تطوير المناهج و التحولات في المشهد التربوي المعاصر
التركيز على المتعلم لعل التحول الأكثر بروزا في المشهد التربوي المعاصر , يكمن في السعي نحو نشر فكرة ضرورة تمحور التعليم على المتعلم ذاته. بطبيعة الحال ليس في ذلك تجديد كلي وجذري ,إذ وكما هو معلوم, فإن هذا التيار ميز التربية الحديثة منذ نشأتها أوائل القرن الماضي, حيث ناضلت العديد من المدارس الحديثة في التربية وبصفة خاصة التربية المؤسساتية, ضد التعلم الذي يقوم على أسلوب الإلقاء – التلقي . وضد غلبة العملية التعليمية على حساب العملية التعلمية ( التعليم على حساب التعلم). كما نشط بعض الباحثين في اتجاه تعميم فكرة جعل التلميذ في مركز النظام التعليمي هذه الفكرة التي كانت خلال العشرية الماضية وراء العديد من البحوث و المؤلفات و التي تناولت مواضيع من مثل موضوع الوصاية , تفريد المساعدة, العمل الشخصي للتلميذ ، إتقان التعلم ... و السؤال الآن ، هل دخلت هذه الأفكار بالفعل إلى المدارس وهل وجدت طريقها إلى الممارسة وحجرات الدرس ؟ وما هي معيقات التطبيق وصعوباته ؟ إن هذا التمركز حول المتعلم ، خاصة عندما يتشخص فيما يعرف بالتعلم الذاتي , يعني أن التلميذ هو الذي يبني معلوماته وعلمه وأن لا أحد يمكن أن يحل محله و أن يعوضه في هذه العملية . بطبيعة الحال ذلك لا يعني تهميش دور المدرس ، بل بالعكس . إن المدرس يعمل باستمرار على اكتشاف أخطاء التلاميذ في منطقهم الخاص و في أسلوبهم في التفكير وفي أدائهم و إنتاجاتهم الشخصية. و الكشف عن دلالات تلك الأخطاء و بالتالي عن كيفية إصلاحها و تجاوزها . إن الأخطاء أمر طبيعي في عملية التعلم , إنها لم تعد الأغلاط التي تستدعي محاسبة مرتكبيها ومعاقبتهم .إ ن الأخطاء تصبح مؤشرات مفيدة في فهم خصوصيات تفكير التلاميذ وذكائهم و منطقهم الخاص مما يساعد المعلم على تنظيم نشاطه بشكل فعال .( Astolfi J.P. 2001 ) . وعلى سبيل المثال , فقد أثبتت العديد من الدراسات وجود لدى التلاميذ, وقبل شروعهم في التحصيل , أفكار و تمثلات خاصة عن مختلف المواضيع التي يدرسونها . وهذا ما يحدث بالنسبة لمعظم إن لم نقل لجميع المفاهيم العلمية ، سواء في الأحياء أو الفيزياء و الكيمياء ...مثل الهضم والتغذية والتكاثر والطقس والحرارة وتحول المادة والقوة و التيارات الكهربائية ... إن الأطفال ومنذ حداثة سنهم يكونون تصورات ويستدخلون تمثلات حول جسمهم وبيئتهم وحول مختلف الظواهر المحيطة بهم . وما نلاحظه هو مقاومة تلك التصورات الشديدة ، لجهود التعليم. تلك المقاومة التي تستمر لديهم لمدة طويلة ودون تغيير يذكر, إلى حين وصولهم إلى الجامعة . لذلك فمن الضروري العناية بتلك التصورات و التمثلات الخاصة والاهتمام عموما بجميع المكتسبات السابقة للمتعلم , والتي ينبغي إيلاؤها ما تستحقه من عناية، بل وجعلها في قلب النشاط التعليمي . إن التعلم ليس مجرد تراكم للمعلومات ، بل يمر التعلم عبر زعزعة المفاهيم بشكل خاص , وعبر المعالجة النشطة للصعوبات و المعيقات و الأخطاء.
ساحة النقاش