لكل فعل من أفعالنا وجهان، وربما حمل البعض بل الكثير منها وجوه عدة، لكن الكثيرين لا يدركون من أفعالهم ـ وكذلك أقوالهم ـ غير الوجوه التي قصدوا إليها ورغبوا في إنفاذها، نستثني منهم قلة من ذوي الفطنة والبصيرة؛ لا يُقدمون على شئ من قول أو عمل إلا أحصوا وجوهه، وفاضلوا بينها، فإن غلب عليها المنفعة أقبلوا، وإن كان الأمر على خلاف ذلك أحجموا( غير أننا نستدرك فنشير إلى أن لكل جوادا ـ من بين القلة المشار إليها ـ كبوة).
منذ اليوم الذي نزل الجيش ـ برجاله وآليته وعتاده ـ إلى الشارع، بعيد هزيمة جحافل الأمن المركزي على يد ملايين الشعب الثائرة، واعتراف قياداته ـ المجلس العسكري ـ بمشروعية مطالب الثورة، ثم تنحيته للرئيس المخلوع مبارك ــ وعامة الناس وكذلك خاصتهم ـ من السياسيين والكتاب والمثقفين والناشطين الشباب ـ في انقسام حول هذا الدور الذي لعبه المجلس العسكري في تلك المرحلة من مراحل الثورة، وإذا ما كان صادقا فيما ادعاه من تأييده لمطالب ثورتنا وانحيازه لها، وكونه لا يرنو إلى سلطة يستأثر بها، أم أنه يبطن خلاف ما يعلن، ليذهب البعض إلى القول بأن هي إلا فترة انتقالية قصيرة يؤسس فيها المجلس العسكري لنظام ديمقراطي ثم يقفل عائدا إلى ثكناته، بينما البعض الآخر ما فتأ يشكك في صحة تلك الدعوى.
ورغم أن توالي الأحداث منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا لا يدلل على صدق هذا الزعم ـ الذي يُملى علينا ليل نهار عبر وسائل الإعلام المختلفة ـ إذ مع كل يوم يمر، وكل واقعة تعتلي مسرح الأحداث ـ في بلدنا ـ يزداد القلق وتضطرب الحياة، وتخفت مصداقية حكامنا الجدد شيئا فشيئا، حتى نكاد لا نلمح لها أثرا، غير أن هذا لم يمثل ـ يوما ـ عائقا يحول بين حملة المباخر ـ لكل نظام ـ وأصحاب المصالح الشخصية أن يحاموا عن المجلس العسكري، وينزهوه عن كل طمع ورغبة في البقاء بالسلطة، ومن بين أولئك المحامون أفراد معدودين يقولون بقول تلك الفئة لكنهم ليسوا منهم، فإصرارهم على القول بأن المجلس العسكري هَدَف لحماية الثورة بتدخله على الشاكلة التى عليها كان، ومن ثم ارتأوا في الاصطفاف وراءه ـ بتلك المرحلة ـ أنه "واجب وطني"، إن هذا الرأي لا يدخلهم في نطاق تلك الفئات سالفة الذكر، كذلك فهم لا يذيعوه في الناس ـ إن صدق حدسنا ـ عن اعتقاد حقيقي في صحته.
إذن ما الذي يدعوا مثل هؤلاء إلى أن يسلكوا هذا المسلك؟!، غالب الظن أن مبتغاهم من وراء ذلك يجره التمني أن تبحر سفينة الثورة ـ في ظل الأجواء العاصفة التي تعيشها البلاد ـ إلى مرفأ آمن، وهو لن يعدو كونه إقامة نظام ديمقراطي سليم طال شوقنا وتحرقنا إليه، وقادهم تفكيرهم إلى أن دعم ربان تلك السفينة، وتعضيده، وبث الطمأنينة إلي نفسه قد يكون هو السبيل الأمثل لنيل مطلبهم ـ ومطلبنا ـ ذاك.
ومن تلك الفئة التي نقصد إليها بحديثنا الأستاذ فهمي هويدي؛ إذ الأستاذ واحد من أولئك الذين لا نشك في حسن طويتهم، وابتعادهم عن المتاجرة بمواقفهم في سوق المصالح الشخصية، ومع ذلك نجده دائم الترديد في مقالاته عن دور المجلس العسكري في حماية الثورة[1]، وأن الاصطفاف وراءه في تلك المرحلة واجب وطني و......الخ، والتماسه حسن النية دوما ـ في تقييمه للأحداث الجارية ـ حتى وإن لم يكن لها موضع. وتجرأي على القول بأن الأستاذ لا يبسط هذا الرأي في مقالاته، بدافع من إيمان حقيقي به، بل بإيعاز من الرؤية السابقة الذكر أعلاه، أقول أن تجرأي هذا راجع إلى ما ساقه الأستاذ نفسه من مقدمات متمثلة في مقالات بثها في الناس طوال الفترة التالية للتنحي وتسلم المجلس العسكري السلطة ــ وإلى الآن، وهذه المقدمات لا يمكن ـ بأي حال من الأحول ـ أن تفضي إلى النتيجة المتمثلة في رأيه ـ أيضا ـ السالف ذكره.
واليكم ما يقيم ادعاءنا على قدمين ضاربتين في الأرض، متناولين بعض ما كتبه الأستاذ فيما يخص السياسات الأمنية للسلطة الجديدة القديمة، وكذلك تصوره ـ الذي قدمه لقرائه عبر مقالاته ـ عن نوع السياسة الخارجية التي ينتهجها العسكر.
قد كان الأستاذ من أوائل الذين لفتوا النظر مبكرا إلى استمرار السياسات القمعية "المباركية"، والسلطة يوم ذاك بيد العسكر، ففي مقاله المعنون ب"أيكون الاعتصام هو الحل؟" بتاريخ(14 فبراير)، أشار إلى أن "ثمة تصرفات تقلق المعتصمين وغيرهم، منها مثلا أن بعض زملائهم يتم اعتقالهم واقتيادهم للاستجواب فى مقر المتحف المصرى المطل على ميدان التحرير".
مضيفا إلى أنه "فى هذا الصدد، فإنه يقلقهم أن المحققين لا يزالون يسألون المتظاهرين الموقوفين عما إذا كانوا مدفوعين من أى جهات خارجية أم لا. ويضاعف من قلقهم إدراكهم أن الجهات التى تتولى تلك التحقيقات يبدو أنها لم تقتنع بعد بأن تلك ثورة وطنية".
ويخرج علينا الأستاذ بعد أقل من أسبوعين بمقال ( تحت عنوان "طعنوا المتظاهرين والجيش" بتاريخ 27 فبراير) معلنا فيه أن القلق ما زال يسري في وجدانه مما "جرى مساء يوم الجمعة مع بعض المتظاهرين خصوصا أمام مجلس الوزراء..:، إذ كانوا قد "تعرضوا للضرب بالعصى الكهربائية كما تعرض بعضهم للسحل والإهانات التى أذهلت الجميع، وأعادت إلى الأذهان ممارسات ظننا أننا تجاوزناها..."، وكما أن ظن الأستاذ وقتئذ لم يكن في محله، فهو وإلى الآن ظن لا محل له من الإعراب، ودليلنا على ذلك لا نرتضى أن نستقيه من معين غير معين مقالات الأستاذ اليومية المنشورة بجريدة "الشروق"، إذ نجده يطالعنا في مقاله المعنون ب "كرامة المواطن خط أحمر (بتاريخ 28 مايو) على شعوره بالغضب والمهانة منذ قرأ شهادة "أوردها أحد المدونين على الإنترنت (طالب جامعى اسمه مصعب الشامى) يوم 23 مايو الحالى، وكان صاحبنا هذا أحد الذين تظاهروا أمام مبنى السفارة الإسرائيلية فى ذكرى النكبة. وبسبب من ذلك اعتقلته الشرطة العسكرية (بالإضافة إلى أكثر من 180 شابا تم تقديمهم على الفور للمحاكمة العسكرية وقتئذ) لعدة أيام. وفى شهادته ذكر مصعب أن أحد ضباط الجيش، وهو يعتقله وصفه بأنه ابن «عاهرة»، فما كان منه إلا أن طلب منه أن يترك أمه فى حالها ويخرجها من الموضوع، وحينئذ ركله الضابط فى وجهه وأسكته...".
وتحت عنوان "أهالي الضحايا معذورون" (بتاريخ 30/6/2011) يكشف لنا الأستاذ عن استمرار "برطعة" ضباط أمن الدولة في البلاد والعباد، تحت عين النظام الجديد ورعايته، فكتب يحدثنا عن الرشاوي المعروضة على أهالي شهداء الثورة ـ من قبل ضباط أمن الدولة المتهمين بإزهاق أرواح أبنائهم ـ لكي يتنازلوا عن المطالبة بحق القصاص لذويهم، يدعم هذه العروض تهديدات تشمل تلفيق القضايا "بدءا من الاتهام بالاتجار فى المخدرات وانتهاء بقضايا الدعارة مرورا بالاعتداء على المال العام وسرقة وتسميم الماشية"، إذ لم يذعنوا ويقبلوا تلك الرشاوي وهم صاغرون. و يعلمنا الأستاذ أن تلك القصة جرت أحدثها ـ بتعديلات طفيفة ـ في محافظات بني سويف والسويس والأسكندرية، ونقلا عن جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان كتب مضيفا "أن الضباط المتهمين بالقتل الذين يفترض أن يتم احتجازهم، يذهبون إلى المحاكم فى الصباح كمتهمين ثم يعودون إلى مكاتبهم فى المساء لكى يمارسوا ترهيب الشهود وأهالى الضحايا"(!!!). وختم قائلا : "إن كل الشواهد تدل على أن هناك تسويفا فى محاكمة ضباط أمن الدولة المسئولين عن قتل المتظاهرين، كما أن هناك تدليلا لهم غير مبرر. إضافة إلى التلاعب فى شهادات الشهود الذى من شأنه تبرئة القتلة وربما إدانة الضحايا فى تهمة الاعتداء على مقار الشرطة والضباط «الأبرياء» العاملين فيها"(!!).
ولأن تلك الوقائع ليست خروجا عن النص، بل هي النص ذاته، فما زال الأستاذ يطالعنا ـ في مقالاته ـ على أشكال أخرى للسياسة الأمنية للنظام الجديد القديم، ومنها مداهمة قوات الأمن "40 شخصا من المخبرين وأمناء الشرطة" لمقر قناة الجزيرة، وذلك "دون أن يقدموا للقائمين على المكان أى أوراق رسمية تبين هويتهم أو هدفهم" (وهي المداهمة التي تكررت بعد فترة قصيرة ـ لمقر جديد لنفس القناةـ رغم أنف كل المعترضين والمنددين الذين استنكروا وأدانوا هذه الممارسة القمعية في السابقة الأولى).
ومازالت تلك السياسة "المباركية" القمعية ـ إلي يومنا هذا ـ قائمة ، ولعل آخر ما رصده لنا الأستاذ من ألوانها ما جاء بمقاله بجريدة الشروق (بتاريخ 30 أكتوبر)، تحت عنوان "فهمونا ولا تعظونا"، متحدثا عن جريمة قتل الشاب عصام عطا الذي كان حكم عليه "بالسجن لمدة سنتين بعد القبض عليه حين كان يقف متفرجا على معركة بين طرفين فى منطقة المقطم"، وبارتكابه مخالفة تهريب شريحة هاتف محمول فقد استحق القتل تعذيبا من قبل ضباط السجن،"وسجلت الشرطة فى محضر الوفاة أنه مات على إثر تعاطيه المخدرات. !!"
ولم يفت الأستاذ هويدي أن يشر في عجالة ـ بمقاله ـ إلى أن مسلسل الخطف مازال حلقاته تتابع، وكانت أخراها اختطاف الطبيب أحمد عاطف "الذى اختطف من الشارع أثناء عودته إلى بيته، ثم اختفى فى مكان مجهول لمدة أسبوع ثم اطلق سراحه دون أن يعرف من الذى اختطفه ولماذا اختطف. وكل ما يعرفه أن «جهة سيادية» هى التى اختطفته وأنه سئل عن دوره فى إضراب الأطباء، دون أن يتهم بشىء".
كذلك اختطاف "شريف الروبى" من حركة 6 أبريل "الذى اختطفته جهة سيادية من الفيوم، وظل وراء الشمس، مدة أربعة أيام".
وإذا ما انتقلنا بحديثنا إلى السياسية الخارجية للنظام الجديد القديم ( لكننا لن ننتهج نهجنا السابق في تناول ما سطره الأستاذ في هذا الصدد، حتى لا يطول المقال عما ينبغي أن يكون عليه)، لنتوجه مباشرة إلى السؤال الذي طرحه الأستاذ ( بتاريخ 12 يوليو) لا مستفهما، بل مستنكرا ورافضا، معنونا به مقاله "هل يدير مبارك السياسة الخارجية لمصر؟"، ومضى الأستاذ يعدد ـ من السياسات الجديدة القديمة ـ ما دفعه إلى القول بذلك، وشاء القدر أن لا ينتظر الأستاذ كثيرا ـ بعد شهر وبضع أيام ـ حتى يتلقى تأكيدا على ما ذهب إليه، بوقوع جريمة مقتل الجنود المصريين الستة بنيران العدو الصهيوني (18 أغسطس)، وما تبعه من موقف مخز للمجلس العسكري حيال حادثة تكررت مرارا من قبل، فلم يختلف كثيرا موقف النظام الجديد (القديم) عن سابقه، رغم الغضب الجماهيري الغير مسبوق.
وإذا ابتغينا المزيد نستطيع أن نتتبع ما ذكره الأستاذ عن الخطاب الإعلامي للنظام الجديد القديم،"في مقالاته المعنونة ب أسئلة الصدمة المعلقة، لم يكن مقنعا ولا ناجحا، ليتكلم المشير ويعتذر، 7 أسباب للزعل، لا تبخسوا المجتمع حقه، لا تجلدونا من فضلكم، هل نحتاج إلى انتفاضة أخرى، غلطة الشاطر، يكبرون ومصر تصغر، بلطجية وعفاريت، لنقع على ذات الآفات التى استشرت في خطاب نظام مبارك من استخفاف بالعقول، وازدراء ـ غير خفى عن فطنة ذويها ـ للجماهير، ولهجة حديث متعالية يصاحبها اتهامات بالعمالة للقوى الوطنية )
إذاً الأستاذ ـ طوال الفترة الماضية ـ لم يتوان عن تعداد تلك الوقائع ـ التي اكتفينا بذكر نماذج لها من مقالاته ـ ونقدها، (وبالقطع فمع كثافة تلك الوقائع والشواهد واستمرارها إلى اليوم فإنها تتحدى كل من ادعى كونها أخطاء وليست اختيارات وسياسات) وهي تنبئنا ـ بغير حاجة إلى تحليل أو تعليق من أحد ـ أن النظام الجديد ما هو إلا امتداد لنظام قد ولى ، بل هو هو.
كذلك فالأستاذ هو من ذهب إلى القول بأن "النظام البوليسى الذى استمر ثلاثة عقود لم يترك مؤسسة فى مصر إلا واخترقها وحاول تجنيدها لحسابه، بصرف النظر عن حجم تلك المؤسسة أو مجال عملها، حتى لو كانت جمعية لدفن الموتى"(الشعب يريد تطهير القضاء، 24 إبريل). وبداهة فالمؤسسة العسكرية أهم من جمعية دفن الموتى!!، بل هي أهم مؤسسة في البلاد، أكان مبارك غافل عن أن يضع رجال من تلك النوعية التي كان يستعملها على رأسها[2]!! .
فلماذا إذن يُعْرٍض الأستاذ عن مقدمات دفع ـ إلى قرائه ـ بها؟!، ليستنبط نتيجة غريبة عنها؟!. أهذه المقدمات ساقها لتلزم قرائه أولئك، ولا تلزمه هو؟!.
إذا كان الأستاذ يتكلف هذا الرأي من باب تدعيم "آخر عمود في البيت" (بتعبير الدكتور معتز بالله عبد الفتاح)، أفلا يساوره الشك أن ما يلقي به إلينا (هو وغيره) في مقالاته ـ مما ذكرنا سالفا ـ مرارا وتكرارا يكون له تأثير على غير الوجه الذي رغب إليه؛ فيزداد إكبار الناس لهذا المجلس وإعظامهم لأعضاءه، وبخاصة وأن ـ في المقابل ـ النخبة الموكل إليها قيادة المرحلة القادمة يكثر فيها الآفاقون والمهرجون والمنافقون؛ خدم كل سلطان ومماليكه، والمتاجرون بكل شئ ، وكثير منهم ـ كذلك ـ لا يحسن إلا "صراع الديكة" على تلك "المصاطب النخبوية" (برامج التوك شو)، وهو ما ليس رجل الشارع عنه بغافل ( ولا العسكر كذلك فقد خبروهم في الفترة الأخيرة). أفلا يكون هذا باب لارتفاع أسهمهم عند الجماهير، ليطمعوا فيما لا سبيل لهم إليه، ولا نقصد بالضرورة التطلع إلى الحكم السافر، بل الحكم من وراء ستار، أو ربما اقتسام للسلطة مع تيار من التيارات المتصارعة، وهو ما لا تستنكفه إحداها في ظل حالة من العداء الشديد والاستقطاب لا تخفى على أحد، ثم من الضامن أن يسير هذا المجلس على شروط المصطافين بجانبه، باعتباره "واجبا وطنيا"؟!.
إن كان التاريخ "لا يعيد نفسه" كما تفيد المقولة الماركسية الشهيرة، فإن المقولة ذاتها تنبئنا ـ كذلك ـ أنه إن لم يكن لنا العبرة والعظة ـ وساهمنا في إعادة إنتاج هذا التاريخ ـ فإنها المهزلة الكبرى!!.
وإن كان للأستاذ قلم عزيز علينا، تتلقف كلماته عشرات الألوف وربما مئاتها من قراء "الشروق" لتذعن لأحكامها ـ بلا ارتياب أو حذر ـ ثقة بكاتبها، واحتفاءا به، فإنها وحدها النفوس النبيلة تلك التي تأنف أن تأخذ شيئا بغير بدل.
[1] مسألة أن المجلس العسكري حمى الثورة، وجنبنا المسار الذي صارت إليه ليبيا وسوريا هي خرافة لا أصل لها، فهل كان يملك المجلس ـ عمليا ـ خيار آخر؟! وذلك أمام الملايين الغاضبة التي غصت بهم شوارع مصر وميادينها، ولم يثنيهم عن الاستمرار في الإعلان عن غضبهم كل ما اصطنعه النظام لردعهم؛ مليون ونصف المليون جندي مركزي، اتهامات بالعمالة، وخطابات خبيثة تهدف لابتزاز عواطف الجماهير، تمطر بها سماء إعلام مضلل وخسيس، وقناصة وبلطجية مأجورون لا يراعون حرمة، ولا تأخذهم بأحد شفقة ولا رحمة، كل هذا لم يجد نفعا. وإذا فرضنا جدلا أن كان المجلس قد تجاهل روح التحدي والإصرار تلك التي ركعت أمامها جيوش النظام السابق الأمنية والإعلامية معلنة استسلامها ــ آملا في أن ينجح هو فيما فشل فيه أولئك، ومن ثم أصدر أمره بالتصدي لجموع الشعب الثائرة، فهل كان من المتوقع أن يطيع ضباط جيشنا هذا الأمر، ويتجاهلوا عقيدتهم القتالية التي تحول بينهم وبين تصويب سلاحهم إلى مدني أعزل؟!!. هل كان من المتوقع أن يطيع ضباط جيشنا أمرا كهذا، وكل منهم مدرك أنه قد يكون بين الثوار أخيه أو أخته أو ابنه أو ابنته أو.......أو..........؟! . وإذا ما افترضنا أن ذلك كان ممكن الحدوث، وأن بعضهم كان ليطيع الأمر الصادر إليه، فبالقطع كان هناك الكثير منهم سيرفض تنفيذ أمرا كهذا، لينجم عن ذلك انقسام داخل الجيش، وتقوم على إثره حرب أهلية، ويكون مَثل المجلس العسكري كمثل البطل اليهودي شمشون الذي هدم المعبد عليه وعلى أعدائه، بيد أن خيار شمشون كان ـ عمليا ـ خيارا منطقيا، إذ فقد بصره، وأصبح معرض للهلاك فاختار أن يهلك ـ ما دام هلاكه محتوما ـ هو وخصومه، بينما كان إقدام المجلس على خيار كهذا حماقة ستذهب بريحهم، وستورد البلاد مورد الأخطار. كذلك فإن القوى الدولية ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة، ومدى نفوذها على الجيش معلوم للكافة ـ ما كانت لتسمح بولوج دولة بحجم مصر وثقلها الإقليمي ـ حماية لمصالحها في المنطقة ـ إلى موطن اضطرابات لم يكن ليعلم غيره سبحانه بميقات خروجها منه.
[2] عن الوسائل التي اصطنعها نظام مبارك لزيادة إحكام قبضته على المؤسسة العسكرية، يمكن العودة إلى "مصر بين العصيان والتفكك" ـ علم الاستبداد والطغيان، طارق البشري
محمد السيد الطناوي
ساحة النقاش