D المنهـــج البنيـــوي:
يهدف المنهج البنيوي إلى مقاربة النصوص والخطابات والوثائق والظواهر لسانيا، عن طريق تقطيعها إلى متواليات وجمل وملفوظات ووحدات لسانية، بغية تفكيكها وتركيبها. بمعنى أننا حينما نريد مقاربة النص أو الخطاب كيفما كان نوعه، فلابد من التسلح باللسانيات، باستثمار مستوياتها المنهجية، كالمستوى الصوتي، والمستوى الصرفي، والمستوى الدلالي، والمستوى التركيبي، والمستوى البلاغي، مستبعدين السياق الخارجي من: مؤلف، ومرجع، وكاتب، ومقصدية، ورسالة. أي: لانهتم بالمضمون، أو بصاحب النص، أو بظروف النص وحيثياته السياقية، بل ما يهمنا كيف قال الكاتب أو صاحب النص ماقاله. أي: نركز على شكل المضمون، وذلك برصد البنيات الخطابية واللغوية، وكشف الثنائيات المتآلفة والمتعارضة داخل النص أو الظاهرة. ومن هنا، تعتمد البنيوية اللسانية على خطوتين منهجيتين متكاملتين، وهما: التفكيك والتركيب. وبتعبير آخر، نقوم أولا بتفكيك النص الى عناصره البنيوية الجزئية من أصوات، ومقاطع، ودلالات، وتراكيب، وحقول دلالية ومعجمية، وصور بلاغية، ثم نقوم بعملية التركيب بشكل كلي، وذلك في شكل ثنائيات متعارضة أو متآلفة، أو ضمن استنتاجات بنيوية شكلية. وتتم هذه العملية استقراء واستنباطا. وتشبه هاتان العمليتان ما يقوم به الطفل الصغير، حين يفكك لعبته أو دميته من أجل تركيبها من جديد.
وعلى الرغم من أهمية المنهج البنيوي اللساني في كونه منهجا لغويا شكلانيا، يقارب النص أو الخطاب أو الوثيقة من الداخل تفكيكا وتركيبا، ويتعامل مع النص المعطى باعتباره بنية مغلقة، وذلك في ضوء مستويات لسانية وصفية، تهدف بشكل من الأشكال إلى استكشاف البنيات المنطقية، والقواعد العميقة التي تتحكم في توليد النصوص والخطابات والوثائق، إلا أن هذا المنهج يهمل السياق الخارجي، ويقصي الكاتب من حسابه، ويغض الطرف عن العوامل النفسية والاجتماعية والتاريخية التي يكون لها دور من الأدوار في عملية الإبداع والكتابة والتأثير. ومن هنا، يتأكد لنا بشكل جلي بأن البنيوية تقتل الإنسان، وتهمش التاريخ، وتتعالى عن الواقع.
ساحة النقاش