمل الجماعي هدف إسلامي يعتمد على مبدأ الإيمان في نفوس المسلمين , و إن التزام الفرد بالعمل المشترك بدافع من شعور وجداني عميق ينبع من أصل العقيدة، تضمن وجوده ووجود الأفراد والمجتمع ككل، في حياة إنسانية متضامنة حرة وكريمة فالعمل الجماعي هو القوة الحقيقية التي يُعتمد عليها في حسن استخدام الطاقات وزيادة الإنتاج وإتقانه وحجر الزاوية في التطوير والتقدم.
***************
ثالثا :- مبدأ الإدارة الأبوية .
مبدأ الإدارة الأبوية من أكثر المبادىء التى أعجبتنى بحق فى الإدارة اليابانية , وهو بالفعل من أسباب نجاحهم فى تحقيق الأهداف التنموية لدى العاملين وهذا المبدأ القائم على التعامل الأبوي للمدير مع عماله وموظفيه، فهو يتعامل معهم كما يتعامل الأب مع أبنائه فيشملهم بعطفه، حتى أنه يساهم في حل مشكلاتهم العائلية كالزواج وما شابه ذلك، ومشاركتهم في اختيار الزوجة المناسبة.
ولكن عندما بحثت فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وجدت العجب العجاب فهو الرحمة المهداه والنعمة المزجاه " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فكان هذا القائد الأعلى للإسلام والمسلمين يهتم بكافة أحوال المسلمين وكان صلى الله عليه وسلم ليس بينه وبين الناس حاجب وقال " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم " دعوه إلى كل قائد ومن ولى من أمر الناس أن يهتم بهم , وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ..." لهذا كانت الإستجابه فى الدعاء لكل من إهتم برعاياه وتحققت الإستجابه فى التقدم والنجاح فى هذه الإداره الأبويه فى اليابان .
***************
رابعا :- مبدأ الالتزام بالمسئولية الفردية والجماعية.
تعني المسئولية في الإسلام التزام الشخص بأن ينتهض بالأعباء الموكلة إليه وتحمل التزاماته واختيارته أمام الله وقد وضح الإسلام ذلك في قول الرسول عليه الصلاة والسلام ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... ).
ثم تأتي مسئولية التنفيذ التي تقوم على مبدأ الالتزام الفردى والجماعى إن فالإدارة التربوية والتنموية الإسلامية تستند على التعاون والمشورة الصادقة المخلصة، وعلى العدل والمساواة، وعمادها الشعور بالمسئولية كل فرد في حدود مسئولياته وميزتها عن غيرها أنها لا تسعى لتحقيق الأهداف الدنيوية فحسب، بل وتسعى لتحقيق الفلاح في الآخرة .
إذا كان الشعور بالمسؤولية يعتبر احدى الخصائص الأساسية المطلوبة في الموظف الاداري الذي غالبا ما يعرف بأنه «الموظف المسؤول» فإن الإسلام بالرغم من تأكيده على المسؤولية الفردية واعتبارها الأساس لا يهمل المسؤولية الجماعية التي تجعل الموظفين في مجال التدبير الاداري متماسكين ومتضامنين على تحقيق النفع العام، وبذلك تتعدى مسؤولية الإنسان الاداري افعاله الخاصة ومقاصده الشخصية إلى نطاق مجموع المجتمع الاداري الذي يتحرك ويمارس عمله في اطاره، فهو في الوقت الذي يعتبر فيه مسؤولا عما يصدر عنه من افعال وتصرفات وممارسات، فان الإسلام لا يعفيه من المسؤولية عما يجري في محيطه الاداري ويدور حوله ويقع من غيره .
***************
خامسا :- حسن إستغلال الوقت .
من أهم المبادئ الإسلامية حسن استغلال الوقت ، وقضائها فيما يفيد في الدنيا والآخرة واهتم الإسلام بالوقت وقد أقسم الله به في آيات كثيرة تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله , وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك: فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به ؟ ", وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ", وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل " ، فتنظيم الوقت وحسن إدارته واستغلاله من أهم عوامل نجاح إدارة الجودة الشاملة والذى نادت به التجربه اليابانيه وأعلن الجميع نجاحها .
****************
سادسا :- الإداره من واقع الأحداث .
وهى فى الإدارة اليابانيه مبنيه على أنه يجب على المدير ان يقضي معظم وقته متنقلا بين المكاتب يتعرف الى موظفيه ويعرفونه ويستمع اليهم ويهتم بما يجري من حوله ويتابع احوال الشركة وانتشرت هذه الادارة حتى اسموها "الادارة بالسير على الاقدام"
وهو ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم بالفعل عندما كان يسير فى طرقات المدينه يتفقد أحوال المسلمين فى حفر الخندق كان يمر على الصحابه ليزيد من حماسهم وكان يشترك معهم فى الحفر وكان ينشد لهم ليرفع من معنوياتهم ويقول " اللهم فلا عيش إلا عيش الأخرة فارحم الأنصار والمهاجره ,.. وكان عمربن الخطاب يفعل ذلك عندما ولى الخلافه كان يخرج ليلا يتفقد أحوال الرعيه وهو فيما ترويه الأحداث عن قصة " بائعة اللبن " و قصة " أم الأيتام " .
**************
سابعا :- مبدأ الجودة على أداء العاملين .
الجودة هي أحد مبادئ الإسلام التي دعا إليها القرآن الكريم ولكن بلفظ يماثل الجودة في قول الله تعالى: "صنع الله الذي أتقن كل شيء" (النمل، أية: 88)، أي ذلك صنع الله البديع الذي أحكم كل شيء خلقه وأودع فيه من الحكمة ما أودع ، وجاء في القرآن وصف الله عز وجل "الذي أحسن كل شيء خلقه" (السجدة، أية: 7) ، وهذا دليل على وجود علم وحكمة وإتقان صنع.
كما يدعو الإسلام أيضا إلى التأكد من جودة العمل الذي يقوم به الإنسان وخلوه من النقص والعيوب، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل فقال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، والإتقان هنا يستدعي من المرء أن يؤدي عمله على أكمل وجه، وأن يسعى للوصول به إلى مرحلة الكمال الإنساني، بحيث يقوم بالعمل بكل تفاصيله دون تقصير أو تفريط أو غش أو خداع وهذا يستدعي الإخلاص الكامل في العمل .
وأساس الإتقان في الأعمال في الإسلام هو توفر المعرفة أولا والدليل على ذلك قول الله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم" (الإسراء، أية: 36)، والمعرفة بدون عمل لا تسوى شيء وقد أكد الله تعالى ذلك بقوله: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله" (التوبة، الآية: 105)، ولهذا على أي إنسان أن يتذكر أن فوق رقابة البشر هناك رقابة من الله تعالى وهي أعلى درجات المسائلة الفردية والجماعية لقوله تعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون" (الصافات، الآية: 24).
كما دلت الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، والتطبيق العملي للإدارة الإسلامية، أنها طبقت العديد من المبادئ الأساسية لحركة إدارة الجودة الشاملة، وقد كان اهتمام الإسلام بالجودة من خلال ترسيخ المبادئ الإسلامية .
********
أن الإسلام كان الرائد الأول والأعظم في وضع وبناء الأسس الصحيحة والسليمة التي تعمل على بناء مجتمع قوي، كما أن الإسلام مثل ثقافة ومفاهيم إدارة الجودة في شؤون الحياة اليومية من خلال المسؤولية والمسائلة والمحاسبة ودرجة أداء العمل وإتقانه، قبل أن تنطلق شعارات الجودة في العصر الحالي وهذا دليل على أن المنهج الإسلامي جاء كاملا شاملا لكافة مجالات العمل دون تخصيص أو تحديد، ولكن لم تتبلور مفاهيم الجودة في الإسلام على أيدي الباحثين الإسلاميين على شكل مفهوم متكامل على النحو الذي برز فيه الغرب
وبطبيعة الحال فإنه لا مجال للمقارنة بين المنهج الرباني والمنهج البشري فالمقارنة هي للتأكيد على حقيقة مهمة مفادها: أن المنهج الإداري في الإسلام هو المعيار والنموذج... المعيار الذي نحتكم إليه لنزن مدى صلاحية ونضج الفكر والنشاط الإداري البشري", ومدى التقدم والنجاح إنما يكون منبعه الأصلى فى المنهج الإسلامى .
كما أن هناك حقيقتين لا بد من التأكيد عليهما:
الأولى : أن نموذجية النظام الإسلامي لا تلغي أو تقلل من قيمة النشاط البشري وما يتضمنه من نظريات إدارية ما دامت لا تقدح في المنهج الإسلامي أو تتعارض مع أصوله ومبادئه وقيمه.، فقد أثرت هذه النظم والنظريات الفكر الإنساني بإبداعات ونماذج وطرائق تطبيقية.
الثانية: أن المنهج الإسلامي يتميز بالثبات في الأصول والمبادئ والقيم ، ويتميز في نفس الوقت بالمرونة والانفتاح على النظم والنظريات الأخرى قديمها و حديثها للانتفاع بما توصلت إليه.