عالم السياسة الإخباري .. Blooming Rose
الحلقة الأسبوعية السادسة من : كتاب "حقائق وثوابت في القضية الفلسطينية: رؤية إسلامية"
الكيان الصهيوني الغاصب .
27. مع تزايد ضعف (م.ت.ف ) .أخذ التيار المؤيد للتسوية السلمية مع الكيان الصهيوني في الاتساع في أوساط المنظمة إلى أن جاء قرارها في منتصف تشرين الثاني /نوفمبر 1988 بإعلان دولة فلسطين وبالاعتراف بقرار الأمم المتحدة 181 الداعي لتقسيم فلسطين بين العرب واليهود ,وقرار مجلس الأمم 242 الصادر في تشرين الثاني /نوفمبر 1967الذي يتعامل مع قضية فلسطين على أساس إنها قضية لاجئين ويدعوا لحل القضية بالطرق السلمية ,وفي تشرين الأول /أكتوبر 1991 دخلت (م.ت.ف)والدول العربية في مفاوضات سلمية مباشرة مع الكيان الصهيوني في مدريد .
وخلال حوالي سنتين لم يستطيع وفد المنظمة الرسمي التوصل إلى اتفاق مع الكيان الصهيوني ولم تحدث أية حالة انفراج الا من خلال قناة مفاوضات سرية مختلفة كانت قد فتحت في كانون الأول /ديسمبر 1992 وأدت إلى ما يعرف باتفاق أوسلو أو غزة _أريحا أولاً, الذي تم في اوسلو بالنرويج , والذي وقعت عليه رسمياً المنظمة مع الكيان الصهيوني في واشنطن في 13أيلول / سبتمبر 1993 .
28. تعترف قيادة (م.ت.ف) من خلال اتفاق غزة _ أريحا بحق إسرائيل في الوجود وبشريعة احتلال وملكيتها لــ77%من أرض فلسطين وتتعهد (م.ت.ف) بالتوقف عن المقاومة المسلحة والانتفاضة ,كما تتعهد بحذف وإلغاء كافة البنود الداعية لتحرير كل فلسطين وتدمير الكيان الصهيوني من ميثاقها الوطني , وتتعهد أيضا بحل كل المشاكل في الطريقة السلمية , وبهذه الاتفاقية تشطب منظمة التحرير _ عملياً_ نفسها وأهدافها وميثاقها وتحصل قيادة المنظمة في مقابل ذالك على اعتراف من إسرائيل بها باعتبارها ممثل الشعب الفلسطيني , وتعطي حكماً ذاتياً محدوداً في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية ,على أن يتم حل القضايا الرئيسية الاخرى خلال خمس سنوات .
29. ووجه إتفاق أوسلو (غزة ـ أريحا ) بشكل خاص ومشروع التسوية السلمية القائمة على التنازل عن الحقوق بمعارضة قوية فلسطينياً وعربياً وإسلامياً وكانت أبرز نقاط الاعتراض :
_ لقد أفتى علماء المسلمين الموثوقون بعدم جواز التسوية السلمية مع الكيان الصهيوني , حسبما يريد الداعون إليها , وبضرورة الجهاد المقدس لتحرير الارض المغتصبة وإرجاعها كاملة إلى أصحابها الشرعيين . وبإعتبار هذه المعركة بين حق وباطل تتوارثها الاجيال حتى يأذن الله بالنصر والتمكين , وبأن فلسطين أرض وقف إسلامي لا يملك أحد حق التنازل عنها . ولا يجوز لجيل إن انتابه حالة ضعف أن يحرم الاجيال القادمة من حقها . كما ان قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين الذين يرفضون التنازل عن حقهم فيها مهما طال الزمن , وليست قضية الفلسطينيين وحدهم , فضلاً عن أن تكون قضية (م.ت.ف) أو قيادتها .
_ انفردت قيادة م.ت.ف بإقرار أتفاق أوسلو دون الرجوع إلى الشعب الفلسطيني حيث توجد معارضة قوية لهذا الاتفاق في أوساط الاسلاميين والوطنيين واليساريين على السواء , وحتى في أوساط حركة فتح نفسها .
_ أجل هذا الاتفاق البت في أهم القضايا الرئيسية وأكثرها حساسية وأصبح حسمها مرتبطاً بمدى "كرم" الطرف الصهيوني الذي أستغل قوته لفرض شروطه على الطرف الفلسطيني الاضعف
وأبرز هذه القضايا :
1_مستقبل مدينة القدس
2_مستقبل اللاجئين الفلسطينيين
3_مستقبل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية
4_طبيعة الكيان الفلسطيني المستقبلي , وصلاحياته , وحدوده وسيادته على ارضه
_وافق هذا المشروع رغبة صهيونية هدفت إلى التخلص من عبْ مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية بما تحمله من مشاكل أمنية وإقتصادية
_ الحصيلة العلمية للاتفاق إدارة حكم ذاتي , ذات صلاحيات تنفيذية محدودة , مرتبطة بالإحتلال وتحت هيمنته المباشرة , وللكيان الصهيوني حق النقد " الفيتو "على قرارها وقوانينها التشريعية , كما حرمت السلطة الفلسطينية من حق تشكيل جيش خاص بها , وهي لا تملك أن تدخل أية أسلحة إليها إلا بإذن الكيان الصهيوني .
_ اصبحت إدارة الحكم الذاتي مضطرة لقمع وسحق أي جهاد وعمليات مسلحة ضد الكيان الصهيوني والقبض على مجاهدي المنظمات الفلسطينية لإثبات "حسن نواياها " وحرصها على " السلام" وتشكلت لها اجهزة أمنية تحصى على الناس أنفاسهم , بينما كان أداؤها أكثر ضعفاً في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , واستشرى الفساد في اجهزتها . ولم تخفف السلطة من قبضتها الامنية على الناس إلا إثر اندلاع انتفاضة الاقصى في أيلول / سبتمبر 2000.
_ ظلت الحدود تحت السيطرة " الاسرائيلية " وظل دخول مناطق السلطة الفلسطينية أو الخروج منها مرتبطاً " بحق " الصهاينة في إعطاء الاذن بذلك أو منعه.
_ لا تشير الاتفاقية إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير , وإنشاء دولتهم المستقلة , ولا تتحدث عن الضفة الغربية وقطاع غزة بإعتبارها أرض محتلة
- فتح هذا الاتفاق الباب على مصراعيه للدول العربية ولإسلامية لعقد اتفاقيات وبناء علاقات مع الكيان الصهيوني وأعطى الفرصة للتغلغل الصهيوني في المنطقة وتحقق الهيمنة الاقتصادية وضرب القوة الإسلامية والوطنية في المنطقة .
30. أكدت انتفاضة الأقصى الذي اندلعت في 29أيلول / سبتمبر 2000 تمسك الشعب الفلسطيني في حقه في أرضه , وأكدت تفاعل الشعوب العربية والإسلامية الواسع مع الانتفاضة , كما أكدت البعد الإسلامي للقضية , وكشفت شراسة الصهاينة والوجه القبيح لأدعياء السلام الصهيوني , كما وجهت لطمه كبيرة لمشروع التسوية الذي يجري على حساب حقوق الامة وثوابتها . وعانى أبناء فلسطين من ظروف في غاية القسوة , وأعاد الصهاينة إحتلال معظم أراضي السلطة الفلسطينية . وخلال خمس سنوات من بدايتها , وأستشهد أكثر من 4,160 فلسطينياً وجرح أكثر من 45ألفاً ووصلت نسبة العاطلين عن العمل إلى نحو 58% لكن صمودهم الرائع ومقاومتهم البطولية , التي شاركت فيها كافة الفصائل الفلسطينية , أحدثت لأول مرة نوعاً من " توازن الرعب " مع الكيان الصهيوني , الذي تعرض لضربات قاسية في كل مكان مما أدى إلى مقتل نحو 1,060 صهيونياً وجرح أكثر من 6,250آخرين . وهزت الانتفاضة الدعامتين اللتين يقوم عليهما المشروع الصهيوني , وهما الأمن والاقتصاد . وقد أضطر الكيان الصهيوني إلى الانسحاب من قطاع غزة وتفكيك مستوطناته في تشرين الأول / أكتوبر 2005 أثر المقاومة البطولية لشعب فلسطين . وقد كانت وفاة ياسر عرفات في تشرين الثاني / نوفمبر 2004 الذي قاد السلطة الفلسطينية منذ إنشائها , ودخول الفلسطينيين في أجواء الانتخابات الرئاسية والبلدية التشريعية , وموافقة الفصائل في القاهرة على التهدئة ( 17آذار / مارس 2005 ) أثره في انحسار موجة انتفاضة الأقصى .
31. كان فوز حماس في إنتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في مطلع سنة 2006 , مؤشراً على تزايد ثقة المسلمين بالتيار الاسلامي وبخط المقاومة , وعلى حالة التفكك والترهل والفساد التي تعاني منها حركة فتح , وعلى تراجع مسار التسوية السلمية وكانت محاولات الاسقاط والافشال التي تعرضت لها حكومة إسماعيل هنية من إسرائيل ومن أطراف فلسطينية وعربية ودولية دليلاً على مدى خصومة هؤلاء للخط الاسلامي والمقاوم ,وعلى إزدواجية المعايير حيث لا يتم احترام العملية الديمقراطية ونتائج الانتخابات إذا تعلق الامر بالإسلاميين .
وقد تعرضت الحكومتان اللتان قادتهما حماس إلى حصار قاس وفلتان أمني واعتداءات إسرائيلية شرسة , وتعطيل للمجلس التشريعي بأسر معظم ممثلي حماس في الضفة الغربية . وجرت محاولات لتطويع حماس من خلال فرض شروط الرباعية الدولية التي تشترط الاعتراف بإسرائيل مقابل فك الحصار . واضطرت حماس للقيام بحسم عسكري في حزيران / يونيو 2007 أدى لسيطرتها على القطاع , بينما قامت رئاسة السلطة وفتح بالسيطرة على الضفة الغربية . وبمتابعة الالتزام بمشروع التسوية , وقمع تيارات المقاومة وخصوصاً حماس . وعانى الفلسطينيون من تعمق الانقسام الفلسطيني , وتدهور دور المؤسسات الممثلة للشعب الفلسطيني وخصوصاً (م,ت.ف) والمجلس الوطني والمجلس التشريعي , كما عانوا من الضغط الخارجي خصوصاً الإسرائيلي والأمريكي , في صناعة القرار الفلسطيني وتوجيهه .
وقد أدى الصمود البطولي للمقاومة وفشل العدوان الإسرائيلي على القطاع (27/12/2008ـ 81/1/2009)إلى عودة الألق لتيار المقاومة والتفاف الجماهير حوله , وإلى تعاطف عربي وإسلامي ودولي واسع مع الشعب الفلسطيني ؛ كما أعطى دفعة بإتجاه إعادة ترتيب البيت الفلسطيني .
32. تعرض مسيحيو فلسطين إلى الظلم والقهر والتشريد نفسه الذي تعرض له مسلمو فلسطين . وشاركوا في الحركة الوطنية الفلسطينية منذ بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين . وقدموا نموذجاً للتماسك والوحدة الوطنية في وجه المشروع الصهيوني , وشاركوا في الدفاع عن عروبة فلسطين بالكلمة والقلم والبندقية . وعبروا عن انتمائهم الحضاري للمنطقة بهويتها ولغتها وتراثها .
نلتقي الأسبوع القادم بالحلقة السابعة ان شاء الله .. وكل جمعة وانتم الى الله أقرب .