محاضرة (فنون النثر الجاهلي) للفرقة الأولى بكلية اللغة العربية بالزقازيقهذه المحاضرة معدة من خلال التحاور مع الطلبة وبحثهم في الشبكة العنكبوتية للمعلومات"إنترنت"، وهي مراجعة من قبلي وقبل الزميل الأستاذ الدكتور محمد زغلول عباس، أرجو أن تنال القبول، وأن تكون فيها إفادة، والله من وراء القصد.توطئة:النثر أحد قسمي القول، فالكلام الأدبي كله إما أن يصاغ في قالب الشعر المنظوم وإما في قالب القول المنثور. يقول ابن رشيق القيرواني: "وكلام العرب نوعان: منظوم ومنثور، ولكل منهما ثلاث طبقات: جيدة، ومتوسطة، ورديئة، فإذا اتفقت الطبقتان في القدر، وتساوتا في القيمة، لم يكن لإحداهما فضل على الأخرى، وإن كان الحكم للشعر ظاهرًا في التسمية". ويقرر ابن رشيق أن أصل التسمية في المنظوم من نظم الدر في العقد وغيره، إما للزينة أو حفظًا له من التشتت والضياع، أما إذا كان الدر منثورًا لم يُؤمَن عليه ولم ينتفع به. من هنا حصلت عملية تشبيه الكلام الأدبي بالدرر والمجوهرات، وتوهم الناس أن كل منظوم أحسن من كل منثور من جنسه في معترف العادة. وذلك بالنظر إلى سهولة حفظ الكلام المنظوم واستظهاره بسبب الوزن، وانعدام الوزن في الكلام المنثور يجعله عرضة للنسيان والضياع، وذلك في وقت كان الناس فيه يتداولون النصوص الأدبية مشافهة دون الكتابة في هذا العصر الجاهلي و العصر الإسلامي الأول، وقد زال هذا التفاضل في عصور التدوين وكتابة النصوص كما في زماننا الحاضر، بحيث اختصَ كُلٌ من النثر والشعر بمجالات في القول تجعله أليق به. ويعتقد ابن رشيق محقًّا: إن ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون، وهو يقصد بذلك تلك الحقبة الزمنية قبل الإسلام وبدايات العهد الإسلامي تخصيصًا. وجاء هذا ردًّا كافيًا على الذين ينفون وجود نثر فني عربي جيد قبل الإسلام، وإنما كان ضياع ذلك النثر الجاهلي أو اختلاطه بسبب طبيعته الفنية الخالية من الوزن. وهو لم يعن بذلك إلا النثر الفني أي الأدبي الذي يتوفر - كما ذكر بروكلمان – "على قوة التأثير بالكلام المتخير الحسن الصياغة والتأليف في أفكار الناس وعزائمهم". أما النثر الاعتيادي الذي يستعمل بين الأفراد في التداول اليومي بغرض الاتصال وقضاء الحاجات والثرثرة مما ليس فيه متانة السبك والتجويد البلاغي ولا قوة التأثير فلا يعتد به، وليس له قيمة اعتبارية في الدراسة الأدبية. إن ما روي من النثر الجاهلي قليل بالنسبة لما روي من الشعر، وذلك لسهولة حفظ الشعر لما فيه من إيقاع موسيقي والاهتمام بنبوغ شاعر في القبيلة يدافع عنها ويفخر بها، وقلة أو انعدام التدوين، والاعتماد على الحفظ والرواية.تعديد فنون النثر الجاهلي:على الرغم من عدم وجود أي سجل أو كتاب مدون يحتوي على نصوص النثر الجاهلي يعود تاريخه إلى تلك الفترة من الزمن الغابر، إذ كان الناس يحفظونها ويتناقلونها عن طريق الرواية الشفاهية، مثل الشعر، وهذا ربما سبب قلتها، وكذا موقف الإسلام من بعضها، وبالرغم من ذلك فإن الدارسين المحققين لهذا التراث الأدبي العربي ذكروا من أنواع النثر الأدبي في تلك الفترة خاصة: 1-الخطابة، 2- الوصايا 3-المنافرات ، 4- المفاخرات 5- الحكم، 6- الأمثال، 7-القصص، ، 8- سجع الكهان. وبيانها تفصيليا على النحو التالي:فن الخطابةالمفهوم: أقدم الفنون الأدبية، تمتاز بالإمتاع والإقناع؛ نظرًا إلى كونها موجهةً إلى الجماهير وتخاطبهم، وهي قطعة نثرية قد تطول أو تقصر حسب الحاجة إليها، ويختلف مضمونها: فمنها الخطب الدينية، والسياسيّة، والحربية، والقضائية، والاجتماعية... يقوم بإلقائها شخصٌ يسمّى الخطيب. وهي من أقدم فنون النثر،لأنها تعتمد علي المشافهة فن مخاطبة الجماهير، بغية الإقناع والإمتاع،وجذب انتباههم وتحريك مشاعرهم، وذلك يقتضي من الخطيب تنوع الأسلوب، وجودة الإلقاء وتحسين الصوت ونطق الإشارة بكلام بليغ وجيز وهي قطعة من النثر الرفيع، قد تطول أو تقصر حسب الحاجة لها. وهي من أقدم فنون النثر، لأنها تعتمد علي المشافهة، لأنها فن مخاطبة الجمهور بأسلوب يعتمد علي الاستمالة وعلى إثارة عواطف السامعين، وجذب انتباههم وتحريك مشاعرهم، وذلك يقتضي من الخطيب تنوع الأسلوب، وجودة الإلقاء وتحسين الصوت ونطق الإشارة، أما الإقناع فيقوم علي مخاطبة العقل، وذلك يقتضي من الخطيب ضرب الأمثلة وتقديم الأدلة والبراهين التي تقنع السامعين. وكان من أسباب ازدهار الخطبة في العصر الجاهلي ؛ حرية القول، و دواعي الخطابة كالحرب والصلح والمغامرات، والفصاحة فكل العرب كانوا فصحاء.الأجزاء: المقدمة، والعرض(الموضوع)، والخاتمة.ومن أهداف الخطبة: الإفهام والإقناع والإمتاع والاستمالة.الخصائص: للخطابة مميزات تمتاز بها عن غيرها من الفنون، لذلك لا نستغرب أن يتحدث الجاحظ عن وجودها، ومنها: أن لها تقاليد فنية، وبنيوية، وسمات، ولها زي معين وهيأة تمثيلية للخطيب، وأصول في المعاملة، كما أنها تستدعي احتشاد الناس من وجهاء القوم، ولها أماكن إلقاء هي نفسها أماكن التجمعات الكبرى (مضارب الخيام، ساحات النزول، مجالس المسر، الأسواق.ومن الخصائص الأسلوبية لفن الخطابة: قصر الجمل والفقرات، وجودة العبارة والمعاني، وشدة الإقناع والتأثير، والسهولة ووضوح الفكرة، وجمال التعبير وسلامة الألفاظ، والتنويع في الأسلوب ما بين الإنشائي والخبري، وقلة الصور البيانية، والإكثار من السجع غير المكلف، وتضمنها العبارات التي تضفي المتعة والتسلية والإقناع الشديد، وقلّة الصور البيانيّة والمحسّنات البديعيّة.وتعددت أنواع الخطابة باختلاف الموضوع والمضمون، فمنها الدينيـة التي تعمد إلى الوعظ والإرشاد والتذكير والتفكير، السياسية التي تستعمل لخدمة أغراض الدولة أو القبيلة، الاجتماعية التي تعالج قضايا المجتمع الداخلية، والعالقة منها من أمور الناس، كالزواج…الخ، و منها الحربية التي تستعمل بغية إثارة الحماسة وتأجيج النفوس، وشد العزائم، و قضائية التي تقتضي الفصل والحكم بين أمور الناس، يستعملها عادة الحاكم أو القاضي.ومن الملاحَظ أن جُل هذه الخصائص اجتمعت في خطبة لـ(قُسّ بن ساعدة الإيادي) والجدير بالذكر أنه أول من قال في خطبته: (أما بعد) وتسمي (فصل الخطاب)؛ لأنها تفصل المقدمة عن الموضوع. وقد اقترن موضوع الخطابة بالزعامة، أو الرئاسة للقبيلة أو القوم، كما اقترن من جهة أخرى بلفظ الحسام، فلا مجال لبروز الحسام قبل بروز الكلام، ولا مطمع لسيادة القوم إلا بعد إتقان فن القول، كما أن الخطابة قديمة الحضارات، وقدم حياة الجماعات، فقد عرفت عند المصريين، والرومان، واليونان ق05 قبل الميلاد..فن المنافراتتعد المنافرات من الفنون الأدبية التي أسهمت في رسم صورة واقعية للعرب الجاهليين حيث يذكر المتفاخرون مآثر أنفسهم إن كانوا أفرادًا، ومآثر أقوامهم إن كانوا قبائل.ويعود ظهور المنافرات إلى العصر الجاهلي، إلى فترة بدأ العرب فيها يميلون نحو الاستقرار وحل مشاكلهم بالطرق السلمية رغم وجود العصبيات القبلية. يقول الخليل بن أحمد في كتاب العين:" كأنما جاءت المنافرة في أول ما استعملت أنهم كانوا يسألون الحكم: أينا أعز نفرًا؟"، أي أنه كان هناك طرفان متخاصمان يحتكمان إلى حَكَمٍ للبت في أيهما أقوى وأعز من حيث عدد الأقرباء، ثم صار موضوع الخلاف أيهما أفضل حسبًا إذا كانا من نفس القبيلة، وأيهما أفضل نسبًا إذا كانا متباعدين من حيث الأرومة. وقد أكد الجاحظ في كتابه البيان والتبيين على أن المنافرة هي المحاكمة، أي اشترط وجود حكم يحكم بين طرفين وإلا كان الأمر مجرد مفاخرة. كان الحكم يقوم خطيبًا أمام جمهور يرافق الخصمين مستعملاً في خطابه السجع الذي يذكرنا بسجع الكهان، إنها فن من فنون القول، المعتمد على المناظرة، عند العرب قبل الإسلام، كان الرجلان إذا تنازعا في صفات الشرف والصدارة تنافرا إلى واحد أو أكثر من حكماء العرب, يقضي أيهما أحق بالصفات الكريمة والمآثر المشهودة التي ترجح كفته على كفة غريمه, ولعل من أسباب تسمية هذا اللون من المناظرات بالمنافرات أن المناظر كان يقول لغريمه أنا أعز منك، ويظل يذكر الدليل إثر دليل، وكذلك يفعل غريمه إلى أن يحكم القاضي الذي اختاراه لواحد منهما. وكانت بعض ألوان المنافرات تأخذ شكلاً يخرج عن حد المألوف والمعقول, إذ كان الرجلان يفخران بسادة أقوامهم من الأحياء, فيقول الرجل: منا فلان, فيرد غريمه: منا فلان... وهكذا, حتى إذا انتهيا من ذكر الأحياء ذهبا إلى القبور, فيقول الأول: منا فلان، ويشير إلى قبره, فيرد الثاني: ومنا فلان مشيرًا إلى قبره أيضا, وهكذا حتى يغلب واحد منهما صاحبه.. وتلك - ولا شك- عادات ذميمة عاشت بين القوم ما عاشت الجاهلية, فلما جاء الإسلام حرمها وقضى عليها شيئًا فشيئًا، ومن أنواع المنافرات الجاهلية : *منافرات تحدث بين اثنين أو أكثر من سادة العرب وأشرافهم، وفيها يشيد كل من المتفاخرين بحسبه ونسبه ومجده وسجاياه، أمام حكم من أشراف العرب أو كهانهم، ليكون له القول الفصل في تفضيل أحد الطرفين على الآخر. ولكن الحكم يسعى في كثير من الأحيان إلى الصلح بين المتنافرين، تفادياً للشر، ويتحاشى الحكم لأحدهما على الآخر، ويلقي عليهم كلاماً بليغاً يدعوهما فيه إلى السلام والصفاء. ومن ذلك ما كان من هرم بن قطبة الفزاري، حين تنافر إليه عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة بعد أن اشتد النزاع بينهما، فجعل هرم يطاولهما، ويمهد للصلح بينهما، حتى قال لهما أخيرًا: «أنتما كركبتي البعير، تقعان إلى الأرض معًا وتقومان معًا». فرضيا بقوله وانصرف كل منهما إلى قومه. واشتهر من هؤلاء الحكام أيضًا: ربيعة بن حذار، والأقرع بن حابس، ونفيل بن عبد العزى، وهاشم بن عبد مناف.*منافرات تحدث بين قبيلتين: كربيعة ومضر، أو قيس وتميم. وهذا ما يحيل المنافرة إلى صورة من صور الخطابة، إذ يقف كل سيد ليعدد مآثر قومه أمام الحكم، بحضور سادة القبائل وأشرافها ويحاول التأثير في السامعين ليحوز الإعجاب والحكم له بالغلبة على خصمه، وإذا فصل الحكم بين المتنافرين، سجع في كلامه حيناً، وأرسله حيناً آخر.وقد روى الطبري كلمة لنفيل بن عبد العزوى في منافرة عبد المطلب بن هاشم، وحرب بن أمية، وهي مسجوعة كما روى أبو عبيدة في النقائض منافرة جرير بن عبد الله البجلي، وخالد بن أرطاة الكلبي إلى الأقرع بن حابس، وهي مسجوعة أيضا، وبنيت على السجع كذلك منافرة علقمة بن علاثة، وعامر بن الطفيل . ولم نسق ذلك لنسلم بصحة هذه المرويات من المنافرات وصحة صياغتها، ولكنا سقناه لنخلص منه إلى أنه ثبت عند من كانوا يروون المنافرات والخطب الجاهلية أنها كانت تعتمد اعتمادًا شديدًا على السجع، ويؤيد ذلك قول الجاحظ: إن "ضمرة بن ضمرة وهرم بن قطبة، والأقرع بن حابس ونفيل بن عبد العزى كانوا يحكمون وينفرون بالأسجاع، وكذلك ربيعة بن حذار"...فن المفاخرات :المفاخرة هي محاورة كلامية بين اثنين أو أكثر، وفيها يتباهى كل من المتفاخرين بالأحساب والأنساب، ويشيد بما له من خصال، وما قام به من جلائل الأعمال.ومن أنواع المفاخرة:*المفاخرة بين قبيلتين :وكانت تحدث بين القبائل كربيعة ومضر، وبكر وتغلب من ربيعة، وقيس وتميم من مضر، وقد تغلغلت المفاخرات في بطونهم حتى كانت بين ابني العم في العشيرة الواحدة مثل ما حدث بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة، وقد تنافرا إلى هرم بن قطبة الفزاري . *المفاخرة بين اثنين : وكان الرجلان إذا تنازعا الفخر، وادعى كل منهما أنه متفوق على صاحبه، نفرا إلى حاكم يرضيانه، ليقضي بينهما، فمن فضله على صاحبه كان له غنم الحكم، وعلى صاحبه غرم الجعل المفروض من الإبل أو غيرها. ولكن الحكم كثيرًا ما كان يتحاشى الحكم لأحدهما على الآخر، ويعمد إلى الصلح بين المتنافرين، حسمًا للنزاع، وتفاديًا للشر. ويلقي عليهما كلامًا بليغًا يدعوهما فيه إلى الصفاء والسلام والمودة والمحبة. من ذلك ما كان من هاشم بن عبد مناف في خزاعة وقريش حين نفرتا إليه، فقال: "أيها الناس، نحن آل إبراهيم، وذرية إسماعيل، وبنو النضر بن كنانة، وبنو قصي بن كلاب، وأرباب مكة، وسكان الحرم، لنا ذروة الحسب والنسب، ومعدن المجد، ولكل في كل حلف يجب عليه نصرته، وإجابة دعوته، إلا ما دعا إلى عقوق عشيرة وقطع رحم. يا بني قصي، أنتم كغصني شجرة، أيهما كسر أوحش صاحبه، والسيف لا يصان إلا بغمده، ورامي العشيرة يصيبه سهمه. أيها الناس، الحلم شرف، والصبر ظفر، والمعروف كنز، والجود سؤدد، والجهل سفه، والأيام دول، والدهر غير، والمرء منسوب إلى فعله، ومأخوذ بعمله، فاصطنعوا المعروف تكسبوا الحمد، ودعوا الفضول تجانبكم السفهاء، وأكرموا الجلس يعمر ناديكم، وحابوا الخليط يرغب في جواركم، وأنصفوا من أنفسكم يوثق بكم، وعليكم بمكارم الأخلاق فإنها رفعة، وإياكم والأخلاق الدنية، فإنها تضع الشرف، وتهدم المجد، ومقام الحليم عظة لمن انتفع به". فأذعن له الفريقان بالطاعة، وتصالحا.... فالمفاخرة والمنافرة مقترنتان.فن القصص: المفهوم: القصة سرد نثريّ لأحداث واقعيّة أو خياليّة ضمن ترتيب معيّن، تتعلّق بشخصيات إنسانيّة أو غير إنسانيّة، يقوم بسرد أحداثها وخلقها شخص يسمّى القاصّ.والقاص: هو السارد للأحداث، أو هو المبدع إياها، تزدحم في رأسه أحداث وشخصيات، ينفخ فيها الروح لتتحدث بنعمة الحياة. مهمته أن يحمل القارئ إلى حياة القصة، ويتيح له الاندماج التام في أحداثها، ويحمله على الاعتراف بصدق التفاعل الذي يحدث ما بينهما، ويعود الأمر إلى قدرة القاص على التجسيد والإقناع.فالقصص فن نثري متميز، يقوم على مجموعة من الأحداث تتناول حادثة وواقعة واحدة، أو عدة وقائع، تتعلق بشخصيات إنسانية منها وأخرى مختلفة –غير إنسانية-.للقصص قسمين حسب طبيعة أحداثها هما: قصة حقيقية واقعية، وقصة خيالية خرافية. وتتميز القصة، بأنها تصور فترة كاملة من حياة خاصة، أو مجموعة من الحيوانات؛ فهي تعمد إلى عرض سلسلة من الأحداث الهامة وفقًا لترتيب معين. بينما نجد الأقصوصة تتناول قطاعًا أو موقفًا من الحياة، فهي تعمد إلى إبراز صورة متألقة واضحة المعالم بينة القسمات، تؤدي بدورها لإبراز فكرة معينة. والقصص -كما عبر بروكلمان- من الأشياء التي تهفو إليها النفوس وتسمو إليها الأعُين، فكان القاص أو الحاكي، يتخذ مجلسه بالليل أو في الأماسي عند مضارب الخيام لقبائل البدو المتنقلة وفي مجالس أهل القرى والحضر، وهم سكان المدن بلغتنا اليوم.العناصر: الأحداث، والأشخاص، والحبكة، والتشويق، والحوار، والخبر، والأسلوب.الخصائص: امتازت القصص في العصر الجاهلي بالمتعة والتشويق، وصدق التعبير، وتسلسل الأحداث، وتصوير الواقع. وكانت مادة القصص أو مواضيعه متعددة ومتنوعة، وذلك بغية التسلية والمتعة، أو حتى الوعظ والإرشاد، أو شد الهمم، فكان بعضها يدور حول: الفروسية، تاريخ القبيلة، بطولات الأمجاد؛ مثل حرب البسوس، داحس والغبراء. كانت قصصاُ من الوقائع الحياة الاجتماعية اليومية بغية الإمتاع والتسلية. ومنها القصص الخرافية، أو الأساطير، مثل قصص الغول ومنازلته في الصحراء وقصص الجان؛ فكان العرب يستمد قصصهم ومواضيعهم من حياتهم، مواقفهم، نزالاتهم، وموروثهم الثقافي مما تناقل إليهم عبر الرواية من الأسلاف، لكن هناك البعض مما استمده من جيرانهم؛ كالأحباش، الروم، الفرس، الهنود. وقد وجد فن القص، أن النثر أنجع وسيلة يستعملها أو يصطنعها القاص للوصول لهدفه، لأن الشعر بما فيه من عواطف متأججة، وخيال جامح، وموسيقى خارجية، وغير ذلك مما يرتكز عليه، لا يصلح لان يعبر تعبيراً صادقاً دقيقاً عن تسلسل الأحداث وتطور الشخصيات، في تلك الحياة التي يجب أن تكون مموهة من الواقع.ولكل قصة عنصر سائد يميزها، فكل قصة نقرؤها قد تترك في النفس أثراً أو انطباعا ما، قد ينتج عن الأحداث أو الشخصيات، أو عن فكرة ما… ذلك الانطباع هو العنصر السائد وهو المحرك في القصة، وهو لا يمكن تحديده بدقة. أما عناصر القصة هي: القطع أو الاقتباس، الأحداث، الحبكة، التشويق، الحوار، الخبر، الأسلوب. وللعلم فهناك نوعين للقصة: قصة ذات حبكة مفككة: التي تقوم على سلسلة من الأحداث المنفصلة، غير المترابطة، ووحدة العمل القصصي فيها لا تقوم على تسلسل الأحداث. قصة ذات حبكة عضوية متماسكة: تقوم على حوادث مترابطة تسير في خط مستقيم والحبكة ذاتها تنقسم إلى قسمين: حبكة بسيطة: تكون القصة مبنية على حكاية واحدة حبة مركبة: تكون القصة مبنية على أكثر من حكاية واحدة، تتداخل فيما بينهالنماذج: تنوّعت مضامين القصّة في العصر الجاهليّ فمنها ما تناول الفروسيّة والقبائل والحروب مثل: قصّة داحس والغبراء، وأخرى تحدثت عن الأساطير مثل: قصص الغول والجانّ.فن المثل المفهوم: كلام موجز مختصر منتشر بين الناس، يعتمد على مناسبة أو واقعة قيلت فيها، له دلالات معنويّة وفكريّة، يتميّز بشهرته وسهولة تناقله من جيل إلى جيل آخر؛ بسبب سهولته والحكمة التي يحملها، وصدق تمثيله لحياة الناس والأحداث التي تمرّ بهم، واكتساب الموعظة والعبرة من خلاله.إنه جملة قيلت في مناسبة ما ثم أصبح يُتمثل بها في آى مناسبة تشبه الأولي لما فيها من حكمة، فهو فن أدبي نثري ذو أبعاد دلالية ومعنوية متعددة، انتشر على الألسن، له مورد وله مضرب. هو قول محكم الصياغة، قليل اللفظ، موجز العبارة، بليغ التعبير، يوجز تجربة إنسانية عميقة، مضمرة ومختزلة بألفاظه، نتجت عن حادثة أو قصة قيل فيها المثل، ويضرب في الحوادث المشابهة لها.من أسباب انتشار الأمثال وشيوعها: خفته وحسن العبارة، وعمق ما فيها من حكمة لاستخلاص العبر، وإصابتها للغرض المنشودة منها، والحاجة إليها وصدق تمثيلها للحياة العامة ولأخلاق الشعوب؛ فقد أبدع معظم العرب في ضرب الأمثال في مختلف المواقف والأحداث، وذلك لحاجة الناس العملية إليها، فهي أصدق دليل عن الأمة وتفكيرها، وعاداتها وتقاليدها، ويصور المجتمع وحياته وشعوره أتم تصوير، أقوي دلالة من الشعر في ذلك لأنه لغة طائفة ممتازة، أما هي فلغة جميع الطبقات.الخصائص: قصر العبارات والإيجاز، وإصابة المعنى والتشبيه، وقوّة التأثير، وملامسة الأحداث الواقعيّة. من مميزات المثل: إن خصائص المثل لا تجتمع في غيره من الكلام: "إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، إضافة إلى قوة العبارة والتأثير، فهو نهاية البلاغة.والأمثال في الغالب أصلها قصة، إلا أن الفروق الزمنية التي تمتد لعدة قرون بين ظهور الأمثال ومحاولة شرحها أدت إلى احتفاظ الناس بالمثل لجمال إيقاعه وخفة ألفاظه وسهولة حفظه، وتركوا القصص التي أدت إلى ضربها. وفي الغالب تغلب روح الأسطورة على الأمثال التي تدور في القصص الجاهلية مثل الأمثال الواردة في قصة الزباء.النماذج: من أهمّ الأمثال العربيّة في العصر الجاهلي (جزاء سنمار، يضرب لمن يحسن في عمله فيكافأ بالإساءة إليه) و(رجع بخفي حنين، يضرب هذا المثل في الرجوع بالخيبة والفشل)، (إنك لا تجني من الشوك العنب: يضرب لمن يرجو المعروف في غير أهله أو لمن يعمل الشر وينتظر من ورائه الخير)، (لا يطاع لقصير أمر)، و(لأمر ما جدع قصير أنفه)، (بيدي لا بيد عمرو)، وأمثال وردت في قصة ثأر امرئ القيس لأبيه، ومنها: (ضيعني صغيرًا وحمَّلني ثأره كبيرًا)، (لا صحو اليوم ولا سكر غدًا)، (اليوم خمر وغدًا أمرٌ)...ربما يستطيع المحققون بجهد أن يردوا بعض هذه الأمثال لأصحابها ومبدعيها، فمن حكماء العرب عدد كبير قد اشتهر بابتكاره وإبداعه للأمثال، بما فيها من عمق، وإيجاز، وسلاسة. أمثال عفوية:ولكن أمثال العرب لم تأت على مثل هذه الدرجة من الرقي والانضباط الأسلوبي، مثل التي جاء بها أكثم، بل إن كثيرًا من الأمثال الجاهلية تخلو من التفنن التصويري، وهذا بطبيعة الأمثال فإنها ترد على الألسنة عفوًا وتأتي على ألسنة العامة لا محترفي الأدب. فلم يكن من الغريب أن يخرج بعضها علي القواعد الصرفية والنحوية دون أن يعيبها ذلك مثل:*أعط القوس باريْها" - بتسكين الياء في باريها والأصل فتحها.*أجناؤها أبناؤها" - جمع جان وبان والقياس الصرفي جناتها بناتها لأن فاعلا لا يجمع علي أفعال، وهذا يثبت أن المثل لا يتغير بل يجري، كما جاء علي الألسنة وإن خالف النحو وقواعد التصريف. وبعض الأمثال يغلب عليها الغموض وقد تدل تركيبتها على معنى لا تؤدي إليه الكلمات بذاتها، ومن ذلك قول العرب: (بعين ما أرينك)؛ أي أسرع.أمثال بديعة:ولم يكن هذا النوع من الأمثال هو الوحيد بل هناك أمثال صدرت عن شعراء مبدعين وخطباء مرموقين فجاءت راغبة الأسلوب متألقة بما فيها من جماليات الفن والتصوير مثل: أي الرجال المهذب، فهذا المثل جزء من بيت للنابغة يضرب مثلا لاستحالة الكمال البشرين. والبيت: ولست بمستبق أخا لا تلمه على شعث. أي الرجال المهذب. ويصعب تمييز المثل الجاهلي عن الإسلامي. إلا بما يشير إليه من حادث أو قصة أو خبر، يساعد على معرفته وتمييزه مثل: " ما يوم حليمة سر"، وحليمة بنت ملك غسان. فهو في عصر الإسلام والمثل: "اليوم خمر وغدا أمر". هو في العصر الجاهلي والأمثال ذات قالب ثابت البنية، إذ هو ذاته يستعمل في كل الأحوال، وهي تنقسم إلى 03أقسام من حيث البناء ذات قالب بسيط: إنك لن تجني من الشوك العنب. تاتي في قالب الصنعة اللفظية: من عز بز، عش رجباً ترى عجبا. وبعضها يأتي في قالب منتهكا الترتيب النحوي: الصيف ضيعتِ اللبن.أما أنواع المثل، فهي حقيقية أو فرضية خيالية. "حقيقية: لها أصل، من حادثة واقعية، وقائلها معروف غالبا، فرضية: ما كانت من تخيل أديب ووضعها عل لسان طائر أو حيوان أو جماد أو نبات أو ما شاكل ذلك، والفرضية تساعد على النقد والتهكم ووسيلة ناجحة للوعظ والتهذيب. - بعض يمثل منهجا معينا في الحياة كقولهم: إن الحديد بالحديد يٌِفًلح".وبعضها ما يحمل توجيها خاصا كقولهم: قبل الرماء تملأ الكنائن. و بعضها يبني علي ملاحظة مظاهر الطبيعة أو يرتبط بأشخاص اشتهروا بصفات خاصة. أما من حيث اللغة فقد تستعمل الفصحى وهي عادة المثل الجاهلي، وقد تستعمل اللهجة العامية، وقد تكون هجينة ما بين ألفاظ فصحى وأخرى دخيلة وتسمى بالمولدةفن الحكمةالمفهوم: قول موجز مشهور صائب الفكرة، رائع التعبير، يتضمن معنًى مسلَّمًا به، يهدف عادة إلى الخير والصواب، به تجربة إنسانية عميقة. وشاعت الحكمة على ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة والتمكن من ناحية البلاغة.يقول الجاحظ: ومن الخطباء البلغاء والحكام الرؤساء أكثم بن صيفي التميمي، وربيعة بن حذار، وهرم بن قطيعة، وعامر بن الظرب، ولبيد بن ربيعة. وأحكمهم أكثم بن صيفي التميمي، تدور علي لسانه حكم وأمثال كثيرة. وهي تجري علي هذا النسق: "رب عجلة تهب ريثًا"، "ادَّرعوا الليلَ فإنَّ الليلَ أخفى للويل"، "المرءُ يعجزُ لا محالةَ"، "لا جماعةَ لمن اختلف"، "لكل امرئ سلطانٌ على أخيه حتى يأخذ السلاحَ، فإنه كفى بالمشرفيةِ واعظًا"، "أسرعُ العقوبات عقوبةُ البغي" الخصائص: روعة التشبيه، وقوة اللفظ، ودقة التشبيه، وسلامة الفكرة مع الإنجاز.أوجه الاختلاف بين المثل والحكمة:تتفق الحكمة مع المثل في: الإيجاز، والصدق، وقوة التعبير، وسلامة الفكرة.وتختلف الحكمة عن المثل في أمرين:*لا ترتبط في أساسها بحادثة أو قصة.*أنها تصدر غالبًا عن طائفة خاصة من الناس لها خبرتها وتجاربها وثقافتها.فن الوصيةالمفهوم: الوصية لون من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية؛ قول حكيم صادر عن شخص مجرّب خبير، خاض تجربة ما، يوجهه إلى من يحب لينتفع به، أو إلى شخص أقلّ تجربة منه، وتختلف عن الخطبة حيث توجّه إلى شخص معيّن وليس إلى الجمهور.الأجزاء: أجزاء الوصية، هي:المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.الموضوع: وفيه عرض للأفكار بوضوح واقناع هاديء.الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية. الخصائص:من أهم خصائص فن الوصية عامة دقة العبارة ووضوح الألفاظ، وقصر الجمل والفقرات، والإطناب بالتكرار والترادف والتعليل، وتنوع الأسلوب بين الخبر والإنشاء، والإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها، والإيقاع الموسيقي، إذ يغلب عليها السجع لتأثيره الموسيقي، واشتمالها على كثير من الحكم، وسهولة اللفظ، ووضوح الفكرة. وقد امتازت الوصية في العصر الجاهلي بإيقاعها الموسيقي، والتنوّع في الأساليب الإنشائيّة والخبريّة، وقصر الألفاظ، ووضوح معانيها ومصطلحاتها، وعمق المعنى واعتمادها على الحكم المستخلصة من التجارب.ويتضح ذلك على سبيل المثال في (وصية أم لابنتها عند زواجها) لأمامة بنت الحارث.فن سجع الكهانالمفهوم: لون فني يعمد إلى ترديد قطع نثرية قصيرة، مسجعة ومتتالية، تعتمد في تكوينها على الوزن الإيقاعي أو اللفظي، وقوة المعنى. وهذا نوع من النثر في العصر الجاهلي، أولاه المستشرقون من العناية أكثر مما يستحق؛ وبعضهم كان يغمز بذلك من طرف خفي إلى الفواصل في آيات القران الكريم كأنه يريد الطعن في إعجازهيقول المستشرق بلاشير في كتابه (تاريخ الأدب العربي)، "إن سكان المجال العربي عرفوا، دون ريب، نظامًا إيقاعيًّا تعبيريًّا سبق ظهور النثر العربي، ولم يكن هذا الشكل الجمالي هو الشعر العروضي، ولكنه نثر إيقاعي ذو فواصل مسجعة". ويضيف أنه من الممكن أن يصعد السجع إلى أكثر الآثار الأدبية عند العرب إيغالاً في القدم، وبالتالي إلى ماضي أكثر غموضًا"؛ فهناك من يؤكد بأن المسجوع كان المرحلة الأولى التي عبرها النثر إلى الشعر عند العربيقول ابن رشيق: وكان كلام العرب كله منثورًا، فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم الأخلاق وطيب أعراقها، وصنعوا أعاريض جعلوها موازين للكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً ". فلما استقر العرب، واجتمعوا بعد تفرق، وتحضروا بعد بداوة، واجتمع لهم من سمات الحضارة وثقافة الفكر، وتنظيم الحياة، ما جعلهم يشعرون بحاجتهم إلى كلام مهذب، وأسلوب رشيق، وفكرة مرتبة، فكان النثر المسجوع وسيلتهم في ذلك.خصائصه: من مميزاته أنه يأتي محكم البناء، جزل الأسلوب، شديد الأسر، ضخم المظهر، ذو روعة في الأداء، وقوة في البيان، ونضارة في البلاغة. لغته تمتاز بأنها شديدة التعقيد، كثرة الصنعة، كثرة الزخارف في أصواتها وإيقاعها؛ لذلك فالنثر المسجوع يأتي في مرحلة النضج. وظاهرة السجع المبالغ فيه في النثر الجاهلي، قد ارتبطت بطقوس مشربة بسحر الكهون ومعتقدات الجدود، لذلك يكثر في رأيه ترديد القطع النثرية القصيرة المسجعة أثناء الحج في الجاهلية، وحول مواكب الجنائز، مثل قول أحدهم: من الملك الأشهب، الغلاب غير المغلب، في الإبل كأنها الربرب، لا يعلق رأسه الصخب، هذا دمه يشحب، وهذا غدا أول من يسلب". ويتصف هذا النثر إجمالاً باستعمال وحدات إيقاعية قصيرة تتراوح بين أربعة وثمانية مقاطع لفظية (…) تنتهي بفاصلة أو قافية، ودون لزوم التساوي بين الجمل أو المقاطع...
نشرت فى 2 يناير 2023
بواسطة sabryfatma
الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
327,154