شهدت مصر ثورة شعبية عظيمة أعادت الروح والوعى للحياة السياسية بها، وقدمت نموذجا للسلوك المتحضر السلمى للثورات الشعبية ضد نظم الحكم الفاسدة والمستبدة، وتمكنت من إحداث إصلاحات سياسية عظيمة، إلا أن الإصلاح والتغيير يجب أن يمتد ليشمل جوانب اجتماعية وسلوكية في المجتمع يصعب إحداثها من خلال خطوات ومبادرات عفوية مخلصة تتخذ لظروف طارئة وبشكل مؤقت، إنما مثل هذا النوع من التغيير يتطلب: جهود شعبية منظمة ومتكاملة  تتسم بالدوام إلى حد كبير، وفى اطار مؤسسى مدنى ومتحضر، وجهود يؤمن القائمون بها بضرورة التصميم والحرص علي مواصلة المسيرة نحو التغيير وتحقيق الإصلاح الشامل.

  ولا ننكر أن الثورة وما قامت به من سلوك اجتماعى متحضر  استطاعت  بالفعل أن تغير الصورة السلبية التي كان قد  رسمها العالم  عن الشعب المصري، عن كونه يتسم بالسلبية والنزعة الفردية، وعدم نضوجه السياسي بالقدر الذي  يجعله قادرا على  التغيير. فكما نعلم فقد  تميزت الثورة  المجيدة  بالإصرار الواعى على سلمية تحركها بتشكيل لجان شعبية  لمنع التخريب وصيانة الممتلكات العامة والخاصة، كما نمت  الرغبة فى العمل الجماعى التلقائى للحد من أى اتجاه مضاد يسعى إلى نشر الفوضى والتدمير . وما أبهر العالم وقوبل بالإشادة والتقدير سلوك  الشباب الراقى عقب الإستجابة لأهم المطالب، فقد تعاونوا مع أجهزة الأمن والجيش لحفظ النظام، ونظموا أنفسهم للوقوف ضد أعمال البلطجة، بل  شاركوا في أعمال إجتماعية مختلفة مثل معاونة المصابين ونظافة الطرق العامة وتجميلها. كل ذلك جعل  العالم يشيد  بالتضامن والتماسك والمشاركة الإيجابية للمواطن المصرى.

  ولا شك أن هذا الانجاز  يجعلنا نتساءل : كيف يمكن استكمال هذه المسيرة السلمية والمدنية لنتمكن من تحقيق الإصلاح السلوكى والاجتماعى المعضد للتنمية والتقدم؟  وما هى سبل مواجهة مجموعة الخاسرين من جراء الإصلاح السياسى وممن يعملون على مقاومة التغيير ؟ وما مدى إمكانية اندماج هذا الشعب العظيم لنسق الديمقراطية؟

  وللإجابة علي هذه التساؤلات يجب أن نسلم أن ما حدث حتى الآن يعد خطوات مهمة علي طريق الإصلاح السياسي و الديمقراطية، إلا أنه لابد  أن يتبع  ذلك خطوات أخرى تمس قضايا ومجالات مختلفة بهدف العمل على تحديثها لتوائم وتدعم هذه الثورة ‏. ومن الضرورى مواصلة الحوار لتحديد متطلبات المرحلة القادمة وأولويات التغيير والتطوير والوصول إلي توافق عام حولها‏.‏ ولاشك ان عملية تحديد متطلبات المرحلة القادمة وأولوياتها تعد من الأمور العسيرة المعقدة لاختلاف الإتجاهات والآراء حولها.‏

 وفى تقديري أن أحد أهم متطلبات المرحلة القادمة هو تفعيل جهود المجتمع المدني بصفة خاصة الجمعيات الأهلية، والتى تعد من أهم صور المنظمات الاجتماعية المعاصرة ، التى انبثق عنها الفكر الإنساني المتقدم تعبيراً عن القيم الإنسانية النبيلة كالتكافل والتساند والمشاركة الإيجابية؛ للتخفيف من المعاناة فى مواجهة المشكلات المجتمعية .

 وتتسم الجمعيات الأهلية بكونها ذاتية الحكم؛ بحيث يصبح فيها المواطن جزء من كل، وينتقل المواطن من خلالها من النزعة الفردية إلى الجماعية، وتنمى لدية ثقافة عمل الفريق والروح المدنية والمسئولية الإجتماعية؛ بما يساعد على تقوية التلاحم والانتماء.  ويتمحور عمل الجمعيات الأهلية حول مهام معينة يقودها أشخاص ذو اهتمامات مشتركة، وهى تؤدى طائفة متنوعة من الخدمات والوظائف الإنسانية، ويمكن أن  تعمل على رصد السياسات وتشجيع المشاركة السياسية على المستوى المجتمعى.

 ومن جانب آخر فإن الهيكل المؤسسى  للجمعيات الأهلية يجعلها تتسم بالدوام، والقدرة  على وضع الأهداف المتجددة، والبحث عن مصادر للتمويل اللازم، والتخطيط لتحقيقها بفعالية وكفاءة . ويتدرب الشباب من خلالها على قيادة فرق العمل والحوار والديمقراطية والتفاوض للوصول للحلول الوسط للأهداف والمصالح المتنافسة. بل وتشير التجارب أن أعضائها من الشباب يكتسبون صفات سلوكية إيجابية هى التفكير الابتكارى، والمبادأة وإحترام وإدارة الوقت.

 ومن هنا فنحن في حاجة إلي تعديل القانون رقم 84 لسنة 2002 المنظم للجمعيات الأهلية؛  وذلك لتحرير هذه الجمعيات من القيود التى تقيد تأسيسها أو تحد من إتاحة الفرصة للمشاركة المجتمعية الفعالة فى إحداث التغيير السلوكى والاجتماعى, وكذلك لوضع القواعد التى تحفز على المشاركة للعمل التطوعى الخيرى، وترسيخ قيم المساءلة والشفافية وثقافة تداول السلطة فى قيادة هذه الجمعيات؛ وحتي يصبح سلوكا مكتسبا مع مرور الوقت، كما نأمل في العمل علي تحفيز الشباب لتأسيس الجمعيات والانضمام لها فى كل المستويات المحلية، ولممارسة كافة الأنشطة الاجتماعية أو الرقابية.

  وأخيرا نأمل النظر إلى الجمعيات الأهلية علي أنها شريك في صنع السياسات العامة؛ وذلك من خلال  استطلاع رأيها فى بعض الأمور العامة المنشغلة بها لإعلاء دورها وتفعيله.

 

المصدر: أ.د. ماهر الصواف
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 256/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
77 تصويتات / 1227 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2011 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

808,683

ابحث