صورة الشيخ عبدالحميد كشك في رثائيتي الشاعر وحيد الدهشان
الدكتور/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات
عندما أشرق الإسلام بنوره على الأرض غير الحياة بعد أن صهر قلوب العرب وعقولهم، في بوتقة الحضارة، وأخذ بأيديهم إلى مدارج الكمال، وقد كانوا قبل ذلك يتمرغون في مهاوي السقوط والضلال ويعيشون في مستنقع من الآثام والجهالة. ولم يتخلف الشعر عن تمثل هذا التحول الحضاري، الذي أثرى به الإسلام الحياة العربية؛ فقد سرت الدعوة الجديدة مسرى النور في الظلمات، وأصبح للإسلام شعراؤه الذين تتردد شعرهم في كل جنبات الحياة، صادعة بذكر الله تعالى، ومبجلة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم، ومستعينة بالقيم العليا التي جاء بها هذا الدين الخاتم لهداية العالمين. وظل الشعر الإسلامي يمتد ويتطور من جيل إلى جيل، وفي كل عصر ومصر، حتى آننا الحزين، ذلكم الآن الذي طغى فيه تيار التغريب، الذي لم يدرك الغاية من الحياة ولم يؤمن بها فشقيت نفسه وعاش الظلام، برؤية سوداء قاتمة، واتجاهات معتمة كابية متأثرًا بأزمات نفسية وحضارية يعيشها المجتمع الغربي الذي يختلف اختلافًا جذريًّا عن المجتمع العربي الإسلامي. وقد عاش هذا التيار تائهًا متخاذلاً، غارقًا في ملذات الجسد بكل ألوانها، محاربًا العفة والأعفاء، شَموسًا جَموحًا نافرًا من ثوابتنا الحقة، معتمدًا على عقائد الآخر وتصوراته الفكرية عن الحياة والألوهية والطبيعة وعلاقة الإنسان بذلك كله وبغيره، داعيًا إلى أن تكون دينا جديدًا للبشرية، ينسف جميع ما عرفت من شرائع وعقائد، ثائرًا على الثالوث المميز لنا: الدين واللغة والقيم الطاهرة... وبذلك ضل هذا التيار بلبسه زي الآخرين ومعاولهم. تلك حقيقة قررها كثير من ناقدي الأدب ومؤرخيه الأصلاء حول هذا التيار الطاغي..
من هنا كان لابد للتيار الإسلامي العريق أن يصحو ويحرص على الحضور بالساحة الشعرية رغم ازدحامها بالزبد والأصفار، الحضور في الروابط والأندية الأدبية وفي الجرائد والمجلات وفي الجوامع والجامعات وفي المطبوعات والدوريات، وقد كان ذلك الحضور بفضل كوكبة من مخلصي الأمة، من الدعاة المعاصرين إلى الأدب الإسلامي، والنشطاء في حقله المبارك: إبداعًا وتنظيرًا وتحفيزًا.
وإنني لجد سعيد بهذه التجربة البحثية، حيث الجمع بين قرينين وصنوين، يؤلف بينهما الجهاد بالإبداع:
الشيخ عبدالحميد كشك، أحد أفذاذ الدعوة الإسلامية في القرن العشرين، الذي ظل طول عمره يجاهد بلسانه الخطابي الدعوي الجريء الشجاع الناقد الجالد الساخر المضحك ضحكًا كالبكا! رحمه الله تعالى، وجعلنا في نهجه سبيله، وكتب لنا ختامه!
والمهندس وحيد الدهشان، أحد أعلام الشعر الإسلامي المخضرمين، الذي ما زال يجاهد بشعره الخطابي الدعوي الصريح الصادع، بارك الله في عمره وعمله وأثره.
وهاكم إنجاز ذلك بحول الله تعالى وقوته:
الشيخ المجاهد:
وسط هذا العالم الكريه، الكاره لكل ما هو إسلامي والنافر منه، يأتي الشعر الإسلامي فيجاهد في سبيل الإعلام بقامات الأمة، والإعلان عن أعلامها، سواء على سبيل المدح في حياتهم أو الرثاء بعد موتهم! لاسيما الذين لم تتسلط عليهم الأضواء الرسمية والشعرية! فنال هذه الأعلام غبن مقصود وتجاهل متعمد!
ومن هذه القامات الإسلامية والأزهرية الداعية المجاهد الشيخ عبدالحميد كشك(1933-1996م)، الذي رزق بسيرة غيرية خطها كثيرون من معاصريه وطلابه وعشاقه، وهي تدلنا على إنسان مصري بحراوي أزهري داعية أصيل شجاع، حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره،
وكان شيخنا عبد الحميد كشك مبصرًا إلى أن بلغ سنه الثالثة عشرة ففقد إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيراً ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس:
إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ
والتحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وقد ظهر نبوغه العلمي مبكرًا؛ ففي السنة الثانية من المرحلة الثانوية حصل على الدرجات النهائية في كل المواد. وكذلك كان شأنه في الشهادة الثانوية الأزهرية؛ إذ كان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، فتفوق فيها وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، لاسيما علوم النحو والصرف والبلاغة. وعلى الرغم من تعيينه معيدًا في كلية أصول الدين إلا أن روحه كانت معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها منذ الثانية عشرة من عمره؛ فقد ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد، و كان شجاعًا فوق مستوى عمره الصغير، حيث طالب بالمساواة والتراحم بين الناس، بل و طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية؛ مما أثار انتباه الناس إليه والتِفافِهم حوله.
و لاريب في أن هذا النبوغ ترك صداه في شيخنا عبد الحميد كشك، فخط بقلمه مائة كتاب وثمانية كتب، تناول فيها جميع مناهج العمل والتربية الإسلامية، وقد وصفت كتاباته من قبل علماء معاصرين بكونها مبسِّطة لمفاهيم الإسلام، ومُراعية لاحتياجات الناس. وكان له كتاب من عشرة مجلدات سماه "في رحاب التفسير"، ألفه بعد منعه من الخطابة وقام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً، وهو تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم. كما أن له أكثر من ألفي خطبة مسجَّلة؛ فقد خطب مدة أربعين سنة. وقد حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام1961م، ثم عمل إمامًا وخطيبًا إلى أن استقر به أمر الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة. ذلك المسجد الذي ظل يخطب فيه قرابة عشرين عامًا. وقد اعتقل مرتين: مرة أولى عام1965م، وظل بالمعتقل مدة عامين ونصف، ومرة ثانية عام 1981م، وقد تنقل خلال هاتين المرتين بين أشهر المعتقلات، وقد تعرض للتعذيب! عذابًا رهيبًا ترك آثاره على كل جسده رغم إعاقته!
وكانت وفاته مثيرة كحياته، كانت يوم جمعة، وقبل أن يتنفل قصَّ على زوجه وأولاده رؤيا، وهي رؤية النبي محمد <!--<!-- وعمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بالمنام حيث رأى في منامه رسول الله <!--<!-- الذي قال له: "سلم على عمر"، فسلم عليه، ثم وقع على الأرض ميتًا فغسله رسول الله <!--<!-- بيديه. فقالت له زوجه: - وهي التي قصت هذه الرؤيا - علمنا حديث النبي <!--<!-- أنه: "من رأى رؤيا يكرهها فلا يقصصها". فقال الشيخ كشك: ومن قال لك إنني أكره هذه الرؤيا ، والله إنني لأرجو أن يكون الأمر كما كان. ثم ذهب وتوضأ في بيته لصلاة الجمعة وكعادته، بدأ يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية، وفيها توفي. وكان ذلك يوم الجمعة25رجب 1417هـ الموافق ل6ديسمبر 1996م. وكان يدعو الله من قبل أن يتوفاه ساجدا فكان له ما أراد، رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه.
إنه عالم وداعية إسلامي مصري، كفيف، يلقب بــ(فارس المنابر)، و(محامي الحركة الإسلامية)، ويعد من أبرز خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي، وقد أثر في جيل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.
يقول عنه الدكتور سعيد جمعة-وهو أحد الدعاة الأزهريين الذين تربوا على خطبه وأحاديث ومؤلفاته-:
"روح نزلت من السماء لتأخذ بنواصي الناس إلى الله، وفيها من سمات السماء الصفاء والعلو وجهارة اللغة والقرب من الله، والفهم الواعي والنظرة المتفحصة لأوجاع الناس، ووصف الدواء لهذه الأوجاع. وكان-رحمه الله تعالى-خبيرًا بالعلل البشرية والعلل السياسية كخبرته بدينه ودعوته؛ ولذلك كان إذا تكلم رأيت الناس كأن على رؤسهم الطير، وإذا وصف جرحًا أبكى الناس، وإذا تطرق إلى نكتة أضحك الناس ضحكًا كالبكا. ومن تحت يده تخرج كثير من الدعاة؛ منهم الشيخ أبو إسحاق الحويني، وكان معظم مشاهير المشايخ والدعاة في بداية ممارستهم الدعوة يقلدون الشيخ، رحمه الله تعالى.
والسبب الرئيس في تأثير الشيخ في مستمعيه لا يعود إلى فقهه ولا إلى لغته ولا إلى شخصه، إنما يعود إلى إخلاصه؛ فكل كلمة كان ينطق بها الشيخ كانت مغموسة بالطاعة والقرب من الله تعالى؛ فالكلمات تحيا إذا كان صاحبها على صلة بالله تعالى، والكلمات مهما كانت رنانة وبليغة تراها شاحبة مريضة؛ لأنها لم تنغمس في نهر الطاعة وتسير في طريق الله تعالى.
إن الحديث عن الشيخ كشك ليس حديثًا عن داعية، وإنما حديث عن شخص تقي نقي خفي، ذي قلب متصل بالله تعالى، فالناس كانوا ينتظرون الروح الطاهرة، ينتظرون القلب الإلهي عطشًا إلى الإخلاص والمخلصين"...
وصدق أستاذنا وداعيتنا الدكتور سعيد جمعة-حفظه الله تعالى-في تحليله الثاقب لشخصية شيخنا رحمه الله تعالى، وفي تفسيره معالم تميزه عن بقية أقرانه من الدعاة والعلماء.
إن سيرة شيخنا تنبني على عدة محطات أساسية، هي: أزهريته التعلمية، إعاقته البصرية، فصاحته اللسانية، ظرفه وخفة دمه، جهاده المنبري الحي الحيوي، كونه مؤلفًا، ثم ختام حياته المبشر بآخرة طيبة بإذن الله تعالى.
الشاعر المجاهد: وحيد الدهشان:
لعل هذه التقدمة التأريخية تدخلنا إلى تبين مدى تصوير شاعرنا المهندس وحيد الدهشان تلكم الشخصية الفذة الفريدة الخاصة جدًّا!
فالشاعر المهندس وحيد حامد الدهشان من الشعراء الإسلاميين المخضرمين الكبار الذين عاشرتهم، وتابعت إبداعهم منذ تجاربه الأولى، وهو فيها كأنه بشعره الشيخ كشك بخطابته، يُعنى بأقطاب الصحوة الإسلامية، أمثال الشيخ الشعراوي، والشيخ الغزالي، والشيخ جاد الحق: مدحًا ورثاء، رصدًا ووصفًا وتسجيلاً، وتحليلاً، ويسير في ركبهم سيرًا حيًّا وحيويًّا، وينصهر بأشعاره في بوتقة الإسلام منذ بداياته الإبداعية الأولى، فيصير ذا نكهة مميزة بين جيله ورفاقه، معبرًا عن كل محمدة ومنقبة، راصدًا حركة المد الإسلامي الزاحف في بقاع متفرقة من العالم، هاتفًا لجيل جديد، جعل الإيمان أساس كل غرس ومنهج كل عصر، باثًّا في أبناء الإسلام أسباب الفخر والحماسة، مُشعلاً جذوة الجهاد في بنيه على اختلاف أهوائهم، مقدمًا نفثات غيور وصرخات مهموم مكلوم، ذابت نفسه واكتوت للواقع الإسلامي الأليم، هاجيًا الأعداء، كاشفًا مخازيهم ومآسيهم، جالدًا العملاء، فاضحًا رؤاهم في تعابير ساخرة متهكمة، مثنيًا على الأصلاء المجاهدين. إنه شاعر إسلامي حتى النخاع، جماهيري التوجه، يكاد يصل شعره إلى كل متلق بسهولة ويسر، شاعر عرف كيفية الوصول إلى الناس في اللحظة المناسبة. شاعر نزاري مطري في النقد اللاذع، والسخرية المبكية، والصراحة الخطرة، حيث توظيف اللغة الحياتية اليومية، مع اللغة الشعرية الرصينة التقليدية المحافظة. وليست تلك مبالغات لا واقع لها، فقد عاشرت "الدهشان" الشاعر والإنسان منذ منتصف التسعينات، فوجدته رجلا حركيًّا لا يكسل ولا يخمد، يسير حاملاً سيفه/ قلمه، منتقلاً من ميدان إلى ميدان ومن ناد إلى ناد، معه كتيبة من الشعراء والنقاد الشباب الذين يتابعهم ويساعدهم بكل ما أوتي من معارف وملكات ثقافية وحياتية،حيث علاقاته المتشعبة ومكتبته الزاخرة، التي بها كثير من الإصدارات التي تدور حول الشعر والشعراء،خصوصا في عصرنا الحديث . إنه يحيا ضمن ثلة يجمع بينها حب الشعر وإقامة عكاظه بين أبناء العروبة، وإثبات حضوره في ابتلاءات الأمة، معبرا عن أحوال مدائن الفجر الإسلامي في هذا الكون التائه.
شاعر نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا. رزقت الغوص في أنماذج من شعره خلال منتديات الأدب الإسلامي بقاهرتنا العامرة، أنموذجا تلو الآخر، ورأيت مدي تلقي الجمهرة المثقفة واستجابتها لإبداعه استشهادا به ونقدا له، ببيان حسناته وسوءاته؛ ومن هنا كانت أولى الكتابات عنه مقالا لي منشورا في جريدة النور عام 1997م، عرضت فيه ديوانه الأول "في رحاب الدعوة الإسلامية". وله أكثر من عشرة دواوين شعرية مطبوعة غير المخطوط!
ومن ثم لا نعجب حين نجد المهندس الشاعر وحيد الدهشان ينفعل بموت شيخنا كشك ويتأثر به فيخرج لنا قصيدتين: الأولى هائية بكائية بعنوان (من للمنابر بعده؟) مكونة من سبعة وعشرين بيتًا، عقب رحيل الشيخ سنة 1996م والثانية عينية وفائية، بعنوان (أسد المنابر) بعد أربع وعشرين سنة من رحيله!
وإن قراءة ذلكم الشعر الدهشاني عن الشيخ تستدعي جملة أسئلة، هي:
من الشيخ كشك؟ ما مكانته؟ ما أثره؟ كيف عاش؟ بم تميز؟ كيف مات؟ ماذا خلَّف؟ ما الذي يدفع مهندسًا كوحيد الدهشان للانفعال بموت شيخ أزهري كفيف، فينظم فيه قصيدتي رثاء؟! ... أسئلة تفرض نفسها في مطلع هذه القراءة النقدية، أسئلة عن المرثي: حياته، عصره، جهاده، أثره، معالم تميزه، الباعث على الإبداع في تصوير شخصيته!
ولكي نجيب عن هذه التسآلات ينبغي أن نعيش مع التجربتين عيشة وصفية تحليلية عبر عتباتها البارزة، على النحو الآتي:
أولاً: عتبات البكائية الدهشانية الأولى:
هذه القصيدة نظمها المهندس وحيد حامد الدهشان، عقب رحيل الشيخ عبدالحميد كشك، في 7 ديسمبر 1996 م، وهي منشورة في ديوان " سنا العلماء لا يفنى " الذي صدر عام 2009م.
<!--عتبة العنوان:
جاءت القصيدة الأولى للمهندس الدهشان بكائية بعنوان (من للمنابر بعده: دمعة على فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك عليه رحمة الله)، وقد جمع العنوان بين جملتين: الأولى إنشائية،( من للمنابر بعده؟) أداتها الاستفهام التعجبي الاندهاشي المعلن عن مكانة المرثي الخطابية، وإجادته فن الدعوة من خلال الكلمة المنبرية؛ فالشيخ كشك في نظر الدهشان وكل عشاقه المستمعين إياه، فارس بارز في منابر الدعوة والثقافة والحق. ثم تأتي الجملة الثانية (دمعة على فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك عليه رحمة الله) خبرية تقريرية مباشرة، مكثفة للقصيدة بأنها دمعة، أي بكائية على الراحل!
ونلحظ أن العنوان هنا مباشر، دال دلالة سريعة على المقصود من النص كله، وتلك الخصيصة من سيما الشعر الإسلامي عامة، وشعر الرثاء بخاصة.
<!--عتبة الشكل الفني
جاءت التجربة شاعرنا في شكل فني خاص، طريف، فهي –أولاً- قصيدة وسطى مكثفة، مكونة من سبعة وعشرين بيتًا، فليست ومضة مخلة، ولا مطولة محشوة، وهي -ثانيًا- على نسق البحر الكامل التام، الذي عروضه صحيحة(متفاعلن///O// O)، وضربه مذيل(متفاعللانْ///O//O O)، وهذا أمر جديد لم يرد في الشعر العربي التراثي، فتذييل الضرب خاص بالكامل المجزوء فقط، كما قرر العروضيون القدامى، ولعل حدث رحيل الشيخ أثر في شاعرنا فدفعه إلى توسيع حجم الكامل التام ليتسع إلى عرض كل مراداته عن الشيخ ندبًا، وتأبينًا، وتفجعًا!
وقد جاء المطلع مصرعًا على عادة الشعراء الكلاسيكيين، فقال:
من للمنابر بعده ؟! واحسرتاه فرت دموع الحزن من عين الحياةْ
فقد غيرت العروض في وزنها وقافيتها حتى تشبه الضرب، وتحدث إيقاعًا صوتيًّا آسرًا لذيذًا؛ فتجذب المتلقي.
وجاء بناء القافية مناسبًا للحالة النفسية داخل الشاعر والحالة العاطفية المهيمنة على النص، فجاءت مكونة من الألف ردفًا والهاء الساكنة بعدها وصلاً، وقد نعد هذه الهاء الساكنة رويًّا والألف قبلها ردفًا، وعلى الرغم من أن القافية هنا مقيدة، إلا أن هذا التقييد لا نحس به، بل على العكس جاءت الألف هنا لتعطي مدة صوتية طويلة أمام المتلقي، فلاريب أن القارئ هذه البكائية والمنشد إياها يجد أمامه فرصة لإخراج شهقة حزن وزفرة بكاء في نهاية كل بيت شعري، عن طريق الألف المنتهية بهاء ساكنة، كأنها الآهة الدالة على الحزن!
أما عن المعجم الشعري في هذه البكائية فهو معجم واضح صريح مباشر، ليس فيه لفظة غريبة أو حوشية أو وحشية، كأني بالدهشان أراد أن يجعل لغة البكائية كلغة الشيخ كشك التي وصفها بقوله:
ما جئت يوما بالكلام محنطا لا روح فيه يمجه سمع الأباةْ
وتشيع في النص أساليب عدة، منها:
والاستفهام كما في قوله: (من للمنابر بعده)، وقوله:
كم سقت من حجج كشمس في الضحى وعلى المعاند أن يلوم هنا عماهْ
وكشفت سرا عن كنوز بلاغة قصرت عقول للأكابر عن مداهْ
وأزحت سترا عن معان طالما حجبت عن الدنيا بفهم واكتناهْ
وصفعت أجناد الضلال بشدة ليس المضلل كالذي ضلت رؤاهْ
وأسلوب النفي في قوله:(ما ماتت الآمال يوما في لقاه)، و(ما جئت ... لا روح فيه...)، و(ليس المضلل كالذي ضلت رؤاه)...
وأسلوب الاستدراك، في قوله:
لكنما قلب المحب بنفحة من نوره قد سار ملتمسا خطاهْ
يصبو ولكن كيف أبلغ غايتي وفريدتي تبدو بعالمه حصاةْ
وتجد التصوير الكلي لطريقة الشيخ الدعوية، وهو التصوير الممتاح من الطبيعة والممزوج فيها، في قوله:
من روضة القرآن كان إمامنا للغارقين يمد أطواق النجاةْ
ويطوف في بستان سيرة سيدي حيث الجداول والظلال المشتهاةْ
حيث الثمار الدانيات قطوفها والزهر في الجنبات فواح شذاهْ
فيجيء بالترياق دون مرارة كالشهد حلوا يرتجى ممن جناهْ
والشيخ كشك حي أمام شاعرنا يناديه ويخاطبه في قوله:
يا أيها الشيخ الجليل جهادكم سيظل مصباحا على درب الدعاةْ
ما جئت يوما بالكلام محنطا لا روح فيه يمجه سمع الأباةْ
أنت الذي ملك القلوب حديثه وتألقت أرواح من تبعوا سناهْ
ويقول:
جادلتَ من ضلوا الطريق بحكمة واللين قد يجدي إذا ما العقل تاهْ
كم سقتَ من حجج كشمس في الضحى وعلى المعاند أن يلوم هنا عماهْ
وكشفتَ سرا عن كنوز بلاغة قصرت عقول للأكابر عن مداهْ
وأزحتَ سترا عن معان طالما حجبت عن الدنيا بفهم واكتناهْ
وصفعتَ أجناد الضلال بشدة ليس المضلل كالذي ضلت رؤاهْ
وشاعرنا حاد في التعبير عن خصوم الشيخ، كأني به تحول ملاكمًا بالشعر كما كان الشيخ ملاكمًا بالكلمة!
وأسلوب الدعاء بتقنيتي النداء والأمر الالتماسي، في ختام النص:
يا رب بلغ شيخنا آماله وامنحه في الفردوس ما كان ابتغاهْ
واجعله يا ربي بقرب المصطفى هي منية كانت له أحلى مناهْ
3- عتبة البناء الفكري:
وجاء النص في ستة أقسام، يمثل القسم الأول مطلع القصيدة، وتمثل الأقسام الأربعة التالية له صلب القصيدة، ويأتي القسم السادس ختامًا، على النحو الآتي:
القسم الأول يمثل المطلع أو مقدمة البكائية، وجاء في ستة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان: أثر رحيل الشيخ في أتباعه، يقول الدهشان:
من للمنابر بعده؟! واحسرتاه فرت دموع الحزن من عين الحياةْ
طال انتظار العارفين لفضله ما ماتت الآمال يوما في لقاهْ
حتى أتى صوت النعي كطعنة أدمت فؤادا بات يرسف في أساهْ
فترددت من أجله رحماتنا وتوجهت لعناتنا صوب الجناةْ
من أسكتوه وكان يحدو صحوة ويؤجج العزمات خفاقا لواهْ
ثم انتقل شاعرنا إلى القسم الثاني عن طريق الحديث عن المرثي بالفعل الماضي(كان) وعن طريق(ضمير الغائب)، وقد جاء في أربعة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان(طريقة الشيخ الدعوية)، حيث يقول الدهشان:
من روضة القرآن كان إمامنا للغارقين يمد أطواق النجاةْ
ويطوف في بستان سيرة سيدي حيث الجداول والظلال المشتهاةْ
حيث الثمار الدانيات قطوفها والزهر في الجنبات فواح شذاهْ
فيجيء بالترياق دون مرارة كالشهد حلوا يرتجى ممن جناهْ
<!--
ثم انتقل الشاعر إلى القسم الثالث من حالة الحديث الماضوي عن الشيخ كشك، إلى الحديث الحي عنه، عن طريق أسلوب النداء، وعن طريق الحديث معه بضمير الخطاب، وقد جاء ستة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان(لسان الشيخ وعلمه)، حيث يقول الدهشان:
يا أيها الشيخ الجليل جهادكم سيظل مصباحا على درب الدعاةْ
ما جئت يوما بالكلام محنطا لا روح فيه يمجه سمع الأباةْ
أنت الذي ملك القلوب حديثه وتألقت أرواح من تبعوا سناهْ
علم غزير قد حوته بصيرة إخلاص قلب عبرت عنه الشفاهْ
طوفان صدق لا يبالي لومة في الله دوى في روابينا صداهْ
أمواجه كالنار تلفح من بغى وهديره سوط على ظهر الطغاةْ
ويتابع الشاعر في القسم الرابع محاورة الشيخ الراحل بضمير الخطاب، وقد جاء في خمسة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان(جدال الشيخ وبلاغته)، حيث يقول الدهشان:
جادلت من ضلوا الطريق بحكمة واللين قد يجدي إذا ما العقل تاهْ
كم سقت من حجج كشمس في الضحى وعلى المعاند أن يلوم هنا عماهْ
وكشفت سرا عن كنوز بلاغة قصرت عقول للأكابر عن مداهْ
وأزحت سترا عن معان طالما حجبت عن الدنيا بفهم واكتناهْ
وصفعت أجناد الضلال بشدة ليس المضلل كالذي ضلت رؤاهْ
ويوظف الشاعر ضمير المتكلم في الانتقال إلى القسم الخامس، الذي جاء ثلاثة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان(عاطفة الشاعر تجاه الشيخ)، حيث يقول الدهشان:
شعري بساح الشيخ يبدو قاصرًا والعجز مني كاد يبلغ منتهاهْ
لكنما قلب المحب بنفحة من نوره قد سار ملتمسا خطاهْ
يصبو ولكن كيف أبلغ غايتي وفريدتي تبدو بعالمه حصاةْ
وما زال الشاعر ملتزمًا ضمير المتكلم في القسم الختامي السادس، الذي جاء أربعة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان(دعاء للشيخ)، حيث يقول الدهشان:
أدعو بكل وسيلة وضراعة لِينالَكُم يا شيخَنا عفوَ الإلهْ
جهدي الدعاء فطالما علَّمْتَنا أن الكريمَ يُجيبُ دومًا مَنْ دعاهْ
يا رب بلِّغْ شيخَنا آمالَه وامنحه في الفردوس ما كان ابتغاهْ
واجعله يا ربي بقرب المصطفى هي منية كانت له أحلى مناهْ
وهكذا يوظف شاعرنا وحيد الضمائر الثلاثة: غيبة وخطابًا وتكلمًا في الربط بين أقسام بكائيته، فيوفر لها وحدة لغوية، إضافة إلى ما فيها من وحدة فكرية!
نعم حزنَّا في هذه البكائية على الشيخ كشك، لكننا لم نتعرف على أبرز خصائص الشيخ لا سيما خصائص الظرف، والجراءة في نقد الحكام، والختام الحسن، حيث الموت ساجدًا!
ولعل هذا ما دفع الشاعر وحيدًا إلى إبداع قصيدته الثانية، لعلها تكمل هذه الثلمة !
ثانيًا: عتبات الوفائية الدهشانية الثانية:
هذه القصيدة نظمها المهندس وحيد حامد الدهشان، بعنوان ( أسد المنابر )، وجاءت محاولة للوفاء ببعض حق فضيلة الشيخ عبد الحميد كشك، رحمة الله ورضوانه عليه . وهي خمس وثلاثون بيتًا. تفاصيلها الشكلية والمضمونية على النحو الآتي:
عتبة العنوان:
جاءت هذه القصيدة وفائية بعنوان (أسد المنابر)، وهو عنوان مجازي استعاري، فيه مبالغة عن قيمة الشيخ كشك الحياتية، وهي أنه كان جريئًا شجاعًا مقدامًا على المنابر، لا يخشى في الله لومة لائم، وجمع (المنابر) دال على كثرتها، واستمرارها وتنوعها.
<!--عتبة الشكل الفني
جاءت التجربة شاعرنا في شكل فني خاص، طريف، فهي –أولاً- قصيدة وُسطى مُكثَّفة، مكونة من خمسة وثلاثين بيتًا، فليست ومضة مخلةً، ولا مُطوَّلة مَحشوَّة. جاء مطلعها:
<!--
أسد المنابر ما هناك نزاعُ شَهِدتْ له الأمصارُ والأصقاعُ
وظاهر أنها من البحر الكامل التام الذي عروضه صحيحة(مُتَفاعِلُنْ///0//0) والضرب مقطوع (مُتَفاعِلْ///0/0) مثل(وشجاعو) في البيت الثاني، وأحيانًا يكون مضمرًا(مُتْفاعلْ/0/0/(0، مثل(أصقاعو) في البيت الأول.
وقد جاء المطلع مصرعًا على عادة الشعراء الكلاسيكيين؛ فقد غيرت العروض في وزنها وقافيتها (كَ نِزاعُو)حتى تشبه الضرب(أصقاعو)، وتحدث إيقاعًا صوتيًّا آسرًا لذيذًا؛ فتجذب المتلقي.
بل إن شاعرنًا التزم ما لا يلزم، حين قسم قصيدته خمس مقاطع، وبدأ كل مقطع ببيت مصرع.
وجاء بناء القافية مناسبًا للحالة النفسية داخل الشاعر والحالة العاطفية المهيمنة على النص، فجاءت مكونة من الألف ردفًا والعين رويًّا، والواو الناشئة عن إشباع الروي وصلاً، والعين صوت حلقي ناصع، والمد قبلها وبعدها يناسب حالة الشجن على فقدان الشيخ والتشوق إلى شخصه وروحه!
وحدث تضمين في القصيدة بين البيتين الثاني عشر والثالث عشر، حيث يقول شاعرنا:
وهنا يقدم للتقاة غذاؤهم وعلى السفيه هنا يرد الصاع
صاعين كي تشفى صدور آمنت ويصد إفك المرجفين دفاعُ
وكذا في البيتين السادس والعشرين والسابع والعشرين، حيث يقول الشاعر:
بعد المنصة جاء حسني رافعا عذب الوعود فتاقت الأضلاعُ
للشيخ لكن لم تفز بمرادها وتجمدت في مصرنا الأوضاعُ
وهذا التضمين يدل من ناحية على هيمنة الفكرة على الشاعر أكثر من اللغة، كما يدل من ناحية ثانية على رغبة في الربط بين أبيات النص ربطًا لغويًّا بارزًا، ومن ثم ربط المتلقي بالنص كله!
أما عن المعجم الشعري في هذه الوفائية فهو معجم واضح صريح مباشر، ليس فيه لفظة غريبة أو حوشية أو وحشية، وكأني بالدهشان أراد أن يجعل لغة الوفائية كلغة الشيخ كشك التي وصفها بقوله:
وهنا ذرا الإلقاء أفصح لهجةً وهنا فنونُ الجذب والإيقاعُ
وتشيع في النص أساليب عدة، منها:
الأسلوب الخبري، وهو المهيمن على النص من مطلعه حتى ختامه، يقول وحيد الدهشان في المقطع الأول:
أسد المنابر ما هناك نزاعُ شهدت له الأمصار والأصقاعُ
أذكت به قيم المروءة فطرة وعقيدة وتصور وطباعُ
كلماته ري العقول توافدت كي تستنير ويدرك الإمتاعُ
فهو يقرر مكانة الشيخ، ويفسر هذه المكانة. ثم يتبع ذلك بأسلوب إنشائي أتى نتيجة طبعية لهذا الأسلوب، وهوالنداء التعجبي، الذي يدل على انفعال نفسي عند شعور الشاعر بشيء طريف، يقول:
يالاحتشاد العارفين لفضله يدنو الحصاد فيفرح الزراعُ
ويأتي أسلوب الشرط في مبدأ القصيدة ووسطها ومنتهاها ليفصل أبعادًا في شخصية داعيتنا-رحمه الله- يقول في البيت السادس:
وإذا ارتقى الدرجات كبَّر عاشقٌ وإذا تكلم ترهف الأسماعُ
مبينًا أثره في الجمهور.
ثم يأتي أسلوب الشرط البيت العشرين لتقرير أن الإقناع سمة خاصة في خطابة الشيخ ودعوته، وأن هذا سبب من أسباب تأثيره، يقول الدهشان:
والناس إن وجدوا الدليل إلى العلا ألقوا إليه زمامهم وانصاعوا
وفي البيت الثالث والثلاثين حكمة خاصة بالشيخ وأمثاله ممن دخل فكرهم وصوتهم كل بيت، وكل عقل، وكل قلب، يقول:
مهما رياح الغدر هُوجًا زَمجَرَتْ لم ينطفئ للمخلصين شعاعُ
ويأتي التكرار أسلوبًا مهيمنًا في المقطع الثاني، حيث يقول الشاعر:
لا لم يجئ أحد بغير تشوق فهنا سيزأر شامخ وشجاعُ
وهنا ذرا الإلقاء أفصح لهجة وهنا فنون الجذب والإيقاعُ
وهنا يفيض العلم من عين الهدى وهنا يؤدب إن بغى الأنطاعُ
وهنا يقدم للتقاة غذاؤهم وعلى السفيه هنا يرد الصاعُ
وهنا هجوم لا تطيش سهامه بوضوح قصد ليس فيه خداعُ
وهنا خفيف الظل من تنكيته وجه الخنا لا لا يقيه قناعُ
وهنا اعتزاز المسلمين بدينهم مهما طغت في الأمة الأوجاعُ
فقد تكرر الظرف(هنا)تسع مرات، كل مرة تقترن بنوع من تميز الشيخ الدعوي: شجاعة، إلقاء، وتفننًا للجذب، وعلمًا، وتقوى، وردًّا للسفهاء، وهجومًا على الأعداء، وخفة ظل، واعتزازًا بالدين.
وأٍسلوب الاستفهام الوحيد في قوله:
كم تفشل الأعمال قد رصدوا لها مالا وناسا تشترى وتباعُ
وظفه الدهشان للدلالة على الأثر العملي لخطابة الشيخ، وكونها علاجًا أو دحضًا لكثير من الأمراض أو المؤمرات أو الخطط التي يكيدها أعداء الإسلام داخليًّا وخارجيًّا، ويصرفون عليها كل غال ونفيس!
وأسلوب النفي في قوله:( أسد المنابر ما هناك نزاعُ)، وقوله:
لا لم يجئ أحد بغير تشوق فهنا سيزأر شامخ وشجاعُ
وقوله: (لم ينطفئ للمخلصين شعاعُ)، وقوله:
لم نتبع يا رب أي تفرعن لكننا لمحمد أتباعُ
وتجد التصوير البياني لشخصية الشيخ ومكانته في النفوس، في قوله:
قد صرت يا عين الحياة حكاية طاب الغراس وأثمر الإيناعُ
وغدوت ملتجأ ونبعًا رائقا للبر يرشد شيخنا فيطاعُ
والشيخ كشك حي أمام شاعرنا يناديه ويخاطبه في قوله:
في سجدة لله كان وداعُ لكن سيبقى ما صنعت يشاعُ
سيظل ذكرك شيخنا متوهجا ما جد مجداف ورف شراعُ
وشاعرنا حاد في التعبير عن خصوم الشيخ، كأني به تحول ملاكمًا بالشعر كما كان الشيخ ملاكمًا بالكلمة!
وأسلوب الدعاء، في ختام النص:
والله أدعو أن يكون لقاؤنا فرحا وآفاق السرور وساعُ
لكنه دعاء ليس للشيخ وحده ولكنه للشاعر وعشاق الشيخ، هؤلاء الذي لم يتبعوا أي تفرعن، وكانوا لمحمد- صلى الله عليه وسلم- شيعة وأتباعًا.
3- عتبة البناء الفكري:
جاء هذا النص الوفائي في خمسة أقسام، يمثل القسم الأول مطلع القصيدة، وتمثل الأقسام الثلاثة التالية له صلب القصيدة، ويأتي القسم الخامس ختامًا، على النحو الآتي:
القسم الأول يمثل المطلع أو مقدمة الوفائية، وجاء في سبعة أبيات، يمكن أن نجعلها تحت عنوان: (مكانة الشيخ العالية وأثرها الصادع)، يقول الدهشان:
أسد المنابر ما هناك نزاعُ شهدت له الأمصار والأصقاعُ
أذكت به قيم المروءة فطرة وعقيدة وتصور وطباعُ
كلماته ري العقول توافدت كي تستنير ويدرك الإمتاعُ
يالاحتشاد العارفين لفضله يدنو الحصاد فيفرح الزراعُ
هذا هو الوجه المضيء منارة إن لاح لاح البشر والإبداعُ
وإذا ارتقى الدرجات كبر عاشق وإذا تكلم ترهف الأسماعُ
ويسود صمت الصاعدين إلى الذرا قد بسملوا وسيبدأ الإقلاعُ
ثم انتقل شاعرنا إلى القسم الثاني عن طريق اسم الإشارة(هذا) الذي يشير إلى مكان الشيخ الدعوي، فينتقل منه إلى الحديث عن (جوانب تأثير هذه الدعوة)، وقد جاء في تسعة أبيات، حيث نصرة ا