موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

غفر الله ورحم د/السيد محمد الدقن وزوجته وأدخلهما فسيح جناته

    

  بناء الجيش المصري

ونهضة مصر في القرن التاسع عشر

أ.د. السيد محمد الدقن

    كان محمد علي يود أن ينجح في اعتماده على الجنود الألبانيين فهم عصبته ناصروه على الطوائف العسكرية الأخرى التي كانت تناصر الولاة قبله، ولكنه خاب أمله عندما تمردوا على القوانين العسكرية وأنظمتها بل إنهم حاولوا اغتيال الضياط المكلفين بتدريبهم، ولم يشأ أن يتخلص منهم إلا في ساحات القتال فواتته الفرصة في الحرب الوهابية وفي فتح السودان، ولم يبق أمامه إلا الاعتماد على المصريين في تكوين جيشه على أحدث النظم الأوربية ليستطيع مواجهة تركيا التي أرغمت على تعيينه واليا، ولم يكتف بتجنيد  المصريين بل أراد الاستزادة من السودانيين أيضا لقوة احتمالهم، ولكنه فشل في الاعتماد على السودانيين، لأنهم لم يتحملوا المعيشة الشاقة في مناخ مختلف بعيدا عن أوطانهم، فاكتفى أخيرا بالاعتماد على المصريين.

    وفي أسوان، أقيمت المدرسة الحربية الأولى في مصر بقيادة ضابط فرنسي يدعى "سيف" تمكن بذكائه وشجاعته من استمالة المجندين إليه، وخاصة عندما اعتنق الإسلام وعرف باسم سليمان باشا الفرنساوي، ولما كان محمد علي مولعا بتقليد أوربا وخاصة في نظمها العسكرية فقد أقام مدرسة للجنود المشاه وأخرى للفرسان وثالثة للمدفعية ورابعة لأركان الحرب وخامسة للموسيقى العسكرية، وبلغ عدد الجيش المصري في عهد حوالي 200 ألف جندي، وهو عدد كبير إذا قيس بمجموع سكان مصر وقتئذ الذي كان يبلغ مليونين ونصف إلى ثلاثة ملايين.

     ولكي يصمن محمد علي إمدادته العسكرية؛ أنشأ دارا لصناعة المدافع والبنادق والذخيرة وجميع معدات الجيش ولوازمه، حتى أصبح جيشه يضارع أحسن جيوش أوربا بشهادة كبار الضباط الأجانب، ولما كان متخوفا من تطور علاقاته مع دول أوربا التي يستمد منها المدربين والصباط العسكريين، فقد وجه البعوث العسكرية للتعليم في أوربا حتى يمصر الجيش كله، فتكونت من هذه البعثات طلائع  بنت مجد مصر الحربي وسجلوا لها انتصارات بارزة في الشرق والغرب، وكان إصلاح الجيش سببا للاهتمام  بأمر التعليم والصناعة والصحة في البلاد، ومن ثم فإنه عندما تدهورت حالة الجيش في أواخر عهد محمد علي بعد التدخل الأوربي وفرض تسوية لندن 1840-1841 على مصر، تدهورت معه النهضة التعليمية والصناعية في البلاد.

    وقد بقيت حالة الجيش سيئة في عهدي عباس الأول وسعيد، حتى كان عهد اسماعيل الذي كان واسع الآمال مثل جده محمد علي، فوصل الجيش المصري إلى 120 ألف جندي، وخاصة عندما تخلص من القيد الخاص بعدد الجيش في فرمان 1873 ، واعتمد اسماعيل في قيادة الجيش وتدريبه على ضباط البعثات المصرية العسكرية  في جامعات أوربا وعلى ضباط فرنسيين أيضا، ثم استعان أخيرا بالجنرال "ستون باشا" الأمريكي، كما عمل على رفع ثقافة الجيش فأنشأ صحيفتان حربيتان، هما: الجريدة العسكرية المصرية وجريدة أركان حرب الجيش المصري، وكان اسماعيل شديد الرغبة في أن يرى لمصر جيشا يضارع جيوش أوربا، حتى أنه لما أعجب بانتصار الجيش الألماني في الحرب السبعينية على فرنسا صمم على أن يدرب الجيش المصري على نمط الجيش الأماني، إلا أن الأزمة المالية التي وقع فيها في النصف الثاني من حكمه والتدخل الأجنبي حالا دون تحقيق هذه الرغبة، فقلت العناية بالجيش وتقلصت مخصصاته.

المصدر: أ.د.السيد محمد الدقن، دراسات في تاريخ مصر الحديث والمعاصر(القاهرة، المؤلف، د.ت)
DRDEQENSAYED

ربي اغفر وارحم عبدك السيد محمد الدقن وزوجته - نسألكم الفاتحة والدعاء وجزاكم الله خيرا ولكم بمثل ما دعوتم

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 585 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

153,239

ابحث

موقع العبد الفقير إلى الله تعالى المؤرخ أ.د/السيد محمد الدقن رحمه الله

DRDEQENSAYED
يهدف هذا الموقع إلى نشر أجزاء من علم العبد الفقير إلى الله سبحانه وتعالى المؤرخ المصري الدكتور السيد محمد الدقن غفر الله له ورحمه، أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر، وكذلك نشر كل ما قد يكون في ميزان حسناته وحسنات زوجته رحمهما الله، نسألكم الدعاء والفاتحة للفقيد والفقيدة ولكم بمثل ما دعوتم »