كتبت: د. عبير بشر
يبدو أن صالات الجيمنزيوم لم تعد كافية للحفاظ على لياقة الإنسان، فقد أصبح هناك نوع أخر من اللياقة يتعلق بالذهن والمحافظة على الوظائف الإدراكية للمخ، ومثلما يحتاج جسمك إلى الرياضة البدنية لتكتسبى رشاقة غصن البان وتحافظى على صحتك وأجهزة جسمك الحيوية، يحتاج عقلك أيضا إلى وسيلة تضمن له اللياقة الذهنية عندما يتقدم بك العمر. والطريف أنك لست مضطرة هنا إلى التحامل على نفسك وتركك مقعدك لممارسة هذا النوع من الرياضة أو التمرين الذهنى إذ يمكنك ممارستها أثناء الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر بواسطة مجموعة من الألعاب. والغريب أن التواصل الإنسانى والحياة من خلال نسيج إجتماعى قوى يضمن لك السلامة من أمراض عديدة مثل الزهايمر وغيره من أمراض تدهور وظائف المخ.
فقد إبتكرت واحدة من أكبر شركات الكمبيوتر مجموعة جديدة من البرامج فى شكل ألعاب يقول عنها مبتكروها أنها تحد من تدهور وظائف المخ الناتج عن تقدم السن، وتستهدف تلك التمارين بعض الوظائف الإدراكية فى المخ مثل التذكر والتركيز والإدراك المرتبط بالرؤية. وقد بدأهذا النوع من تمارين العقل يكتسب شعبية نتيجة إهتمام الناس بمراقبة صحتهم البدنية والذهنية بعد إرتفاع متوسط عمر الإنسان بفضل تقدم الرعاية الصحية.
وهذه التمارين لا تستهدف فقط كبار السن بل أن نظم التعليم أدركت منذ فترة طويلة الإمكانات الكامنة التى يقدمها الكمبيوتر، لذلك يستخدم كثير من المعلمين الأن ألعاب الكمبيوتر فى الفصول الدراسية كإحدى وسائل التعليم التى تزيد من كفاءة الوظائف الإدراكية لدى الأطفال. وإذا أردنا تشبيه تلك البرامج أو مناظرتها وظيفيا يمكن القول أنها مثل صالات الجيمنازيوم وبها ما يشبه كل الأجهزة الرياضية اللازمة لتنمية الوظائف الإدراكية المتنوعة، كما أن بها مدربا لمتابعة الأداء ومقارنته بما يجب أن يكون عليه.
ويؤكد العلماء الذين إبتكروا تلك البرامج أنه عند القيام بتمرين صعب فإنه يحث مجموعة من الأعصاب على المشاركة والإستجابة لما تراه وتدركه على شاشة الكمبيوتر، وأن تلك المجموعة تستحث لتعمل مع بعضها بطريقة متناغمة تساعد فى تقوية الوصلات العصبية داخل المخ مما يزيد من كفاءته الوظيفية. ويؤكد الأستاذ الدكتور شريف حمدى عبد المقصود، أستاذ المخ والأعصاب بطب القصر العينى، أن حدوث تدهور فى الوظيفة المعرفية يصاحبه تدهور فى الذاكرة والأنشطة اليومية، فلا يستطيع المسن مثلا أن يقود السيارة أو يدخل الحمام أو يأكل أو يلبس بمفرده، كما أن هناك جزءا يتعلق بالسلوك حيث يبدأ فى الشعور بالغربة والإكتئاب، ويمكن أن يظهر ذلك فى صورة رغبة فى العودة إلى المنزل بينما يكون داخل المنزل بالفعل، كما يبدأ فى رؤية خيالات فى المرايا الموجودة حوله.
ويؤكد أن تلك الأمراض تنتشر بشكل أكبر فى المجتمعات الغربية حيث تسود النظرة المادية ويعيش المسنون بمفردهم أو فى دور المسنين. أما فى مجتمعنا، فمازلنا نقاوم ونحاول التشبث بالروابط الأسرية والعائلية، لذلك نجد أن الأباء الذين يعيشون وسط أبنائهم وأحفادهم لا تظهر لديهم مثل تلك الأمراض.
ويرى د. شريف أن برامج الكمبيوتر لها فعالية فى علاج تدهور الوظائف المعرفية إلا أنها تناسب المجتمعات الغربية أكثر من مجتمعنا المصرى لأن المسنين فى الغرب يجيدون إستخدام الكمبيوتر منذ سنوات طويلة كما أن نمط حياتهم داخل دور الرعاية يوفر لهم الظروف الملائمة لهذا النوع من العلاج. أما فى مصر فهناك طرق أخرى أكثر ملائمة لتنشيط وظائف المخ أبرزها ما كان يفعله الحرافيش، إذ يضرب لنا د. شريف المثل بالأديب العالمى نجيب محفوظ والفنان القدير أحمد مظهر اللذين بقيا حتى أخر لحظة قبل وفاتهما وهما فى كامل لياقتهما الذهنية، والسبب فى رأيه يرجع إلى اللقاء الإسبوعى لمجموعة من الحرافيش حيث كانو يجتمعون بشكل دورى منتظم ويستعيدون ذكريات سنوات طويلة مضت، وكان هذا الإجتماع بمثابة أفضل تمرين للمخ ، ويطبق نفس المفهوم فى الدول الأجنبية بإستخدام تسجيلات الفيديو والصور التذكارية.
وفى بعض الأحيان يلجأ الأطباء إلى تحويل البيت إلى منطقة مرور يتم فيها إستخدام أسهم مكتوب عليها إلى المطبخ أو إلى الحمام مثلا لمساعدة المسن فى التذكر. وهناك أسلوب آخر يعتمد على توظيف أصوات الطبيعة لتمرين المخ مثل أصوات العصافير وأمواج البحر وأصوات الرياح.
كما أن ضوء الشمس الطبيعى له دور كبير فى تنبيه المخ ولذلك ينصح الأطباء بالتعرض لشمس الصباح كلما أمكن، وفى البلاد التى تغيب عنها الشمس يتم الإستعاضة عنها بإستخدام إضاءة قوية فى الصباح وقد لوحظ تحسن سلوك المسنين وإستغراقهم فى النوم ليلا. كما يتم توظيف نظرية الإرتباط الشرطى للعالم الروسى بافلوف حيث يتم ربط دخول الحمام مثلا بسماع صوت جرس حلا لمشكلة التبول اللاإرادى عند بعضهم.
وتوصل العلماء إلى أن عملية تدليك سطح اليد من أعلى بزيوت طبيعية طيارة ذات رائحة ذكية يعطى نتيجة فى تحسين سلوك المسنين، ويفضل عند قيامهم بالسلوك السليم ان نقوم بالتربيت على ظهورهم فى لمحة تعبير عن الحنان والإهتمام. وعلى الرغم من أن التمرينات المعتادة تحسن صحة جسم الإنسان عامة، إلا أن تدريب كبار السن على القيام بحركات رياضية تخدم الوظائف اليومية التى يقومون بها أتت بنتيجة أفضل ويطلق الأطباء عليها التمرينات الهادفة بغرض تصحيح معرفة المخ.
وقد نجح الأطباء فى تحسين حالات الزهايمر عن طريق جعل المرضى يستمعون إلى أيات القران الكريم لمدة ربع ساعة يوميا. كما ينصح د. شريف بضرورة أصطحاب المريض وسط مجموعة من الناس الذين يعرفهم للتمشية والتعرف على المكان المحيط به وتذكيره بالأماكن والشوارع والمبانى المميزة للمنطقة التى يسكنها وليستعيد معرفته بها مما يساعد فى تنبيه العقل، مع مراعاة عدم تغيير أماكن إقامة المسنين فجأة ولمدة طويلة حتى لا يصاب بالهلع، بل تكون الإقامة فى منزله ويتريض فى المنطقة المحيطة ولمدة قصيرة، مع عدم تغيير أماكن الأشياء التى إعتاد عليها. أما بالنسبة لإستخدامات ألعاب الكمبيوتر فى تعليم الأطفال وزيادة مهارتهم، فيؤكد د. شريف حمدى أنها بلا شك تزيد من مهارتهم الذهنية والمعرفية وتجعل خبراتهم تسبق سنهم، إلا أنها تزيد من عزلتهم الإجتماعية ولذلك لا يجب الإنغماس فيها لمدة طويلة.
ساحة النقاش