يشهد الاقتصاد العالمي تحرك وتغير ديناميكي متسارع يتضح أكثر يوماً بعد يوم، وفـي ظـل تأثر تفكير وثقافة الإنسان بهذه التغيرات تعددت الرغبات وتنوعـت سـبل وطـرق تحقيقهـا وإشباعها وظهرت الحاجة إلى الإعلان كوسيلة مرئية أو مسموعة أو مقـروءة تـؤثر علـى الأحاسيس والأفكار وتلفت الانتباه وتخلق الرغبة في الشراء، وكما أن الإعلان يعمل على كسب المستهلك وإرشاده وضمان ولائه لسلع المعلن، كذلك نجده يمثل خطاً دفاعياً متقدماً تجاه السلع المنافسة من خلال مساهمته في حصول المؤسسـة علـى حصة سوقية مناسبة ثم المحافظة على هذه الحصة وزيادته، وهنا لا يعمل الإعلان منفرداً بـل ضمن منظومة متكاملة من الجهود البيعية والتسويقية والإدارية.
ونظراً لازدياد الاهتمام بالنشاط الإعلاني في الفترة الأخيرة وتعدد أساليبه، وتقنياتـه ووسـائله وتأرجح الإعلانات التي نراها ونقرؤها ونسمعها بين النجاح والفشـل، وكـذلك نظـراً للـدور الجوهري الذي يلعبه الإعلان في زيادة الحصة السوقية للمؤسسة والعمل على أن تبقى هذه الأخيرة صامدة في وجه التحديات المختلفة التي تواجهها.
فتعتمد فعالية الإعلان على القدرة على نقل رسالة واضحة وجذابة في فترة زمنية محددة، مستخدمة في ذلك مجموعة متنوعة من وسائل الإعلان، مثل وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والصحف، ووسائل الإعلان الرقمية مثل الإعلانات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتتنوع الإعلانات في أشكالها وأحجامها، وتتباين في استخدامها حسب السوق المستهدف والهدف المرغوب تحقيقه، ويتضمن عملية إعداد الإعلان دراسة مستفيضة للسوق وفهم جيد لاحتياجات العملاء المحتملين، بالإضافة إلى استخدام عناصر تصميم ونصوص فعّالة لضمان التأثير الأمثل.
ويعد الإعلان جزء من عناصر المزيج التسويقي حيث أن الإعلان جزء صغير من أجزاء الترويج الذي يعتبر عنصر من عدة عناصر تؤثر في استراتيجية التسويق للمنشأة، تعمل جنبً إلى جنب مع العوامل المؤثرة الأخرى ، فالإعلان هو وسيلة فعّالة تستخدم لنشر معلومات أو تسويق منتج أو خدمة بهدف التواصل مع الجمهور، وهو جزءًا أساسيًا من استراتيجيات التسويق للشركات والمؤسسات، ويهدف إلى جذب انتباه العملاء المحتملين وتشجيعهم على اتخاذ إجراء معين، سواء كان ذلك شراء منتج، أو الاشتراك في خدمة، أو زيارة موقع على الإنترنت، أو أي هدف آخر يندرج ضمن أهداف التسويق.
بشكل عام، يعتبر الإعلان جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث يلعب دورًا مهمًا في تشكيل وجدان المستهلكين واتخاذ قراراتهم الشرائية.
على الرغم ما نعرفه عن الإعلان، إلا أن الإعلان ليس ظاهرة حديثة بل إنه ظاهرة قديمة تعرضت لتطورات عديدة ارتبطت بالتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي أثرت على الإعلان.
فالإعلان مر بمراحل مختلفة في تطوره، حيث يرجع الإعلان في أصله إلى عصور ما قبل الميلاد بحوالي 3000 سنة (ق.م)، حيث كان يقتصر على النداء فقط، فمنذ أن تعلم الإنسان مبادلة السلع كان لزاماً عليه أن يقوم بالإعلان عنها، وذلك عن طريق عرض السلع وتزينها، وكانت المناداة هي الوسيلة التي يعلن ويستخدمها الإنسان في العصور والحضارات القديمة للإعلان عن الحروب والتعبئة لها، أو عن القوافل القادمة، أو المغادرة، أو وصول السفن، وما تحمله من بضائع، وأسماء التجار الذين يمتلكونها.
ثم تأتي بعد مرحلة استخدام العبارات، أو كلمات منمقة، أو مزخرفة، أو بعض الإشارات والعلامات التي كانت توضع على جدران المعابد والحيوانات مثل: وشم الخيول والأغنام لمعرفة أصلها وفصلها ومصدرها وتميزها عن غيرها، وما زلنا إلى الآن نشاهد الحذاء الخشبي رمزاً لصانع الأحذية، والثعبان والكاس رمزاً للصيدلاني؛ حيث يعتبر هذا شكل من أشكال الإعلان الذي يعتبر الجذر الأصلي للعلامة التجارية. ثم يأتي بعد ذلك الإعلان المكتوب، فوجد على ورق البردي عند قدماء المصريين إعلان لأمير فرعوني يعلن عن مكافأة لمن يَرد له عبداً هارب منه.
والحقيقة أن أول من عرف الإعلان بشكله ومضمونه الصحيح وبشكل شفوي هم الإغريق، ومن ثم الرومان الذين عملوا على تطويره إلى سجلات رسمية للإعلان لكي يستخدموها في الإعلان عن الألعاب، واستخدموا بعض اللافتات التي تعلن عن وصول السفن التجارية، وفتحوا سجلات تسجل فيها الأحداث الداخلية والمعجزات والانتصارات والهزائم وإبرام العقود، وعلقوا لافتات تحمل أخبار بضائعهم خارج حوانيتهم، كما كانوا يحفرون الإعلانات على جدران المنازل والحوانيت، وتلاها ظهور سجل المشرع الروماني الذي هو عبارة عن جريدة رسمية (الأحداث اليومية) تنقل إلى الجمهور كل قرارات السلطة مثل: إعلانات البيع والتأجير، ولكن نتيجة انخفاض التعليم وانتشار الأمية في تلك الحقبة من التاريخ كان التركيز أكثر على استخدام الرموز والصور بدلاً من استخدام الكلمات المكتوبة.
أما في العصور الوسطى انتشر استخدام الكلمة المسموعة كوسيلة إعلانية عن طريق المنادين، وفي منتصف القرن السابع عشر كانت الرسائل الإعلانية الرئيسية هي: الدوريات الملصقات الكتيبات واللافتات كما استخدمت جوانب السفن للإعلان عن السلع، خاصة بعد اكتشاف الطباعة وظهور الصحافة المكتوبة وانتشار الكتب، وانتشر الإعلان بصورة واضحة في القرن التاسع عشر والعشرين مع اكتشاف الآلة البخارية وما تبعها من انتشار لصناعة وظهور الشركات الكبيرة، وتطور صناعة الإعلان بشكل ملحوظ في نهاية القرن العشرين، نتيجة تطور التقنية المستخدمة في تصميم وإخراج الإعلان.