جاءت ثورة 30 يونيو في مصر لتصحح مسار ثورة 25 يناير ولتحقيق أهدافها التي عجزت  الحكومة السابقة عن تحقيقها وهي عيش، حرية، عدالة اجتماعية، فمنذ توليها السلطة ساءت أحوال الناس في مصر، وارتفع العجز في الموازنة العامة، ولم تتحقق العدالة الاجتماعية المأمولة، واضطرت الحكومة الي اللجوء إلي القروض الخارجية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.وكان طبيعيا ان تطرح التساؤلات التالية نفسها: لماذا عجزت الحكومة السابقة عن مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ؟ وما هي الأسباب التي جعلت القيادة السياسية غير قادرة علي وضع الخطط اللازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإدارة شئوننا بشكل أكثر فعالية ؟ وكيف نتمكن من توفير السلع الضرورية لمعيشتنا في الحاضر والمستقبل؟
  في الحقيقة يصعب الإجابة علي هذه التساؤلات لتعدد أسباب ضعف القدرة علي التخطيط لتحقيق النمو والتقدم . فمنها ما يتعلق بالنظام الاقتصادي والسياسي والإداري والثقافي وغيرها من النظم الفاعلة في الدولة ، إلا أنه لعل أهم الأسباب التي أدت إلي عدم إدراك الحكومة السابقة بأهمية التخطيط للتنمية وضعف قدرتها في التعامل مع المشكلات والأزمات من وجهة نظري هو:
أولا: انزلاق ثقافة وفكر القيادة السياسية في اتجاه الماضي والمبالغة في التمسك بالحلول التقليدية دون اعطاء الاهتمام الكافي لدراسة الواقع الحالي و استيعابه وتحديد المتغيرات والتطور المحلي والإقليمي والدولي من جانب ، وعدم الاقتناع بأهمية التخطيط الاستراتيجي الذي من خلاله يمكن تحدد رؤية وأهداف وخطوات محددة للتعامل مع المستقبل وما يستجد من متغيرات من جانب آخر . ويرجع ذلك في اعتقادي إلي أن اقتباس التجارب السابقة من الأمور السهلة مقارنة بالدراسات المستقبلية والتي عادة ما تتطلب جهود عقلية شاقة حتي يمكن التنبؤ بمتغيرات المستقبل والاستعداد له .
ثانيا: الرغبة في تكوين قاعدة شعبية كبيرة تستجيب لأوامر قادة جماعة الأخوان وتضمن لها عند خوض الانتخابات البرلمانية الحصول علي أغلبية مقاعد البرلمان و تتمكن بذلك من البقاء في السلطة في المستقبل القريب والبعيد ، فقد أدي ذلك إلي تركيز جهودهم نحو أخونة الوزارات والمحافظات وهيئات الدولة المختلفة وشغل الوظائف الرئيسية والاستشارية في الوزارات بمن هم غير مؤهلين للتعامل مع الواقع ووضع الخطط الفعالة ، حيث اعتمدت الحكومة السابقة بصفة اساسية عند شغل هذه الوظائف علي اهل الثقة والمقربين لهم بجماعة الأخوان.
ثالثا : الاعتماد علي أسلوب رد الفعل في إدارة الدولة والتعامل مع المشكلات بشكل جزئي لتخفف فقط من تضخمها ودون معالجة اسبابها وتقديم حلول جديدة ابتكارية غير تقليدية مع الاتجاه الي التعتيم وإخفاء الحقائق وتزيفها والوقوف ضد الإعلاميين وتوجيه الاتهامات لهم بالخيانة إذا خالفوهم في الرأي أو تمكنوا من كشف الحقائق .
رابعا : توهم القائمون علي الحكومة السابقة أن ما يقدموه من حلول قديمة وتقليدية هو البديل الوحيد والأفضل للتحقيق الخير العام . ولا ننكر ان هذه الحلول التقليدية كانت قد حققت بعض النجاحات في عصرها آنذاك إلا أنها ليست بالضرورة تضمن النجاح لعلاج المشكلات المتجددة والمتغيرة وترقي بالمجتمع.

      ويجب التأكيد علي أن عمليات التخطيط والدراسات المستقبلية قد لا يحبذها مثل هؤلاء السياسيين لكونها قد تتطلب القيام بمراجعة شاملة لمهام الدول في ضوء المتغيرات والتطور العالمي، بل أن نجاحها قد يتطلب أيضا مراجعة الفروض والثوابت والعادات وأن يتم تنقيتها من كل ما يعوق التنمية والتقدم. إن ممارسة هذه الدراسات ليست - كما يتبادر إلي الذهن لأول وهلة - ضربًا من الغيب المجرد، بل هي ذات طابع علمي وتنير الطريق للقادة وتساعد علي ادراك الواقع الفعلي وتمنع من السقوط في براثن الوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة. ونؤكد اننا كعرب قد نجحنا في احترام تراثنا وماضينا ، وهذا الاحترام للماضي ينبغي أن يواكبه احترام مثله عند ولوج أبواب المستقبل ، من حيث التفكير، وكيفية التعامل .والله ولي التوفيق.

المصدر: أ. د. محمد ماهر الصواف، صحيفة الأخبار المصرية في 6 يوليو 2013
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 423 مشاهدة
نشرت فى 20 يوليو 2013 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

818,321

ابحث