المحاضرة الرابعة من مقرر : موسيقى الشعر:الفرقة : الثانية، من مرحلة تمهيدي ماجستير، تخصص: أدب ونقد .مقر المحاضرة : كلية القرآن الكريم بطنطا، بتاريخ 8/4/2022م. .شرح أ.د : صبري فوزي أبو حسين .صياغة الطالبة الباحثة: إسراء رمضانالموضوع : العلاقة بين الأوزان والأغراض والعواطف "الوزن والمعنى الشعري"أو"الوزن والعواطف" أو "الوزن والأغراض".المرجع : سيتم شرح هذا الموضوع-إن شاء الله- من كتاب الأستاذ الدكتور/علي يونس بعنوان " نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي" ، ص٩٩- ص١٧٠.مدخل:مرجع هذه المحاضرة هو كتاب (نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي) للأستاذ الدكتور علي يونس-حفظه الله- وهو كتاب جاد ودقيق في بابه وفي الموضوعات التي تناولها. تكون هذا الكتاب من (تمهيد) عن الدراسات السابقة في موسيقى الشعر، وثلاثة فصول: الأول عن (الأسس)، والثاني عن (التكوينات)، والثالث عن (التنوع). أما (الأسس) فهي الوزن والإيقاع، وعناصر الوحدات العروضية(المقاطع الصوتية/ الأسباب والأوتاد، والتفاعيل)، والأساس الكَمِّي للوزن والقافية في اللغة العربية، والعلاقة بين لغة الشعر ولغة النثر في التركيب المقطعي، ودراسة إمكانية التجديد في الصيغ والتراكيب الوزنية، وعلاقة ذلك بالطبيعة حول كل متذوق! أما (التكوينات) فتتمثل في دراسة خصائص البحور والأوزان، وعلاقتها بالأغراض والمعاني، ثم علاقة التنويع المنتظم بالمعاني في الموشحات، وأثر التفعيلة الأساسية في صنع ملامح التكوين في الشعر الجديد. وهذا الفصل هو أساس هذه المحاضرة.أما (التنوع) ففيه دراسة لعوامل التنوع الإيقاعي داخل التكوين الواحد، وهي عوامل تؤدي إلى الخروج على النسق(الكسر والزحافات والعلل)، وعوامل أخرى تتمثل في العلاقة بين الوحدات الوزنية والوحدات اللغوية الأخرى، وما سماه المؤلف الإيقاع اللفظي، ودرجة وضوع بعض التفاعيل عن بعضها الآخر، وأثر النبر في الأساس الكمِّي، وطبيعة الأصوات المكونة للعمل الشعري.وظاهر من هذا العرض الموجز لهذا الكتاب لأستاذنا الدكتور علي يونس- حفظه الله- أنه كتاب ذو قيمة كبرى؛ لما فيه من أفكار وأطروحات وجهد تنظيري وتطبيقى يخص الباحث في الدراسات الأدبية والنقدية ويفيده ويضيف إليه، وإذا ما أضفنا إلى هذا الكتاب الآخر لأستاذنا، وهو النقد الأدبي وقضايا الشكل الموسيقي في الشعر الجديد، المطبوع سنة 1985م، اتضح لنا الجهد العلمي العميق الماتع المبذول من قبل أستاذنا حفظه الله تعالى. أولًا : أهمية دراسة هذا الموضوع :- بدراستنا هذا الموضوع نستطيع الإجابة على الأسئلة الآتية التي تواجهنا عند دراسة موسيقى الشعر في بحث أدبي وهذه الأسئلة تتمثل في:- ما الوزن الذي أكثر عليه الشاعر في نظمه ؟ وما الوزن الذي قل فيه ؟ وما الوزن الذي لم ينظم فيه على الإطلاق ؟ - لماذا أكثر الشاعر من وزن كذا في نظمه ؟ ولماذا قلل من وزن كذا؟ ولماذا لم ينظم على وزن كذا؟- ما علاقة الأوزان المستعملة عند الشاعر بالأغراض التي صنعها أو بالمعاني أو بالعواطف؟ _______________ثانيًا : قضية العلاقة بين الوزن والمعنى الشعري :هذه القضية درسها القدامى ودرسها المحدثون: (١)القدامى : كلام القدامى جيد، لكنه في النهاية يبقى موجزًا مكثّفًا، يحتاج إلى تفصيل وتحليل . (٢)المحدثون : كان عندهم تفصيل وتحليل .فالقدامى من اليونانيين والعرب أدركوا العلاقة بين الوزن والمعنى، وأشاروا إلى هذه العلاقة، ومن هؤلاء:1- من اليونان أرسطو : قال أرسطو: إن الشعر اليوناني فيه ثلاثة أوزان هي : «السداسي» و«الإيامبي» و«التروخائي» : • فقال عن السداسي : إنه قد أثبت صلاحه للملحمة بحكم التجربة ، وأن أي قصيدة روائية نظمت في وزن آخر غير السداسي تكون نافرة قلقة ؛ لأن السداسي هو أرزن الأوزان وأبهاها وأكثرها قبولا للغريب والاستعارة ، وهما بعض ماتتميز به المحاكاة الروائية . • وقال عن الإيامبي والتروخائي : أنهما وزنان تشيع فيهما الحركة ، فأحدهما مناسب للرقص والثاني مناسب للعمل .- والذي يهمنا من ص ٩٩ أن نعرف أن علاقة الوزن بالمعنى قضية مطروحة في النقد الأدبي القديم منذ أرسطو .2- القضية عند العرب القدامى : عندما ننظر في التراث العربي من خلال هذه القضية نلحظ: (١)أن الجاهليين فرقوا بين ثلاثة أنواع من الشعر : •ما يسمى الرجز . •ما يسمى القصيد . •ما يسمى الرمل . •• الدليل على أن العرب أدركوا العلاقة بين الوزن والمعنى ، دليلان:الدليل الأول : نص من الأخفش يحكي عن العرب القدامى : • روى الأخفش في كتابه (القوافي) أنه سمع كثير من العرب يقول : "جميع الشعر قصيد ورمل ورجز جميع الشعر قصيد ورمل ورجز.أما "القصيد" فالطويل والبسيط التام ... و"الرمل" كل ما كان غير هذا من الشعر وغير الرجز فهو رمل. و"الرجز" عند العرب كل ما كان على ثلاثة أجزاء ، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به". وهذا نص عروضي عميق وجيد ؛ لأنه يشمل شيئين :أ- تقسيم للشعر إلى ثلاثة أقسام: القصيد/الرمل/الرجز. بيانها على هذا النحو:- شعر فخم موقر "القصيد" : وهو الطويل ، والبسيط ، والكامل التام ، والمديد التام ، والوافر التام ، والرجز التام ، والقصيد هو ما تغنى به الركبان . قال ابن جني في شرح ذلك:" سُمِّيَ قَصِيدًا؛ لأَنه قُصِدَ واعْتُمِدَ، وإِن كانَ مَا قَصُرَ مِنْهُ واضْطَرَب بِنَاؤُه نَحْو الرَّمَل والرَّجَز شِعْرًا مُرَادًا مَقصودًا، وذلك أَن مَا تَمَّ من الشِّعر وتَوَفَّر آثَرُ عندَهم وأَشَدُّ تَقَدُّمًا فِي أَنْفُسِهم مِمَّا قَصُرَ واخْتَلَّ، فسَمَّوْا مَا طالَ ووَفَرَ قَصِيدًا".- أما (الرمل) فهو ما كان غير هذا من الشعر ( أي غير القصيد ) وغير الرجز فهو الرمل، كأنهم يشيرون إلى الأبحر القصيرة أو المجزوءة، وكل ما كان في إيقاعه اختلال وهزال، ليس بمؤلف البناء!- أما (الرجز) عند العرب فهو كل ما كان على ثلاثة أجزاء ( أي الرجز المشطور) ، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به (أي أن الرجز المشطور عند العرب خاص بالترنم والحداء) .ب- الربط بين الرجز والغرض الذي يصدر من أجله، عندما قال: وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به .وهذا هو النص الأول الذي يدل على أن العرب أدركوا العلاقة بين الوزن والمعنى .الدليل الثاني : كلام الخليل بن أحمد والعروضيين القدامى في سبب تسمية البحور : • النص الوارد عن الخليل بن أحمد وهذا النص بعنوان أسباب تسمية البحور يقول : " وسمي الطويل طويلًا لطوله ، والبسيط بسيطًا لانبساطه ، والمديد مديدًا لامتداده ، والخفيف لخفته "؛ فكلمات ( طوله، انبساطه، امتداده، خفته ) هذه الكلمات تكاد تكون إدراكًا موجزًا مكثَّفًا للعلاقة بين الوزن والغرض الذي يُؤدى به . وكذا نجد الخليل يقول عن بحر الهزج: رُوي عن الخليل : " أن الهزج سُمي بذلك تشبيهًا له بهزج الصوت أي تردده، وقيل: إنه كان كذلك لأن أوائل أجزائه وأوتاده يعقب كلا منها سببان خفيفان ، وهذا مما يُعين على مد الصوت ، وقيل أيضا: إنه سُمي هزجًا لطيبه، لأن الهزج ضرب من الأغاني وفيه ترنُّم ، والعرب كثيرًا ما تهزج به ، أي تغني "؛ فالخليل في هذا النص يقول: إن الهزج يناسب مقام الغناء ، وغرض الغناء. أما بحر الرجز عند الخليل فقد رُوي عن الخليل : " أن الرجز سُمي كذلك لاضطرابه .. ويكثر فيه دخول العلل والزحافات والشطر (الرجز المشطور البيت ثلاث تفاعيل) والنهك (الرجز المنهوك يتكون البيت من تفعيلتين فقط) والجَزْء (الرجز المجزوء والمجزوء أربع تفاعيل، تفعيلتان في كل شطر) ، والرجز وهو أكثر البحور تغيرًا فلا يثبت على حال واحدة". وقيل: سُمي رجزًا لتقارب أجزائه وقلة حروفه .• ذكر الشيخ الدمنهوري في تعليل تسمية المنسرح بهذا الاسم ؛ لانسراحه أي سهولته على اللسان، أو لانسراحه عما يأتي في أمثاله أي مفارقته . والسهولة هنا في المنسرح هي سهولة النطق بها، وليس السهولة المقصودة هنا سهولة إبداعه؛ فالنظم على هذا البحر صعب بسبب وجود «مفعولات» الموجودة في تفعيلات هذا البحر [مستفعلن مفعولات مستفعلن]. فالقصائد التي على البحر المنسرح كان القدماء ينظمونها عليه بسهولة، لكنها قليلة في العصر الحديث جدًّا، ويتميز فيه الشاعر الدرعمي عبداللطيف عبدالحليم(أبوهمام) الذي له فيه ديوان كامل يسمى(مقام المنسرح) . • ويعد الناقد التراثي الأندلسي الضُّلَعة (حازم القرطاجني) رائدًا في هذا القضية (العلاقة بين الوزن والمعنى)، إذ درسها في كتابه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء) دراسة معمقة ومفصلة، وذلك في القسم الثالث في النظم وما تعرف به أحواله من حيث يكون ملائمًا للنفوس أو منافرًا لها من قوانين البلاغة، وبالخصوص في(المنهج الثاني) المعنون بـ(في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب، والتنبيه على كيفيات مباني الكلام، وعلى القوافي وما يليق بكل وزن منها من الأغراض، والإشارة إلى طرف من أحوال القوافي وكيفية بناء الكلام عليها وما تعتبر به أحوال النظم في جميع ذلك من حيث يكون ملائما للنفوس أو منافراً لها). حيث ذكر أن المقاصد التي يُقصَد فيها إظهار الشجو والاكتئاب، فقد تليق بها الأعاريض التي فيها حنان ورقة، وأن كل غرض من أغراض الشعر يوجب نوعًا معيّنًا من الأوزان؛ فإذا قصد الشاعر الفخر استدعى ذلك الأوزان الفخمة الباهية الرصينة؛ وإذا كان قصده هزليًّا أو استفخافيًّا أو نحو ذلك، جاء بما يناسبه "من الأوزان الطائشة القليلة البهاء. كما أورد قول ابن سينا في ذلك. الذي نصه:" العروض الطويل تجد فيه أبدًا بهاء وقوة. وتجد للبسيط سباطة وطلاوة. وتجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سباطة وسهولة، وللمديد رقة ولينًا مع رشاقة، وللرمل لينًا وسهولة، ولما كان في المديد والرمل من اللين كان أليق بالرثاء وما جرى مجراه منهما، بغير ذلك من أغراض الشعر... وعلى هذا، فالشاعر القوي إذا نظم شعرًا على الوافر اعتدل كلامه وزال عنه ما يوجد فيه مع غيره من الأعاريض القوية من قوة العارضة وصلابة النبع. والمثال على ذلك أبو العلاء المعري؛ فإنه إذا سلك الطويل توعَّر في كثير من نظمه حتى يتبغّض، وإذا سلك الوافر اعتدل كلامه وزال عنه التوعر!وفي كل بحر من البحور التي تناولها علي يونس في كتابه سيأتي بنص من كلام حازم القرطاجني.____________________الدراسة التفصيلية لعلاقة البحور بالأغراض والأفكار:طرح الدكتور علي يونس مجموعة من الأسئلة قبل تناوله هذه القضية في كتابه ص١٠٢، هي:س/ هل من الصحيح أن كل بحر يتسم بسمات خاصة تجعل له شخصية خاصة ، وتعطيه طابعًا تعبيريًّا مميزًا، فيكون أكثر ملاءمة لبعض الأغراض أو لبعض المعاني ؟ جـ / قد يساعد على الإجابة على هذا السؤال أن نتتبع آراء العروضيين والنقاد في بعض البحور، وقد اختار أستاذنا عددَا من البحور التي تناولها حازم ( من القدامى ) وطائفة من المحدثين والمعاصرين مثل سليمان البستاني في مقدمة ترجمته للإلياذة، وعبدالله الطيب في موسوعته(المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها)، وعبدالحميد الراضي في كتابه شرح تحفة الخليل في العروض والقافية، والدكتور عبده بدوي في تحليله للنصوص الشعرية التراثية في سلسة كتبه العنونة بـ(دراسات في النص الشعري) وغيرهم. والبحور التي درسها من أكثر البحور انتشارًا، ويلاحظ أن مفهوم البحر ليس واحدًا عند من تناولوا هذا الموضوع، فبعضهم كان يقصد البحر في صورته التامة ، وبعضهم كان يفرق بين الصورة التامة والصورة المجزوءة من البحر مثل عبد الله الطيب المجذوب .وفيما يلي عرض مختصر لآرائهم في كل بحر على حدة : أولا : البحر الطـــــــويـــل :١-حازم القرطاجني "صاحب منهاج البلغاء وسراج الأدباء" : قال الطويل من الأعاريض الفخمة الرصينة التي تصلح لمقاصد الجد ، كالفخر والمدح والهجاء والرثاء ومن شأن الكلام أن يكون نظمه فيه جزلًا ، وهو والبسيط أعلى البحور نصيبًا من الافتنان فيهما ، وفيه بهاء وقوة ، وهما علامة الفحولة ودليل التمكن من الشعر .٢- سليمان البستاني "ترجم إلياذة هوميرس " وكتب مقدمة للإلياذة تكلم فيها عن العلاقة بين الأوزان والمعنى : قال الطويل بحر خضم (مُتسع)، يستوعب مالا يستوعب غيره من المعاني ، ويتسع للفخر والحماسة ، والتشابيه والاستعارات وسرد الحوادث وتدوين الأخبار ووصف الأحوال ، وربا (وزاد) في شعر المتقدمين لأن قصائدهم كانت أقرب إلى الشعر القصصي من المولدين .٣-الطيب " صاحب المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها " : قال الطويل والبسيط أطول البحور وأعظمها أبهة وجلالة (فخامة) ، وفيهما رصانة (الجزالة) . ثم يوازن الطيب بين الطويل والبسيط فيقول : " والطويل أفضلهما وأجلهما ، وهو أرحب صدرًا من البسيط ، وأطلق عنانًا ، وألطف نغمًا ، وخفاء الجرس فيه جعله أكثر الأوزان صلاحية للأوصاف الملحمية ذات الصلة بتراث الماضي وتاريخه ، وهو بحر الجلالة والنبالة والجد ، أو هو بحر العمق ، والعبث الغزلي لا يستقيم فيه ، وإنما يصلح فيه الغزل إذا مازجته نفحة من جد وعمق ( مثل قصيدة أبي فراس الحمداني أراك عصي الدمع فهو غزل لكنه غزل جاد) ، وهو عميق جدا (مثل الزهد ) وجاد حقًّا ويستقيم على الطويل كل الاستقامة شعر الفكاهة ؟ الخالص لها ". تعليق د. صبري على قول الطيب : الطيب في هذه الفقرة متناقض مع نفسه حيث أنه حينًا يصفه بأنه بحر أبهة وجلالة ورصانة وجد ، وحينًا آخر يصفه بأنه يصلح ويستقيم كل الاستقامة مع شعر الفكاهة لأن الفكاهة هزل وهي ضد الجد . (الفكاهة فيه تناقض ما قاله من قبل أنه شعر أبهة وجلالة ) .٤-عبده بدوي "صاحب دراسات في النص الشعري – العصر العباسي ": قال الطويل والبسيط من أطول البحور وأحفلها بالجلال والرصانة والعمق ، وهو يعطي إمكانات للسرد والبسط القصصي والعرض الدرامي ، وفيه بهاء وقوة ________________________ثانيًا : البسيــــــــط :١-حازم القرطاجني قال: من الأعاريض الفخمة الرصينة التي تصلح لمقاصد الجد ، كالفخر . وهو والبسيط أعلى البحور درجة من الافتنان فيهما ، له سباطة (استرسال وامتداد وسهولة) وطلاوة (حلاوة) . ٢-الأستاذ البستاني قال : يقرب من الطويل ، ولكنه لا يتسع مثله لاستيعاب المعاني ، ولا يلين لينه للتصرف بالتراكيب والألفاظ ، مع تساوي أجزاء البحرين ، ، وهو من وجه آخر يفوقه رقة وجزالة ، ولهذا قلَّ في شعر الجاهليين ( والدليل على هذا أن المعلقات السبع تخلو من قصيدة على وزن البسيط) وكثُر في شعر الموَلَّدين . ٣-الدكتور عبدالله الطيب : فرق بين ثلاثة أنواع من البسيط [ البسيط الوافي ، البسيط المجزوء ، البسيط المخلّع ] كالآتي : (١) البسيط الوافي (التام) : هو أخو الطويل في الجلال والروعة ، والطويل أعدل مزاجًا منه ، وفي البسيط دندنة تمنع أن يكون خالص الاختفاء ، ولا يكاد روح البسيط يخلو من أحد النقيضين : العنف أو اللين ، وتكاد صيغته تكون إنشائية إذا افترضنا في الطويل صيغة خبرية ، وهذا مجرد تقريب وتمثيل . (٢) البسيط المجزوء : وزنه (مستفعلن فاعلن مستفعلن) : من النمط الصعب ( أي صعب الإبداع عليه ) ، وهو قديم مهجور ( أي له شواهد في القديم لكنه تُرك ) ، مات منذ العهد الإسلامي (بدوي قريب من الرجز) ، والوزن (مستفعلن فاعلن) : من البحور الشهوانية . (٣) البسيط المخلع : (مستفعلن فاعلن فعولن) ، موسيقاه بسيطة فطرية ، وفيه نوع من اضطراب وحجلان بين الخفة والثقل ، كرهته أذواق المتأخرين إلا قليلًا ، لأنه فيما يبدو نغم بداوة ، لا يصلح للشدْو وما إليه . • يلاحظ : أن العلامة الطيب يربط بين المجزوء والمخلع، ويحكم عليهما بأنهما بدويان . • ملحوظة : يقول الراضي : البسيط المخلع كثر وشاع في العصر العباسي حيث يناسبه التحضر والترف ، وقول الراضي يتفق مع رأي الطيب .٤-عبده بدوي : يتفق مع الشجن والتذكر والحنين، ويكثر في الشعر الديني ، وخاصة ما قيل في مصر ؛ لانبساط الحركات في عروضه وضربه إذا خبنا ، أو لانبساط الأسباب في أوائل أجزائه السباعية ( أي أنه وجد سببان متتاليان في أول التفعيلة مستفعلن) على نحو ما رأى "الزجاج" ، ونحن نعلل هذا بطواعية هذا البحر للإنشاد ، وبخاصة الإنشاد الديني (فقد اختير لغرض المديح النبوي كما في قصيدة كعب بن زهير)؛ فهو يعطي التّموّج والانسيابية والإيقاع الذي يعطي النفس حالة من حالات السموّ والصفاء ، وهو والطويل من أطول البحور وأحفلها بالجلال والرصانة والعمق، وهو يتفق وحالات الحزن الرفيع ، والانكسار المتعالى ، أما المخلّع ففي موسيقاه خلل ، فنحن لا نجد فيه التناغم والإشباع الموسيقي الذي يظهر في البحر تامًا أو الذي يظهر في البحور الصافية . __________________ثالثًا : الوافــــــــــــر : ١-حازم : الوافر والكامل يتلوان الطويل والبسيط في درجة الافتنان فيهما . ٢-البستاني : ألين البحور ، يشتد إذا شددته ، ويرق إذا رققته ، وأكثر ما يجود به النظم في الفخر كمعلقة «عمرو بن كلثوم» ، وفيه تجود المراثي . ٣-الطيب : توالي المقاطع القصيرة فيه يُكسبه نوعاً من الثقل ، ويحتال الشاعر على هذا الثقل بالعصب ، فيه تدفق ، وفي آخره انبتار يكسبه رنة قوية ، يصلح للأداء العاطفي ، سواء في الغضب والحماسة أم في الغزل والحنين ، والوافريات ذات أساليب تغلب عليها الخطابة ، وأصلح ما يصلح فيه البكائيات والغضب والتفخيم والنوادر والنكت ، وهو لخفته وسرعته وقوته من أصلح البحور للقطع .٤-د. عبده بدوي : يتفق مع حركة السير السعيد في «شعب بوان» (قصيدة قالها المتنبي وهو يسير بسعادة لأخذ نقود من شخص ما مطلعها مغاني الشعب طيبًا في المغاني .. بمنزلة الربيع من الزمان) للمتنبي ، ويصلح للإنشاد ذي الترجيع والنواح والندب والانكسار ، وبخاصة حين تتحول مفاعلتن إلى مفاعيلين ، وحين تكثر أصوات اللين ، ولا سيما في الكلمات المتكررة .________________________رابعًا : الگامــــــــــل : ١-حازم : من شأن الكلام أن يكون نظمه فيه جزلًا ، والكامل والوافر يتلوان الطويل والبسيط في درجة الافتنان فيهما ، ومجال الشاعر فيه أفسح من غيره ، فيه جزالة وحسن اطراد، (والآن يعد الكامل ركوبة الشعراء المعاضرين؛ فهو من أشيع البحور عندهم وأسهلها، بطريقة غريبة وعجيبة! حتى إن بعض الشعراء لا يستطيع النظم إلا عليه فقط!) . ٢-البستاني : يصلح لكل نوع من الشعر وهو أجود في الخبر منه في الإنشاء ، وأقرب إلى الشدة منه إلى الرقة . ٣-الطيب : أكثر البحور جلجلة وحركات ، كأنما خُلق للتغني ، ولذا لا يصلح للحكمة والتفلسف، وفيه مذهبان : الفخامة والجزالة ، أو الرقة واللطف (هو هنا يصف الإيقاع الداخلي للقصائد فإذا كان الإيقاع الداخلي فخم نقول أنه مناسب للفخامة وإذا كان رقيق نقول أنه مناسب للرقة) ، ويصلح للعواطف البسيطة كالغضب والفرح ، وسر الصناعة فيه تنويع النسبة بين الحركات والسكنات ، ومن عجيب أمره أن الرثاء قلّ أن يصلح فيه إن لم يكن نوحًا وتفجعًا . • وقد قسمه الطيب إلى ثلاثة أقسام : - المجـــزوء : (متفاعلن متفاعلن) نشيديّ ترنميّ .- المجزوء المذيل والمرفل : يشبهان المجزوء في روح الترنم والنشيد ويزيدان عليه بشيء من أناة.- الكامل ذو العروض الحذّاء والمضمرة : من أوزان اللين والترفق ، يجفوان عن الخطابة ويناسبان الحوار الظريف والوصف القصصي والخطاب الرقيق ويصلحان للتغني ، ولا يصلحان للعمق والغموض . ٤-د.عبده بدوي : فيه طواعية للعديد من الأغراض الواضحة والصريحة ، وهو مترع بالموسيقى ويتفق مع الجوانب العاطفية المحتدمة ، ويجمع بين الفخامة والرقة ، ولهذا لا يناسب الحكمة والفلسفة . _______________________خامسًا : الهــــــــــزج : ١-حازم : فيه مع سذاجته حدّة زائدة ( ويبدو من حديثه عن «المتقارب» أنه يقصد بالسذاجة تكرار الأجزاء (مفاعيلن مفاعيلن) ) . ٢-البستاني : لا يصلح لقصره لمثل الإلياذة (أي لا يصلح للشعر الملحمي) ، ولا يجوز نظمه فيما خلا الأناشيد والتواشيح الخفيفة . ٣-الطيب : عرف الأوائل له حلاوته ( حيث قال بعضهم أنا أعلم للشعر قصيده ورجزه وهزجه) ، ونغمته تطلب قولًا مرسلًا طيّعًا تسيطر عليه فكرة واحدة يتغنى بها الشاعر في غير تعقيد ، ويصلح للقصص الخفيف الذي يراد منه الإمتاع ، وأحسن أسلوب يرد فيه ما كان عماده على التعجب والاستثارة والتكرار ، وشعراء العصر يتعاطونه في كثير من موشحاتهم، وذكر أنه أصلح للقصص التعليمي المدرسي ذي الحوار .______________________سادسًا : الرجــــــــــز : ١-حازم : فيه كزازة (مرض وقبح وضيق) . ٢-البستاني : أسهل البحور نظمًا، ولكنه يُقصّر عنها في إيقاظ الشعائر (بمعنى أنه لا يُنظم عليه في النصح والوعظ)، فيجود في وصف الوقائع البسيطة (أي أنه يجود في الشعر التاريخي) وإيراد الأمثال والحكم، وقد اختير لنظم المتون العلمية؛ لسهولة نظمه . ٣-الطيب : القطع فيه أنسب (أي أنه أنسب للنظم في المقطوعات من القصائد ) ؛ لأنه شعبي، وكانوا يُكثرون منه في المبارزات والحداء وهلم جرا ، وبعد الإسلام اُستُعمل في المطولات لنظم القصص الشعبي وأخبار الفتوح (أي أنه خاص بالشعر التاريخي ، وأبو العتاهية نظم عليه الحكم) ، (وقد تميز هذا البحر بأن العجاج ورؤبة من شعراء العصر الأموي نظما عليه في دواوينهم قصائد كاملة وليست مقطوعات ) ، ووزنه خفيف جدا لذلك فإنه يصلح للأناشيد المدرسية وما شابهها ، وقد ضرب الطيب المجذوب مثلا بمحاورة العفاريت في «مجنون ليلى» لأحمد شوقي . ٤-العياشي : أن الطرديات مخصوصة به ؛ لأن به ما يساعد على تصوير الحركة والسرعة .______________________سابعًا : المتــــــــدارك : ١-حازم : (فاعلن أربع مرات في كل شطر) : وقع به سبب من أسباب التنافر ، هو أن كل تفعيلة مكونة من جزء خفيف (سبب) ، وجزء ثقيل (وتد) ، وقد جاء الخفيف في صدر التفعيلة في صدر التفعيلة والثقيل في آخرها.٢-البستاني : أصابوا بتسميته الخبب ، وهو لا يصلح إلا لنكتة أو نغمة ، أو ما أشبه وصف زحف جيش ، أو وقع مطر أو سلاح .٣-الطيب : الخبب بحر دنيء للغاية ، وكله جلبة وضجيج ، وهو رتيب جدا بأنواعه (فاعلن – فعلن – الخليط منهما) ، وقد أهمله الخليل ، ونظن أنه تعمَّد ذلك ، ولا يصلُح إلا للحركة الراقصة الجنونية ، وقد استفاد منه الصوفية في بعض منظوماتهم لتخلق نوعًا من الهستيريا، ولا يصلح النظم فيه إلا لمجرد الدندنة ، والترويح عن النفس بجرس الألفاظ .______________________ثامنًا : الخفيـــــــف: ١-حازم : يلي الطويل والبسيط والوافر والكامل – في رأي بعض الناس – من حيث درجة الافتنان فيه. ٢-البستاني : أخف البحور وأطلاها يِشبه الوافر لينًا ، ولكنه أكثر منه سهولة وأقرب انسجامًا، وإذا جاد نظمه رأيته سهلًا ممتنعًا لقرب الكلام المنظوم فيه من القول المنثور ، وليس في جميع بحور الشعر بحر نظيره يصلح للتصرف بجميع المعاني .٣-الطيب : (الوافي) يجنح صوب الفخامة إذا قيس بالسريع والكامل الأحذّ والمنسرح ، ولكنه دون الطويل والبسيط في ذلك ، وهو ذو دندنة لا تُمكِّن من الحوار الطبيعي ، وفيه صلابة وشيء من المنخوليا (الحزن الرقيق) والتدفق ، وتلاحق أنغامه يجعله ذا أسر قويٌّ معتدل مع جلجلة لا تخفى ، ووزنه رصين قويّ ، ونغمه واضح معتدل لا يبلغ حد اللين ولا حد العنف. (فاعلاتن متفعلن) : منتظم خفيف النغم ، فيه صخب وجلبة ، وهو وزن منحطّ للغاية ، لا يكاد يصلح إلا للألفاظ التي تسرد من غير مراعاة لمعنى . (فاعلاتن فعولن) : نغم حلو رشيق للغاية ، والألفاظ طيعة فيه .ونكتفي بهذا القدر من التحليل للبحور العروضية من حيث علاقتها بالأغراض والأفكار، ونريد أن ندعو إلى أن المهم في كل باحث ناقد في تخصص الأدب والنقد أن يستعين بهذه الرؤى لهؤلاء العروضيين الناقدين -التي ذكرها وحصرها أستاذنا علي يونس حفظه الله-في دراساتنا التطبيقية على المادة الشعرية التي يدور حولها وفيها بحث كل منَّا، إن شاء الله؛ ففي ذلك الخير العلمي الماتع النافع. وفقنا الله تعالى لكل ما نحب ونرضي « تم بحمد الله الانتهاء من المحاضرة الرابعة » صياغة : إسراء رمضان « تم بحمد الله الانتهاء من المحاضرة الرابعة » صياغة : إسراء رمضان
نشرت فى 2 يناير 2023
بواسطة sabryfatma
الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
327,730