موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته


النهضة العلمية والفكرية في مصر

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
أ.د. السيد محمد الدقن
 

  بهرت مظاهر الحصارة الأوربية  الخديوي اسماعيل، فأراد جعل مصر قطعة من أوربا، فبعث النهضة العلمية من مرقدها ونفخ فيها روح الحياة والنشاط، فأعاد تأليف ديوان المدارس(وزارة المعارف) ووجه همته إلى إنشاء المدارس على اختلاف مراتبها وتخصصاتها، فأسس المدارس الحربية وأعاد فتح المدارس العالية التي أغلقت وأنشأ مدرسة للحقوق لأول مرة سنة 1868م، فكان لها الفضل الكبير على نهضة القانون والتشريع والقضاء وعلى النهضة الأدبية والسياسية في البلاد، كما أسس مدرسة دار العلوم سنة 1872؛ لتخريج أساتذة اللغة العربية للمدارس الثانوية والابتدائية وانتخب طلبتها من نجباء تلاميذ الأزهر، ويرجع الفضل في إنشائها إلى مؤسسها على باشا مبارك، كما ارتقت مدرسة الطب والولادة في عهد اسماعيل واتسع نطاقها وتخرج فيها جماعة من أعلام الطب في مصر.


     ويرجع إلى اسماعيل الفضل في إنشاء مدارس للبنات إذ لم تكن في البلاد مدارس للبنات سوى مدرسة الولادة، وفي إنشاء عدد من المدارس الخصوصية كمدرسة المساحة والمحاسبة ومدرسة اللسان المصري القديم(اللغة الهيروغليفية)، ومدرسة العميان والخرس للبتين والبنات ومدرسة الزراعة وعدد من المدارس التجهيزية كالمدرسة الخديوية بدرب الجماميز ومدرسة رأس التين بالاسكندرية.

   

    كما انتشرت المدارس الابتدائية في القاهرة وفي مختلف الأقاليم وذلك بفضل شريف باشا وعلى مبارك باشا الذي فكر في تحويل التعليم في الكتاتيب إلى التعليم الابتدائي النظامي، كما أعاد اسماعيل عهد البعثات التي ازدهرت في عصر محمد علي، كما كثر عدد المدارس الأوربية التي أنشأتها البعثات الدينية للبنين والبنات فبلغ عددها 70 مدرسة،، كما لا يفوتنا أن نذكر إنشاء دار الكتب  التي كان الفضل في إنشائها يرجع إلى على مبارك باشا، كما دخل الإصلاح الأزهر؛ حيث وضع نظام الامتحان لتخريج العلماء والمدرسين سنة 1872م، وقد كان التدريس فيه خاليا من القيود، وفي سنة 1871م جاء السيد جمال الدين الأفغاني إلى مصر فنفخ في الأزهر روح النهضة وغرس يذور التقدم الفكري والعلمي، وقد بدت ثمارها بظهور المدرسة الحديثة التي حمال لواءها  الأستاذ الإمام محمد عبده  في الأزهر وخارج الأزهر.
   

   وجدير بالذكر أن اسماعيل كان ينفق بسخاء على التعليم فقد كانت ميزانية وزارة المعارف في عهد سعيد لا تتجاوز ستة آلاف جنيه مصريفزادها اسماعيل إلى أربعين ألفا، ثم بلغت خمس وسبعون ألف جنيع، وكان التعليم في معظم المدارس مجانيا، ثم نقصت ميزانية وزارة المعارف في أواخر عهد اسماعيل بسبب الارتباكات المالية فهبطت إلى 20 ألف جنيه.
   

  وصفوة القول أن عصر اسماعيل اقترن بالنهضة العلمية والأدبية التي ظهرت  في مصر إبان النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولهذه النهضة مظاهر وعوامل شتى: منها انتشار التعليم في المدارس والمعاهد المختلفة، وظهور طائفة العلماء والأدباء ممن تخرجوا في المدارس والبعثات أو في الأزهر على عهد محمد علي وخلفائه، وقد ظهرت ثمار قرائحهم على توالي السنين وخاصة في عهد اسماعيل الذي كان يشجعهم بالمنح السخية وإسناد كبرى المراكز إليهم، ومنها مجئ الأفعاني إلى مصر الذي نفخ روحا من اليقظة في الحياة العلمية والأدبية ثم السياسية خطت بها خطوات واسعة إلى الأمام، ومنها ظهور الجمعيات العلمية كالمجمع العلمي وجمعية المعارف والجمعية الجغرافية الخديوية والجمعية الخيرية الإسلامية، وتقدم الطباعة وظهور الصحافة العلمية والأدبية والسياسية وبعض الصحف الأوربية.
   

   وقد ظهرت أغلب الصحف السياسية في أواخر عهد اسماعيل في الوقت الذي اصطدم فيه بالمطامع الأوربية وشعر بوطأة التدخل الأجنبي، فلا غرو إذا رأيناه يطلق الحرية الكافية لهذه الصحف الني كانت تحمل على هذا التخل حملات صادقة، فراقت خطتها لاسماعيل الذي أخذ يشجعها؛ مما كان له أثر كبير في إثارة البصائر والأفكار وتوجيه الأنظار إلى العناية بشئون البلاد العامة، واتنقاد الأعمال الضارة التي تصدر عن الحكومة، فكانت الصحف أداة لظهور حرية الأراء السياسية وعاملا من عوامل يقظة الحركة الوطنية بالإضافة إلى النهضة الأدبية والعلمية.

المصدر: أ.د. السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ مصر الحديث(القاهرة: المؤلف، د.ت.)
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 465 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

149,855

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »