أقسام التوحيد وتعريفاتها:
قسم أهل العلم من أهل السنة والجماعة التوحيد إلى أقسام:
فمن العلماء من قسمه إلى قسمين (إجمالا) وهما:
1- التوحيد في المعرفة والإثبات.
2- التوحيد في المطلب والقصد.
فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وعلوه فوق سماواته على عرشه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه، وقدره، وحكمه، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح. كما في أول سورة الحديد، وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة [تنزيل] السجدة، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك.
النوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1] وقوله: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [آل عمران: 64]، وأول سورة ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ ﴾ وآخرها، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد. [1]
ومنهم من قسمه إلى ثلاثة أقسام (تفصيلا) هي:
1- توحيد الربوبية.
2- توحيد الألوهية.
3- توحيد الأسماء والصفات.
وعلموا ذلك بالتتبع والاستقراء والنظر في آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، فوجدوا أن التوحيد لا يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة.
وقد جاء هذا التقسيم (في عبارات المتقدمين من أئمة الحديث والأثر، فجاء عند أبي جعفر الطبري في تفسيره وفي غيره من كتبه، وفي كلام ابن بطة، وفي كلام ابن منده، وفي كلام ابن عبد البر، وغيرهم من أهل العلم من أهل الحديث والأثر، خلافاً لمن زعم من المبتدعة أنَّ هذا التقسيم أحدثه ابن تيمية، فهذا التقسيم قديم يعرفه من طالع كتب أهل العلم التي ذكرنا).[2]
تعريف الاقسام الثلاثة:
1- توحيد الربوبية:
وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه، أو (إفراد الله سبحانه وتعالى بالخلق، والملك، والتدبير)، فلا خالق إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62]، ولا مالك الا الله، كما قال الله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الملك: 1] ولا مدبر إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [السجدة: 5]، ولا رازق إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ [هود: 6]، ولا محيي ولا مميت إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يونس: 56].
وهذا النوع قد أقر به الكفار على زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدخلهم في الإسلام، وقال الله تعالى فيهم: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ [لقمان: 25].
وقال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾ [المؤمنون: 86، 87].
وإقرار المشرك بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه لا ينجيه من عذاب الله، ولا يصير الرجل بمجرده مسلمًا فضلاً عن أن يكون وليًا لله أو من سادات الأولياء إن لم يقترن به إقراره بأن لا إله إلا الله فلا يستحق العبادة إلا هو وأن محمدًا رسول الله.
2 - توحيد الألوهية:
وهو توحيد الله بأفعال العباد التي أمرهم بها، فتصرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، مثل الدعاء والخوف والتوكل والاستعانة والاستعاذة وغير ذلك، فلا ندعو إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، ولا نخاف إلا الله، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، ولا نتوكل إلا على الله، كما قال تعالى: ﴿ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، ولا نستعين إلا بالله، كما قال تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، ولا نستعيذ إلا بالله، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1].
وهذا النوع من التوحيد هو الذي جاءت به الرسل عليهم السلام، حيث قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [النحل: 36].
وهذا النوع هو الذي أنكره الكفار قديماً وحديثاً، قال تعالى: ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 5].
3- توحيد الأسماء والصفات:
وهو الإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة الثابتة من اسماء الله وصفاته التي وصف الله بها نفسه أو وَصَفَه بها رسوله صلى الله عليه واله وسلم على الحقيقة. ويتضمن إثبات نعوت الكمال لله بإثبات أسمائه الحسنى وما تتضمنه من صفاته.
فمن أسماء الله تعالى الثابتة في الكتاب والسنة: الرحمن ويتضمن صفة الرحمة، والسميع ويتضمن صفة السمع، والعزيز ويتضمن صفة العزة، والحكيم ويتضمن صفة الحكمة، والقدير يتضمن صفة القدرة، سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، وقال عز وجل: ﴿ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وقال سبحانه: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر].
[فأقسام التوحيد هي هذه الثلاثة، وليس هناك قسم رابع، كما يقول بعض الناس: توحيد الحاكمية، وبعضهم يأتي بقسم خامس ويقول: توحيد المتابعة، فتكون أقسام التوحيد خمسة: توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الربوبية، وتوحيد العبادة، وتوحيد الحاكمية، وتوحيد المتابعة، فهذا لا معنى له؛ لأن توحيد المتابعة داخل في توحيد الإلهية، وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية، لأن الرب جل وعلا هو الذي يحكم بين خلقه، وهو الذي يشرع ويأمر وينهى عباده، فإذا انصرف الإنسان إلى شارع آخر ومحكم آخر فإنه أشرك في توحيد الربوبية، والشرك في توحيد الربوبية يستلزم الشرك في توحيد الإلهية][3]. ا. هـ.
[1] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين : العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية [المتوفى: 751هـ]
تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي، الناشر دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الثالثة 1416 هـ - 1996م، 3: 418.
[2] شرح العقيدة الطحاوية: الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، نسخة الكترونية من المكتبة الشاملة الاصدار 3.48
[3] شرح كتاب التوحيد : الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان، دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية - رقم الدرس 3
نشرت فى 19 مارس 2014
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,662,273
ساحة النقاش