هل أصبح دم المسلم رخيصا؟!

في هذا العالم وفي هذا الوقت من الزمن أصبحنا نسمع ونرى أمورًا عجيبة يصعب إدراكها بعقلنا البشري، نسمع ونشاهد كل يوم عدادًا يزداد بأرقامه زيادة يومية متواصلةً بلا هوادة، إنها عدادات القتلى والجرحى التي تدور بشكل سريع بلا توقف! والغريب أننا لا نرى تلك الغرائب من الفتن والاقتتال بين أبناء الشعب الواحد إلا في بلداننا العربية! مما يثير تساؤلات كثيرة تحمل آراء مثيرة للجدل عن مدى شرعية ما يحدث..

وأول ما يتبادر للذهن في خضم هذه الفوضى والفتن الدائرة اليوم.. هل أصبح الدم العربي والدم المسلم رخيصًا متاحًا منتهكًا إلى هذا الحد؟ ودون إعمالٍ للعقل أو الفكر أو المنطق الحكيم! وبحجة البحث عن الحرية والديموقراطية والحياة الفضلى! ولماذا أصبح المسلم يقتل أخاه المسلم بكل تلك السهولة واللامبالاة على الرغم مما يسببه هذا الانتهاك لحرمة دم المسلم من مصير سيئ لمرتكبه في الدنيا والآخرة؟! وقد عظم الله تعالى حرمة الدم بقوله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء: 93)، فجريمة القتل العمد هي الجريمة الوحيدة في القرآن الكريم التي توعد الله صاحبها بخمس عقوبات كما ورد في الآية الكريمة، وليس عقوبة واحدة.
والآكد أن رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  قد حذر كثيرا من قتل المسلم أخاه المسلم وذلك في أحاديث كثيرة ولكن هل من متفكر؟! ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا» (أخرجه النسائي). وهذا الحديث وحده كافٍ لبيان عظيم حرمة دم المسلم، فما موقف القاتل وما مصيره عند الله يوم القيامة حيث وقع في دم حرام؟! وذكر  " صلى الله عليه وسلم" : «لحرمة دم المسلم أشد عند الله من حرمة الكعبة». وقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسًا بغير نفس» (أخرجه أبوداود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه). وفي تحذيرٍ لرسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  من حرمة الاعتداء على المسلم بقتله: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» (رواه البخاري ومسلم). وفي خطورة حرمة دم المسلم أيضًا ما ورد في هذا الحديث الصحيح الذي رواه النسائي عن معاوية  "رضي الله عنه"  عن رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أنه قال: «كل ذنبٍ عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا أو الرجل يموت كافرًا». وقال  " صلى الله عليه وسلم" : «أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس الدماء» (رواه البخاري ومسلم).
فتأمل معي- أخي القارئ- كل هذه النصوص- وهي غيض من فيض- وما فيها من التحذير والوعيد من الاعتداء على المسلم بغير وجه حق، أو من أجل الحفاظ على سلطة أو منصب، أو من أجل حفنة من المال.. والغريب في الأمر أن الإنسان ينسى أنه خلق من تراب ومن نطفة وأنه سيعود للتراب مهما عاش وعمر وبنى من القصور وجمع من المال ومن متع الحياة.. فإنه لا محالة زائل بعد بضع سنوات أو أشهر أو أيام أو عقود، فكم من طاغية تجبر وتكبر فكان مصيره كمصير فرعون وهامان وقارون.. فهل يمكن للطغيان والظلم أن يستمر في ظل رحمة الله تعالى ببني البشر؟ فمهما طال زمن التكبر والتجبر فإنه لن يدوم، فالله تعالى يملي للإنسان ويمد له مدا عله يتراجع أو يتدارك خطأه أو يستغفر خالقه، ولكن طغيان الماديات يعمي ويصم ويجعل البعض ينسى أنه بشر وأنه كائن ضعيف لا يملك حتى صحته أو حياته أو مماته.. فعلام يقتل الإنسان أخاه الإنسان أو يعذبه أو يضطهده؟ وهو زائل لا محالة ولن يأخذ معه سوى رصيد أعماله لا رصيد أمواله!
فالطمع بتكديس الأموال وجمع الأرصدة هو ما يحرك الطغاة اليوم من أجل قتل الآخرين وتدمير بيوتهم وحياتهم دون تفكير، فهم يعيشون وهْم الحياة الأزلية الخالدة على هذه الأرض، لأنهم لا يؤمنون بالحياة الأخرى الخالدة فعلًا عند الله تعالى.. أفلا يرى من نصّب نفسه على البلاد والعباد أن عليه تعمير البلاد بشتى الطرق والوسائل من أجل بلده وشعبه ومن أجل التاريخ- كما فعل الكثير ممن سلف وكما يفعل زعماء الغرب اليوم- ومن أجل مصيره عند الله تعالى بدلا مما نسمع اليوم من أمور لا تصدق من قتل ودمار وتشريد وتعذيب وشتات! فأي تقدمٍ يحمل هؤلاء في جعبتهم لبلادهم؟!
خطوط نفسية
ومن الناحية النفسية ألا يفكر هؤلاء الطغاة والمرتزقة الذين يعتدون على الآخرين من أجل مبلغ زهيد من المال كم من طفل يقتلون بلا ذنب؟ وكم من طفلٍ يخلف بلا أهل أو حضن حنون يحميه فيعيش مرارة اليتم مدى الحياة؟ ألا يفكر ولو للحظة كيف سيعيش هؤلاء الأطفال؟ وما التفاؤل بالمستقبل الذي سيحمله هؤلاء الأطفال بين جنباتهم؟ وكم من الخوف سيملأ قلوبهم وسيترعرع بين جُنُوبهم؟ وكم من الأمل الضئيل بحياة أفضل سينشأ في عقولهم؟ ألا يستحق الأطفال- ذوو القلوب البريئة- التفكير في مستقبلهم وفي تطوير جوانب حياتهم في وطننا العربي بدلا من إهدار دمائهم وتدمير بيوتهم وأحلامهم وآمالهم؟ الكثير من الأطفال محظوظون اليوم لأنهم يعيشون بأمان، ولكن بالمقابل الكثيرون لقوا حتفهم أو انهارت عليهم بيوتهم أو كانوا أقل حظّا بالعيش تحت وابل الرصاص والقناصة والمدافع بلا رحمة، أو باتوا فوق أكوام بيوتهم ومدارسهم، أو بين أحضان أم متوفاة أو والد حبيس القضبان.. فهل نرحم الأطفال والطفولة والبراءة بين أعينهم إن لم نرحم أنفسنا؟!
ألا يفكر من ينوي الاعتداء على النساء والرجال كم من امرأة ثكلى سيخلف وراءه؟ وكم من طفل يتيم سيترك؟! وكم من مأساة ستستمر مدى الحياة دون أن يشعر بها المعتدون؟ وكم من فرصة للإصلاح يضيعون؟ وكم من أمل يقتلون؟ وكم من السنين سنحتاج للإعمار للبلاد ولإعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي؟ وكم من السنين والأجيال سنحتاج لإعادة المياه إلى مجاريها بعد التصدع الذي يحدث أو حدث بين أروقتها؟! فأين حب البلاد والإخلاص لها ولشعبها مهما اختلفت توجهاته ودياناته ومذاهبه؟ فالحياة منذ أن بدأت والاختلاف موجود بين بني البشر، ولكنها كانت دومًا تستمر بخسائر أقل مما نحن فيه اليوم حيث بتنا في فتنٍ عظيمة لا يعرف القاتل فيها في أي شيء قَتل ولا المقتول في أي شيء قُتل! كما أخبر بذلك رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  لما سيحدث في آخر الزمان مع كثرة الهرج والمرج (وهو الموت والقتل بسبب وبدون سبب).
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «إن بين يدي الساعة الهرج» قيل وما الهرج؟ قال: «الكذب والقتل» (وذكر الكذب قبل القتل؛ لأن الكذب وسماعه وترويجه من أكبر أسباب انتشار القتل) قالوا: أكثر مما نقتل الآن؟! قال: «إنه ليس بقتلكم الكفار ولكنه قتل بعضكم بعضًا حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه!». قالوا: سبحان الله! ومعنا عقولنا يومئذٍ؟! فقال: «إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان حتى يحسب أحدهم أنه على شيء وليس على شيء».
إن للإعلام بشتى صوره ووسائله وخاصة المرئية منها دورًا كبيرًا في إثارة الفتن بين الفئات المختلفة في الرأي والمعتقدات، وفي إذكاء روح الصراعات واستغلال جهل بعض الجهال وضعف قدراتهم في فهم الصراعات السياسية، مما يثير بواعث الغضب والشعور بالانتقام، فلا تكاد ترى بواعث الفتنة قد أخمدت حتى يعيد الإعلام تأجيج نارها من جديد مرة متحججًا بنقل الحقيقة، ومرة لأجل سبق صحفي، ومرة لأجل المناقشة والمحاورة والمجادلة ما بين مؤيد ومعارض دون وصول إلى أية حلول وسطية ومفيدة! ومرة من أجل المتعة واستمرار نقل الأخبار والمحافظة على أكبر عدد من المشاهدين والمستمعين والزائرين للمواقع والقنوات! وقد روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «من أعان على قتل مؤمنٍ بشطر كلمةٍ لقى الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله»، فانظر كم كلمة اليوم تثير الفتن ولا يأبه صاحبها كيف ألقاها.
كما أصبح للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي دور مهم في تحشيد الحشود وتجميع فئات الشعب في صفوف وراء أفكار ومعتقدات معينة متناقضة مع بعضها البعض، مما يعين على تذكية روح الخلاف والفتن، وبالتالي زيادة أعداد القتلى والمصابين، بل وجرّ البلاد والعباد لخطر الحروب الداخلية والأهلية!
كما أن لوسائل الإعلام دورًا بارزًا فيما تبثه اليوم من أفلام كثيرة في معظمها تحث على العنف والقتل وتوجه لفئات الشباب والأطفال، ما جعل الكثير من الناس يستهين بانتهاك حرمة الدم وكأن شيئا لا معنى له حينما يقتل المسلم أخاه المسلم أو ينتهك حرمت

المصدر: مجلة الوعي الاسلامي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 324 مشاهدة
نشرت فى 18 نوفمبر 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

901,060

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.