<!--[endif]-->
ثم كانت الثورة، جيل يافع تعتصره آلام الظروف المعيشية كما هو حال أبائه وأهله، أُثقل كاهله الغض بالأحمال والأعباء مبكرا، وأسدلت الظلمة الحالكة على مستقبله، غير أن أرواحه لم تتدنس، ظلت على حالها كما صورها المولى ـ عز وجل ـ وأراد لها أن تكون، حرة كريمة عزيزة أبية، ومع بدء اندلاع غضبة ذاك الجيل، جيل الشباب إذ بكافة الأنظار تنصرف عن كل ما عداهم إليهم، فكاميرات الفضائيات وعدسات المصورين وأقلام الصحفيين والكتاب اندفعت لتسجل أقوالهم وترصد حركتهم الدائبة المشتعلة بطول البلاد وعرضها، وأبصار الطاغية وأذنابه ترقب تلك الحركة بأوجه علاها العبوس والفزع، وأفئدة اعتصرها الهلع، وحلوق جافة كأنها الصخر، وانتهج أولئك ما دأبوا على انتهاجه لاتقاء صراخ وعويل أحزاب وحركات المعارضة في الفضائيات وعلى صفحات الجرائد بل وبذلوا ما هو أكثر منه، لعلهم يظفرون من أولئك بمثل ما كانوا يحظون به من تلكم المعارضة، فأبى الشباب الثائر أن ينحني ليجمع ما بذره الطاغية تحت أقدامهم، وانتصب في وقفته تجلله هالة من الإباء والشمم، حينها أرخى الطاغية حبل التنازلات أكثر فأكثر مؤملا أن يقنعوا بما ساقه لهم، وانقض على أذنابه وأتباعه ليقدمهم تباعا قربان في محراب الثورة اتقاءا لغضبة الثوار المتأججة كأنها الجحيم المستعر، فإذ بالأخيرين يصفقون في وجهه كل ما قدم لهم.
بيد أنه لم يرتدع ويسلم بمطالبهم، بل مضى في عناد الطغاة، يرسل عليهم أحط وأرذل من خلقهم الله في هذه البلاد من بلطجية وأرباب سوابق، لعلهم ينجحون فيما فشل فيه بلطجية نظامه، وإذ بأيدي الثوار تعتصرهم كأنهم عصف مأكول، ليخروا سجدا أمام أولئك الجبابرة الذين لم تعرف لهم البلاد مثيلا طوال تاريخها المغرق في القدم.
يا الله، من هؤلاء؟!، من أي طبيعة قدوا؟!، من أي نسل نسلوا؟!، متي وكيف تخلقوا بتلك القيم وأصبحوا على هذه الصورة؟!، هكذا ردد الطاغية، وهو يتهاوى على كرسيه منتظرا أجله المحتوم.
أيها الثوار، إن هو إلا صبر ساعة ويستحيل النظام المباركي إلى ركام تذروه الرياح، إن هو إلا صبر ساعة وندفن أرذل ما ورثناه عن أجدادنا الأولون، الطغيان الفرعوني، ليبدأ أنذاك عهد جديد.
محمد السيد الطناوي
ساحة النقاش