ما هي الحرية المالية وكيف نصل إليها؟
يقول الأديب والمفكر الكبير عباس محمود العقاد:
“إن نفوري من الوظيفة الحكومية في ذلك العهد الذي يقدسها كان من السوابق التي أحمد الله عليها؛ فلا أنسى أنني تلقيت خبر قبولي في الوظيفة التي أكرهتني الظروف على التقدم إليها كمن يتلقى خبر الحكم عليه بالسجن أو الأسر أو العبودية؛ فقد كنت أؤمن بأن الموظف هو رقيق القرن العشرين”.
فهل حقا الوظيفة هي نوع من أنواع الرِق أو العبودية المالية ؟ كيف نصل إلى الحرية المالية ؟
بداية دعونا نحدد ما المقصود بالحرية المالية. نستطيع أن نقول إن الحرية المالية تعني امتلاك دخل أو تدفق مالي يكفي لتغطية نفقاتنا والتزاماتنا من دون أن نعمل بشكل مباشر. فالشخص الذي يتمتع بالحرية المالية هو الذي يكون لديه رأسمال أو مشاريع أو موارد ينتج عنها دخل بدون الالتزام بوظيفة معينة يقضي فيها معظم وقته.
كما يمكن أن نقول إن الشخص الذي يتمتع بالحرية المالية هو من انتقل من كونه يعمل من أجل المال إلى أن يصبح المال يعمل من أجله. ولكي نصل إلى الحرية المالية فلا بد من وجود رؤية مستقبلية واضحة تساعدنا في بلوغ ذلك الهدف. وعلاوة على ذلك فإن تحقيق هذا الهدف سوف يؤدي إلى الوصول إلى حرية الوقت؛ فبدلا من أن نمضي معظم أوقاتنا ونحن نحاول أن نزيد من دخلنا عن طريق الالتزام بوظيفة معينة، سيكون بمقدورنا أن نخصص أوقاتا أطول لأنفسنا ولعائلاتنا؛ فنطور ذواتنا ومهاراتنا من خلال التدريب والدراسة وممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية والترفيهية وغيرها.
يهمك : 6 شخصيات لا تجيد فن التعامل مع المال
وهنا قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال: هل يمكن أن تكون الوظيفة بداية للانطلاق إلى الحرية المالية، وكيف يمكن ذلك عمليا؟ أولا علينا أن ندرك أن الوظيفة هي حل قصير الأجل لمشكلة طويلة الأجل؛ فمعظم الناس يعتقدون أن الوظيفة هي ضمان للحياة المستقرة ووسيلة للعيش الكريم.
إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ لعدة أسباب: أولها، أن الوظيفة تؤدي إلى تحديد الممكنات؛ فكم من الأشخاص لديهم قدرات وإمكانيات لم يستطيعوا استغلالها لصالح أنفسهم بسبب العمل في وظيفة روتينية لا ترقى إلى مستوى طموحاتهم وآمالهم، بل تسببت في إحباطهم وتثبيطهم؟ ومن ناحية أخرى، إذا كانت الوظيفة تضمن لصاحبها الأمان والاستقرار كما يعتقد الكثيرون، فلماذا يسيطر هاجس الخوف من الطرد من الوظيفة على نسبة كبيرة من الناس؟ أليس صحيحا أن الموظف يبذل أقصى طاقاته لكي يرضي صاحب العمل؛ وبالتالي يحافظ على وظيفته، بينما يمنح صاحب العمل الموظف أقل مقابل للعمل لديه؟ إذا فكرنا مليا بإجابة هذه الأسئلة سيتضح لنا أن الخلل لا يكمن في الوظيفة ذاتها، بل في طريقة تفكير الموظف نفسه.
والآن دعونا نجيب عن السؤال الذي طرحناه سابقا، وهو هل يمكن أن تكون الوظيفة بداية للانطلاق إلى الحرية المالية، وكيف يمكن ذلك عمليا؟ هناك عدد من القواعد التي لا بد من مراعاتها في هذا الصدد.
1. حدد هدفك من الوظيفة: هل هدفك هو البحث عن المال؟ إذا كان جوابك نعم، فيؤسفنا أن نقول لك أنت مخطئ؛ فالهدف من الوظيفة هو التعلم واكتساب المهارات والخبرات. وعندما تشعر أنه لم يعد هناك ما يمكن أن تتعلمه من وظيفتك، فقد حان الوقت للبحث عن وظيفة أخرى في مكان آخر، أو في نفس الشركة. وكقاعدة عامة وبحسب الخبراء، فإنه يجب عليك أن تغير وظيفتك كل سنتين؛ لأن الإنسان قادر على اكتساب المعلومات والمعرفة خلال ستة أشهر، ولا بأس من الاستمرار لسنة ونصف بعد ذلك.
2. جهز نفسك للاستقلال المالي: وهذا يعني أنه يجب عليك – وأنت في وظيفتك – أن تبدأ بالإعداد للمرحلة المقبلة من مراحل الحرية المالية؛ وذلك بأن تكون مستعدا للاستقلال المالي. ويمكنك أن تستفيد من هذه المعادلة البسيطة كي تعرف أنك جاهز للاستقلال المالي. إذا كان لديك مبلغ قمت بادخاره سابقا، قم بقسمة هذا المبلغ على مقدار ما تنفقه شهريا. فمثلا إذا كنت تملك 2000 دولار ونفقاتك الشهرية 500 دولار، فهذا يعني أنك تستطيع العيش لمدة أربعة أشهر من دون أن يكون لك وظيفة. وبحسب الخبراء فإن الشخص يعتبر مستقلا ماليا إذا كان يملك مبلغا يكفيه لمدة ستة أشهر بدون أن يكون موظفا.
3. ابدأ في البحث عن فكرة تُدِر لك دخلا إضافيا وأنت في وظيفتك: لا تترك وظيفتك حتى يصبح لديك مصدر دخل إضافي جيد وتحقق نوعا من الاستقرار والنجاح في مشروعك الخاص؛ فهناك الكثير من الناس يمتلكون مشاريع ناجحة ولا يزالون يعملون في وظيفة معينة، ولكن بصورة مؤقتة.
ذو صلة : 7 خطوات ذكية لبدء مشروعك الخاص إلى جانب وظيفتك
4. كن مستعدا للاستغناء عن الوظيفة: عندما تصل إلى مستوى مُرضٍ عما تحققه من مشروعك الخاص، ابدأ في تجهيز استقالتك من الوظيفة والتفرغ لإدارة المشروع بنفسك؛ فأنت لم تعد بحاجة الوظيفة، بل هي بحاجة إليك. في هذه اللحظة تكون قد انعتقت من رِبق عبودية الوظيفة وأصبحت حرا ماليا.
ولكي تصل إلى الحرية المالية، هناك شروط يجب أن تتحقق، نوجزها فيما يلي:
1. لا بد من تغيير طريقة تفكيرك بخصوص الوظيفة. يجب أن تكون الوظيفة وسيلة وليست غاية؛ فهي فرصة للتعلم واكتساب الخبرات وليس المال.
2. الاستعداد للمغامرة المدروسة من أجل تحقيق الثراء. أغلب الأثرياء بدأوا مشاريعهم من خلال خوض مغامرة محسوبة. ولو بحثنا عن أسباب تحقيق الثراء سنجد أن نسبة الذين استطاعوا ذلك من خلال الوظيفة لا تتجاوز 10%. أما الأشخاص الأثرياء عن طريق الشهرة كالممثلين والرياضيين فإن نسبتهم لا تتجاوز 1%، في حين تبلغ نسبة الأثرياء بالوراثة حوالي 15%. أما ما تبقى (74%) فقد غامروا ودخلوا معترك الأعمال بعد أن قرروا ترك وظائفهم أو لم يكونوا موظفين من الأصل.
إقرأ أيضاً : كارلوس سليم… من دُكَان صغير إلى إمبراطورية من ذهب
3. التمرد على الواقع: ويعني ذلك أن على من يريد تحقيق حريته المالية رفض ما يُمليه عليه واقعه والرضوخ والاستسلام له. وحينما نتتبع سيرة بعض الأثرياء نجد أنهم لم يرضوا بواقعهم بل تمردوا عليه؛ فمثلا بيل غيتس تمرد على الدراسة في جامعة هارفرد وانطلق إلى تأسيس امبراطوريتيه المالية الضخمة. كما نجد أن مارك روكيزبرج تمرد على بيل جيتس نفسه؛ حينما رفض بيع فيسبوك له بمليون دولار وهو لا يزال في بدايته. والأمثلة على ذلك كثيرة.
4. وجود خطة مالية: لا بد أن تكون الأهداف التي يسعى الشخص الباحث عن التحرر المالي إلى تحقيقها واضحة منذ البداية. كما يجب تحديد نسبة الادخار من الدخل الناتج عن الوظيفة، ومن ثم كم هو المبلغ الذي سيكون مخصصا للاستثمار في المشروع المراد تأسيسه.
يهمك : كيف تتجاوز أزماتك المالية وتعود لاستقرارك المالي
وأخيرا، ولكي تكتمل عناصر الصورة، نشير إلى بعض المعوقات التي يمكن أن تحول بين الشخص وتحقيق الحرية المالية، ومن أهمها: الخوف من الفشل، والذي يؤدي بدوره إلى حجب الفرص الممكن استغلالها. ومما قد يعيق تحقيق الحرية المالية أيضا كثرة الالتزامات المالية على الشخص، وخاصة في حالة الاقتراض لشراء الكماليات؛ مما يؤدي إلى صعوبة الادخار وعدم وجود رأسمال يمكن البدء به واستثماره في مشروع خاص؛ مما يضطر الشخص للبقاء عبدا لوظيفته إلى أجل غير مسمى.
قدمنا لك عزيزي القارئ معلومات عن الحرية المالية وكيف نصل اليها وهل يمكن أن تكون الوظيفة بداية للانطلاق إلى الحرية المالية فلا تنسى مشاركته ونشره مع غيرك حتى تعم الفائدة على الجميع.