المـــــــوقـــع الــرســــــــمى الـخــــــــــــاص بــ "د/ تـــــــامر المــــــــــلاح"

"تكنولوجيا التعليم " الحاسب الألى " الانترنت " علوم المكتبات " العلوم التربوية " الدراسات العليا "

Dالمنهـــج الاجتماعـــي:

يقصد بالمنهج الاجتماعي ذلك المنهج الذي يربط الظواهر الإنسانية بالمجتمع، بمختلف تجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والدينية والجمالية، إما بطريقة انعكاسية مباشرة كما عند أصحاب نظرية المحاكاة (أفلاطون وأرسطو...)، وإما بطريقة جدلية قائمة على النفي والصراع والتناقض والتضاد، كما يتجلى ذلك واضحا عند كارل ماركس، وهيجل،  وأنجلز، وجورج لوكاش، وأنطونيو كرامشي... وإما بطريقة قائمة على التماثل بين البنيتين: الفوقية والتحتية، كما نجد ذلك عند لوسيان كولدمان (L.Goldmann)، صاحب البنيوية  التكوينية، وإما بطريقة سوسيولوجية تجريبية  قائمة على استقراء الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، كما عند روبير إسكاربيت(R.Escarpit)  الذي تحدث في كتاباته عن سوسيولوجيا المؤلف، والكتاب، والجمهور.

هذا، وقد تبلور المنهج الاجتماعي إبان القرن التاسع عشر الميلادي، مع انبثاق الوضعية الاجتماعية مع أوجست كونت (Auguste conte)  (1789-1857)، الذي يعد من أهم رواد علم الاجتماع الحديث، فقد دعا في دراساته وأبحاثه إلى تأسيس علم جديد ألا وهو "علم الاجتماع" (Sociologie)، بعد أن كان المفهوم القديم هو الفيزياء الاجتماعية (Physique sociale). وقد استفاد هذا العلم الجديد من قوانين العلوم الطبيعية، من أجل تسخيرها وتطويعها في "موضعة" الظواهر الإنسانية، وعلمنتها على غرار العلوم التجريبية.

هذا، وقد كانت الصلة بين الظواهر الإنسانية والمجتمع  تأخذ – في البداية- طابعا تأمليا فلسفيا وميتافيزيقيا، قائما على مفهوم المحاكاة، ولقد أخذت هذه العلاقة المحاكاتية، التي تعتمد على التقليد والمحاكاة المباشرة، تبرز في كتابات الفلاسفة اليونانيين بصفة عامة، وأرسطو (Aristote) وأفلاطون (Platon) بصفة خاصة. إلا أن المحاكاة الأرسطية كانت تستند إلى المادية الواقعية. في حين،  كانت المحاكاة الأفلاطونية تتسم بالمثالية .

بيد أن أهم منهج اجتماعي يصلح لدراسة الظواهر الإنسانية والفنية والجمالية والدينية والثقافية والتربوية هو المنهج الجدلي الماركسي، الذي ينص على أن الواقع لا يمكن فهمه إلا ككلية دالة ومستقلة. لذا، فلا محل للظواهر المعزولة، بل لا بد من فهم العلامات التي تكون وراء تحريك العالم الموضوعي الكلي. ومن ثم، فقد كانت فلسفة هيجل (Hegel) فلسفة عقلانية وواقعية، حينما كان يدعو إلى فهم العالم الموضوعي في كليته المتنامية، بدلالاته التاريخية المختلفة. وتعد هذه الكلية مظهر الحقيقة، والجوهر الذي يتحقق عبر الصيرورة. ومن ثم، يهدف المنهج الجدلي إلى فهم العلاقات بين الإنسان والطبيعة والتاريخ. بل أكثر من ذلك فهو لايكتفي بفهم العالم وتفسيره، بل يعنى بتغييره تغييرا جذريا. وينضاف إلى هذا أن كارل ماركس هو المؤسس الفعلي للمنهج الجدلي، حيث اعتبر صراع الطبقات هو المحرك الرئيس للمجتمعات. ومن هنا، فقد أفرز الصراع الاجتماعي الجدلي والطبقي إبان مرحلة الإقطاع فئتي: الأسياد والعبيد. كما أفرز أثناء هيمنة الرأسمالية  الطبقة البورجوازية، مالكة الرأسمال ووسائل الإنتاج، والطبقة البروليتارية، صاحبة القوة الإنتاجية.  هذا، ويساهم هذا الصراع الجدلي في تحريك التاريخ، وتطويره جدليا، وتغييره إيجابيا. وينبني هذا الصراع الجدلي كذلك على التناقضات الكمية والكيفية، والخضوع لحتمية الصراع الذي يؤدي إلى خلق تركيبات جديدة. ولايمكن القضاء على الصراع الطبقي إلا بالانتقال إلى المجتمع الاشتراكي. وبعد ذلك، يتم الانتقال إلى المجتمع الشيوعي الذي تنقرض فيه الدولة، وتنمحي فيه الفوارق الاجتماعية والطبقية، وتشيع فيه الملكية الخاصة، والنساء، والثروة.

وعلى أي حال، تستند المنهجية الجدلية الماركسية إلى التفسير المادي للوقائع والأحداث والظواهر البشرية، فجميع الظواهر، سواء أكانت فنية أم نفسية أم تربوية أم دينية، تفسر بأساب خارجية تاريخية ومادية، وتحلل أيضا بعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية. وإن كان العامل الاقتصادي - حسب ماركس- هو العامل الرئيس المحرك للمجتمعات في صيرورتها التطورية.

أما المنهجية البنيوية التكوينية، كما هي عند لوسيان كولدمان، فتنبني - من جهة- على الفهم والتفسير معا، من خلال دراسات البنيات الفوقية في علاقتها التماثلية مع الواقع، ودراستها  في ضوء المادية التاريخية الجدلية. ومن جهة أخرى، يبحث لوسيان كولدمان في دراساته وأبحاثه السوسيولوجية عن رؤى العالم عند المبدعين والفلاسفة، وتتميز هذه الرؤى بأنها عبارة عن تصورات وأنساق فلسفية منسجمة، تستخلص عبر عمليتي الفهم والتفسير للعمل الأدبي أو الفلسفي، وذلك في علاقاته البنيوية مع العالم الموضوعي. وتستكشف هذه الرؤى عبر تحديد البنية الدالة للنص . ومهما كانت هذه الرؤى المستخلصة فردية، فإنها ذات طابع جماعي، تعبر عن لاوعي جمعي، أو إنها  تعبير عن لا شعور جماعي. وينتج عن هذا أن الكاتب هو فاعل جماعي، يعبر عن آمال ومآسي الطبقة التي ينتمي إليها، أو قد لا ينتمي إليها أصلا، كما هو شأن هونري بلزاك( Balzac) الذي كان ينتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، ولكنه كان يدافع عن الطبقات الدونية والمسحوقة. وبعد تحديد الرؤية والبنية الدالة، يتم إدماجهما في بنيات أوسع وأشمل، قصد تفسيرها جدليا، عن طريق استكشاف البنيات العميقة والثاوية التي كانت وراء انبثاق هذه الرؤية العامة للكون. ومن هنا، فعندما تقيم البنيوية التكوينية العلاقة بين الأثر والمجتمع، فلا تقيمه انعكاسيا، بل تجعل بينهما علاقة تماثلية .

وعليه، يمكن الاستعانة بالمنهج الجدلي الماركسي، والمنهج البنيوي التكويني، وكذلك بمنهجية إسكاربيت، في دراسة الظواهر التربوية، كأن ندرس ظاهرة الأقسام المشتركة، وظاهرة الهدر المدرسي، وظاهرة العنف في المؤسسات التعليمية، والفوارق الفردية، والتعثر الدراسي، وتخلف البنيات التعليمية، والاختلاف بين التعليمين: الخاص والعام، وتحليل ظاهرة البطالة بين خريجي الجامعات،....أو فهم النظريات التربوية وتفسيرها في دولة ما في ضوء العلاقة التماثلية بين الخطاب التربوي والواقع الموضوعي...

 

 

المصدر: إعداد م/ تامر الملاح
tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1462 مشاهدة
نشرت فى 11 سبتمبر 2013 بواسطة tamer2011-com

ساحة النقاش

م/ تامر الملاح

tamer2011-com
باحث فى مجال تكنولوجيا التعليم - والتطور التكنولوجى المعاصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,755,405

بالـعلــم تـحـلـــو الحـــيـاة

للتواصل مع إدارة الموقع عبر الطرق الأتية:

 

 عبر البريد الإلكتروني:

[email protected] (الأساسي)

[email protected]

 عبر الفيس بوك:  

إضغط هنا

(إني أحبكم في الله)


أصبر قليلاً فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.