تعتبر الشركات المتعددة الجنسيات (MNCs) من العوامل الرئيسية التي تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وعلى الدول الصناعية المتقدمة بشكل خاص. فهذه الشركات تمتلك موارد وتكنولوجيا وخبرات ضخمة، وتتمتع بالقدرة على الوصول إلى الأسواق العالمية وتحديد أماكن الإنتاج الأكثر فاعلية من حيث التكلفة، مما يجعلها قادرة على تحقيق أرباح هائلة. ومن أهم الآثار التي تؤثر بها هذه الشركات على الدول الصناعية المتقدمة:

1- موازين المدفوعات والاستقرار الاقتصادي: تعتبر موازين المدفوعات والاستقرار الاقتصادي من التأثيرات التي يمكن أن تحدث نتيجة لتواجد الشركات المتعددة الجنسيات في الدول المتقدمة.

في العادة، تعمل الشركات المتعددة الجنسيات على تحقيق أرباح كبيرة، وبالتالي تصدر أموالاً كبيرة من الدول المستقبلة، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تأثير على موازين المدفوعات في هذه الدول. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هذه الشركات تستورد المواد الخام من الخارج، فإنها ستدفع ثمن هذه المواد بالعملات الأجنبية، وبالتالي ستنفق جزءًا كبيرًا من أرباحها على شراء هذه العملات، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على هذه العملات وتقليل قيمة العملة المحلية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤثر الشركات المتعددة الجنسيات على الاستقرار الاقتصادي في الدول المتقدمة من خلال تحديد مواقع الإنتاج الأكثر فاعلية من حيث التكلفة، وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط على بعض الصناعات المحلية وزيادة معدلات البطالة في بعض القطاعات، ولكن في المقابل، قد يحدث تحسن في بعض القطاعات الأخرى التي تتعامل مع هذه الشركات. لذلك، فإن تأثير الشركات المتعددة الجنسيات على الدول المتقدمة يعتمد على العديد من العوامل المختلفة، ويمكن أن يكون إيجابيًا أو سلبيًا بشكل متباين.

2- بنية السوق الرأسمالي: بنية السوق الرأسمالي يمكن أن تتأثر بتواجد الشركات المتعددة الجنسيات في الدول المتقدمة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هذه الشركات تعمل في القطاعات الاقتصادية الحيوية وتحقق أرباحًا كبيرة، فإنها يمكن أن تؤثر على سعر الأسهم ومؤشرات البورصة في هذه الدول. وفي العديد من الأحيان، يتبع المستثمرون والمضاربون في السوق المالي تطورات هذه الشركات بشكل وثيق، ويتأثرون بتقارير الأرباح والنمو التي يصدرها هذه الشركات، مما يؤثر على تقلبات السوق ومؤشرات الأسهم.

وعلاوة على ذلك، قد تتسبب الشركات المتعددة الجنسيات في تحريك رأس المال العالمي وتحويل تدفقات الاستثمار من دولة إلى أخرى، وهذا قد يؤدي إلى تغييرات في بنية السوق الرأسمالي وتأثيرها على الدول المتقدمة. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هذه الشركات تتحرك في مجال الطاقة المتجددة، فقد يؤدي ذلك إلى تغييرات في أنماط الاستثمار وتوجهات السوق الرأسمالي، ويمكن أن يؤدي إلى تطور قطاعات جديدة في الاقتصاد وفرص عمل جديدة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتأثر بنية السوق الرأسمالي في الدول المتقدمة بسبب التأثير الذي تتركه الشركات المتعددة الجنسيات على المنافسة الاقتصادية، فإذا كانت هذه الشركات تعمل في القطاعات المحمية وتتمتع بمزايا تنافسية كبيرة، فإنها يمكن أن تحرم الشركات المحلية من فرص النمو والتوسع، وبالتالي تؤثر على بنية السوق الرأسمالي في الدول المتقدمة وتتسبب في تغييرات في الهيكلية الاقتصادية والتوزيع الجغرافي للثروة. وفي الوقت نفسه، قد يؤدي ذلك إلى تحديات اقتصادية جديدة تواجهها الشركات المحلية في هذه الدول، وتحديدًا في القطاعات التي تتنافس مع الشركات المتعددة الجنسيات.

بشكل عام، يمكن القول أن الشركات المتعددة الجنسيات يمكن أن تؤثر بشكل كبير على بنية السوق الرأسمالي في الدول المتقدمة، وهذا يتوقف على القطاعات التي تعمل فيها والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتركها في الدول التي تعمل بها. لذلك، يجب على الدول والمؤسسات المالية والاقتصادية تقييم هذه التأثيرات واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والمالي في هذه الدول.

دور الشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة:

لقد نتج عن التغيرات الإقليمية والدولية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية نظام عالمي جديد بمضامينه وأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والمالية والثقافية والسياسية المبني على اقتصاد السوق وتقليص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وتنامي دور الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية التي أخذت تفرض على الدول النامية سياسات وبرامج إعادة الهيكلة والإصلاح الاقتصادي وإحداث تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقات الدولية وصياغة علاقات مجتمعية إنسانية جديدة.

وقد أكسبت الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة قوة إضافية لهذه الشركات وقدرة على الإنفاق على البحث العلمي. ويتضح من خلال نشاط هذه الشركات أنها قد ساهمت بشكل كبير في تفكيك عملية الإنتاج على الصعيد الدولي التي تتسم بعدم الاستقرار وبقابلية الانقطاع والتي تهربت من أية رقابة أو اتفاقيات ملزمة وأنها نسقت مع المؤسسات المالية والمنظمات الدولية في الدخول إلى الدول النامية ولقد تجسدت ممارسة هذه الشركات في نشاطاتها في الاقتصاد الدولي بنمو دورها في تدويل الاستثمار والإنتاج والخدمات والتجارة والقيم المضافة والمساهمة في تشكيل نظام تجارة دولية حرة والتسريع في نمو أكبر للاستثمار المباشر العالمي والتطور السريع للعولمة المالية وتنامي التأثير على السياسات الاقتصادية للدول والمساهمة في تعميق الفقر في العالم وهجرة الأدمغة وتعميق الفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والدول النامية.

 ويمكن إيجاز أثر هذه الشركات على الاقتصاد الدولي بإضعاف سيادة الدول المتصلة وتقليص دورها الاقتصادي والاجتماعي وخلق شريحة اجتماعية طفيلية وإضعاف ميزان المدفوعات وحرمان الدول المضيفة من أنشطة البحث العلمي والتطوير وإغرائها بمنحها عائداً أكبر لاستثماراتها لإبعادها عن إرساء قاعدة إنتاجية لها وبنفس الوقت استغلال المزايا النسبية للدول المضيفة ولجوء هذه الشركات للتمويل من السوق المحلية في المرحلة اللاحقة والمساهمة بمعدلات منخفضة في العبء الضريبي وزيادة الفساد في المجتمع.

ومن هنا تبدو أهمية تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد عن طريق إيجاد تعاون إقليمي بين الدول وإعادة هيكلية صندوق النقد الدولي وضرورة إصلاح نظام التجارة العالمي وتعزيز التعاون الصادق بين دول الجنوب ودول الشمال وبمراقبة مناسبة على تحرك رؤوس الأموال الخاصة وتشجيع تعاون عالمي في العلوم ونقل التكنولوجيا إلى الدول النامية وهذا يقودنا إلى الإجراءات الواجب اتخاذها في الإطار العربي لمواجهة الاقتصاد لعالمي الجديد عن طريق تعزيز الدور التنموي للدول العربية واحترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات الديمقراطية والتأكيد على زيادة الإنتاج والإنتاجية وتحقيق عدالة التوزيع وإعادة توزيع الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية والحد من نفوذ رأس المال الأجنبي ووضع معايير وضوابط لحركة رأس المال المحلي بما يخدم عملية التنمية وضرورة تطوير وتعميق التكامل والتعاون الاقتصادي العربي وتفعيل الاتفاقيات العربية في المجال الاقتصادي وتنسيق وتوحيد المواقف العربية في مواجهة المشروعات المطروحة من المنظمات الدولية ولاسيما المالية.

ومن الأهمية بمكان أيضا إبراز دور النقابات وهيئات المجتمع الأهلي في مواجهة النظام الاقتصادي العالمي الجديد وشركاته متعددة الجنسيات بضرورة تفعيل مشاركتها الحرة والمستقلة وأهمية اكتسابها مركز تفاوضي قوي وأجاد موقع إعلامي بما يعزز قوتها وتأثيرها وإرساء تضامنها تأثير الشركات المتعددة الجنسيات.

وهنا يمكننا القول بأننا أمام شركات عظمى ذات انتشار عالمي واسع مما جعل أحد الكتاب يقول الشركة متعددة الجنسيات هي مشروع وطني، يملك ويراقب العديد من الفروع الموزعة في العديد من الدول. هذه الشركات التي تعد وراء العديد من المشروعات الكبرى تقوم بالنشاط في المجال الصناعي، وهذه الملاحظة تبعث إلى القول بأن ظاهرة تعدد الجنسيات يرتبط بالطبيعة الاحتكارية لاقتصاد الدولة التي تتبعها هذه الشركات).

المصدر: د. أحمد السيد كردي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 12 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,915,836

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters