الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة بشرية



الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضرورة بشرية، لا يستغني عنها فرد أو مجتمع ينشد الأمن والاستقرار، ويتطلع إلى التقدم والرقي، ويسعى لتحقيق السعادة الدنيوية والأخروية.

والأمر والنهي - من حيث الأصل - حاجة فطرية، وغريزة مركوزة في نفس كل إنسان، فلابد له من أمر ونهي، ولابد أن يأمر وينهى، فإن كان يأمر بالمعروف، ويؤمر به، وينهى عن المنكر، وينهى عنه، كان ذلك علامة سعادته في دنياه وآخرته، وإن كان بعكس ذلك، كان عنوان شقائه وتعاسته في دنياه وآخرته.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكل بشر على وجه الأرض فلابد له من أمر ونهي، ولابد أن يأمر وينهى، حتى لو أنه وحده لكان يأمر نفسه وينهاها: إما بمعروف وإما بمنكر، كما قال الله - تعالى -: {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53]. فإن الأمر هو طلب الفعل وإرادته، والنهي: طلب الترك وإرادته، ولابد لكل حي من إرادة وطلب في نفسه يقتضي بهما فعل نفسه، ويقتضي بهما فعل غيره إذا أمكن ذلك، فإن الإنسان حيّ يتحرك بإرادته.

وبنو آدم لا يعيشون إلا باجتماع بعضهم مع بعض، وإذا اجتمع اثنان فصاعدا فلابد أن يكون بينهما ائتمار بأمر، وتناه عن أمر.... وإذا كان الأمر والنهي من لوازم وجود بني آدم، فمن لم يأمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، ويؤمر بالمعروف الذي أمر الله به ورسوله، وينه عن المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، وإلا فلابد من أن يأمر وينهى، ويؤمر وينهى: إما بما يضاد ذلك، وإما بما يشترك فيه الحق الذي أنزله الله بالباطل الذي لم ينزله الله، وإذا اتخذ ذلك دينا، كان دينا مبتدعا ضالا باطلا"(1)

وبناء عليه، فإن المجتمعات البشرية من حيث الأمر والنهي لا تخلو من ثلاث حالات:-

الحالة الأولى: أن يتآمروا بالمعروف، ويتناهوا عن المنكر، وهذه هي حال المؤمنين - في المجتمع المسلم - الذين وصفهم الله بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110]، وقوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71].

فهذا هو المجتمع الصالح، الذي غلب عليه الخير، وتمكن فيه المعروف، وقوي أمره، واشتد عوده، وصارت له الغلبة والظهور، ولأهله العز والتمكين.

وإن كان هذا المجتمع قد لا يسلم من بعض المنكرات، بل ولا يخلو من المنافقين الذين يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.

فهذا هو مجتمع الصحابة الكرام - وهو المجتمع المثالي - لم يخل من هذه المخالفات. فقد كان في ذلك المجتمع منافقون وصفهم الله بقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67]، وفيه مسلمون مقصرون، وقع منهم شيء من المنكرات والكبائر، فقد وجد من يزني، ووجد من يسرق، ووجد من يشرب الخمر، ووجد من يقتل النفس التي حرم الله بغير حق، ووجد من يحارب الله ورسوله... ولكنها حالات فردية نادرة، مع أنها - في الغالب - مستخفية غير مستعلنة، وكانت ضمائر الذين ابتلوا بها حية يقظة، وعندهم من حرارة الإيمان وصدق اليقين ما يدفعهم سريعا إلى التوبة الصادقة، والإقلاع عما هم عليه، من دون رقابة خارجية، أو متابعة من سلطة حاكمة، أو أجهزة أمنية. وأوضح مثال على ذلك قصة ماعز والغامدية، وهما قصتان مشهورتان معروفتان.(2)

الحالة الثانية: أن يتآمروا بالمنكر، ويتناهوا عن المعروف، وهذه هي حال المنافقين: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [التوبة: 67].

الحالة الثالثة: أن يتآمروا ببعض المعروف، وببعض المنكر، ويتناهوا عن بعض المعروف، وعن بعض المنكر، فيخلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، ويفعلوا حقا وباطلا، ومعروفا ومنكرا، وخيرا وشرا. وهذا هو حال العصاة والفاسقين، والمسرفين على أنفسهم.

ومن هنا يتبين لنا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنهما ضرورة بشرية لا غناء عنها لصلاح المجتمع وتماسكه، وسلامة سيره، واستقرار أمره. إذ أن ضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يؤدي إلى تفويت مصلحته فحسب، بل هو يؤدي إلى عكسه، وهو ظهور الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وقوته وغلبته. فالخسارة مضاعفة، والخطب أعظم. فإما أن يسيطر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيستخذي(3) المنكر ويستخفي، وإما أن يضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يتلاشى، فيسيطر المنكر ويستعلي، لأن النفوس أمارة بالسوء، ميالة إلى الشهوات، تحب الإخلاد إلى الأرض، واتباع أهواء النفس، والتحلل من قيود الشرع، مع ما سلط عليها من كيد الشيطان ووسوسته. ولهذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا شرعا، كما هو واجب حسا وعقلا، لا يجوز تركه أو التخاذل عنه.(4)

فيبدأ الإنسان بنفسه أولا، فيأمرها بالخير وينهاها عن الشر، كما قال - تعالى -: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس: 7-10]، وقال - تعالى -: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41].

كما يجب عليه أن يأمر أهله ومن تحت يده، قال - تعالى -: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132]، وقال - تعالى -: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55]، وقال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6].

إلى غير ذلك من الآيات، وأما الأحاديث في هذا المعنى فهي كثيرة جدا.

ثم ينتقل الأمر والنهي إلى بقية أفراد الأمة بحسب القدرة والحاجة، على ما سبق بيانه.

-----------------------

عضو هيئة حقوق الإنسان



1- الاستقامة 2/292-294. وانظر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن تيمية - أيضا - ص : 71-72.

2- أما قصة ماعز، فقد رواها البخاري في عدة مواضع، منها في ( كتاب الحدود، باب رجم المحصن، حديث رقم: 6815، 4/253 )، ورواها مسلم في (كتاب الحدود، باب من اعترف على نفسه بالزنى، حديث رقم: 1691، 3/1318).

وأما قصة الغامدية، فقد رواها مسلم في نفس الباب السابق، حديث رقم : 1695.

3- أي : يستكين ويخضع. انظر : المعجم الوسيط 1/8.

4- انظر : حتى لا تغرق السفينة ص: 13-17، و "من وسائل دفع الغربة " ص: 76-78، والأمر بالمعروف للشيخ صالح الفوزان ص: 8-12.

المصدر: رسالة الاسلام - د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان (المشرف العام)
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 99 مشاهدة
نشرت فى 21 إبريل 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,984

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.