<!--
<!--<!--<!--[if !mso]> <object classid="clsid:38481807-CA0E-42D2-BF39-B33AF135CC4D" id=ieooui> </object> <style> st1\:*{behavior:url(#ieooui) } </style> <![endif]--><!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-bidi-font-family:Arial;} table.MsoTableGrid {mso-style-name:"Table Grid"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-unhide:no; border:solid windowtext 1.0pt; mso-border-alt:solid windowtext .5pt; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-border-insideh:.5pt solid windowtext; mso-border-insidev:.5pt solid windowtext; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; text-align:right; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif"; mso-fareast-font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]-->
مدرسةالأدب الإسلامي
قراءة تاريخيةتحليلية
تأليف:
الأستاذ الدكتور /صبرى فوزى عبدالله أبوحسين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتمهم أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين … وبعد :
ففي ظل هذه الهجمة الشرسة على الأزهر الشريف : جامعا وجامعة، شيوخا وأساتذة أكاديميين ينبغى لنا ـ نحن الأزهريين المعاصرين ـ أن نقدم للقارئين ما خطته رادتنا في كل فروع المعرفة، وخصوصا في مجالات أسلمة العلوم، تلك التى لاخلاص للأمة الإبها، والتى لا يقوم بها خير قيام، وغير الأزهريين الأصلاء0
والأدب الإسلامي دعوة جديدة في مصطلحها، أصيلة في مقاييسها، وقد جاءت ضرورة ملحة في مواجهة الغارات والتحديات التى تأتينا من كل صوب وحدب، من أعداء يحاولون طمس هويتنا وتذويبنا وتمويتنا، حتى نصير قالبا بلا قلب، وشكلا بلا روح، وبشرا بلا آمال أو غايات فيسهل ـ في نظرهم، سحقًا عسكريًّا وحضاريًّا وعقديًّا0 ومن ثم قام مخلصو الأمة بالدعوة إلى أسلمة الأدب، وقد آتت دعوتهم ثمارها، فصار لهذا الأدب كتاب ومريدون، ووجد طريقه إلى القلوب والعقول والمواهب، وصار في نظر الخصوم يمثل ـ على الأقل ـ ظاهرة أدبية من الصعب تجاهلها، وقد توالت الكتابة في بحث هذا الأدب، حتى ضارت له مصادر أكاديمية كثيرة، متنوعة ما بين رائدة داعية، وباحثة محققة، ودارسة معرفة0
فأخذنا نقرأ المأثور الأدبي في هذا الميدان الفكري إبداعًا وتنظيرًا وتطبيقًا ونتحاور مع أفكاره حوارًا موضوعيًّا فاعلا، وقراءة هادية ترشد الباحثين إلى ما به من رؤى، حتى ننطلق في بحث نظرية الأدب الإسلامي من حيث انتهى السابقون، ولا نقع في التكرار الممل، أو الإطناب المخل، الذى وقع فيه بعضنا للأسف. ومن هنا تعددت المناهج المتبعة في الدراسة؛ فـ"المنهج التاريخي" استُخدم في عرض مسيرة الأدب الإسلامي في رحاب الأزهر ومراحلها المختلفة، وبيان تطور النتاج العلمي الأزهري، و"المنهج الوصفي" وُظِّف في رصد القضايا الأدبية والنقدية لدى أبرز علماء الأزهر، ثم يأتي المنهج التحليلي لمناقشتها، وبيان معالم التنظير العلمي للآداب الإسلامية، وخصائصه وسماته الفنية من خلال المجال التطبيقي للنصوص الأدبية شعرًا ونثرًا فنيًّا ووضعها في موازين النقد والإنصاف...
وقد جاءت هذه القراءة الأدبية والنقدية الهادية في تمهيد وثلاثة مباحث، على النحو التالى :
التمهيد: مفهوم أسلمة الأدب وتاريخها
المبحث الأول : الأسلمة الأدبية في رحاب الأزهر الشريف
المبحث الثاني: من قضايا الأدب الإسلامي.
المبحث الثالث : سياحة في خرائد الأدب الإسلامي عبر عصور الأدب العربي.
ولعلنا بذلك نكون قد قدمنا إضاءة أولى وتنويرًا في بدايات التعرف على هذا الأدب الإسلامي، رغبة في التنقيب عن القيم الإسلامية في أدبنا العربي قديمًا وحديثًا، ومحاولة البحث عن نبض الإسلام في النص الأدبي: شعرًا كان أم نثرًا . وهذه الرغبة وتلك المحاولة تعد علامة مضيئة على طريق طويل، يصلنا بمنابع مقومات الشخصية الإسلامية، ويرد إلينا ما ضاع من هذه المقومات التي قامت عليها حضارة الإسلام الراقية المؤثرة في كل الحضارات …
وهذا والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل،
وإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه،
التمهيد: مفهوم أسلمة الأدب وتاريخها
توطئة:
نزعت أمتنا بعد فترة من التراجع الحضاري إلى صحوة إسلامية أصيلة، ليست ليبرالية رأسمالية أو اشتراكية أو قومية، تجاهد في جبهتين:
- جبهة التخلف الذاتي الموروث عن حقبة التراجع الحضاري.
- جبهة التحديات الغربية، التي تريد تهميش دور الأمة الإسلامية، وإلحاقها بالتبعية للغرب، ليتأبد استغلال الغرب وهيمنته على عالم الإسلام. ولما كانت سنة الله – سبحانه وتعالى- في مسارات الأمم والحضارات، هي سنة الدورات التي تتداول فيها الأمم والحضارات حقب التقدم وفترات التراجع، ومراحل الصعود ومدارك الهبوط، وأسباب النهوض وآفات الركود، والحياة والموت- فإن هذه السنَّة تقتضى الصحوة، واليقظة، والتجديد، خروجًا من دورات الغفلة، والتراجع، والجمود.
وصحوة التجديد هي الأخرى سنة من سنن الله في الاجتماع الإنساني وفي مسارات الحضارات. وهي متعددة الفصائل والمستويات في تجديد الدين الإسلامي لتتجدد به دنيا المسلمين([1]). وقد ارتبطت الصحوة الإسلامية بحلم الأمة في النهوض، والانعتاق من أسر التخلف الموروث، ومن الهيمنة الاستعمارية والحضارية الغربية، فدعت إلى أسلمة كثير من مجالات الحياة، ومنها المجال الأدبي الذي تصدر تيار التغريب بالاستيراد من الآخر الغربي. فظهر ما يسمى بالأدب الإسلامي...
أسلمة الأدب:
أسلمة الأدب من فصائل الصحوة الإسلامية وفضائلها، ويقصد بها: انطلاق الأديب في العملية الإبداعية من رؤية تبرز مصداقيته في الالتزام بتوظيف الأدب لخدمة العقيدة والشريعة والقيم وتعاليم الإسلام ومقاصده، وتبين إيجابيته عند معالجة قضايا العصر والحياة، التي ينفعل بها الأديب انفعالاً مستمرًّا، فلا يصدر عنه إلا نتاج أدبي متفق مع أخلاق الإسلام وتصوراته ونظرته الشاملة للكون والحياة والإنسان، في إطار من الوضوح الذي يبلور حقيقة علاقة الإنسان بالدين، وعلاقته بسائر المخلوقات فرادى وجماعات، وبشكل لا يتصادم مع حقائق الإسلام، ولا يخالفها في أي جزئية من جزئياتها ودقائقها. وأسلمة الأدب إبداع مدني بشري، حفز إليه وصبغه وحدد معاييره التشريع الإلهي –المتمثل في وحى الله ونبأ السماء العظيم- وتلك خصوصية لحضارتنا الإسلامية تفردت بها دون كل الحضارات؛ لأنها أطول الحضارات المعاصرة عمرًا، وأرسخها قدمًا على درب النهوض من العثرات، وأكثرها استعصاءً على فقدان الهوية والخصوصية؛ لارتباط ذلك فيها بالمطلق الديني و الإلهي الخالد.
مفهوم المصطلح:
لمصطلح الأدب الإسلامي تعريفات عدة، من أشهرها: "التعبير الفني الهادف عن الحياة والكون والإنسان في حدود التصور الإسلامي"([2]).
تحليل المفهوم:
إن وقفة تحليلية لمفردات هذا التعريف تضعنا على معالم الأدب الإسلامي المتغياة والمستهدفة. وهي:
1- أداة الإبداع : (التعبير الفني):
أي أن هذا الاتجاه لا يرضى التعبير المباشر التقريري الجاف، فهذا اللون من التعبير يدخل في النطاق العلمي أو النطاق الحياتي، ولا صلة له في المجال الأدبي، فالنص لابد أن يكون فنيًّا في المقام الأول، مشتملاً على أساليب إبداعية، وتقنيات أدبية عالية، تكفل له التميز والإثارة والجاذبية، ومن ثم التأثير.
2-غاية الإبداع: (الهادف):
أي أن هذا الاتجاه يدعو إلى الغاية النفعية الاجتماعية للإبداع، فلابد أن يكون الأديب ملتزمًا التزامًا طوعيًّا بقضية ما في إبداعه، فالأدب للحياة، والأدب للمجتمع، وليس الأدب للأدب! وليس الأدب متعة ذاتية، أو مَسْلاة كلامية، أو مَلْهاة فنية !
3-مجال الإبداع: (الحياة والكون والإنسان):
ثلاث مفردات جامعة متدرجة عن طريق أسلوب العطف، تبين مجالات الإبداع، وأظن أنها شاملة لكل المضامين الأدبية قديمًا وحديثًا:
فـمفردة (الحياة) يقصد بها كل ما فيها من مخلوقات وإشكاليات وأفكار ومعتقدات!
ومفردة (الكون) يقصد بها كل ما فيه من مخلوقات سماوية وأرضية، لاسيما غير العقلي والجامد منها، من كواكب ونجوم وذرات ومجرات ورياح وسحاب وغيم ومطر ورعد وبرق وزلازيل وبراكين وطير وطائرات ونبات وشجر وأعاصير وأنهار وبحار وحيوانات ...إلخ
ومفردة (الإنسان) يقصد بها ذلك الكائن الناطق العاقل بكل إشكاليات وقضاياه ورؤاه، وأحلامه وآلامه، ومظاهر عيشته المختلفة، واتجاهاته الفكرية المتنوعة.
4- ضابط الإبداع: (التصور الإسلامي):
وعبارة (وفق التصور الإسلامي) تحدد الضابط الأساس الذي ينظر إليه المبدع الإسلامي ويحتكم، ويقصد بمصطلح "التصور الإسلامي" ما جاء في القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وكبار الفقهاء قديمًا وحديثًا ومعاصرًا للإبداع الأدبي وقضاياه. والتي تمثل معايير مؤسِّسة لما يسمى "النقد الأدبي الإسلامي".
حدود الأدب الإسلامي :
الأدب الإسلامي على اتساعه وشموله يدور في حدود ثلاثة في نظر الدكتور محمد بريغش هي: حدود الفطرة الصافية، وحدود الشريعة، التي تسرى في فكر الأديب وقلبه، وحدود العقل الإنساني الموضوعي. وليس معنى هذه الحدود أن الأدب الإسلامي أدب جامد، كلا بل هو أدب متحرر متطور، مرتبط بالإنسان وحياته([3]).
ويعلل ذلك بأن"الآفاق الزمانية التي يتحرك في دائرتها الأدب الإسلامي آفاق رحبة تمتد من الحياة الإنسانية الدنيا إلى ما بعد الموت، فتعطي بذلك للأديب مدًى واسعًا يربط زمانيًّا بين الماضي والحاضر والمستقبل ربطًا متساوقًا. أما الحدود المكانية فإن منهج الإسلام الفكري قد أعطى الأديب حرية في حركته المكانية التي تمتد إلى آفاق إنسانية أوسع"([4]).
ضرورة الأسلمة في الأدب الحديث
الأدب العربي جزء حي نابض من أجزاء التراث العربي الضخم الخالد، إنه أدب أمة عريقة، وأدب لغة عتيقة، "ولا أظن أدبًا معاصرًا، له من العمر ما للأدب العربي. إن أقدم نص أدبي في أية لغة أوربية معاصرة ـ مثلاً ـ لا يتجاوز القرن الثانيَ عشرَ الميلاديَّ بحال، وما قبله فآداب أخرى، اندثرت أو أصبحت تاريخًا يدرس … أما الأدب العربي فأقدم نص فيه يعود إلى مطلع النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي، أي له من العمر ألف وخمسمائة عام كاملة"([5]). أو يزيد!
وقد شكل الإسلام الأدب العربي تشكيلاً عميقًا تامًّا، فجعله أدبًا يعبر عن أدق الانفعالات وأرق العواطف وأنبل المشاعر، في ظل النفس السوية، أدبًا ينطلق من أعظم عقيدة، وتصوغه أعظم لغة، وينتسب إلى أكرم أمة: أمة الإسلام، الممتدة في التاريخ، صار الأدب العربي إسلاميًّا إنسانيًّا عالميًّا؛ لأنه مرتبط بكل مصادر القوة والعظمة، وقوة مصادره ثابتة مستمرة في قوتها، فالعقيدة ربانية ماضية مع الأيام بكل عظمتها ونورها، وقد تعهد الله بحفظها، وفي حفظها حفظ للغتها وأدبها، ومن ثم فهي عناصر متجددة، ماضية أبد الدهر إن شاء الله تعالى، لا تهون لها عروة أبدًا إلا البشر: تلك الطاقة البشرية التي تضعف وتقوى، تتحد وتتمزق، تعلو وتهبط على سنن الله السائرة وحكمه وقوانينه الغالبة.
ولكن الأمة الإسلامية ذاتها، والأدب الإسلامي ذاته، مهما غلب عليهما الضعف والانحدار أو غلب الهوان والاستكانة في مرحلة من مراحل التاريخ، فإنهما يظلان يحملان بذور القوة والعزة، وجذور النمو والرفعة، وعناصر الخير والبركة، حتى يأذن الله فتنهض الأمة وينهض أدبها، وتعلو الأمة ويعلو أدبها ويعلو شأنها لتكون كلمة الله هي العليا، هدف عظيم لأدب عظيم، تقوم عليه عمارة الأرض وحضارة الإنسان وسعادة البشرية([6]).
وليس الأدب الإسلامي مستحدثًا في عصرنا، أو منهجًا طارئًا؛ لأنه أدب القرآن الكريم، وأدب الرسول ـ e ـ إمام البيان، وأفصح البلغاء، أدب المسلمين ـ منذ وجدوا ـ في قوتهم وضعفهم، في فرحهم وترحهم، ما داموا يستمدون تصورهم من مصدري الشرع الحنيف اللذين رسما لنا منهج الحياة الشامل، بما فيها الأدب، ومن ثم لا يستطيع من تظله حياة الإسلام أن يبدع خارج منهجه، ولا يستطيع أن ينشأ داخل المجتمع المسلم أدب غير أدبه؛ لأن الإسلام حركة إبداعية شاملة في الفن والحياة، حيث تتكيف النفس البشرية في ظلاله بالتصور الإسلامي الذي سيلهمها صورًا من الفنون غير التي يلهمها إياها التصور المادي أو أي تصور آخر؛ لأن التعبير الفني لا يخرج عن كونه تعبيرًا عن النفس كتعبيرها بالصلاة أو السلوك في واقع الحياة([7]).
وهذا ما جعل مصطلح الأدب الإسلامي يكاد يكون بلا معنى في العصور السالفة؛ لأن الحياة كانت إسلامية، ومن خرج عليها يقابل بالنكير والإدانة، ويصمه الجميع بالمعصية والإثم والشذوذ … إلا أنه، ومع انفصام عُرى الإسلام عُروة عروة، وانصراف أفراد الأمة عن دينهم هوًى أو جهلاً أو تقليدًا للآخر المتآمر المستعدى، كل ذلك أدى إلى معاناة الأدب في عصرنا من عدوان شديد على كيانه بتوجيهه لخدمة أهداف بعيدة عن الإسلام، بل لمحاربة الإسلام نفسه، مما أدى إلى ظهور مصطلح الأدب الإسلامي ودعاته في إطار الصحوة الإسلامية، ومحاولة العودة إلى الذات بعد مرحلة الذوبان والهزيمة النفسية التي لحقت بالأمة الإسلامية في مرحلة السحق العسكري والحضارى.
فالاستعمار لم يكن احتلالاً لأرض ولا نهبًا لثروات فقط، وإنما كان قبل ذلك وبعده احتلالاً للنفوس، وغزوًا للعقول، ومسخًا للشخصية، وإعادة لصياغتها. ومن هنا كان لابد أن يكون الأدب الذي يكتب في مواجهة التيارات المنحرفة الناشئة عن أضرار الاستعمار الغربي عقديًّا وفلسفيًّا وأيدلوجيًّا ـ يكون أدبًا إسلاميًّا يعبر عن الشخصية الإسلامية([8]).
والدعوة إلى الأدب الإسلامي في المجتمع الإسلامي دعوة إلى أن تبرأ الأمة من الانفصام الحادث بين عقيدتها وعبادتها وسلوكها وفكرها من ناحية، وعواطفها ومشاعرها وأحاسيسها وخيالها من ناحية أخرى.
فإذا كان الأدب تجسيدًا لعواطف الأمة ومشاعرها وأحاسيسها وتصوراتها وأخيلتها، فإنه في المجتمع الإسلامي لابد أن يكون إسلاميًّا، وإلا كان المجتمع زائفًا، إما في إسلامه وإما في أدبه، أو على أقل تقدير يكون مصابًا بمرض الانفصام ما بين عقله ووجدانه… إن على الأدب الإسلامي أن يعيد إلى أدبنا المعاصر الصدق الذي افتقدناه والانسجام الذي ضيعناه بين آدابنا ومشاعرنا، فليس من المعقول أن يكون للأديب اعتقادان: اعتقاد إيماني واعتقاد فني! ([9])
لقد جاءت الدعوة إلى الأدب الإسلامي في عصرنا ضرورة ماسة لمواجهة أساليب أعداء الأمة و أدعيائها، من دعاة الباطل والزيف، وأدباء الشر والخديعة، الذين تتحدث عنهم أبواق النفاق بأنهم القمم الأدبية الرائقة، التي تمثل الضمير الواعي للأمة!موظفين شعارات براقة جوفاء، مثل: الفن للفن، حرية الإبداع، تصور الواقع، محاور الآخرة، تجديد الخطاب، الانفتاح، التحرر، الحداثة…! أولئك الذين جعلوا التيار الأدبي الحديث يقتفي ـ غالبًا ـ الأدب الغربي، منفصلاً عنَّا انفصالاً جزئيًّا أو كليًّا، منغمسًا في التصورات اليونانية والوثنية، والروح المسيحية المنحرفة، والتيارات الفلسفية التي تموج بها الآداب الأوربية قديمًا وحديثًا، فإذا نحن أمام أدب غريب عنا في تصوراته وأخيلته ورؤيته للحياة والإنسان والكون. إنه أدب غربي الوجه والعقل، عربي اللسان فقط، بل تكاد عروبته تنهار وتضيع!!!
ففي الشعر ـ مثلا ـ نجد كلمة "إله"تستخدم بمعناها الوثني ـ لا الإسلامي ـ بل في سياقات ملحدة غير محترمة، في شعر كبار الحداثيين وأقطابهم([10]).
وفي القصة نجد الدكتور محمد حسين هيكل ـ مثلًا ـ يصور في روايته "زينب"الريف المصري تصويرا غربيًّا أوربيًّا؛ فالحب المتبادل في الرواية ليس حبًّا مصريًّا عربيًّا، وإنما هو الحب الرومانسي الأوربي، وزينب تلك الريفية الساذجة متحررة منطلقة، تتنقل بين أحضان الرجال، بلا وازع من دين أو غيره من مجتمع. إن زينب ـ كما أرادها الدكتور المتفرنج، لا كما هي في واقعنا الريفي ـ فتاة غربية باريسية عاهرة. كما تختم القصة بعادة الاعتراف بالذنوب. وهى من طقوس الثقافة الغربية المسيحية! ([11]).
وهذا الأديب العالمي نجيب محفوظ في قصته "السماء السابعة"يصور عالم ما بعد الموت، بطريقة لا يعرفها الإسلام، بل هي مزيج من عقيدة تناسخ الأرواح عند الهنود، جاعلاً خالد بن الوليد ـtـ وغاندي ـ الزعيم الهندي ـ في مرتبة واحدة في عالم ما بعد الموت؛ لأنه جعل مقياس النجاة في الآخرة هو العمل الدنيوي الصالح، بغض النظر عن عقيدته متأثرًا في ذلك بالنزعة العلمانية أو الشيوعية... وفي المسرح نجد شيوع الخرافات والأساطير وشعائر الملل المفتراة أو المحرفة عن طريقة الوقوع في حمأة التجريب والتغريب([12]).
والمقام لا يتسع لحشد النصوص والمشاهد والصور ـ غير الإسلامية، التي يموج بها أدبنا الحديث في فنونه العديدة. والتي تجعلنا ندرك أهمية الدعوة إلى أسلمة الأدب العربي الحديث والمعاصر، ليعبر عن الشخصية الإسلامية، ويجسد تصوراتها عن الكون والحياة والإنسان في مواجهة تيارات الإلحاد والعلمنة والفسق والمجون؛ بحجج معروفة مألوفة، منها التقدم والمدنية، تصوير الواقع، المعاصرة، الحداثة، محاورة الآخر، تجديد الخطاب، المواطنة!
إذن ليس الأدب العربي المعاصر خاليًا من الشوائب فالضخ الغربي والشرقي وقابلية التبعية والتهالك على الطارئ، كل ذلك أردى أدبنا العربي في أوحال المادية والعبثية والفحش، وأجهض الكلمة الطيبة بالغموض والنثرية. إن هناك تبعية في الأدب العربي تتمثل في المناهج النقدية، وفي فصل الأدب عن الفكر الإسلامي، وفي إعلاء الشخصيات المشبوهة، وفي السقوط الأخلاقي وبضرب لغة القرآن، ومحاكمة الشخصيات الإسلامية بمعايير مادية وكسر الثوابت، والإيمان بشمولية التغيير واستمراره، إنه أدب يعيش بلا هوية وبلا تماسك، ولا خصوصية([13]).
لقد تشكلت هذه المثبطات في غياب الوعي أو تزييفه؛ لتكون امتدادًا لمحاربة الكلمة الطيبة التي بدأت بقول المشركين: "لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ" ([14]).
فالأدب الإسلامي ضرورة، تلك حقيقة قررها كثير من علماء الإسلام ومفكريه، وقد رصد الدكتور آفاقًا وشهادات تدل على ذلك منها قول الدكتور الطاهر مكي: "الإسلام دين شامل له موقف من كل قضايا الحياة، نمت ثقافته .. فنشأ من ذلك أدب إسلامي المحتوى، يأخذ في كل بيئة لونًا، ويكتسب مع كل حضارة زيًّا، ويتشكل في كل عصر بما يلائمه، ودعامته الأولى الصدق بجانبيه: الواقعي والفني. ومن هنا يجيء الأدب الإسلامي الحق قمةً في بابه"([15]).
ويرى الدكتور عبدالحميد إبراهيم أن "الرؤية الإسلامية مطلوبة وضرورية، ويجب أن نجد في الكشف عنها إذا كنا صادقين في التعبير عن شخصية الأمة الإسلامية؛ لأنه بدون رؤية عربية إسلامية لن تكون لنا شخصية . وغير معقول أن حضارة عريضة مترامية جغرافيًّا وتاريخيًّا لا يمكن أن تكون لها رؤية"([16]).
ومسك ختام هذه الشهادات قول فضيلة الشيخ الشعراوى ـ رحمه الله ـ للدكتور صابر- شخصيًّا-: "مقومات الشخصية الإسلامية في الفنون الأدبية تتجلى بوضوح حين نبرز فيها الفضائل ولا نغذي الرذائل … أريد أن يحتفظ الفن بجماله، فلا تجعلوه يورثنا قبحًا. ويقول الشيخ لأدباء الإسلام: لا تكبتوا موهبة الشعر والأدب في نفوسكم، ولا تخافوا أن تُحارَبوا من عشاق الرذيلة، وحاولوا أن ترفهوا جفاء الموعظة بنعومة الأداء، والحقائق مرة فاستعيروا لها خفة البيان . والنصح ثقيل فلا ترسله جبلاً ولا تجعله جدلاً"([17]).
... وهكذا يتضح أن الأدب الإسلامي مطلوب وضروري دعا إليه صفوة من مفكري الأمة وعلمائها، وأن العكوف على استخراج كنوز الأدب الإسلامي وتبصير المتأدبين بآفاقه أمر محتم لازم، حتى يكتسب الوجدان الإسلامي ثراءً وعمقًا، لنحارب الروح الانهزامية التي جعلت كثيرًا من الأدباء يضعون ـ للأسف ـ كل قيم الأدب الأجنبي في صورة النموذج الأعلى، حتى كدنا نفقد الحس الإبداعي الحقيقي النابع من رؤيتنا الإسلامية وقد فطن إلى هذا التأصيل للأدب الإسلامي الدكتور علي صبح، فحسم قضية المزاوجة بين الأدب العربي والأدب الإسلامي بعد البعثة النبوية الشريفة إلى يومنا هذا؛ فجعل الأدب العربي منذ البعثة أدبًا إسلاميًّا، إذا أخرجنا منه ستة فنون مرفوضة دينًا وعقلاً، وهي: الغزل الماجن الفاحش، والغزل بالمذكر الذي نشأ في العصر العباسي، والهجاء القاذع الذي يتنافى مع المعاني الإنسانية، وينكره الخلق الإسلامي، وأدب الزندقة والإلحاد. ([18])… فالأدب الإسلامي إذن مشروع تطهيري يحاول تنقية الكلمة من الشوائب، ويؤكد على صدق المحتوى وشرف الغاية وسلامة الوسيلة، وجمال العرض، و يعترف ببشرية الإنسان الناقصة، وحاجتها إلى الترويح البريء واللهو المباح .
تاريخ الدعوة إلى نظرية الأدب الإسلامي
الأدب الإسلامي – بعالميته وإبداعه- موجود منذ بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم- وجودًا يناسب طبيعة هذه المرحلة الدعوية الصافية الهادئة، لكن مع مرور الزمن، وتوالي الأحداث والمستجدات، تطلب الإبداع الأدبي غربلة وتطويرًا، لاسيما في العصر الحديث؛ إذ عمل عشاق الصحوة الإسلامية على الدعوة إلى أسلمة الأدب فرادى بادئ الأمر، فبدأت فكرة راودت أذهان عدد من المفكرين الأدباء والنقاد الإسلاميين من مختلف الجنسيات([19]) ثم أخذت تتجسّد في لقاءاتهم منذ عام 1400هـ =1980م إلى أن استقر رأيهم على تكوين هيئة تأسيسية تدرس أبعاد الفكرة وتخطط لها، وتراسل الأدباء في سائر الأقطار الإسلامية. ثم كانت الندوة العالمية للأدب الإسلامي التي دعا إليها سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي، في لكنو بالهند في شهر جمادى الآخرة عام 1401هـ الموافــق شــهر نيسـان / أبريل 1981م، ودُعي إلى هذه الندوة عدد كبير من رجالات العالم الإسلامي، وفيهم كثير من المهتمـين بالأدب. وفي هذه الندوة التي أعطت دفعاً قويًّا للأدب الإسلامي، اتخذت توصية مهمة تتضمـن إقامة رابطة عالمية للأدباء الإسلاميين. وقد تعزّز هذا الاتجاه في ندوة الحوار حول الأدب الإسلامي التي عُقدت في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في شهر رجب عام 1402هـ الموافق شهر أيار / مايو 1982م، ثم في ندوة الأدب الإسلامي التي عقدت في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في شهر رجب 14.5هـ الموافق شهر نيسان / أبريل1985 م. وخلال هذه الفترة قامت الهيئة التأسيسية للرابطة بالاتصال بسماحة الشيخ أبي الحسن الندوي، وعرضت عليه ما قامت به من أعمال تمهيدية واتصالات موسعة، ورغبت إليه أن يتبنى إنشاء هذه الرابطة، واستجاب سماحته بما عرف عنه من صدر رحب، وبصيرة نافذة، ووعي وحكمة بالغين، وإدراك لدور الأدب في وجدان الأمة، وترشيد مسارها، وإنـارة طريقها في العود الحميد إلى الإسلام، الذي هو مسوِّغ وجودها، وحصنها المنيع. وهكذا انبثقت عن الهيئة التأسيسيـة لجنة تحضيرية تولت الإعلان عن قيام رابطة الأدب الإسلامي العالمية ونشرت هذا الإعلان في عدد من الصحف والمجلات بتاريخ 2 ربيع الأول 14.5هـ الموافق 24 نوفمبر 1984م. وقد دعت هذه الرابطة إلى أن يكون الأدب تعبيرًا فنيًّا جميلاً مؤثرًا، نابعًا من ذات مؤمنة، مترجمًا عن الحياة والإنسان والكون، وباعثًا للمتعة والمنفعة، ومحركًا للوجدان والفكر، ومحفزًا لاتخاذ موقف والقيام بنشاط ما، وملائمًا للقيمة الفنية المعاصرة الجادة، حتى يتحقق لهذا الأدب التفاعل مع المتلقي المعاصر، كل ذلك وفق الأسس العقائدية الثابتة في الإسلام([20]).ثم دعت الهيئة التأسيسية إلى مؤتمر الهيئة العامة الأول، بعد انتساب عدد كبير من الأدباء إليها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وعقد هذا المؤتمر في رحاب جامعة ندوة العلماء بلكنو في الهند في شهر ربيع الآخر عام 14.6هـ الموافق لشهر كانون الثاني / يناير 1986 حيث تم وضع النظام الأسـاسي للرابطة، وانتخاب مجلس الأمناء. كما أنتُخِبَ سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي رئيسًا للرابطة مدى الحياة، وتمَّ الترخيص الرسمي للرابطة في مقرها الرئيسي بمدينة لكنو بالهند، ثم انتقل مقر الرابطة إلى مدينة الرياض في المملكة العربية السعودية سنة http://a