الدور التاريخي للأزهر(2)
أ.عماد الفشني
مدرس مساعد بقسم التاريخ والحضارة-جامعة الأزهر
الأزهر المجيد هو الحقيقة الكبرى الذي طوقت به مصر جبين البشرية، عندما أهدى إلى جميع الأقطار في المشرق والمغرب عقولًا متألقة، وشخصيات عظيمة، وقامات علمية رفيعة، كانت باب علم وأمان ورحمة لهذه الأقطار، والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى، فأروقة الأزهر الخمسة والعشرين التي نسبت للأقطار العربية والإسلامية مثل: رواق المغاربة، والشوام، والأكراد، والأتراك، والأفغان، والهنود، وغيرهم.
ومن يطالع جمهرة أعلام الأزهر، يدهش من هذه الأعداد الغفيرة التي تقصاها المؤلف لبعض أعلام الوافدين الذين تعلموا في الأزهر في آخر قرن ونصف من الزمان ومنهم: نائب تونس وسفيرها بمصر: سعيد بن قاسم اليفرني (توفي: 1301هـ)، ومفتي عموم السودان: شاكر بن عبد الله الغزي (توفي: 1302هـ)، وأمير بلاد الآتشيه بإندونيسيا: عبد الرحمن باشا باعلوي (توفي: 1314هـ)، وشيخ علماء الملايو بتايلاند: وان أحمد بن محمد الفطاني (توفي: 1325هـ)، وسلطان جزر القمر: علي بن السلطان السيد عمر المسيلي (توفي: 1334هـ)، وشيخ قرَّاء العراق: الملا عثمان الموصلي (توفي:1341هـ)، ومؤسس دولة الأدارسة باليمن: السيد محمد بن علي الحسني الإدريسي (توفي:1341هـ)، ومؤسس المدرسة العثمانية والكلية الإسلامية في بيروت: أحمد عباس بن سليمان (توفي: 1345هـ)، ورئيس علماء المسلمين في يوغوسلافيا: جمال الدين تشاؤوتشفيتيش (تُوُفِّيَ: 1356هـ)، وأول صحفي بالكويت: عبد العزيز بن أحمد الرشيد (توفي: 1358هـ)، وعلَّامة الصين: أبو بكر هاجانكين (توفي: 1363هـ)، ومفتي الحجاز ورئيس وزراء الأردن: عبد الله بن عبد الرحمن (توفي: 1368هـ)، ومحدِّث بلاد المغرب: أحمد بن محمد بن الصديق الغماري (توفي: 1380هـ)، ورائد الترجمة من العربية إلى الإندونيسية: محمود بن يونس بن إينتشك (توفي: 1402هـ)، ومفتي كازاخستان: ضياء الدين خان بن إيشان باباخان (توفي: 1403هـ)، وغيرهم الكثير.
لم يقتصر الأمر على استقبال الوفود والدارسين بل أوفد الأزهر علماءه إلى أنحاء المعمورة ليحملوا معهم النور والسكينة والدين والفضيلة، والعلم والتزكية، وسطرت جمهرة أعلام الأزهر وثيقة جليلة عندما بينت أعداد علماء الأزهر الذين بعثوا للحكومات والهيئات الأجنبية عام 1955م، فكانت وجهتم إلى : الرياض والحجاز، والكويت، والسودان والصومال وإرتيريا، وليبيا ولبنان والعراق، وسوريا والملايو، ولندن وفرنسا وغيرها.
تحملت مصر كل هذه التبعات بحب وإخلاص؛ لأنها تيقنت أن الدور الذي تقوم به واجب وأمانة في عنقها، وجزء من رسالتها العظيمة، حيث فرض القدر على أم الدنيا أن تكون مركزًا للنور والإشعاع الفكري والحضاري، ومركز قيادة الأمة العربية والإسلامية منذ عهود الفاطميين والأيوبيين والمماليك، إلي اليوم، وأن شعبها وجيشها هو سند الأمة وظهيره الذي حرر المسجد الأقصى، وهزم المغول، وقهر المستعمر، حفظ الله مصر وأدامها قبلة للعلم والعلماء.
ساحة النقاش