محاضرة التدوير في الشعر في مرآة نازك الملائكةـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمقرر: موسيقى الشعر ، الفرقة : الثانية ، تخصص : أدب ونقد .مقر المحاضرة : كلية القرآن الكريم بطنطا .شرح أ.د: صبري فوري أبو حسين.صياغة الطالبة الباحثة /إسراء رمضانالمحاضرة : الثالثة – الترم الثاني.الموضوع : التدوير ، من كتاب قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة .————————تحاول هذه المحاضرة أن تعرف بالتدوير، وكيفية دراسته في الشعر، سواء أكان شعرًا بيتيًّا أو شعرًا تفعيليًّا حرًّا ؟؟والحق أن نازك الملائكة تلك الشاعرة والناقدة العراقية الفذة، قد درست التدوير في الشعر الحر، والتدوير في الشعر البيتي، في كتابها (قضايا الشعر المعاصر) دراسة نقدية معمقة، في الصفحات ص١١٢-ص١٢٢، وذلك ضمن ما أسمته(المشاكل الفرعية في الشعر الحر)، وفي (ص١٨٣- ص ١٨٨) تحت ما سمته(أخطاء التدوير). ..وهاكم ملخص ما قالته وقررته:أولاً- التدوير في الشعر البيتي:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عرضت الناقدة للتدوير في الشعر البيتي، من خلال تعريفه، وفائدته، وبيان متى يكون التدوير سائغًا؟ ولماذا ؟ ، ومتى يكون التدوير ثقيلاً أو نادرًا أو قليلاً ؟ ولماذا ؟ مع التطبيق على شواهد شعرية .التدوير هو اشترك شطريْ البيت في كلمة واحدة، بأن يكون بعضها في آخر الشطر الأول(الصدر)، وبعضها الآخر في بداية الشطر الثاني(العجز) . ويسمى في النقد القديم(الإدماج) والبيت المدور يقال له (المدمج). شاهد : قول المتنبي في بيت من البحر الخفيف (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) : أنا في أمَّةٍ تداركها اللــ ـهُ غرِيبٌ كصالحٍ في ثمودِ التطبيق:وقع التدوير في البيت حيث جاء الجزء الأول (اللـ) من كلمة لفظ الجلالة (الله) في نهاية الشطر الأول، وجاءت بقية الكلمة (ـه) في بداية الشطر الثاني من البيت . تقطيع البيت كالآتي : أنـ في أمْ / مَتن تدا / رَكَهَلْلَا ـهُ غرِيبن / كصالحن / في ثمودي // /٥ /٥ //٥ //٥ ///٥/٥ / // ٥/٥ // ٥//٥ /٥ //٥/٥ فَعِلاتن مُتَفْعلنْ فعلاتن فعلاتن متفعلن فاعلاتن ملحوظة : الألف في كلمة (أنا) تثبت وقفًا لا وصلاً، وهي في البيت قد وقعت حشوًا ومن ثم لا تثبت فلا يُعتد بها عند التقطيع العروضيّ، وعندما يُيثبتها الشاعر تكون لأجل الوزن .____________________٢-فائدة التدوير : للتدوير فائدة شعرية وليس مجرد اضطرار يلجأ إليه الشاعر، ذلك أنه يُسبغ على البيت غنائية، وليونة؛ لأنه يُمدّه ويُطيل نغماته، كما في هذه الأبيات من شعر أمجد الطرابلسي، وهي من البحر الخفيف : وحدةُ العُرْبِ قد تَضَوَّعَ فِي الجَوِّ سناها مثـل الخميــلِ النضيــرِ وحدةُ العُرْبِ مزَّقت حُجبَ الليــ ـلِ وشَعّت مِلءَ الفضاءِ المنيرِ ملحوظة :الواو الثانية من كلمة (الجوِّ) موجودة في الشطرة الثانية، ومن ثم أفادت التدوير . الشاهد : هذا نموذج لشعر حديث فيه تدوير وقع ف البيت الأول في كلمة (الجو) حيث جاءت الواو الثانية منها في بداية الشطر الثاني ، ووقع في البيت الثاني في كلمة (الليل) حيث جاءت اللام في بداية الشطر الثاني . شاهد آخر: لعلي محمود طه لأبيات من بحر الهزج (مفاعيلن) يقول فيها : إذا ما طاف بالشرفـَـــ ــة ضوءُ القـمر المضني ورَفَّ عليكَ مِثْلُ الحُلْـ ــمِ أو إشراقــةُ المعــنَى وأنْتَ على فراشِ الطهـ ـرِ كالزِّنبقَـــةِ الـوَسْنَــىتقطيع الأبيات كالآتي : إذا ما طا / ف بشْشُرْفَـ ـةِ ضَوْءُ لْقَـ / ـمَـرِ لْمُضْنَى مفاعيلن مفاعيلُ مفاعيلُ مفاعيلن ورفْفَ عليْـ / ـكَ مِثْلُ لْحلْـ ـمِ أوْ إِشْرا / قةُ لْمَعْنــــى وأنْت على / فراش طْطُهْـ ـرِ كَزْنْبـَ / ـقَةِ لْوَسْنَــــىملحوظة :وقع في البيت الأول زحاف مرتين، وكذلك وقع في البيت الثالث، وهو (الكف)؛ حيث حذف السابع الساكن من التفعيلة، فأصبحت (مفاعيلُ).________________موقف العروضيين من التدوير:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نقدت نازك الملائكة العروضيين القدامى وقالت : أنهم لم يتذَوَّقوا التدوير، وكل ما فعلوه أنهم نصُّوا على جواز وقوعه بين الأشطر دون إشارة منهم إلى المواضع التي يمتنع فيها؛ لأن الذوق لا يستسيغه ولا المواضع التي يكون فيها مقبولًا. وأشارت إلى أن هناك قاعدة خفية تتحكم في التدوير، بحيث يبدو في مواضع ناشزًا يؤذي السمع، وهناك مواضع يكون لذيذا فيها.وهذا الهجوم من نازك الملائكة على العروضيين القدامى يحتاج وقفة وبحثًا معمقًا._____________متى يسوغ التدوير في الشعر البيتي ؟ ولماذا ؟ مع التمثيل : تقول نازك الملائكة يسوغ التدويرفي الشعر البيتي في الحالات الآتية : أ- في الأبحر التي ينتهي عروضها بسبب خفيف وهي (الخفيف، المتقارب، الهزج). ب- في البحر الكامل المجزوء. ت- في بحر الرجز المجزوء.(أ)أمثلة على الأبحر التي تنتهي بسبب خفيف (المتقارب، الخفيف، الهرج): - مثال لبحر المتقارب (فعولن) يقول عمر أبو ريشة : روَيدَكِ لا تَجْرَحِي صمْتَكِ الرَّ هيـــــبِ وَلَا تهْتكِــي مِئزَرَهْ فإنِّـي أُحِسُّ بِــهِ همهمات الـ وُحُوشِ وخَشْخَشةِ المقبرهْالشاهد :وقع التدوير في البيتين السابقين وكان مستحسنًا مقبولا؛ حيث انتهى عروضه بسبب خفيف ، فكان خفيفًا عذبًا على السمع . التقطيع :الشطر الأول:رويد(فعول) كلا تجـْ (فعولن) رحي صَمْـ (فعولن) تكِ رْ(فعو).الشطر الثاني: رَهِيبِ(فعول) ولا تهْـ (فعولن) تكي مِئْـ (فعولن) زَرَهْ (فعو).ملحوظة :دخل الحذف العروض والضرب وهو حذف السبب الخفيف من آخر التفعيلة، ودخل القبض في صدر البيت وعجزه . - مثال للبحر الخفيف (فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن) من شعر سليمان العيسى : وحدةٌ تُلهِمُ الكواكبَ مسرا هَا وتَمْشِي فِي القَفْرِ ظِللًا ظليلا وحدة تفجُر الينابيعَ في الكَو نِ فُرَتًا يَسْقِي العُطَاشَ وَنِيــلاَالتقطيع :الشطر الأول :وحدتن تُلْـ (فاعلاتن)هِمُ لْكَوَا (متفعلن)كِبَ مَسْرَا(فعلاتن).الشطر الثاني :هَا وَتَمْشِيْ (فاعلاتن) فِ لْقَفْرِظِلْـ (مستفعلن) لَنْ ظَلِيْلَا (فاعلاتن).- مثال لبحر الهزج سبق أن تناولناه .____________(ب) مثال للبحر الكامل المجزوء: المثال الأول البيت الثاني من قول البهاء زُهير : مالي أراك أضعتني وحَفِظْتَ غيْرِي كُلَّ حِفظِ؟ متهتِّكًا فإذا حضـــرْ تُ تَظَلُّ في نُسُكٍ ووعظِ التقطيع : ماليْ أَرَا / كَ أَضَعْتَنِي وَحَفِظْتَ غَيْـ / رِيْ كُلْلَ حِفْظي متْفاعلن متفاعلن متفاعلن متْفاعلاتن متهتْتِكنْ / فإذَا حضرْ تُ تَظَلْلُ في / نُسُكِنْ ووعْظي متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلاتن - المثال الثاني نجد في الشعر الحديث أبيات لعلي الجارم في قصيدته المشهورة : يا سطر مجد للعـرو بة خطَّ في لوحِ الوجودِ بغداد إنَّا وفدُ مِصـــ ـرَ نفيضُ بالشَّوْقِ الأكيدِ أهْلوك أهلونَا وأبْــــ ـنَاءُ العشيرةِ والجدُودِ حتى يكَادُ يُحِبُّ نخْــ ـلُكِ نخلُ أهلي في رشيدِ متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلاتننلاحظ:الكامل المجزوء هنا مرفّل دخلته علّة الترفيل حيث تحولت(متفاعلن) إلى (متفاعلاتن)، والترفيل علة بالزيادة وهو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع . مثال لبحر الرجز المجزوء (مستفعلن مستفعلن):ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ١-يقول نزار قباني : حدودنا باليـــاســميـ ـنِ والنَّدى مُحَصَّنـةْ وعندنَا الصخورُ تهْـ ـوى والدَّوالي مُدْمِنَـهْ وإن غضبنا نزرع الــ ـشمس سيوفًا مؤمِنة بلادنـــــا كــــانت وكا نَت بعـد هذي الأزمنة في أرضها كتبت هـــ ـذِي الأحــرف الملحَّنةالشاهد : الأبيات كلها مُدَوَّرة، والقافية هنا مطلقة حيث تحرك رويها وهو (النون).التقطيع : حدودنا / بلْياسميــ ـنِ ونْنَدَى / محصْصَنة متفعلن مستفعلن متفعلن متفعلنس/ لماذا ساغ التدوير في الكامل المجزوء والرجز المجزوء دون الكامل والرجز نفسهما ؟جـ / لعل السبب الذوقي الذي يُبرر هذا هو: ١-أن المجزوء قصير بحيث لا يعسُرفيه التدوير. ٢-كما أن التدوير يضيف للمجزوء من الكامل موسيقية ونبرة لينة عذبة._____________- متى يكون التدوير في الشعر البيتي ثقيلاً نادرًا قليلاً منفرًّا ؟ ولماذا ؟ مع التمثيل : جـ/ يصبح ثقيلاً منفرًّا وقليلاً ونادرًا في البحور التي تنتهي عروضها بوتد مثل (فاعلن) ، (مستفعلن) ، (متفاعلن) ، وهذه الأبحر التي يقل فيها التدوير هي (البسيط ،الطويل، السريع، الكامل التام، الرجز التام) والأمثلة كالآتي :- مثال من شعر محمد الهمشري في الكامل التام (متفاعلن) يقول : هي جنَّةُ الأشجارِ والأظْلَالِ والـ أَعْطَارِ والأنْغَامِ والأنداءِ الشاهد :وقع التدوير في البيت السابق فكلمة (والأعطار) جاء جزء منها في الصدر وجزء منها في العجز، وكان ثقيلا منفرًا لأن عروضه انتهت بوتد مجموع.التقطيع : هيَ جَنْنَـةُ لْـ / أَشْجَارِ ولْـ / أظْلالِ وَلْـ أعْطَارِ ولْـ / أنْغَامِ وَلْـ / أنْدَاءِي متفاعلن متْفاعلن متْفاعلن متْفاعلن متْفاعلن متفاعلْ٢-مثال آخر للتدوير الثقيل المنفر قول التنبي في بيت من الكامل التام: الناعمات القاتلات المحيِيَـا تِ المُبْدِيَاتِ من الدَّلالِ غرَائِبَا التقطيع : أنْنَاعِما / تِ لْقَاتِلَا / تِ لْمُحْيِيَا تِ لْمُبْدِيَا / تِ من دْدَلا / لِ غرائِبَا متْفاعلن متْفاعلن متْفاعلن متْفاعلن متفاعلن متفاعلن٣-مثال للتدوير الثقيل المنفر أيضًا قول المتنبي من الطويل : وكم من جبالٍ جُبْتَ تشهد أنني الـ ـجبالِ وبحرٍ شاهِدٍ أنني البحرُالتقطيع : الشطر الأول : وكَمْ مِنْ / جبالن جبْـ / ـتَ تَشْهَـ / ـدُ أَنْنَنِـ لْـ فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن الشطر الثاني : ـجبالُ / وبحْرِنْ شا / هدِنْ أنْـ / نَنِـ لْبحْرُ فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلُالشاهد :وقع التدوير في بيت المتنبي وقد جاء ثقيلاً منفرًا؛ لأن عروض الأبحر التي صيغت منها انتهت بوتد مجموع، واالتدوير فيها قد أساء إلى موسيقية الأبيات، ولو تجنبه الشاعر لكان أحسن .س/ لماذا يندر التدوير في الأبحر: الكامل التام والرجز التام والبسيط والطويل والسريع ؟ جـ / حيث انتهت عروضه بوتد مجموع، والوتد المجموع -كما قالت نازك- ثقيل فحين يكثرفي البحر يصبح البحر ثقيلاً لا يحتاج لإطالة أو مد ؛ ولذلك عندما دخله التدوير الذي غرضه الإطالة والمد زاد ثقلا على البيت فأصبح منفرًّا ._________________ملحوظة : كثرة التدوير في النص تُحوِّله من شعريته إلى نثرية جافة وتجعله ثقيلاً ؛ ولذلك قالوا على معلقة الحارث بن حِلِّزَة: إنها خطبة مرتجلة لوجود التدوير في كثير من أبياتها، رغم أنها من بحر الخفيف ؛ ولذلك سنجد نازك الملائكة ترفض التدوير في الشعر الحر .ثانيًا: التدوير في الشعر الحر :وفيه العناصر الآتية:- مفهوم التدوير .- موقف نازك الملائكة منه .- موقف النقاد الآخرين منه .- نماذج .- مفهوم التدوير في الشعر الحرّ: يُعرف دكتور صابر عبد الدايم التدويرفي الشعر الحر في كتابه (ص١٣٦) فيقول : " هو المبني على تتابع التفعيلات في عدة أسطر شعرية بلا قوافٍ فاصلة بينها حتى ينتهي الشاعر إلى قافية بعد عدة أسطر، ثم يبدأ مقطعًا جديدًا، ويختمه بقافية مماثلة أو مخالفة لقافية المقطع الأول .- موقف نازك منه : تقول نازك: إن التدوير يمتنع امتناعًا تامًّا في الشعر الحر، فلا يسوغ للشاعر على الإطلاق أن يُورد شطرًا مُدَوَّرًا . والسبب الذي جعلها تكتب عن امتناع التدوير في الشعر الحر في كتابها هو كما تقول :"لأن امتناع التدوير في الشعر الحر ليس شيئًا معروفًا لجمهرة الشعراء الذين ينظمون هذا الشعر". •ملحوظة : يقول د. صبري أبو حسين العجيب في نازك أنها وهي تُقنِّن للشعر الحر تنظر إلى قواعد الخليل في العروض، فهي ذات شخصية أصيلة ليست منقطعة عن التراث بدليل أنها قالت :"إنما نبدأ نحن بتقريره استنباطًا وقياسًا على العروض العربيّ، وانقيادًا للذوق الفطري ". ومعنى هذا أنها تقول: إنني لا أمنع التدوير في الشعر الحر كراهية له، وإنما أمنعه قياسًا على العروض العربي وانقيادًا للذوق الفطري . •ملحوظة: تقول نازك " إنني لست ممن يمنع الأساليب الجديدة لمجرد أنها لم تُسمع من العرب ؛ وذلك لأن تطور الظروف والأحوال في البيئة قد يستدعي تطور القواعد، وإنما اعتمادنا دائمًا على : الذوق و المنطق الأدبي و الفطرة الشعرية التي نملكها، وهي بلا ريب شديدة التأثر بأحوال العصر الذي نعيش فيه، وذلك بالإضافة إلى مقاييس العروض العربي والمسموع من شعرنا القديم عبر ملايين السنين . معنى هذا أنها تمنع الشعر الحر اعتمادا على أربعة أشياء هي : ١-الذوق. ٢-المنطق الأدبي. ٣-الفطرة الشعرية. ٤-مقاييس العروض العربي والمسموع من شعرنا القديم عبر ملايين السنين.أسباب امتناع التدوير في الشعر الحر عند نازك الملائكة ؟جـ / السبب الأول : لأن الشعر الحر شعر ذو شطر واحد ، وذلك يتضمن ثلاثة حقائق هي :١-قياسًا على شعر الشطر المسموع عند العرب مثل مشطور الرجز ، حيث إنه لم يُسمع فيه تدوير وهو مستقل عندهم استقلالاً تامًّا فلا يُدَوَّر آخره، ومن ثم منعت نازك التدوير في الشعر الحر بالقياس على شعر الشطر المسموع عند العرب .٢-لأن الشعر الحر شطره مستقل أي يستقل فيه الشطر، وتتحقق الوحدة في هذا الشطر المستقل، ولذلك ينبغي أن يبدأ دائمًا بكلمة لا بنصف كلمة، وإنما ساغ التدوير في شعر الشطرين (الشعر البيتي)؛ لأن الوحدة فيه تتحقق بالشطرين معًا (أي بالبيت كاملا) لا بالشطر الواحد من البيت. مثال على التدوير في الشعر الحر عند جورج غانم من البحر المتقارب يقول :لأهتِفُ قبلَ الرَّحيلِتُرى يا صِغار الرعاةِ يعودُ الرَّفيقُ البعيدُ الشاهد :وقع التدوير في الشعر الحر في كلمة (الرفيق) حيث جاء النصف الثاني من الكلمة في بداية السطر التالي ، ولكنه غير مقبول شكلا ولا معنى ولا من حيث السماع عند العرب ، أي أنه غير سائغ ( لا فطريًا ولا ذوقيا ولا سماعيًا ) . التقطيع :لأهتِـ / ـفَ قَبْلَ ـرْ / رَ حِيليفعول / فعولن / فعولنتُرى يا / صِغارَ ـرْ / رُعاةِ / يعودُ ـرْفعولن / فعولن / فعول / فعولنرَفِيقُ لْـ / بَعيدُفعولن / فعول٣-لأن شعر الشطر الواحد ينبغي أن ينتهي كل شطر فيه بقافية ، أو فاصلة تُشعر بوجود قافية، ومن خصائص التدوير أنه يقضي على القافية؛ لأنه يتعارض معها تمام التعارض، وهذه الحقيقة تفوت الشعراء الناشئين، وبسببها يُضيِّعون قوافيهم التي يجهدون لها أحيانًا، والمثال السابق لجورج غانم نموذج لما نقول، فقد انتهى الشطر الثاني بالقافية (يعودُ) وهي تتجاوب مع قافية الشطر الثالث (البعيد)،على أن مجيء التدوير في الشطر الثاني قد جعل القافية (البعيد) الموجودة في الشطر الثالث تقابل كلمة (يعودرْ) الموجودة في نهاية الشطر الثاني، وبذلك ماتت القافية، وكان على الشاعر أن يضحي بواحد من اثنين (القافية أوالتدوير) .• نرى نازك تقدم حلولًا أخرى للشاعر عندما رفضت التدوير في أسطره، منها :١- تقول : ولسنا ندري لماذا لم يقل مثلاً :تُرى يا صغار الرعاةِ يعودُرفيقي البعيدبحذف الألف واللام من (الرفيق) والتعويض عنها بالياء في آخر الكلمة (رفيقي)، ومن ثم لم يعد يوجد تدوير، وتحققت القافية .• وتبرر نازك سبب منعها أن تُصبح كلمة (يعود) قافية ينتهي بها الشطر وأن يبدأ السطر التالي بكلمة(الرفيق) دون حذف الألف واللام ، فتقول :"وإذا أراد جعل كلمة ( يعود ) قافية تنتهي بها الشطر الثاني ، فكيف فاته أن بداية الشطر التالي (الرفيق البعيد) كانت حرفًا ساكنًا هو همزة الوصل ؟ ومتى كان البيت العربي يبدأ بساكن ؟ ".__________________السبب الثاني : يمتنع التدوير في الشعر الحر؛ لأنه شعر حر :•أي أن الشاعر قادر على أن ينطلق من القيود، ومن ثم لا حاجة له إلى التدوير ، بينما التدوير في الشعر البيتي لون من الحرية يلتمسه الشاعر الذي كان مقيدًا بأسلوب الشطرين؛ حيث الشطر الواحد ذو طول معين لا ينبغي أن يزيد ، فكان الشاعر يطيله بالتدوير ليملك بعض الحرية، ومن ثم فلماذا يريد الشاعر تدوير أشطره في القصيدة الحرة ؟ فلا سبب يبرر هذا على الإطلاق لأن الشاعر الحر يستطيع أن يطيل الشطر الواحد إلى تسع تفعيلات دون تدوير، فيستطيع أن يقول جورج غانم في شعره السابق : تُرى يا صغار الرعاةِ يعودُ الرفيق البعيد ، بضم الشطرين معًا ولا إشكال في ذلك.تدريب:س/ قال جورج غانم : لأهتِفُ قبلَ الرَّحيلِتُرى يا صِغار الرعاةِ يعودُ الرَّفيقُ البعيدُاذكري تحليل الأستاذة نازك الملائكة لهذا النص مبينة رأيك فيه؟ أو علامَ استشهدت نازك في هذا النص ؟ وما رأيها فيه ؟ وما رأيك أنت ؟جـ / •هذا النموذج لجورج غانم قد استشهدت به نازك كدليل على أن التدوير في الشعر الحر غير مقبول : لا ذوقيًّا ولا فطريًّا ولا بالسماع عند العرب، وقد ذكرت سببان للمنع، وهما أنه شعر ذو شطر واحد، وأنه شعر حر، الشاعر فيه غير مقيد فلا يحتاج للتدوير وبالتالي كانت إيجابية وقدمت له الحلول، وهي:١-له أن يقول : تُرى يا صغار الرعاةِ يعود رفيقي البعيدبحذف الألف واللام من (الرفيق) والتعويض عنها بالياء في آخر الكلمة (رفيقي) ، وبالتالي لم يعد يوجد تدوير ، وتحققت القافية ، وتكون قد حافظت على القافية.٢-وله أن يقول : تُرى يا صغار الرعاةِ يعودُ الرفيق البعيد —»بتحويل السطرين إلى سطر واحد، ولا إشكال في ذلك، والقافية (يعود) في الشطر الواحد ليست بأقل ضياعًا منها في شطرين .______________•تقول نازك : قد يعترض علينا شاعر بأن يقول بأنه يجعل الأبيات مدوَّرة في أشطر متتالية كثيرة؛ لأن العبارة التي يكتبها تستغرق أشطر كثيرة . فترد عليه نازك بقولها : أن التدوير لا يتصل بطول العبارة فقد تكون الأسطر قصيرة ومدورة. •ثم تقول نازك : أنه من خلال التجربة الطويلة وقراءة المئات من قصائد الشعراء : قد ثبت لها أن أكثر عدد التفعيلات المقبول بها في السطر الواحد في الشعر الحر هو إلى ست أو سبع أو ثمان تفعيلات ، فلو أتى الشاعر بتسع تفعيلات في السطر الواحد لكان غير مقبول ؛ حيث أن تراكم التفعيلات تحوّله إلى نثر .•نموذج تنظمه نازك الملائكة بنفسها للشعر الحر من البحر الكامل تتوافر فيه (متفاعلن) بلا وقفة مع غلبة التدوير : طلعت نجوم الليل تفرش ظلمة الأحراشأحلامًا طريات ورشّ العطر خد الليل والدنيا تُلَفِّع كلّ ما فيها بأستار الظلام المُدْلَهمِّ الباردالقبريّ وانتاب المدى خوف من المجهول،يا قلبي تيقّظ واترك الأوهام تجني كل باقات الأماني . أمسك الجذلان بالأفراح والرغبات قد نفض النعاس وعاد يملأ مشرق الدنيا ضياء وابتسامات فدع فتن الصباحالمشرق المسحور ينفذ لاتكن حيران مقطوع الرؤى …التقطيع : طلعت نجو / مُ لْلَيلِ تفْـ / رِشُ ظلْمةَ لْـ / أحراش أحْـ / لا من طريـ / ياتِن ورْشْ / شَ لْـ عطرُ خَدْ / دُ لْلَيْلِ وَدْ / دُنْيَا تُلَفْ / فِعُ كُلْلَ ما / فيها بأسْـ / تارِ ظْظَلَا / مِ لْمُدْلَهِمْ / مِ لْبَارِدِ لْـ / قَبْرِيْيِ ونْـ / تابَ لْمَدَى / خوْفُن منَ لْـ / مَجْهُولِ يا / قلْبِي تيَقْـ / قَظْ وتْرُكِ لْـ / أوهامَ تجْـ / ني كُلْلَ با / قاتِ لْأما . / ني أمسكِ لْـ / جذلانَ بلْـ / أفراح وَرْ رَغبات قدْ / نفض نْنُعا / سَ وَعَاد يَمْـ / لَأُ مشْرقَ دْ / دُ نْيَا ضِيَا / ءَنْ وبْتَسا / ما تن فدعْ / فتنَ صْصَبا / حِ لْمشْرِقِ لْـ / لْمَسْحورِ يَنْـ / فُذُ لا تكنْ / حيران مقْـ / طُوعَ رْرُؤَى … الشاهد :تنظم نازك هذه الأبيات وتقول عنها: أليس هذا نظمًا سَمِجًا ميِّتًا لا يُحتمل ؟ فهو ردٌ منها على الذين ينظمون عشرة أشطر مدورة ، وتقول أن كثرة التدوير يُحول الشعر إلى نثر وإلى كلام الخطب ، وما نظمته هذا يُسمى بشعر البند العراقي وهو الذي يُعرف بأنه كلام موزون مُدوَّر ، كما نلاحظ عدم وجود قافية على الإطلاق . ••وتُكرر كلامها قائلة: إن الشعراء الذين ينظمون الشعر الحر ينسوْنَ هذه الحقيقة-التي تتُصّ على أن التدوير ممتنع في الشعر الحر – وما أحراهم بأن ينتبهوا .____________________٣-س/ موقف النقاد الآخرين من التدوير في الشعر،أو هل يرضى النقاد الآخرين برأي نازك في منع التدوير في الشعر الحر ؟ جـ /•لم يوافق النقاد الآخرون رأي نازك في منعها التدوير في الشعر الحر ، ولم يرضَوْا قولها، فكل من كتب في عروض الشعر الحر بعد نازك الملائكة أثبت أن في الشعر الحر تدويرًا، وأنه تدوير مقبول ومُسْتساغ . منهم الدكتور شعبان صلاح في كتابه(موسيقى الشعر بين الإبداع والابتداع)، والدكتور محمود علي السمان في كتابه(العروض الجديد) حيث درس ما سماه ظاهرة الجريان في الشعر الجديد). •وما أتت به نازك من نماذج للتدوير هي نماذج غير مقبولة وأقنعتنا بها ، لكن النقاد الآخرين أتوْا بنماذج للتدوير في الشعر الحر وكانت مقبولة واقتنعنا بها .مثل قصيدة (صلاة) للشاعر أمل دنقل. •حتى أن نازك الملائكة أتت بعد ذلك وأشارت إلى ظاهرة تسمى ظاهرة القصائد الحرة المُدوَّرة ، حيث تقول ص١٢٢: أنها نظمت قصائد سنة ١٩٦٢ كل أشطُرِها مُدوَّرة لكنها نظمتها لتكون مثالاً للرداءة ولكنه أصبح بعد عام ١٩٦٨ قاعدة تُحْتَذى ونموذج يُطيعُه عشرات الشعراء اليافعين ،ومثال ذلك قصيدة حسب الشيخ جعفر (السيدة السومرية في صالة الاستراحة) وهي من البحر المتقارب، وفيها يقول : (تخيّرني وجهك السّوْمريّ مطارًا ، فمالي سوى أن أُرَحِّب أو أن أُوَدِّع ، سيِّدتي كنتِ لي نجْمة في سماء المخازن تُؤنِسُنِي كلما انحسر المشترون ، اتركيني ألمّ تقاطيع وجهك في الحائط المتآكل في أور ، في صالة الاستراحة ، في أوجه العارضات النحيفات ، عودي تماثيل في باطن الأرض أو في المتاحف بيني وبين الشحوب الذي لمَسَتْهُ يدِي برهة) .—»فتقول نازك أن هذه قصيدة حرة مدورة ، وأنني لن أدرسها في هذا الكتاب وإنما سأدرسها في كتاب ثانٍ أشتغل الآن في تأليفه.التقطيع : (تخيْيَـ / رَنِي وَجْـ / هُكِ سْسَوْ / مرِيْيُ / مطارن / فمالي / سوى أنْ / أُرحْحِـ / ـبَ أَوْ أنْ / أودْدِ / عَ سيْيِـ / دَتِي كُنْـ / تلي نَجْـ / متن في / سماءِ لْـ / مخازِ / نِ تُؤْنِـ / سُنِي كُلْـ / لَمَنْحَـ / سَرَ لْمُشْـ / ترون تْـ / ركيني/ ألَمْمَ / تقاطيـ / ـعَ وَجْهَـ / كِ فلْحا / ئطِ لْمُ / تاَاْكـ / لِ في أُو / رَ في صَا / لَةِ لْإِسْـ / تِرَاحَـ / ـةِ في أَوْ / جُهِ لْعَا / رضاتِ نْـ / نَحِيفَا / تِ عودي / تماثيـ / لَـ في با / طِنِ لْأَرْ / ضِ أو فِلْـ / متاحِـ / فِ بَيْنِي / وَبينَ شْـ / شُحوبِ لْـ / لَذِي لَـ / مَسَتْهُ / يدي برْ/ هتن ). —» فهي من البحر المتقارب (فعولن).معلومة إثرائية: أخلاء الشعر العربي : - خليل الشعر البيتي: الخليل الأول هو الخليل بن أحمد الفراهيدي - خليل الموشحات: الخليل الثاني هو ابن سناء الملك صاحب كتاب دار الطراز - خليل الشعر الحر: الخليل الثالث هو نازك الملائكة في كتابها قضايا الشعر المعاصر، سنة ١٩٦٢م، فهي أول من تذوق عروض الشعر الحر.- الخليل الأزهري، وهو أستاذنا الدكتور محمود علي السمان، في كتابه(العروض الجديد) المطبوع سنة ١٩٨٣م . _____________________(الصفحات ص١٨٣-ص١٨٨ تحت عنوان أخطاء التدوير) :– المحاضرة القادمة.____________________________________« تم بحمد الله الانتهاء من المحاضرة الثالثة »إعداد : إسراء رمضان
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 110 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

337,311