الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

المدرسة المعرفيّة وتطبيقاتها في التعلّم اللغويّ :
""""""""""""""""""""""""""""""
تنظر المدرسة المعرفيّة إلى اللغة على أنّها قدرات كامنة عند الإنسان , تعمل البيئة المحيطة على تفتّحها وتطويرها , بعكس المدرسة السلوكيّة التي ترى أنّ اللغة عادات تكتسب من الوسط الخارجيّ عن طريق حاسة السمع بعد أن يتمّ تعزيز الاستجابات الصحيحة , وتميّز المدرسة المعرفيّة بين كلّ من الكلام , واللغة ,حيث يذهب تشومسكي Chomsky إلى أنّ السلوك اللغويّ ينقسم إلى جانبين : اللغة , والكلام , فاللغة هي الكفاية أو القدرة الداخليّة Competence, في حين أن الكلام مظهر خارجيّ يعبّر عن القدرة الداخليّة في صورة أداء Performance " ( خرما , 1989 , 76 ) . 
وبذلك فإنّ دراسة اللغة ينبغي أن تركّز على القدرة الداخليّة , وليس على الأداء الذي يعكس تلك القدرة إلاّ إذا كان الهدف من دراسة الأداء استنتاج ما ينطوي عليه من قدرة داخليّة .
ويرى تشومسكي أيضاً أنّ كلّ فرد " يولد مزوّداً بقدرة فطريّة تمكّنه من تعلّم اللغة واكتسابها , وهذه الفطرة أسماها تشومسكي جهاز اكتساب اللغة . " ( خرما , 1989 , 38 ) .
ونظراً لانصراف تركيز المدرسة المعرفيّة على القدرات اللغويّة الكامنة , فقد كانت سيكولوجيّة التفكير , ومشكلات المعرفة , والإدراك , والجوانب الاجتماعيّة في التعلّم من الأمور التي أولتها جلّ اهتمامها , على عكس المدرسة السلوكيّة ركّزت على مفاهيم المثير , والاستجابة , والتعزيز , والأثر , والعقاب , والثواب , والكفّ , وغير ذلك من المفاهيم المرتبطة بضبط السلوك , والتحكّم فيه .
وبذلك فإنّ " النظريّات المعرفيّة لا ترى الإنسان سالباً يستمع , ويحاكي , ويكرّر ما يستمع إليه فحسب , بل إنّه كائن فاعل في عمليّة اكتساب اللغة , ولا تجري عليه قوانين التعلّم التي اشتقت من التجريب على الحيوان ." ( عصر , 2000 , 95 ) .
وقد تعدّدت نظريّات التعلّم وفق المدرسة المعرفيّة , وكان من أبرز تلك النظريّات , نظريّة ( الجشطلت ) , ونظريّة النمو المعرفيّ لبياجيه , ونظريّة التعليم الاجتماعيّ .
فنظريّة الجشطلت – وهي أساسا ًنظريّة في التفكير وحلّ المشكلات – تتلخّص في " أنّ الكلّ ( الجشطلت ) شيء مختلف عن مجموع أجزائه , بل إنّه نظام مترابط باتّساق , وأجزاؤه ليست ساكنة , بل ديناميّة متفاعلة بعلاقات غير منظورة , وهو – أي الكلّ – سابق على أجزائه , ومنه الجملة Sentence في اللغة , وهي ليست مجرّد أركان , عمداً وفضلات , ولكنّها صورة ذهنيّة كلّيّة تسبق أجزاءها , أو هي بنية عميقة في عقل المتكلّم قبل أن تتجسّد في منطوق ( شكل ) صوتيّ أو مكتوب .
والتعلّم في هذه النظريّة يعتمد على الإدراك الحسّيّ , وينطوي على التنظيم , وإعادة التنظيم , والمعنى , والاستبصار , والفهم , وهذان العنصران الأخيران يساعدان على نقل التعلّم من مواقف إلى غيرها . " ( عصر , 2000, 96 ) .
وتعنى نظريّة النمو العقليّ لجان بياجيه بالنموّ العقليّ وما يمرّ به من تطوّر , وللمعرفة عند بياجيه جانبان : جانب شكليّ Figurative , يتمثّل في الإلمام بالمثيرات التي يتعرّض لها الفرد بشكلها المحسوس , ويمكن تخزينها دون تبصّر بمدلولاتها العميقة , وجانب إجرائيّ Operational , ينتج في الغالب عن تمحيص عقليّ لا يكتفي بالتعرّف إلى المثيرات الحسيّة فحسب , وإنّما يتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد من ذلك بالاستناد إلى عوامل عدّة , منها عامل الوراثة , ودرجة النمو العقليّ للفرد , وعامل البيئة بما فيها من مثيرات ثقافيّة خصبة تسهم في النموّ العقليّ للأفراد .
وبذلك فإنّ " المعرفة الإجرائيّة عند بياجيه هي المعرفة الحقّ , ومصادرها ليست في البيئة الخارجيّة المحيطة بالفرد , ولكنّها مصادر داخليّة تتحدّد في التفاعلات الموجودة بين العمليّات العقليّة . " ( عصر , 2000 , 97 ) .
ومن هنا يبدو الاختلاف بين نظريّة الجشتلطت , ونظريّة النمو العقليّ لبياجيه , حيث يرى الجشتلطيّون أنّ الفرد يولد مزوّداً بصيغ كليّة تعينه على التعلّم بعامّة , والتعلّم اللغويّ بخاصّة , بينما يرى بياجيه أنّ الفرد هو الذي يصنع تلك الصيغ من خلال تفاعله بالبيئة . 
ويركّز علماء التعلّم الاجتماعيّون على البيئة , وما تزخر به من معان , وخبرات , ويرون أنّ التعلّم الحقيقيّ , واكتساب تلك الخبرات والمعاني لا يحدث دون التفاعل مع الأفراد في تلك البيئة , فخبرات كلّ فرد في البيئة تؤثّر في بخبرات الآخر, وتتأثّر بها , والسلوك البشريّ لا يحدث بمعزل عن شروط البيئة الزمانيّة أو المكانيّة , كما أنّ هذا السلوك – وهو في الأصل سلوك هادف - لا يمكن عزوه وفقاً للنظريّة السلوكيّة إلى المثيرات والاستجابات المعزّزة فقط , بل يمكن توقّع حدوث الاستجابات الصحيحة ؛ نتيجة توقّع تحقّق أهداف السلوك الإنسانيّ الذي هو سلوك هادف كما أشرتا آنفاً , والمعزّزات وحدها ليست المسؤولة عن صدور الاستجابات الصحيحة , بل يظهر تأثير البيئة جليّاً - بما فيها من تفاعلات ثقافيّة - في حدوث التعلّم , فدراسة السلوك الإنسانيّ لا تعدو دراسة تفاعل الإنسان وبيئته المحيطة .
وقد أسفرت نظريّات التعلّم المعرفيّة عن جملة من الأفكار في مجال التطبيقات التعليميّة , ومنها تطبيقات التعلّم اللغويّ , وكان من أبرز تلك الأفكار :
1. قدرة كلّ إنسان على أن يتعلّم اللغة – أيّ لغة – في أيّ زمان أو مكان , وليس تعلّم اللغة خاضع للارتباط الشرطيّ بين المثيرات والاستجابات كم هي الحال في المدرسة السلوكيّ .
2. معرفة المعايير اللغويّة ( قواعد اللغة ) التي يسير الكلام وفقها أمر ضروريّ لتعلّم اللغة , ولا يمكن تعلّم اللغة بالاعتماد على الكلام وحده – وهو هنا الأداء – فثمّة فرق بين اللغة ( المكوّن المعرفيّ ) , والكلام ( المكوّن المهاريّ ) الذي ينبغي أن يكون متماشياً مع المكوّن المعرفيّ , وخاضعاً لقواعده .
3. استحالة حفظ كلّ جملة في اللغة وتخزينها في الذاكرة كالكلمات , وبالتالي فإنّ التعليم الحقيقيّ للغة يتمّ من خلال تعليم القواعد الكليّة للغة التي تستطيع إنتاج قدر غير محدود من الجمل والمعاني المنطوقة أو المكتوبة .
4. على الرغم من أنّ الفرد نادراً ما يفكّر في القواعد التي تحكم لغته المنطوقة , إلاّ أنّ معرفة تلك القواعد يسهم إلى حدّ كبير في التخلّص من الأغلاط اللغويّة نطقاً وكتابة , وفي الارتقاء بمستوى التعبير والتواصل .
5. التعزيز في التعلّم اللغويّ ليس شرطاً لاطّراد الاستخدام اللغويّ الصحيح , ولذلك فالتعويل عليه لإنتاج لغة صحيحة أمر غير مؤكّد عند أنصار المدرسة المعرفيّة .
6. الفهم أمر ضروريّ في التعلّم اللغويّ لدى المدرسة السلوكيّة , ومن دون الفهم لا يمكن تعلّم تراكيب اللغة , ومن ثمّ استخدامها .
7. إكساب المتعلّمين كفاية التواصل الاجتماعيّ Social Communicative Competence , واستخدام المقال المناسب لكلّ مقام من الأمور الرئيسة التي تركّز عليها المدرسة المعرفيّة في التعلّم اللغويّ , ويوازي الدرجة نفسها التي يتمّ التركيز فيها على قواعد اللغة .
منقول بتصرف

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 165 مشاهدة
نشرت فى 3 يناير 2015 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,654