الحضور النبوي الشريف في شعر الدكتور جمال مرسي

نبينا الخاتم محمد –صلى الله علي وسلم-  هو البشير النذير، والسراج المنير، والداعي إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، أرسله الله رحمة للعالمين، ومعلمًا وهاديًا ومنقذًا ومخلصًا، وهو أول شافع وأول مشفع، و سيد الخلق، وإمام المرسلين، أثنى عليه الله تعالى، وزكَّاه وعَدَّله؛ فزكَّى عقلَه، فقال: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 2-4]؛ وزكَّى قلبَه، فقال: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]؛ وزكَّى بصرَه، فقال: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 17،18]؛ ثم زكَّاه كلَّه وجمع له الفضلَ والثناءَ الحسن، فوصفه في الكتاب العزيز بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[القلم: 4]. ..وقد أثنى عليه الناس من أهل وأقارب، وكبار ومشايخ، وأقران وأتراب، وأتباع وأشياع، وأصدقاء وأصفياء، بل ومن أعداء وخصوم! أثنوا عليه منذ مولده، ومرورًا بمبعثه، ثم هجرته، ثم جهاده في سبيل نشر القيم الإسلامية الإنسانية السامية، والمثل الإيمانية الراقية، وما زالوا، في كل عصر ومصر، يثنون عليه بما هو أهله، صلى الله علي وسلم.وقد سجلت هذه الثناءات والأماديح في كتب السيرة النبوية، والشمائل المحمدية التي بلغت مئات من الكتاب، عبر ما يجاوز ثلاثمائة وألف من السنين، في مختلف بقاع الأرض وأصقاعها، وبمعظم لغات العالم الحية...   

ويأتي الشعر فن العربية الأول خير مادح للنبي –صلى الله علي وسلم- في حياته وبعد مماته، وإلى أن تقوم الساعة إن شاء الله تعالى. يأتي الشعر ليسجل رحلة حياته المباركة، مرحلة بعد أخرى، وحدثًا بعد آخر، ويصور أخلاقه وشمائله، ويعلن عن مكانته ورقيه في التعامل مع الحياة والأحياء، فكانت الأماديح النبوية قصائد مطولة فخمة جزلة شريفة نبيلة تبلغ الآلاف من التجارب منذ بدايتها على يد الصحابة الشعراء، رضوان الله عليهم أجمعين،  ومرورًا بتطورها على يد الشعراء الصوفيين المصريين الكبار: حيث البوصيري وتابعوه، وشوقي ومعارضاته ومعارضوه، إلى آننا هذا، حيث هذه الكثرة الكبير من الشعراء والشواعر المحبين والمحبات للنبي الخاتم، صلى الله عليه وسلم. وقد تنوعت هذه الأماديح النبوية مضمونيًّا، عبر هذا التاريخ الطويل، بين تجارب تمجيدية للشخصية المحمدية، وتجارب تأريخية للسيرة النبوية، وتجارب دفاعية عن الذات النبوية ضد محاولي انتقاصها أو النيل منها.

 وشاعرنا الدكتور جمال مرسي شاعر مصري جاد وجيد، جميل ونبيل، تربى تربية إسلامية أصيلة، وتثقف ثقافة عربية ونبوية تليدة، حيث مكتبة والده الأزهري، وحيث مطالعاته وتطلعاته، وقد ظهر ذلك جليًّا في إبداعه الشعر المواكب لكل حادث من حوادث الأمة خلال رحلته الشعرية والعمرية معًا، انطلاقًا من إيمانه بقيمة الشعر حيث يقول:

هوَ الشِّعرُ أُزجيهِ قصيداً مُغَرِّدا       على البُعدِ و الأزمانِ يبقى مُخَلَّدا
  جَعَلْتُ لهُ اْلجوزاءَ تاجاً يَزِينُهُ            وشمسَ الضُّحى عرشًا و بدرَ الدُّجى رِدا
كَسَوتُ القوافي من حريرِ مودَّتي    و جَرَّدتُها إلا من الحقِّ و الهُدى
فكانت لظىً في النائباتِ و في الوغى    و كانت حماماتٍ إذا السيفُ أُغمِدا
وقد قدر الله -تعالى-  للدكتور جمال مرسي  أن يبدع قصائد ثلاثًا تدور في فلك هذه المديح النبوي: تمجيدًا، ودفاعًا. وهاك بيانها وقراءة فيها وعنها: 

                    أولاً: المديح النبوي المنافح عن نبينا الخاتم

هذه الألسنة والأقلام والأنامل الحاقدة، التي تحاول النيل من أطهر الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين رسولنا محمد -صلى الله عليه و سلم- لم تنل، ولن تنال من مقامه، صلى الله عليه وسلم، بل إنها تحيي فينا رسول الله وتحيينا به، صلى الله عليه و سلم، فبعد نشر الرسوم المسيئة للنبي -صلى الله عليه وسلم- في إحدى الصحف الدانماركية ثم الفرنسية، في إساءة سافرة ومتعمدة للإسلام ونبينا الخاتم- صلى الله عليه وسلم- وأمة الإسلام! انتفضت الأمة في كل بقاع الدنيا معلنة عن الحب العظيم للشخصية النبوية الشريفة الكريمة النبيلة، بكل طريقة ووسيلة متاحة، ومن وسائل هذا الإعلان عن الحب لنبينا الخاتم قصائد الشعر في كل مكان وعلى كل لسان، انطلاقًا، من الهدي النبوي المقرر أن الشعر أشد على الأعداء من رشق بالنيل، ومن قول رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لسيدنا ِحَسَّانَ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لَا يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ»،وقول رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى». قَالَ حَسَّانُ:

    هَجَوْتَ مُحَمَّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ       وَعِنْدَ اللهِ فِي ذَاكَ الجَزَاءُ

     هَجَوْتَ مُحَمَّدًا بَرًّا حَنِيفًا       رَسُولَ اللهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي         لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

نعم نحن وما نملك وما نعتز به فداء لرسول الله ووقاء، وهذا الدور قام به الدكتور جمال في قصيدته(النبي-صلى الله عليه و سلم- خط أحمر: إلى متطاول على نور الشمس)، التي أبدعها في التاسع من ربيع الأول 1442هـ الموافق 26/10/2020م، ولها جذور إبداعية من قبل عند الشاعر، في مواقف سابقة، كان فيها محاولة للنيل من المقام النبوي الشريف، وهي ثلاثة وعشرون بيتًا من البحر الكامل التام، ذي القافية النونية المطلقة بالكسر، والمردوفة بالألف، والموصولة بالياء.

وبَيِّن من عنوان القصيدة أنها قصيدة تمجيدية لرسولنا حيث إنه –صلى الله عليه وسلم-(نور الشمس)، وأنها قصيدة دفاعية عن رسولنا، وأنه(خط أحمر)، كما أنها انتقاص من هذا المجترئ عليه بحجة حرية التعبير فوصم بأنه(المتطاول) ولن يبلغ شيئًا فهو قصير حقير، وكذا من يمثلهم ويدغدغ مشاعرهم بتلك الشعارات الجوفاء!

 ويبدأ شاعرنا نبويته بخمسة أبيات كأنها المقدمة التمهيدية للنص، عن قيمة الشعر ودوره، وضرورة حضوره في الملمات، يقول:

إني عَـذَرتُ اليـومَ فـيـكَ لَـســاني    و وَهَـبـتُ، كي أقـتصَّ منك، بياني

.و مَنحتُ شِعري(كُلَّ شِعري) من دمي     نارًا تـثـورُ عليَكَ كالبركانِ

فإذا عصانِي أو نأى بعَرُوضِهِ        أحـرقـتُهُ و بَـرِئـتُ مـن هَـذَياني

ما طـائـلُ الشِّـعـرِ الذي نـزهــو بِهِ       إِن لـم يـكُنْ ردعًا لكلِّ جبانِ

و لِمَ الـقـوافي أُسِّـسَــتْ إن لم تَذُدْ       عمَّن سـرى في هـديهِ الثقلانِ

إن شاعرنا منذ المطلع يخاطب هذا المتطاول على المقام النبوي الشريف، ويعلن عن عاطفته الجياشة التي هي نار تثور على المتطاول كالبركان، والتي تدفعه أن يمنح شعره (كل شعره) من دمه، كما تدفعه إلى إحراق شعره إن عصاه في هذه المهمة الغالية السامية: مهمة المنافحة عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم...إن إبداع شاعرنا ردع لكل جبان، وذود عن نبينا الهادي الثقلين، وسيد الكونين، صلى الله عليه وسلم!

وظاهر خلال هذه المقدمة الشعرية هيمنة ضمير الذات الشاعرة، وحوارها منذ البداية مع الذات المعتدية، فنحن أمام شعر رسالي هادف، فيه خطاب مكون من مخاطِب/مُرسِل، ومخاطَب/مُرسَل إليه، وخطاب/رسالة، وتكتمل هذه الرسالة الخطاب في بقية القصيدة، فيركز شاعرنا بعد هذه المقدمة على خطاب ذلك المعتدي على المقام النبوي قائلاً:  

يا مَنْ تجاوزتَ الحدودَ جميعَـهـا       و قَـبيحُ قولكَ مارقٌ شَيْطانِي

أجرمتَ حينَ رميـتَ بُـردةَ أحمدٍ      برذاذِ مُجتـرئٍ على الطوفانِ

ما عــكَّرت بَحرَ النبوةِ قطرةٌ       من حبرِ مأفُــونٍ وضــيع الــشــانِ

فوصف فعلة المعتدي بالمروق والشيطانية، والإجرام والأفن والوضاعة، ثم يبث الأمل فينا بقوله:

ما عــكَّرت بَحرَ النبوةِ قطرةٌ       من حبرِ مأفُــونٍ وضــيع الــشــانِ

نعم ما عكرت، ولا تعكر، ولن تعكر بإذن الله تعالى هذه الأحبار القبيحة، والكلمات السافلة المتدنية!

ثم يتابع شاعرنا خطاب هذا الوضيع الشأن، قائلاً:

ما زالت الـنارُ الـتي في داخلي      من فَعلَةِ "الدنْمركِ" في غـليانِ

فأتيتَ في " باريس" تٌذكي حرَّها         بالإفكِ يا " ماكرونُ " و البُهتَانِ

فَـأبَنْتَ ما في القلبِ من أحقادِهِ الـ       ـسَوداءِ نَحوَ نبيِّنا العَدناني

فيشير إلى تاريخ الاعتداء الأوربي على المقام النبوي، وأنه بدأ من الدنمارك، وانتقل إلى فرنسا، إن هذه الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد-كما ورد في الموسوعة الحرةwikipedia- " رسوم قامت صحيفة يولاندس بوستن الدنماركية بنشرها في 30 سبتمبر 2005. حيث نشرت اثنتي عشرة صورة كاريكاتيرية للرسول محمد بن عبد الله، وبعد أقل من أسبوعين وفي 10 يناير 2006 قامت الصحيفة النرويجية Magazinet والصحيفة الألمانية دي فيلت، والصحيفة الفرنسية France Soir وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر تلك الصور الكاريكاتيرية. ثم كان النشر الأخير في عهد إيمانويل ماكرون، ودفاعه عنها بحجة حرية التعبير، وقد أدى إعادة نشر هذه الصور إلى  جرح مشاعر الغالبية العظمى من المسلمين، وقوبل نشر هذه الصور الكاريكاتيرية بموجة عارمة على الصعيدين الشعبي والسياسي في العالم الإسلامي". 

ثم يعلن شاعرنا عن الشعار الإسلامي الكوني الآني(إلا رسول الله) قائلا مخاطبا عدو رسولنا الخاتم:

 

قُل ما تـشــاءُ عـن الـبـريَّةِ كُلِّها       إلا سِـراجَ النورِ للأكوانِ

إلا رسـولَ اللهِ فاحذر ، إنّهُ        مُـتـربِّعٌ في العــقــلِ و الوجدانِ

و إذا شَقَـقـتَ عــن الـصـدورِ وجـدتَهُ       في كـلِّ قلبٍ راسخَ البـنـيانِ

و إذا نظــرتَ إلى العــيـونِ رأيـتَهُ       غمـرَ العـيونَ بـفـيـضِـهِ النوراني

نعم إنه شعار كل مسلم ومسلمة، حاضر في كل قلب وعقل، ومهيمن نوره في كل جوارح المسلمين والمسلمات! ثم ينتقل بنا شاعرنا إلى الموقف السلوكي للأمة، وهو الفداء لرسولنا الخاتم، والتعريف بمقامه ومكانه، وخيريته وإنسانيته، صلى الله عليه وسلم:

نـفـديهِ بالأرواحِ ، فهْـو حبيبُنا      و شفيعُ يومِ العــرضِ و المـيـزانِ

حمل الأمانةَ هاديًا و مبَّشِرًا         بالسُّنَّةِ الغَرَّاءِ و القرآنِ

و على يديه تأدَّبَتْ أحلامُنا        لما كسانا حُلَّةَ الإيمانِ

أتلومنا في حبِّهِ ، و هو الذي      للخيرِ كان المخلصَ المُتَفاني

و لكل مكرُمَةٍ سعى متلطفاً       كي ما يحـقـقَ عِـزَّةَ الإنسانِ

بالحُـبِّ لا بالسـيـفِ يـنـشـرُ دعـوةَ الــ     ـباري و يكسِرُ شــوكةَ الطُّغـيانِ

ثم يختم الشاعر قصيدته النبوية الدفاعية، آمرًا (ماكرون) أمرا تحقيريًّا، مقرونًا بالدعاء بالسخط. قائلاً:

فاخسأْ أيا " ماكرونُ " إنك هالكٌ       و عليكَ سُخطُ اللهِ كلَّ أوانِ

فاخسأْ أيا " ماكرنْ " فإنك هالكٌ       و عليكَ سُخطُ اللهِ كلَّ زمانِ

وجميل من شاعرنا في هذا الختام إحداثه تلك المفارقة بين الاسمين(ماكرون) الأجنبي الممنوع من الصرف، لا صرفه الله، و(مكرنٌ) المعرب المشتق من الجذر (م/ك/ر) التي تدل على الخداع والكيد، وتشير إلى الحقد والحسد والعداء!

ونظل نردد جميعًا مع شاعرنا داعين:

وعليه سخط الله كل أوان

وعليه سخط الله كل زمان

إن شاعرنا بهذه النونية النبوية الدفاعية:

أعطى نبي الهدى والبر طاعته     وما ونى نصره عنه وما نزعا
المصدر: الله الله الله هكذا صحت بعد هذه القراءة البهية الممتعة لقصيدتي ( إلي متطاول علي نور الشمس) وكنت في ذات الوقت أسمعها مسجله بصوتك الرخيم و إلقائك الفخم فكنت رائعا بحق و منحت القصيدة زخما و ألقا إذ سبرت أغوارها بحرفية الناقد المتمكن الحصيف. فليبارك الله خطاك د. صبري أبو حسين و ليجعل ما كتبته عن القصيدة في ميزان حسناتك و ليكثر من أمثالك الشرفاء الذين يذودون بأدبهم شعرا و نثرا و نقدا عن خير البرية و قبلها عن الذات الإلهية فقد سمعت لك محاضرات ثلاثة ردعا لمن تطاولوا في شعرهم و بشعرهم على الذات الإلهية فأكبرتك و أكبرت ما سمعت من علم غزير و روح وثابة تنافح عن الله و رسوله فليجعل الله عملك هذا في ميزان حسناتك يا صديقي و ليبارك في أصلك و مسعاك. مع خالص محبتي و تقديري أخوكم جمال مرسي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 142 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

337,318