إن فقدان معظم الدول مصداقيتها وشرعيتها، وانسحاب الدول من بعض المهام أدي إلى ظهور مؤسسات المجتمع المدني بصورة لم يسبق لها مثيل، فقد أدى ذلك إلى المعاناة الإنسانية والتدهور البيئي والتغير التكنولوجي السريع وزيادة معدلات البطالة وزيادة أعداد المؤسسات.
ومع تعاظم دور مؤسسات المجتمع المدني فقد أصبح دورها كشريك في عملية التنمية مهما إلى حد كبير فلقد أصبحت المؤسسات شريكا في صنع القرار والتخطيط التنموي مع الدولة جنبا إلى جنب، حيث أن الدولة قد أصبحت غير قادرة على أن تقف أمام تحديات التنمية بمفردها، وتحتج في الوقت الراهن إلى تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال التنمية بصورة عامة، والتنمية البشرية بخاصة.
هناك مجموعة من العناصر والعوامل التي تؤثر في صياغة الدور التنموي للمؤسسات غير الحكومية، بعضها سياسي وبعضها اقتصادي وبعضها الآخر ثقافي واجتماعي، أول هذه العناصر المؤثرة يتمثل في طبيعة النظام السياسي، ومدى هامش الحريات والديمقراطية المتوافر للمجتمع المدني، وقد أصبح من المتفق عليه أن هذا العامل السياسي يحدد مبدئياً طبيعة دور هذه المؤسسات، حجمها أنشطتها، ومدى نموها.
وثاني هذه العوامل يرتبط بالأول وهو يتمثل في التشريعات والقوانين، إذ أنها تعكس بما تتضمنه من قيود درجة تحرير مؤسسات المجتمع المدني، والتي تفسر طبيعة النظام السياسي من جهة والعلاقة بين المجتمع المدني والدولة من جهة أخرى وتمتد هذه التشريعات الى حق تأسيس مؤسسات المجتمع المدني، وحقوق الدولة في الرقابة والإشراف عليها. وحقوق ممارسة النشاط واختبار مجال التخصص أو النشاط، كما تمتد الى حق الدولة في حل أو تصفية المؤسسة.
ومن العوامل التي تسهم أيضا في صياغة أدوار وأهداف مؤسسات المجتمع المدني أيدولوجية التنمية، والسياسات الاقتصادية المرتبطة بها ومدى توافر مشاركة شعبية في عملية التنمية. وهناك حجم ودور الطبقة المتوسطة، التي تضطلع بالأدوار الأساسية في حركة مؤسسات المجتمع المدني والتي تتسم بالمبادرة لتأسيسها، وكلما اتسعت هذه الطبقة، بجانب العوامل التعليمية والاعتبارات المهنية كلما تعاظم دور مؤسسات المجتمع المدني، يضاف إليها الاعتبارات الثقافية، والتي تتمثل في القيم السائدة والثقافة السائدة، ومدى ميلها إلى التأكيد على المشاركة أو السلبية على الجانب الآخر.
وما سبق يمثل التطور المؤسسي الذي ينتقل بمؤسسات المجتمع المدني من معنى (الرعاية) إلى معنى (التنمية) وتعزيز القدرات والدفاع عن الحقوق والتمكين للجماعات المستهدفة، فالتصور المؤسسي يجعل دور مؤسسات المجتمع المدني مؤسسات تدافع عن مصالح الجماعات وتحميها وتجعلها أكثر تمكينا، وتصبح في إطار هذه المؤسسات فاعلا اجتماعيا، أي قوة اقتصادية واجتماعية فاعلة مساهمة في التأثير على عملية التغير الاجتماعي.
ومن ثم فإنه من منظور البعد المؤسسي فإن مؤسسات المجتمع المدني تعمل باتجاه المجتمع المدني ودعم العمل التطوعي والمبادرة. ومن المنظور المؤسسي أيضا، فإن مؤسسات المجتمع المدني في عملية التنمية ينبغي أن تتبنى جملة من الأهداف بعيدة المدى في اتجاه التغير الاجتماعي والتحول الديمقراطي ــ وأهداف قصيرة المدى المعنية بتقديم الخدمات، ويجب أن يكونا جنبا إلى جنب. البعد الثقافي والقيمي وأخيرا فإنه من الأهمية بمكان، الإشارة إلى البعد الثقافي والقيمي لدور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية، وهو بعد كثيرا ما يتم إغفاله، بالرغم من انعكاساته على طبيعة دور هذه المؤسسات ومدى فاعليتها.
وقد ظهر في العقود الأخيرة اهتماما بالغا بقضايا البيئة ومشكلاتها باعتبارها تمس جميع البشر بغض النظر عن مكان معيشتهم ومستوى معيشتهم وظروف الحياة، ومن هنا ظهر تكاتف كامل بين مختلف الدول وبين مختلف قطاعات كل دولة في مكافحة مشكلات البيئة ومن هذه القطاعات التي يمكن أن تلعب دورا فعالا في حماية البيئة وترقيتها ورعايتها مؤسسات المجتمع المدني.
ويقع على المجتمع دور هام في خلق البيئة الاستثمارية لنمو اقتصادي مستدام من خلال مبادرات المجتمع من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف لزيادة الدخل. وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في دور وقدرات ومشاركات تنظيمات المجتمع المدني.
الأمر الذي يسلط الضوء على ضرورة أن تعمل الحكومات والمؤسسات الدولية على تمكين وتعزيز مشاركة هذه التنظيمات في نشاطاتها في المسائل البيئية لتحقيق التنمية المستدامة، وتفويض السلطة للمجتمع لكي ينمى نفسه بنفسه ويستطيع أن يواصل أمور التنمية وأن يكون متفهماً لكل جوانبها.
وهناك دراسات عديدة في الدول النامية عامة وفي مصر خاصة، قد أبرزت قصور الممارسة الديمقراطية داخل مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما يشير إلى تناقض بين المطالبة بالديمقراطية وبين الواقع الفعلي لهذه المؤسسات.
يشير ذلك إلى أهمية التزام مؤسسات المجتمع المدني بفكرة الشرعية الديمقراطية سواء على مستوى المجتمع ككل أو على مستوى العمل داخل المؤسسات. هذا بالإضافة إلى الالتزام بفكرة المحاسبة العامة وفق نظم يتفق عليها، وإعلاء قيمة الشفافية في عمل هذه المؤسسات.
لذا هناك شق يتعلق بالقواعد الأخلاقية التي تحكم مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى شق آخر يؤكد على مبادئ التنمية البشرية. في هذا الإطار فقد طرحت لجنة متابعة المؤسسات الأهلية العربية (الشبكة العربية للمؤسسات الأهلية حاليا) مشروع ميثاق شرف أخلاقي تلتزم به المؤسسات العربية غير الحكومية،
ويمكن الإشارة إلى ما تضمنه من التزام بمبادئ التنمية البشرية:
<!--التنمية والتي هي حق أساسي، ينبغي عليها أن تدفع في سبيل تحقيق حقوق الإنسان وضمان الحريات الأساسية. وينبغي أن تركز التنمية في جهودها وتعطي الأسبقية لإشباع الحاجات وتحقيق الآمال لأفقر الناس وأكثرهم هامشية. وينبغي عليها أيضا أن تواجه المطالب الحالية لحقوق الإنسان ومشكلات البيئة الطبيعية وأن تحل المنازعات الاجتماعية بطريقة سلمية.
<!--التنمية هي عملية اجتماعية وثقافية وسياسية وليست محض إنجازات اقتصادية.
<!--ينبغي أن توجه برامج التنمية جهودها لتدعيم مؤسسات المجتمع المدني، وأن تعمل مؤسسات المجتمع المدني على الإسهام البارز في هذه العملية.
<!--ينبغي أن تركز التنمية على الناس سواء في وضع أهدافها، أو في توزيع عوائدها، وأن تسهم مؤسسات المجتمع المدني في ذلك إسهاما فعالا.
<!--ينبغي أن تساعد التنمية الفقراء والمقهورين والمهمشين على أن ينظموا أنفسهم لكي يحسنوا أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
<!--ينبغي أن تشبع التنمية الحاجات الأساسية.
<!--ينبغي أن تتوجه التنمية لجذور أسباب عدم المساواة الشاملة وليس لأعراضها فقط.
<!--ينبغي أن تكون التنمية اقتصاديا وبيئيا مستدامة، وألا تؤثر على مستقبل الأجيال المقبلة.
<!--على التنمية أن تدفع في طريق العدل الاجتماعي من خلال التوزيع العادل للقوة والثروة والنفاذ إلى الموارد.
<!--على التنمية أن تعكس اهتمامات ومنظورات خبرة النساء وأن تتيح لهن أن يحققن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية.
<!--على التنمية أن تتطلب وتسهل المشاركة الكاملة للأفراد والجماعات المهمشة، بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العمر، وذلك في عملية صنع القرار الاقتصادي.
إن مؤسسات المجتمع المدني في الدول النامية تواجه مجموعة من التحديات من أهمها تحقيق المؤسسية وإعلاء الممارسة الديمقراطية والشفافية، ويرتبط بذلك احتياج الكثير منها إلى عملية بناء القدرات بما تتضمنه من تدريب على التطوير الإداري والبناء المؤسسي، وقواعد بيانات تسهل من عملها وبناء شبكاتها وكذلك بحوث تطور الواقع. كما تواجه تحديات أخرى تتمثل في تحقيق استقلاليتها، وتطوير (أجندة عمل قومية) مستقلة، ويرتبط بذلك توفير تمويل مستقل لها يعتمد بشكل أساسي على مصادر محلية. وتواجه أيضا هذه المؤسسات إشكالية مشاركة الجماهير في تخطيط وتنفيذ التنمية، في إطار ثقافة دفعت إلى السلبية والمبالاة، وهي تواجه تحدي بناء العلاقات مع القطاع الخاص.