جامعة الازهر
كلــــــية اللغة العربية
فرع الزقازيق
( النبي إذ يتذوق )
للأستاذ محمد موافي
قراءة تحليلية نقدية
مقدمه الطالب : أحمد حسن عطية طاحون .
إشراف : أ.د / صبري فوزي عبد الله أبو حسين .
الفرقة : الرابعة .
مدخل إلى النص:
من النماذج الإبداعية المحلقة في هذا الجنس الأدبي، والمشرفة لمدرسة الأدب الإسلامي مقالات الكاتب المعاصر، والإعلامي الوطني الوسطي الغيور والقدير، الأستاذ محمد موافي، والتي ينشرها في جريدة المصريون؛ إذ يطالعها عدد كبير جدًّا من المثقفين والباحثين، ويعلنون عن تمتعهم بها أسلوبًا وفكرة، شكلا ومضمونًا وعاطفة، ومن ثم حرصنا على تقديم بعض هذه المقالات في هذا الكتاب تقديرًا منا لتجربته المقالية وإعلانًا عن موهبة أدبية شابة فذة، لها حضور أيما حضور في دنيا الأدب المعاصر، وحرصنا على أن يدور مضمونها حول شخصية النبي صلى الله عليه وسلم تيمنًا وتبركًا :
النص: [النبي إذ يتذوق]
لما أكرمني الله بفكرة "من وحي اللغة" قلت :إنها سهلة, يعني لغتنا سهلة, و لما تعرض جاهل لمقام النبي صلى الله عليه وسلم, وجدتها فرصة ذهبية, للحديث عن بيان سيد ولد آدم و روعة ألفاظه..و قفزت في اليم, و كنت أتصوره كفرع النيل الصغير عند روضة المقياس بجنوب القاهرة, فإذا بي في وسط بحر لا أرى له ساحلا..و أنا لا أجيد العوم..فأمام فيض فيوض فيضان بركة كلامه, أنا ضعيف و تائه ..أفتش في كل ما حولي ...فإذا الماء حولي و أنا الغريق فما خوفي من البللِ.
فتحت كتابا يتحدث عن علم البيان ألفه "يحيى بن حمزة اليمني" قبل سبعة قرون, وأسماه"الطراز..المتضمن لأسرار البلاغة و علوم حقائق الإعجاز"و في مقدمة الكتاب صلى المؤلف –كما هي العادة- على النبي صلى الله عليه وسلم فكتب بعد الحمد لله:"..و الصلاة على من تبوأ من الفصاحة ذروتها...حتى ظهرت من جبهته أسرار طلعتها. وتبلجت من بهجته أنوار زُهرتها. و وضح نهارها.وطلعت شموسها وأقمارها. وصفت مشارعها للورّاد، وراقت مشاربها لمن قصد وأراد.ودل على مصداق هذه المقالة قوله «أنا أفصح من نطق بالضاد» "
أعجبتني صيغة بيان المؤلف في الصلاة على خير من نطق بالضاد, فقلت أنقلها لكم, كمحب يحمل رسالة حب إلى محبين.محمد سيد الكونين, و محمد خير من نطق بالضاد, و هو أيضا خير من استمع للغة الضاد, وخير من فهمها ., فكما كان لسانه سيد البيان, كانت أذنه رائعة الذوق, فسيدي سيد المتذوقين..محمد صلى الله عليه وسلم :كان يستمع الشعر, و يعجبه الشعر الرائع, حتى قال:إن من البيان لسحرا, وإن من الشعر لحكمة"..و حتى اختار لنا بيت شعر قالته العرب, و جعله سلطان أبيات الشعر..إذ يقول صلى الله عليه وسلم :" أشعر كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد :ألا كل شيء ما خلا الله باطل"
و البيت كاملا هو:
ألا كل شئ ما خلا الله باطلُ وكل نعيم لا محالة زائلُ
وقال صلى الله عليه وسلم :" وكاد ابن أبي الصلت أن يسلم"
وابن أبي الصلت هو الشاعر الجاهلي أمية بن أبي الصلت,، و قد استمع النبي صلى الله عليه وسلم لعشرات قصائده المروية...يعني النبي كان رائع السمع، ذواق الانتقاء...فصلوا عليه وسلموا.
مع الناص:
ــــــــــــــــ
ومرت سنون وقابلت قريني "عاطف مغاوري" فحدثني عن أديب شاب فذ، يسمى "محمد موافي" في كتابة المقال بجريدة المصريون، وعدد لي سماته الشخصية والعقلية وطالعت بعض مقالاته، ثم ظهرت الفضائيات والفيس بوك فتعرفت عليه عن قرب؛ فإذا هو ذلكم المذيع الغريب النشاز وسط منظومة الجفاف الروحي والعقلي واللغوي ببرنامج "صباح الخير يا مصر"!
وإذا بي الآن أختار خمسة من مقالاته وأدرجها أنماذج لفن المقال في مساق"الأدب الإسلامي" لطلاب الفرقة الرابعة بكليتي: كلية اللغة العربية بالزقازيق. إنه الإعلامي الكبير والقدير الأستاذ محمد موافي.
إنه الفتى العربي غريب الوجه واليد واللسان! فكل ما هو معروف عن الكاتب أنه مصري أربعيني إعلامي، ولم يسمح لنا بأكثر من ذلك من سيرته وذاتياته! دام إمتاعه وحضوره ليقضي على جفاف الألسنة والأقلام! فطالعوه أينما كتب وخطب، ونقش ونكش.
البناء الفني للمقال :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
عندما نسيح مع النص وفيه نجد أنه جاء مكونًا من عنوان ومقدمة وصلب وختام، على النحو المعهود في صناعة فن المقال، مع تجديد في تلك الأجزاء على النحو التالي:
بلاغة العنوان:
جعل الكاتب لمقاله عنوانا مكونًا من جملة اسمية (النبي إذ يتذوق), مبتدؤها لفظ "النبي صلى الله عليه وسلم"، وخبرها جملة فعلية مقرونة بإذ الظرفية، وفيه دلالة على تذوق النبي – صلى الله عليه وسلم – واستمرارية تذوقه في حياته وبعد مماته. وفي هذا العنوان نقد غير مباشر لحالة الذوق الرديء التي نعيشها في زمن الجفاء والجفاف، وفيه كذلك إشارة إلى الهدف من إبداعه المقال, وفكرته الأساسية التي يدور حولها الموضوع.. ومن ثم نرى مدى توفيق الكاتب في اختيار عنوانه!
عاطفية المقدمة:
تضمنت المقدمة سبب إبداعه هذا المقال، ويتضح ذلك في قوله: " لما أكرمني الله بفكرة "من وحي اللغة" قلت: إنها سهلة، يعني لغتنا سهلة, ولما تعرض جاهل لمقام النبي-صلى الله عليه وسلم-, وجدتها فرصة ذهبية للحديث عن بيان سيد ولد آدم وروعة ألفاظه ... ". فالكاتب هنا عملي في حبه النبي صلى الله عليه وسلم. لم يردَّ على جاهل بجهل كالجاهليين في عصرنا! ولكن رد بعلم وفن وذوق من خلال السياحة في الحضرة النبوية الشريفة.
ثقافية الصلب:
يبدأ صلب المقال من قوله: " وقفزت في اليم, وكنت أتصوره كفرع النيل الصغير عند روضة المقياس بجنوب القاهرة ..... إلى قوله: " وقد استمع النبي – صلى الله عليه وسلم – لعشرات القصائد المروية "
والأفكار التي احتوتها هذه الأسطر ما يلي :
1ــ سيرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وسنته الواسعة التي لا يحيط بها أحد ويتجلى هذا في تصويره الفني الواقعي: " وقفزت في اليم, وكنت أتصوره كفرع النيل الصغير ...... فإذا بي في وسط بحر لا أرى له ساحلا ..... أنا ضعيف وتائه, أفتش في كل ما حولي, فإذا الماء حولي, وأنا الغريق فما خوفي من البلل ...".
2 ــ صيغة صلاة فريدة على النبي – صلى الله عليه وسلم- وحديثه عن كتاب "الطراز ليحيى بن حمزة اليمني " يوضح ذلك, فيقول في مقاله: " وفي مقدمة الكتاب صلى المؤلف – كما هي العادة – على النبي –صلى الله عليه وسلم_ فكتب بعد الحمد لله : .. والصلاة على من تبوأ من الفصاحة ذروتها, حتى ظهرت من جبهته أسرار طلعتها, وتبلجت من بهجته أنوار زهرتها ..... " .
3 ــ تقرير الكاتب جمع النبي – صلى الله عليه وسلم – بين إبداع الأدب وتذوقه بعظمة, فيقول :" ... فكما كان لسانه سيد البيان, كانت أذنه رائعة الذوق, فسيدي سيد المتذوقين ...", بل قدم أمثلة تبين حب النبي – صلى الله عليه وسلم – الشعر والشعراء ما دام في إطار البيان والحكمة.
تكثيف الختام :
جاء الختام خلاصة لكل ما أراده الكاتب بطريقة واضحة مباشرة, يفهمها العامة والدهماء, فقد قال بأسلوب سهل: " ... يعني النبي كان رائع السمع, ذواق الانتقاء ... فصلوا عليه وسلموا " .
ففي ختامه دليل على حرص الكاتب على العوام من المتلقين, وكأنه كتب هذا المقال في مجلس شعبي, وليس في صالون ثقافي أدبي .
وجدانية المقال وثقافيته
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد قراءة المقال يتضح أن عاطفة الكاتب صادقة عاقلة مستمرة, تجدها في مطلع المقال بقوله ".... ولما تعرض جاهل لحب النبي – صلى الله عليه وسلم -, وجدتها فرصة ذهبية للحديث عن بيان سيد آدم وروعة ألفاظه ..." .
وقوله: " .... فأمام فيض فيوض فيضان بركة كلامه, أنا ضعيف وتائه ...." فهذا تعبير صوفي عظيم عن المعاني الغزيرة الواسعة الموجودة في سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – .
وقد يتوهم القارئ أن عاطفته ستضعف شيئًا فشيئًا, ولكنها تستمر بالقوة والصلابة, حيث يقول في وسط المقال:" فقلت أنقلها لكم, كمحب يحمل رسالة حب إلى محبين ", وقوله :" فسيدي سيد المتذوقين " ...الخ . وكذلك في ختامه.
و الكاتب لم يتوغل في الجانب الديني ولم يطنب فيه بسبب طريقته الفنية، ووظيفته الإعلامية, ومع ذلك نجده مثقَّفًا ومثقِّفا؛ إذ أشار إلى كتاب من أفضل الكتب التي تتحدث عن بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو " الطراز ليحيى بن حمزة اليمني" فهو يتضمن أسرار البلاغة, وعلوم حقائق الإعجاز، ونقل منه.
كما أن حبه الشديد للنبي –صلى الله عليه وسلم- جعله غريقًا في سنته وسعة علمه, فيقول :" .. فإذا الماء حولي, وأنا الغريق فما خوفي من البلل ..." مستعينًا بقول المتنبي :
والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البلل
وفي قوله: " محمد سيد الكونين " إشارة إلى جزء من بيت الإمام البوصيرى - رضى الله عنه - (ت 695هـ) في بردته الغراء الفيحاء:
محمد سيد الكونين والثقليـــ ـــنِ والفريقين من عرب ومن عجم
ومن ثقافته استدلاله بالسنة النبوية المطهرة في قوله : " إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة " .
كما أنه لم يذكر جانب النقد التنظيري فقط في الذات النبوية، بل أشار إلى الجانب التطبيقي عندما ذكر إعجاب النبي -صلى الله عليه وسلم - ببيت شعر قالته العرب وجعله سلطان أبيات الشعر وهو قول لبيد[رضي الله عنه] :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
الإخبار والتصوير في لغة المقال :
هيمن الأسلوب الخبري على المقال؛ لأن كاتبه صحافي يتحدث عن حقيقة إيمانية مسلم بها، ليس فيها نقاش ولا جدال؛ فهو يريد أن يثبت هذه الأفكار ويقررها في عقول المتلقين وقلوبهم، وقد أعانه التجنيس الاشتقاقي في قوله :" ...فيض فيوض فيضان بركة كلامه..."، والتسجيع في قوله :" ...والصلاة على من تبوأ الفصاحة ذروتها, حتى ظهرت من جبهته أسرار طلعتها, وتبلجت من بهجته أنوار زهرتها, ووضح نهارها, وطلعت شموسها وأقمارها "، والتشبيه في قوله :" أنقلها لكم كمحب يحمل رسالة حب إلى محبين". وفي قوله:" وكنت أتصوره كفرع النيل الصغير عند روضة المقياس بجنوب القاهرة ". كما برز في المقال فن براعة الاستهلال, وفن حسن الختام. وهذه الأعشاب البلاغية أضفت على المعنى جمالاً, وبهاءً, وقبولاً؛ لأن الكاتب صاغ مقاله بحس مرهف, وشعور فياض, وعاطفة صادقة .
هذا وبالله التوفيق ...