المدرسة المعرفيّة وتطبيقاتها في التعلّم اللغويّ :
""""""""""""""""""""""""""""""
تنظر المدرسة المعرفيّة إلى اللغة على أنّها قدرات كامنة عند الإنسان , تعمل البيئة المحيطة على تفتّحها وتطويرها , بعكس المدرسة السلوكيّة التي ترى أنّ اللغة عادات تكتسب من الوسط الخارجيّ عن طريق حاسة السمع بعد أن يتمّ تعزيز الاستجابات الصحيحة , وتميّز المدرسة المعرفيّة بين كلّ من الكلام , واللغة ,حيث يذهب تشومسكي Chomsky إلى أنّ السلوك اللغويّ ينقسم إلى جانبين : اللغة , والكلام , فاللغة هي الكفاية أو القدرة الداخليّة Competence, في حين أن الكلام مظهر خارجيّ يعبّر عن القدرة الداخليّة في صورة أداء Performance " ( خرما , 1989 , 76 ) .
وبذلك فإنّ دراسة اللغة ينبغي أن تركّز على القدرة الداخليّة , وليس على الأداء الذي يعكس تلك القدرة إلاّ إذا كان الهدف من دراسة الأداء استنتاج ما ينطوي عليه من قدرة داخليّة .
ويرى تشومسكي أيضاً أنّ كلّ فرد " يولد مزوّداً بقدرة فطريّة تمكّنه من تعلّم اللغة واكتسابها , وهذه الفطرة أسماها تشومسكي جهاز اكتساب اللغة . " ( خرما , 1989 , 38 ) .
ونظراً لانصراف تركيز المدرسة المعرفيّة على القدرات اللغويّة الكامنة , فقد كانت سيكولوجيّة التفكير , ومشكلات المعرفة , والإدراك , والجوانب الاجتماعيّة في التعلّم من الأمور التي أولتها جلّ اهتمامها , على عكس المدرسة السلوكيّة ركّزت على مفاهيم المثير , والاستجابة , والتعزيز , والأثر , والعقاب , والثواب , والكفّ , وغير ذلك من المفاهيم المرتبطة بضبط السلوك , والتحكّم فيه .
وبذلك فإنّ " النظريّات المعرفيّة لا ترى الإنسان سالباً يستمع , ويحاكي , ويكرّر ما يستمع إليه فحسب , بل إنّه كائن فاعل في عمليّة اكتساب اللغة , ولا تجري عليه قوانين التعلّم التي اشتقت من التجريب على الحيوان ." ( عصر , 2000 , 95 ) .
وقد تعدّدت نظريّات التعلّم وفق المدرسة المعرفيّة , وكان من أبرز تلك النظريّات , نظريّة ( الجشطلت ) , ونظريّة النمو المعرفيّ لبياجيه , ونظريّة التعليم الاجتماعيّ .
فنظريّة الجشطلت – وهي أساسا ًنظريّة في التفكير وحلّ المشكلات – تتلخّص في " أنّ الكلّ ( الجشطلت ) شيء مختلف عن مجموع أجزائه , بل إنّه نظام مترابط باتّساق , وأجزاؤه ليست ساكنة , بل ديناميّة متفاعلة بعلاقات غير منظورة , وهو – أي الكلّ – سابق على أجزائه , ومنه الجملة Sentence في اللغة , وهي ليست مجرّد أركان , عمداً وفضلات , ولكنّها صورة ذهنيّة كلّيّة تسبق أجزاءها , أو هي بنية عميقة في عقل المتكلّم قبل أن تتجسّد في منطوق ( شكل ) صوتيّ أو مكتوب .
والتعلّم في هذه النظريّة يعتمد على الإدراك الحسّيّ , وينطوي على التنظيم , وإعادة التنظيم , والمعنى , والاستبصار , والفهم , وهذان العنصران الأخيران يساعدان على نقل التعلّم من مواقف إلى غيرها . " ( عصر , 2000, 96 ) .
وتعنى نظريّة النمو العقليّ لجان بياجيه بالنموّ العقليّ وما يمرّ به من تطوّر , وللمعرفة عند بياجيه جانبان : جانب شكليّ Figurative , يتمثّل في الإلمام بالمثيرات التي يتعرّض لها الفرد بشكلها المحسوس , ويمكن تخزينها دون تبصّر بمدلولاتها العميقة , وجانب إجرائيّ Operational , ينتج في الغالب عن تمحيص عقليّ لا يكتفي بالتعرّف إلى المثيرات الحسيّة فحسب , وإنّما يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد من ذلك بالاستناد إلى عوامل عدّة , منها عامل الوراثة , ودرجة النمو العقليّ للفرد , وعامل البيئة بما فيها من مثيرات ثقافيّة خصبة تسهم في النموّ العقليّ للأفراد .
وبذلك فإنّ " المعرفة الإجرائيّة عند بياجيه هي المعرفة الحقّ , ومصادرها ليست في البيئة الخارجيّة المحيطة بالفرد , ولكنّها مصادر داخليّة تتحدّد في التفاعلات الموجودة بين العمليّات العقليّة . " ( عصر , 2000 , 97 ) .
ومن هنا يبدو الاختلاف بين نظريّة الجشتلطت , ونظريّة النمو العقليّ لبياجيه , حيث يرى الجشتلطيّون أنّ الفرد يولد مزوّداً بصيغ كليّة تعينه على التعلّم بعامّة , والتعلّم اللغويّ بخاصّة , بينما يرى بياجيه أنّ الفرد هو الذي يصنع تلك الصيغ من خلال تفاعله بالبيئة .
ويركّز علماء التعلّم الاجتماعيّون على البيئة , وما تزخر به من معان , وخبرات , ويرون أنّ التعلّم الحقيقيّ , واكتساب تلك الخبرات والمعاني لا يحدث دون التفاعل مع الأفراد في تلك البيئة , فخبرات كلّ فرد في البيئة تؤثّر في بخبرات الآخر, وتتأثّر بها , والسلوك البشريّ لا يحدث بمعزل عن شروط البيئة الزمانيّة أو المكانيّة , كما أنّ هذا السلوك – وهو في الأصل سلوك هادف - لا يمكن عزوه وفقاً للنظريّة السلوكيّة إلى المثيرات والاستجابات المعزّزة فقط , بل يمكن توقّع حدوث الاستجابات الصحيحة ؛ نتيجة توقّع تحقّق أهداف السلوك الإنسانيّ الذي هو سلوك هادف كما أشرتا آنفاً , والمعزّزات وحدها ليست المسؤولة عن صدور الاستجابات الصحيحة , بل يظهر تأثير البيئة جليّاً - بما فيها من تفاعلات ثقافيّة - في حدوث التعلّم , فدراسة السلوك الإنسانيّ لا تعدو دراسة تفاعل الإنسان وبيئته المحيطة .
وقد أسفرت نظريّات التعلّم المعرفيّة عن جملة من الأفكار في مجال التطبيقات التعليميّة , ومنها تطبيقات التعلّم اللغويّ , وكان من أبرز تلك الأفكار :
1. قدرة كلّ إنسان على أن يتعلّم اللغة – أيّ لغة – في أيّ زمان أو مكان , وليس تعلّم اللغة خاضع للارتباط الشرطيّ بين المثيرات والاستجابات كم هي الحال في المدرسة السلوكيّ .
2. معرفة المعايير اللغويّة ( قواعد اللغة ) التي يسير الكلام وفقها أمر ضروريّ لتعلّم اللغة , ولا يمكن تعلّم اللغة بالاعتماد على الكلام وحده – وهو هنا الأداء – فثمّة فرق بين اللغة ( المكوّن المعرفيّ ) , والكلام ( المكوّن المهاريّ ) الذي ينبغي أن يكون متماشياً مع المكوّن المعرفيّ , وخاضعاً لقواعده .
3. استحالة حفظ كلّ جملة في اللغة وتخزينها في الذاكرة كالكلمات , وبالتالي فإنّ التعليم الحقيقيّ للغة يتمّ من خلال تعليم القواعد الكليّة للغة التي تستطيع إنتاج قدر غير محدود من الجمل والمعاني المنطوقة أو المكتوبة .
4. على الرغم من أنّ الفرد نادراً ما يفكّر في القواعد التي تحكم لغته المنطوقة , إلاّ أنّ معرفة تلك القواعد يسهم إلى حدّ كبير في التخلّص من الأغلاط اللغويّة نطقاً وكتابة , وفي الارتقاء بمستوى التعبير والتواصل .
5. التعزيز في التعلّم اللغويّ ليس شرطاً لاطّراد الاستخدام اللغويّ الصحيح , ولذلك فالتعويل عليه لإنتاج لغة صحيحة أمر غير مؤكّد عند أنصار المدرسة المعرفيّة .
6. الفهم أمر ضروريّ في التعلّم اللغويّ لدى المدرسة السلوكيّة , ومن دون الفهم لا يمكن تعلّم تراكيب اللغة , ومن ثمّ استخدامها .
7. إكساب المتعلّمين كفاية التواصل الاجتماعيّ Social Communicative Competence , واستخدام المقال المناسب لكلّ مقام من الأمور الرئيسة التي تركّز عليها المدرسة المعرفيّة في التعلّم اللغويّ , ويوازي الدرجة نفسها التي يتمّ التركيز فيها على قواعد اللغة .
منقول بتصرف
نشرت فى 3 يناير 2015
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,659,479
ساحة النقاش