يمكن رصد قائمة طويلة من الضغوط المتنافسة التى تتنازع فيما بينها على الاستئثار بوقت واهتمام متخذى القرار فى مصر (سواء كنا نتحدث عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو رئيس الوزراء، أو الوزراء). والطبيعى أن يتم اختيار الأولويات من بين القضايا الملحة، طبقا لمعايير أو اعتبارات محددة، مثل عدد المتأثرين بالموضوع (كلما كبر عددهم ازدادت الأهمية)، والتأثير على موضوعات أخرى (مثلا يمكن لإصلاح الإعلام أن يؤدى إلى زيادة المصداقية ورفع المعنويات وتعزيز الدور التشاورى والرقابى للإعلاميين)، أو حجم الآثار السلبية إذا أهمل الموضوع (مثلا يمكن تصور أن عدم الاهتمام الكافى بالأحوال الاقتصادية يمكن أن يؤدى إلى آثار سيئة تمس عددا كبيرا من السكان بل يترك آثارا لسنوات مقبلة).

ويطلق على عملية المفاضلة بين المطالب المختلفة مصطلح «إدارة الوقت» والتى يمكن تعريفها على أنها التحكم الواعى فى توزيع الزمن بين أنشطة مختلفة، وذلك بهدف تحقيق أولويات محددة وزيادة كفاءة العمل. وفى معظم الحالات تتطلب عملية إدارة الوقت استبعاد بعض الضغوط والمطالب التى تبدو عاجلة ولكنها غير مهمة. وقد قام «ستيفن كوفى»، أحد أبرز الخبراء فى هذا المجال، بتبسيط عملية تحديد الأولويات، حيث إن حسن إدارة الوقت يقضى عدم اهداره فى الموضوعات التى يمكن أن تصنف على إنها «غير مهمة وغير عاجلة»، أو حتى «عاجلة ولكنها غير هامة»، مع ضرورة الاهتمام بما هو «هام وعاجل» وما هو «مهم وغير عاجل».

ولإعطاء بعض الأمثلة على هذا التصنيف فإن الأنشطة «الهامة والعاجلة» تشمل إدارة الأزمات وإيجاد الحلول للمشاكل الضاغطة بينما يمكن إدراج بعض الاجتماعات غير الضرورية وبعض المكالمات التليفونية الاجتماعية فى اطار ما هو «عاجل وغير مهم». وبالمقابل فإن أنشطة التخطيط والإعداد للمشروعات المهمة، واتخاذ الاجراءات الوقائية تدخل فى نطاق العمل «المهم وغير العاجل».

أما توافه الأمور وقراءة البريد غير العاجل فتصنف على إنها «غير هامة وغير عاجلة».

ويمكن للمتابع لبعض أنشطة القيادات المصرية فى المرحلة التالية لثورة 25 يناير أن يلاحظ وجود تصريحات مثل «اننا نعمل لمدة 20 ساعة يوميا»، او «اننا لم نترك المكتب منذ بداية الأحداث»، أو «اننا نحتاج إلى المزيد من الوقت لحل المشاكل» وكلها تشير إلى دخول فكرة «الوقت» بقوة كعنصر نادر فى عملية اتخاذ القرار ومواجهة المشاكل وتحقيق الأهداف، وهو أمر متوقع فى ظروف الأزمات.


الملاحظة الثانية هى انشغال القيادات بالكثير من أمهات المسائل مثل المقابلات مع ممثلى التيارات السياسية المختلفة، وبحث التعديلات الدستورية، أو لاختيار شخصيات لتولى مناصب قيادية.


الملاحظة الثالثة، هى ظهور بعض الأمثلة على عدم الاستخدام الأمثل للوقت المتاح، مثل عدم المعالجة الصحيحة لبعض المشاكل، مما يفرض معاودة النظر فيها أكثر من مرة، أو إهدار الوقت فى أدوار ثانوية أو ما يمكن تفويض ﺁخرين للقيام به، أو السماح للأمور الثانوية باقتحام وقت المسئولين وفرض نفسها على حساب قضايا حيوية. وهنا تتعدد الأمثلة بدءا بالإصرار على استبقاء الفريق أحمد شفيق كرئيس للوزراء، ومعه عدد من وزراء ما قبل 25 يناير، وتعديل أو تغيير الوزارة أكثر من مرة، وكلها استغرقت وقتا كان يمكن توجيهه لأولويات أخرى.



ثم كان هناك سخاء فى الوقت الذى خصصه الفريق أحمد شفيق للظهور الإعلامى، وإلا فكيف نفسر ظهوره فى برنامج تليفزيونى لمدة تقارب خمس ساعات، وكيف نفهم مروره على أكثر من محطة تليفزيونية عند تعيينه، ومكالماته المتعددة مع الفضائيات. ثم هناك زيادة فى عدد الزوار الأجانب فى وقت غير مناسب ودون عائد واضح.


وبالمقابل فإن هناك شعورا بأن عودة جهاز الشرطة للعمل استغرق أكثر من اللازم وأن هناك حاجة لتركيز متخذى القرار على هذا الموضوع الحيوى وإيجاد حلول مبتكرة وسريعة لهذه المشكلة التى تقع بامتياز فى مجال الأمور «الهامة والعاجلة»، وهو اتجاه عبر عنه رئيس الوزراء المصرى الجديد.


وفى المستقبل المنظور تواجه مصر تحديات قاسية فى مجال التحول الديمقراطى، وإدارة الاقتصاد الوطنى، ناهيك عن مجالها الاستراتيجى فى الاتجاهات الأربعة. ومن الطبيعى أن يصاحب ذلك زيادة فى الضغوط التى تزحم وقت القيادات، بل يمكن توقع وجود مفاجآت وأزمات تستحوذ على الوقت المخصص لأولويات العمل المنظم. ومن هنا تبدو ضرورة تطبيق مبادئ إدارة الوقت بحرص شديد خاصة من ناحية:

1ــ التركيز على الأولويات الحادة المنتقاة طبقا لمعايير واضحة (الحالة الأمنية ــ التحول الديمقراطى ــ الحالة الاقتصادية مثلا).

2 ــ استبعاد الضغوط التى تسعى لفرض موضوعات هامشية أو تفويض مستويات أخرى للتعامل معها.

3 ــ استباق الأزمات والسعى لتحرير الوقت عن طريق استنباط حلول مبتكرة والتفكير خارج الأطر المعتادة (مثلا: دراسة فكرة المجلس الرئاسى مما يتيح للمؤسسة العسكرية تخصيص المزيد من الوقت للموقف على الحدود المصرية، والتحرك بسرعة فى مجال توفير الخدمات الأمنية عن طريق إعادة تنظيم قوة الشرطة، ودعمها بطلبة كليات الشرطة واللجان الشعبية وشركات الأمن الخاص وتحديد المواقع ذات الأولوية، التى لابد وأن تشمل الآثار المصرية).

4 ــ ترك مساحة زمنية احتياطية فى خطط العمل حتى يمكن مواجهة الأزمات الطارئة.

فالوقت كالسيف، إن لم تقتله قتلك!

  • Currently 82/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
29 تصويتات / 875 مشاهدة

ساحة النقاش

DAI

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
لاشك ان الوقت العنصر الأول والأهم في نجاح كل شئ عامل الوقت أساسي في أتخاذ القرارات وخاصة الحاسمة فربما التباطئ في قرار أوالسرعة يصعب في النتيجة النهائية وللوقت أهمية قصوي في ما يحدث في مصر الأن ولابد من التأني وعدم التسرع في الأختيار المناسب للأفراد الحكومة الدائمة حتئ لا يجئ على مصر يوم نعض فية اصابع الندم على السرعه

tulipe

tulipe
IDB »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,336