كتبت: د. عبير بشر
حلم كل أم أن تنعم بأطفال أصحاء، ومن أجل تحقيق تلك الأمنية الغالية يقع على عاتقها مسئولية كبيرة سواء فى فترة الحمل بتناول أغذية صحية وتحقيق التوازن الغذائى أو فى فترة ما بعد الولادة من الإهتمام بتغذية الطفل بالرضاعة الطبيعية ومتابعة نموه وحالته الصحيه عن كثب. ومن الحالات التى تحتاج من الأم إلى مراقبة دقيقة ورعاية خاصة "الصفراء" التى تصيب عددا كبيرا من المواليد وتحتاج فى بعض الأحيان إلى دخول الطفل فى حضانة عندما ترتفع نسبتها فى الدم.
ولكى نعرف أسباب الصفراء التى تصيب الأطفال حديثى الولادة توجهنا بالسؤال إلى الأستاذة الدكتورة هناء القراقصى أستاذة طب الأطفال بجامعة القاهرة التى أكدت لنا أن الصفراء التى تصيب حديثى الولادة أنواع كثيرة أبسطها هى الصفراء الفسيولوجية وتصيب 50 % من المواليد فى جميع أنحاء العالم وهى نسبة عالية. إذا عرفنا أن عدد المواليد فى مصر هو مليون و200 ألف نسمة سنويا يمكننا أن نتوقع 600 ألف حالة، وهؤلاء لا يحتاجون للعلاج أصلا لأن الصفراء الفسيولوجية ليست مرضا بل هى ظاهرة طبيعية منتشرة تحدث لنصف مواليد العالم.
وترجع أسباب الصفراء الفسيولوجية إلى فترة الحمل حين يكون الطفل داخل الرحم وهى مساحة ضيقة ويحتاج إلى كمية كبيرة من الأكسجين لينمو ويتنفس، لذلك يوجد لديه هرمون تفرزه الكلى يساعده على تكوين كرات دم حمراء بمعدل أكبر من المعتاد، فإذا كان الإنسان السليم البالغ يصل الهيموجلوبين لديه إلى 14، نجد أن هيموجلوبين الأجنه يصل غلى 18 وأحيانا 20، وهذا يفسر سبب إحمرار لون بشرة المواليد والهيموجلوبين هو المادة المسئولة عن نقل الأكسجين للخلايا.
وبعد أن تتم عملية الولادة تصبح تلك النسبة المرتفعة غير مطلوبة، فيبدأ جسم الطفل فى تكسيرها، ونتيجة لعملية تكسير الهيموجلوبين الزائد تتكون مادة الصفراء، وهنا يأتى دور كبد الطفل فى التخلص من مادة الصفراء. والمشكلة أن كبد الطفل حديثى الولادة يستيقظ فجأة على وجود كمية كبير من الصفراء تشكل عبئا كبيرا عليه قد لا يستطيع القيام به بسرعة، ولذلك ترتفع نسبة الصفراء فى الدم وهنا لا يستلزم الأمر سوى متابعة عن كثب من الأم والطبيب و تكرار عملية قياس معدل الصفراء للتأكد من أنها فى المستوى الأمن. ومن أهم أعراض الصفراء الفسيولوجية أنها تبدأ فى اليوم الثانى أو الثالث للولادة.
فإذا بدأت فى الظهور على طفلك فى أول 24 ساعة تكون صفراء مرضية نتيجة عدم توافق فصائل الدم بين الأم والطفل أو نتيجة عدوى إنتقلت من الأم إلى الطفل أثناء الحمل. وثانى أعراضها أن لها منحنى حيث تبدأ منخفضة ثم ترتفع إلى قمتها عند اليوم الخامس وتتراوح نسبة الصفراء فيه ما بين 12 إلى 15 مليجراما، ويبدأ المنحنى فى الإنخفاض وتنتهى فى غضون عشرة إلى أربعة عشر يوما.
تؤكد د. هناء أن تحليلات الطفل إذا لم تطابق مواصفات هذا المنحنى سواء فى نسبة الصفراء أو موعد ظهورها ووصولها القمة وإنتهائها تكون صفراء مرضية تستلزم علاجا يدخل فيه الطفل إلى حضانة خاصة تساعده لخفض نسبة الصفراء فى جسمه. يمكن لطبيب الأطفال أن يكتشف الصفراء بسهولة عن طريق جهاز دقيق يقيس نسبتها من سطح الجلد فى المستويات التى تقل عن 15 مليجراما، أما إذا زادت عن ذلك فلابد من تحليل الدم لأن جهاز الجلد يصبح غير دقيق.
وتنصح د. هناء كل أم أن تحصل على نتيجة تحليل الصفراء من عينة الدم بعد ساعة من تسليمها للمعمل حتى تستطيع أن تعرضها على الطبيب لإتخاذ الإجراءات اللازمة بسرعة، إن أبرز عيوب الصفراء الفسيولوجية أنه لا يمكن تشخيصها إلا بعد مرور إسبوعين وإنتهائها من جسم الطفل حتى نتأكد أن تحليلات الطفل تطابق المنحنى، لذلك لابد من المتابعة الدقيقة.
يبدأ دور الأم منذ لحظة الولادة و يجب عليها ملاحظة لون بياض عين الطفل فى ضوء النهار الطبيعى للتأكد من عدم وجود إصفرار، كذلك مراقبة لون جلد الأنف عندما يبكى الطفل أو يضحك فإذا ظهر أى إصفرار يجب أن تصحبه أمه بسرعة إلى أخصائى أطفال. عندما ترتفع نسبة الصفراء عن 15 مليجراما يأتى دور الحضانة التى يدخلها الطفل شبه عارى مع تغطيه عينيه حتى يتعرض لضوء طبى له طول موجى يحول الصفراء إلى مواد أبسط وأسهل إستخراجا عن طريق الكبد والبول، ويتم تغيير وضع الطفل حتى يتعرض جسمه كله للضوء.
وتحذر د. هناء من الإهمال لأن المستويات العالمية من الصفراء تتسرب إلى خلايا المخ وتسبب تسمما فى جسم المولود أو صمما أو تخلفا عقليا، وذلك حسب الكمية التى ترسبت وعدد الأيام، وفى بعض الحالات عندما تصل نسبة الصفراء إلى 30 مليجراما يضطر الطبيب إلى تغيير دم الطفل بالكامل.
كما يعد لون البول أحد أهم الأعراض التى تساعد الأم فى التمييز بين الصفراء الفسيولوجية و المرضية المباشرة وعندما يكون لونه داكنا بلون الشاى تكون الصفراء مرضية مباشرة نتيجة إصابة خلايا الكبد أو القناة المرارية أو نقص سوائل جسم الطفل ويجب أن يعرض الطفل على الطبيب فورا لأن إنسداد القنوات المرارية يستلزم إجراء جراحة للمولود قبل مرور ستين يوما حتى نتجنب تليف كبده. وتؤكد د. هناء القراقصى أن الصفراء الفسيولوجية غير معدية على الإطلاق، ومن ثم لا تنتقل من الطفل إلى إخوته، وكلما قل وزن الطفل أو عدد اسابيع الحمل كلما كان الأمر أخطر وأحوج إلى المتابعة المكثفة لأن القواعد السابق شرحها لا تنطبق على ناقصى الوزن أو الحمل المبتسر، كما ننصح كل أم بالإستمرار فى الرضاعة الطبيعية المنتظمة.
ساحة النقاش